إبراهيم الزبيدي
من ردود الأفعال التي يصعب هضمها وقبولها، خصوصا تلك التي تصدر عن مثقفين هنا وهناك، ما نقرؤه ونسمعه من مواقف وتصريحات متشنجة متطرفة حول إعدام المواطن السعودي نمر النمر، من شيعة ومن سنة، سواء بسواء.
فالذي يُفترض في المواطن العادل والعاقل، خصوصا إذا كان مثقفا متنورا، أن يكون ضد الظلم، كل الظلم، ومع العدل، كل العدل، في أي زمان وفي أي مكان، وليس بالمناسبات، وحسب التقلبات السياية والطائفية والعنصرية، فيثور الواحد على حادثة يرى فيها جريمة بحق العدالة، فينهض ضده ثائر آخر يرى في نفس الحادثة إحقاقا للحق وردعا للباطل، ولا هؤلاء ولا أؤلئك يرون العدالة بعينين اثنتين، بل بعين واحدة، ويسمعون عنها بأذن واحدة، وبنصف عقل، وبنصف ضمير.
وحين نمعن النظر، بدقة وحياد وموضوعية، في مسألة نمر هذا لوجدنا أنه تخطى المعقول في شتم (الظلم السلطوي) السعودي، كما يراه هو ويعتقد به، وخرج به من جسد المعارضة العقلانية المقبولة إلى التحريض الصريح الواضح على العنف وعلى استخدام القوة لتغيير النظام. نعم. لقد كان طائفيا متطرفا وعنيفا يحيي العظام وهي رميم.
ويرى الحكم السعودي، من جانبه، أنه طبق أنظمته وقوانينه على مواطن من مواطنيه أراد شق الصفوف، وزرع الفتنة في المجتمع، وإثارة الأحقاد، وإيقاض الضغائن الطائفية النائمة.
بعبارة أكثر توضيحا. إن الفريقين يختلفان في فهم العدل، وفي تحديد مفهوم الظلم وحدوده. وقد تعودنا، واتفقنا من زمن طويل، على أن الدنيا كلها موضع خلاف، من أول بدء البشرية وحتى يومنا هذا. وكل شيء نسبي في هذه الحياة. حتى أقوال الرسل والأنبياء صارت مثار اختلاف وشقاق وعراك. وكل حزب بما لديهم فرحون.
ومن أول ظهور الإسلام وحتى قيام (دولة) خلافة داعش السنية في العراق وسوريا، وخلافة (دولة) داعش الشيعية في إيران، في زمننا الأغبر هذا، كان الحكام، جميعهم ووعاظهُم وقُضاتهم يجدون في كلام الله ما يناسبهم ويشرعن أهواءهم وأوهامهم ودناءاتهم. وكثيرا ما وجد معاوية ويزيد والحجاج وأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد والسلطان عبد الحميد في آيات القرآن والحديث والسنة تخويلا بالغزو، والنهب والسلب، وقطع الرؤوس، وركوب الأسيرات، وتحديد المحللات والمحرمات.
فللخليفة البغدادي وحده، وبمزاجه، ورأيه، وعقيدته الخاصة دين إلامي خاص به، يرسم هو حدود الإيمان به وحدود الكفر والمروق والردة والشرك بالله.
وللخليفة الطهراني، بنفس المقدار، ووحده أيضا، وبمزاجه ورأيه وعقيدته دين خاص به، يقرر هو وحده ما له ما عليه، ومن يعدم لكفره وفجوره، ومن يكرم ويكافأ وبفوز في الدنيا والآخرة. ألم يمنح الخميني مفاتيح الجنة للصغار الذي كان يرسلهم لتفجير ألغام صدام حسين؟
ألا ترون كيف يتقاتل المواطنون، لدينا، بسطاؤهم ومتعلموهم سواء بسواء، على من هو الأحق بالخلافة، علي أم أبو بكر وعمر وعثمان، حتى بعد كل هذه القرون، ولا ينقطع القتال، ولا ينتهي الجدال، لأنه عقيم، ولا يمكن أن تكون له نهاية مقنعة ونافعة من الآن وإلى أبد الآبدين، ما دام هذا الفريق والفريق الذي ضده لا يستخدمان العقل والنباهة والحكمة، ويصران على إعادة إحياء الموتى، ولا ينظران إلى حاضر المزري، ولا إلى غدهم المنحوس. إنهم من ألف وثلاثمئة عام يحرقون ثروات شعوبهم، ويقتلون خصومهم وأنفسهم بالمجان.
كان سيغدو جميلا ومريحا ومُشرِّفا لو أن الثائرين اليوم على السعودية، بسبب إعدام نمر النمر كانوا قد ثاروا نفس ثورتهم هذه، حتى بنصف سخونتها، ونصف هياجها، على ما يجري في إيران، مثلا، وفي سوريا واليمن والعراق وجزر الواق واق، من تقتيل، وتقطيع، وتعليق، أو حرق جثث بالبراميل المتفجرة.
هل أحصينا عدد المشنوقين في إيران في عام 2015 وحده؟ وهل علدققنا في عدد المقتولين في سجون بشار الأسد في شهر واحد من الزمان؟، وهل أخبرنا أحد بعدد من ماتوا تحت التعذيب في أقبية حزب الله اللبناني؟
نعم هناك ظلم وتخلف وتعصب طائفي وعنصري وعنجهية في الجانب الآخر، ولكنه ليس وحده في هذه الأمة التي فقدت عقلها، وأفرقت قلبها من الرحمة. و(ما فيش حد أحن من حد)، ولا أقل جهالة وعصبية وطائفية وقلة ضمير.
وأخيرا، كيف يكون إعدامٌ حلال هنا، وإعدامٌ حرام هناك؟ ألا تعقلون؟
1760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع