نظرة تقويمية موجزة لكتاب: "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي" بين العقل الفاعل والعقل المنفعل" لمؤلفِه علاء الدين الأعرجي
بقلم د. طارق عمر*
رئيس جماعة "نادي الكتاب"
سُعدنا جميعاً، نحن أعضاء نادي الكتاب بالعاصمة واشنطون، بقراءة ومناقشة كتاب "أزمة التطور الحضاري في العالم العربي" للأستاذ علاء الأعرجي، وهو مثقف ومفكر عربي عراقي شغله التدهور الحضاري لأمتنا العربية خلال عدة عقود،. وقد فطن هذا المفكر الكبير بنظره الثاقب إلي السبب الجذري لتخلفنا، وهو حضاري، فشرع يكرس جُل ّ جهده الفكري والعملي لإعادة النظر بتاريخ العرب والإسلام بعينٍ جديدة وعقلٍ ناقد، محاولاً الوصول للأسباب الحضارية للتخلف العربي.
وإن جاز لي أن أقدم إنطباعاتي عن هذا العمل المبدِع، فإنني أستطيع أن أُوجزها في الأتي:
١- نجح الكتاب، بصورة علمية ومنهجية، في توضيح خطورة الوضع الراهن للأمة العربية، حيث أصبحت مُعرضة للإندثار حضارياً. وهذا ضروري لشحذ الهمم والعقول للبحث عن حلول مبدعة للأزمة.
٢- دقة توصيفه للمشكلة، وربطها بإصولها الحضارية والتاريخية، وهذا مهم حتي نعرف من أين نبدأ وكيف نسير، ولا نُبسط الإمور بزعم أن تخلفنا سببه الفقر، أو القهر السياسي و غياب الديمقراطية (التي باتت تُختزل لدينا في الصندوق)، أو البعد عن الدين ... إلي أخره من الأسباب التي أراها فروعاً للسبب الجذري والأساسي وهو التخلف الحضاري.
٣- دعوة الكاتب لإعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي بمنهجية علمية حديثة، أمرٌ أراه في غاية الأهمية لأن تاريخنا كُتبَ بصورة سطحية تروج لتسطيح العقل ونشر الخرافات، بل تعمل علي تشويش بعض القيم الأساسية لدي الناشئة والعامة !
٤- أراه واحداً من الكتب القليلة التي وضعت الصراع العربي الإسرائيلي في إطاره الصحيح، كونه صراعأ حضاريا ً في الأساس، ولابد من التعاطي معه من هذا المنظور. وقد برع الكاتب في تأكيد فكرته بالكثير من الحقائق والأرقام، بإسلوب منهجي وعلمي رائع.
٥- ناقش الكتاب بمنهج علمي رفيع أسباب التخلف الحضاري للأمة العربية وحاول تقديم تفسيراً منطقياً له، معتمداً على ثلاثة نظريات/فرضيات أساسية: نظرية العقل المجتمعي، ونظرية العقل الفاعل (المقترن بالإبداع) والعقل المنفعل (المقترن بالإتباع) - وهذا الأخير متأثر تماماً بالعقل المجتمعي. وهاتان النظريتان يقدمان تشخيصاً وتحليلاً عميقاً للمشكلة، لكنهما لا يجيبان عن السؤال المهم (السبب)، وهو ما تحاول الفرضية الثالثة الإجابة عنه، وهي فرضية "عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة". حيث تحاول معرفة السبب في فساد العقل المجتمعي لدينا وشيوع الإتباع من خلال "العقل المنفعل"، ولذا فهي في غاية الأهمية ، ولكنها تحتاج إلى مناقشة متأنية وعميقة. وقد تعمدّت تسميتها فرضية -وليست نظرية- حيث أرى أنها ماتزال بحاجة إلي الكثير من البحث المتعمق. فهي تفـتـقر لتقديم إجابات منطقية مقنعة لكثير من الأسئلة التي تراود من يقرأ هذه الفرضية بتمعن ويحاول اختبارها في مناطق عديدة في الوطن العربي الكبير التي تزخر بتاريخ طويل في الزراعة، بل والحضارات القديمة كمصر والهلال الخصيب واليمن وتونس. وقد تكون هذه الفرضية قد حظيت بنقاش وتحليل متعمق في الكتاب الثاني للكاتب "الأمة العربية بين الثورة والإنقراض" وهو مالم أَتشرُف بقراءته بعد، لكنه سيكون محور نقاشنا الشهر القادم بنادي الكتاب.
٦- هذا الكتاب هو من أعمق ما قرأته في مناقشة إشكالية التخلف العربي و أكثرها رصانةً ومنهجية، وهو يقدم تحليلا ً علمياً دقيقاً يتجاوز القشور والفروع ويذهب مباشرة لجذور المشكلة وهي التخلف الحضاري، ويحاول تقديم تفسير علمي وتاريخي لأسبابه. كما أنه يقترح الكثير من الآراء الجريئة للخروج من النفق المظلم واللحاق بركب الحضارة الحديثة دون التنكر لتاريخ أمتنا أو تشويه هويتها الثقافية والحضارية. كما نجح الكتاب في توضيح أهمية الإبداع وضرورة إطلاق كل طاقات الإبداع لأفراد أمتنا العربية، بلا حدود. وذلك لأن الإبداع هو المُنقذ الأساسي، وربما الوحيد،للخروج من حالة الجمود التي شملت أمتنا لأكثر من ثمانية قرون.
ملاحظة:تـُـليتْ هذه المقالة في الاجتماع الذي جرى،في مقر الأمم المتحدة ،في إطار أنشطة النادي العربي ، لمناقشة كتبي الثلاثة الصدارة هذا العام .وبالمناسبة ،أعلنتُ في هذا الاجتماع عن صدور كتابي الرابع الصادر في نفس ذلك اليوم ، بعنوان " إشكاليات التربية والتعليم وإعادة إنتاج التخلف في الوطن العربي" .
*مهندس مصري- أمريكي مقيم بالعاصمة الأمريكية مدير مشروعات بوزارة النقل الفيدرالية الأمريكية، وأستاذ مصاحب بجامعة چورچ واشنطون
1184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع