يوسف زعرور الموسيقار الموهوب في ذكريات ابن حفيده داوود زعرور

                                                       

                              بقلم أ. د. سامي موريه

       

       

من حسن الحظ أنني التقيت بالموسيقار الشاب عازف القانون ابن حفيد الموسيقار الشهير يوسف زعرور، ولم اعثر على ترجمة حياته في الكتب التي تناولت الموسيقى العراقية سوى المعلومات العامة التي لا تغني الباحث، فانتهزت هذه الفرصة النادرة للوقوف على سيرة حياته من ابن حفيد الذي ورث مواهب جده الاكبر. وقد اعجبت لذاكرته القوية والمعلومات النادرة التي اطلع عليها وسمعها من والده ومن عائلته. فأخذت على عاتقي تدوين ما رواه لي من حقائق ومعلومات هامة لا نجدها في المصادر الأخرى حفظا لها من النسيان او الضياع.

الصفات الوراثية بين الأحياء تحافظ على مزاياها آلاف السنين مع بعض الطفرات، هذا ما نلاحظه عند الأمم المختلفة بوضوح. وقد تميز يهود العراق بميزتين رئيسيتين كشعب حضري يعيش على الزراعة التي يترفع عنها البدو الرحل، ولذلك فان تقويمه شمسي يعتمد على الفصول الاربعة. وقد تميز اليهود بالاهتمام بالموسيقى، والحساب والتفكير المنطقي، وكانت الموسيقى وتراتيل المزامير تعزف بمصاحبة القيثار. وكانت الموسيقى والانشاد جزءا لا يتجزأ من الصلوات والتسابيح منذ ان كتب الملك داود مزاميره وغناها في الهيكل. وقد نقل المسيحيون هذا التقليد في كنائسهم بالعزف على الارغن، أما المسلمون فقد رأوا في الغناء والموسيقى لهوا يبعد عن الصلاة في حين يجب على المسلم تكريس حياته للجهاد. أما الحساب  فقد اتقنه اليهود في منفاهم البابلي مع علم الفلك، وكان اول بنك عالمي يمول التجار على درب الحرير الذي يصل الصين بالعالم الأوربي قد تأسس في بابل لعائلة يهودية قدمت مع سبي الملك يهوياخين (سنة 586 قبل الميلاد)، وكانت العائلة تقرض تجار درب الحرير من الصين الى اوروبا بسفتجات (شيكات) من الفخار. ولا غرو اننا نجد ان كبار الصيارفة والاطباء والموسيقيين والملحنين والمطربين نبغوا بين يهود العراق، وكان كبار مطربيهم في اول نشأتهم الموسيقية يعملون كحزانين (أي مرتلين التسابيح في الكنس اليهودية) ومنها انتقلوا أو ساهموا في احياء ليالي الطرب في العراق عامة وبغداد بصورة خاصة.
وتعد عائلة زعرور العراقية من كبار العائلات التي رفدت الفنون العراقية بسلسلة من الرجال الذين اغنوا التراث الفني في العراق لسنين طويلة، ولم تقوَ الهجرة الجماعية عام 1950-1952 الى الديار المقدسة على اقتلاع جذورها الشرقية وبقيت حية بين احفادها الذين برعوا بالعزف على الآت الموسيقية الشرقية كالقانون والعود والكمان والناي والجوزة والدنبك (الطبلة) والطبل والدف والنقارة (والأخيرة من آلات الطرب النسائية بين الدقاقات اللواتي أفل نجمهن في البلاد)، ولم يتركوا هذه الآت الشرقية الى الآت الغربية وموسيقاها سوى القليل من الموسيقيين اليهود الذين نزح اباؤهم من العراق نبغوا في الموسيقى الأوروبية.
والموسيقار داوود رجب زعرور هو ابن الحفيد الذين تربى في احضان والده روني زعرور ابن صبيحة ابنة يوسف زعرور، نشأ على موسيقى المقام العراقي إذ ينتمي اصله الكريم الى الموسيقار الكبير يوسف زعرور من مواليد بغداد (1902)، لعائلة كبيرة مكونة من سبعة اولاد وثلاث اخوات، تعاطى والدها مئير زعرور صناعة تصليح الساعات والصياغة وانفق عليها بيسر ورفاهية.
وحين بلغ الجد الاكبر يوسف، الثامنة من عمره شغف بسماع الموسيقى والألحان الشرقية في الكنيس الذي كان يؤدي الصلوات فيه، وحاول صناعة آلة موسيقية تشبه القانون، الأمر الذي اغضب والديه خشية ان تعيق الموسيقى دراسته العامة ودراسة التوراة في المثيبة (المدرسة الدينية) التي درس فيها. فما كان من والده مئير الا ان صادر الآلة التي بناها ابنه يوسف ولم يفت الامر من عضد الفتى وأصر على تعلم العزف على الآت  الموسيقية. ومع الأيام تعاظمشعف يوسف زعرور بالموسيقى وترانيم يوم السبت وحفلات الختان وحفلات البلوغ والاعراس وتبريكاتها وغيرها من الاحتفالات، ما جعله يقدم على صنع ألة موسيقية اكثر دقة من سابقتها وأن ينضم الى جوقة تتعاطى غناء الترانيم الدينية للتكسب في الاعراس وحفلات الختان وحفلات بلوغ سن القيام  الفتيان اليهود بفائض الشعائر الدينية، وتبريكات العروسين وغيرها من الاحتفالات اليهودية العراقية، ثم افلح يوسف في الانضمام الى جوقة "يوسف  زعرور الكبير" العازف على آلة القانون، وكان دأب يوسف الصغير الجلوس الساعات الطوال، وقد سحرته انامل الفنان يوسف الكبير وهي تعزف على اوتار القانون بمنتهى البراعة. وعندما بلغ سن الثامنة عشر اقتنى يوسف زعرور آلة القانون الأولى واستطاع في فترة وجيزة العزف ببراعة بالغة على هذه الآلة المعقدة. وقد شجعه نجاحه هذا على ممارسة العزف على المزمار والكمان وعلى آلة الجيلو الغربية.
كان والد الموسيقار داود الابن الحبيب المفضل لوالده، لأن الله حباه بإذنين موسيقيتين حساستين، وكان يدعو احتفالا بأيام ميلاده كان يدعو جده يوسف جوقا موسيقيا الى دار العائلة للعزف تشنيف آذان العائلة به، وكان الجد يوسف يجلس ولده في احضانه أمام القانون ويسأل والد فناننا المترجم هنا، اي اغنية تريد سماعها؟ فيرد الوالد بانه يرغب في سماء المطرب الأمريكي الفيس برسلي والخنافس البريطانيين، فيقوم الوالد باعتلاء المائدة والرقص عليها وداء رقصة التويست الأوروبية.
وعند بلوغ الفنان يوسف العشرين من العمر، أسس مدرسة لتعليم العزف على الآلات الموسيقية المختلف ونجاح في مشروعه نجاحا كبيرا. غير ان شغفه يوسف زعرور كان العزف على القانون بالاضافة الى آلات موسيقية اخرى. ولموهبته الموسيقية الفذة ولتمرينه المتواصل فقد قام بالانتقال من العزف على القانون الى الى عزف الالحان الشعبية، بالضرب على انواع مختلفة على الطبول بمصاحبة التصفيق او بدونه، في عزف فني حديث.

                 

وقد ادرك الموسيقار يوسف زعرور ضرورة تطور الموسيقى العراقية من الموسيقى الشعبية الى الموسيقى الحديثة وبذلك احتل مكانة خاصة في عالم الموسيقى في بغداد.  وعندما اقام امير العازفين على الكمان سامي الشوا المصري، عرضا كبيرا لدار المعلمين العالية في بغداد بمشاركة كبير عازفي القانون الموسيقار يوسف زعرور، التقى بمطرب الاجيال الموسيقار محمد عبد الوهاب وبأميرة الغناء العربي السيدة أم كلثوم، الذين قدموا الى بغداد لهذا الحدث الفريد من نوعه في عاصمة الرشيد أيام العز تحت رعاية العائلة الهاشمية المالكة. كما كان يصاحب بعزف القانون قارئ المقام العراق الخالد محمد القبانجي، وقام بتسجيل الاسطوانات مع كبار قراء المقام من امثال رشيد القندرجي، روبين رجوان وسلمان موشيه ويوسف حوريش وغيرهم من اساطين المطربين العراقيين. ولذلك نجد أن الفنان الكبير يوسف زعرور من اكبر اساتذة المقام العراقي الذي شق طريقا جديدا في العزف على القانون،  وساهم في رفع مستوى المقام العراقي من موسيقى شعبية تعزف في المقاهي العراقية الى فن كلاسيكي يعزف في حفلات موسيقية محترمة.
 
وقد ادرك الموسيقار يوسف زعرور أهمية تطور الموسيقى العراقية من الموسيقى الشعبية الى الموسيقى الحديثة، احتل مكانة خاصة في عالم الموسيقى في بغداد.  وعندما اقام امير العازفين على الكمان سامي الشوا المصري، عرضا كبيرا لدار المعلمين العالية في بغداد بمشاركة كبير عازفي القانون الموسيقار يوسف زعرور، التقى بمطرب الاجيال الموسيقار محمد عبد الوهاب وبأميرة الغناء العربي السيدة أم كلثوم، الذين قدموا الى بغداد لهذا الحدث الفريد من نوعه في عاصمة الرشيد أيام العز تحت رعاية العائلة الهاشمية المالكة. كما كان يصاحب بعزف القانون قارئ المقام العراق الخالد محمد القبانجي، وقام بتسجيل الاسطوانات مع كبار قراء المقام من امثال رشيد القندرجي، روبين رجوان وسلمان موشيه ويوسف حوريش وغيرهم من اساطين المطربين العراقيين. ولذلك نجد أن الفنان الكبير يوسف زعرور من اكبر اساتذة المقام العراقي الذي شق طريقا جديدا في العزف على القانون،  وساهم في رفع مستوى المقام العراقي من موسيقى شعبية تعزف في المقاهي العراقية الى فن كلاسيكي يعزف في حفلات موسيقية محترمة.
سافر القبانجي مع يوسف زعرور الى برلين لتسجيل اسطوانات واشرطة عديدة، حين كانت برلين مركزا عالميا لمثل هذه التكنولوجيا الحديثة،  واذيعت الحفلات الموسيقية العديدة من إذاعة برلين العربية بالاضافة الى حفلات خاصة قدمت اكراما للجالية العراقية هناك.
وعندما عقد المؤتمر العالمي الأول للموسيقى العربية في القاهرة، كان معظم اعضاء الجوق الذي مثل العراق في هذا المؤتمر من العازفين اليهود العراقيين بمصاحبة الفنان المسلم الوحيد قارئ المقام الخالد محمد القبانجي. وكان من بين من قاد الجوق العراقي الى نجاحه الباهر كل من يوسف زعرور وعزوري اهارون وبتو وصالح شميل، وروى الاستاذ والمؤرخ الكبير للموسيقى العراقية الاستاذ حسقيل قوجمان للاستاذ شموئيل موريه عندما كان يتلقى علومه في الجامعة العبرية، بان مراسل الاهرام اهتم بمكانة فن الموسيقى في العراق، وسأل الموسقار يوسف بتو عازف السنطور قائلا: إزاي حالة الفن في العراق، فاجابه الموسيقار بلهجته اليهودية العربية: هيي فن مال قبور بالعراق، نحنا عبارة عن يعزمونا للعراصة ندق، ولما يقمون المزة ويعلب العرق براسهم، يقوم تلعب الخنيجر والسكاكين، ونحنا نقوم نركض ونختبي باللأدبات"، لم يفهم مراسل الأهرام كلمة مما قال باللهجة العربية اليهودية البغدادية ، ولما سأله عن معنى كلمة اللدبات، اجاب بتو بقوله: ما قاأحكي وياك بالعربي، انت ما تفهم عربي؟". رحم الله تلك الايام التي اتسمت بالتسامح والتآخي وتقييم الفن الأصيل بدون نعرات ديينة أو مذهبية او سياسية.    
 وقد لفت الاستاذ يوسف زعرور بعزفه الرائع على القانون في هذا المؤتمر وتفوق فيه ونال المقام الاول وحصل على المدالية الذهبية. وقد استطاع بموهبته الفنية من توسيع عدد الموسيقيين في الجالغي العراقي من عزف بمصاحبة اقل عدد ممكن من العازفين على الآلات الايقاعية الى جعل القانون الآلة الموسيقية الرئيسية في الجالغي، وكان لتقاسيمه المنفردة اثر كبير على شهرته في هذا الفن العراقي الأصيل منذ عام 1931 والى هجرته القسرية عام 1951 حين صاحب جميع الفرق العراقية بعزفه الملهم المتنوع وبرع في عزف فنون موسيقية متعددة كالمقام والتواشيح المصرية والموسيقى الفارسية والكردية والتركية. وعندما كرر الاستاذ سامي الشوا زيارته للعراق لتسجيل اغاني المطربات والمطربين العراقيين من امثال منيرة الهوزوز وصديقة الملاية وسليمة باشا مراد على اسطوانات لشركات شهيرة منها غرامافون وأوديؤون وبوليفون، لم يجد الاستاذ سامي الشوا من يضاهي السيد يوسف زعرور عازفا على القانون وعزرا اهرون عازفا على العود، فضمهما الى جوقته.   
التقى يوسف زعرور بمطربة الشرق أم كلثوم وبموسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في عامي 1932-1933 وعزف معهما على القانون في سلسلة حفلاتهما في العراق، فقد كان صاحبنا من عازفي القانون الذين يشار اليهما بالبنان منذ عام 1930 والى عام 1951 ومن افضل عازفي القانون في العالم، وعزف في حفلاته التي اقامها في مصر ولبنان وسورية وتركيا وغيرها من البلدان.
 وعند تأسيس الجوق الموسيقى الاول لدار الاذاعة العراقية عام 1936 كان الموسيقار يوسف زعرور والملحنين صالح وداود الكويتي من كبار العزفين في هذا الجوق. وقد ترأس صالح الكويتي هذا الجوق الى ان أقيل مع اخيه داود من منصبهما في الاذاعة العراقية عام 1941 لانهما رفضا العمل ايام السبوت وفي عيد الغفران، وعند ذلك عيّن الاستاذ يوسف زعرور مديرا لفرقة الجالغي البغدادي بدار الاذاعة العراقية. بإشارة من رئيس الوزراء نوري السعيد الذي قدر مواهبه، وقد وشغل زعرور هذا المنصب الى يوم 3 مايو عام 1951 لاسقاط الجنسية العراقية عنه. وفي نطاق عمله شكل ثلاثة اجواق للعزف بعد ان اجرى لهم مقابلات خاصة، وهي فرقة عزف الموسيقى العراقية وفرقة عزف الموسيقى الكردية وفرق عزف الموسيقى المصرية كما قام بانتخاب قرئ القران الكريم من إذاعة بغداد.
وفي نطاق عمله في دار الاذاعة العراقي كان يضع برنامج الاذاعة اليومي ويمتحن الموسيقيين والمطربين في برنامج الاذاعة ومن بينهم الفنانون اليهود من امثال سليم شبث والبير الياس عازف الناي، وابراهيم داوود وابراهيم سلمان وداوود اكرم ويعقوب شبث وشواع حسقيل والياس زبيدة وساسون عبدو ويوسف يعقوب شيمطوب والمغني الشاب صالح الشبلي، وما زال بعضهم من الاحياء وقد قام الاستاذ شاؤول بار-حاييم بتعيين بعضهم في دار الاذاعة الاسرائيلية واصر على دفع اجور مساوية للفنانين الاسرائيليين القادمين من اوروبا،  وما يزال بعضهم شارك في الحفلات التي تقيمها الجالية اليهودية في اسرائيل وخاصة في مركز تراث يهود العراق ومتحفه في أور-يهودا و نادي الرافدين بادارة يسرائيل شهرباني في رمات جان الذي يزوره اسبوعيا العشرات من القادمين من البلاد العربية، في محاضرات عن العراق وتاريخ يهود العراق وموسيقى وغناء كبار الفنانين الاحياء واحفادهم ممن واصل دراسة وممارسة الغناء والموسيقى العراقية خاصة والمصرية عامة.   
قام يوسف زعرور اثناء عمله في دار الاذاعة العراقية، بتلحين اغان عديدة ما زالت تذاع الى يومنا هذا منها للمطربة زهور حسين التي لحن لها أغنية "حاكم العدل نخته"، وللمطربين أحمد موسى ورشيد القبانجي ولناظم الغزالي، أما للمطربة سليمة مراد فقد لحن لها اغنية "روح كول لامي لا تكول لأبويا" واغنية "يا ولد نكس الفينة"، ولحن للمطربات سلطانه يوسف ولميعة توفيق ونرجس شوقي ووحيدة خليل ومنيرة الهوزوز وعفيفة اسكندر ، وللمطربين خضيري ابو عزيز وداخل حسن.
 وفي عام 1944 سافر الى فلسطين للقيام بحفلات لجمع التبرعات للمحتاجين وكان نجاحه هناك كبيرا حتى ان الجمهور أصر على مواصلة الحفل. ثم سافر الى مدينة صفد لزيارة قبر الصديق شمعون بار يوحاي لنيل بركاته ثم عاد الى بغداد. وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية (1945) زار العراق وفد من دار الاذاعة البريطانية ( (BBCلتسجيل  الموسيقى العراقية منها عزف منفرد ليوسف زعرور أذيع فيما كان يذاع الى عام 1956، بعد نشوب حرب السويس حين كفت الاذاعة البريطانية من اسماع تقاسيمه، ولعل ذلك راجع الى كونه يهوديا هاجر الى اسرائيل.  وعلى اثر غضب نوري السعيد لعدم اذاعة اغاني جالغي بغداد في يوم الغفران والسبت قام يوسف زعرور بتشكيل جوق من المسلمين يقومون بتقديم برنامجهم ايام السبوت والاعياد اليهودية بقيادة الموسيقار روحي الخماش من اللاجئين الفلسطينيين في العراق وغانم حداد المصري.  
ومن الحانه الشهيرة للاغاني الشعبية العراقية هي: دندهي للولد ندهيه يا نجمة البليل  وجلجل علي يالرمان، روح كول لامي لاتكول لأبويا وان واتحسر يا قلبي حيل وياك وتدري اشعامل فركاك، ويا صاحبي كومي سويلك وواويلاخ يا ويلي واريد ابكي بالعباس والطم بالحسين وحاكم العدل نخيته وليشل يش ومن علتي بحشاي وغيرها من الاغاني التي لا تزال تغنى الى اليوم.
وعندما نجح ناظم الغزالي عام 1947 في امتحان القبول في دار الاذاعة العراقية الذي اجراه له المدير الاستاذ يوسف زعرور، بعد أن غنى الغزالي اغنية مصرية، قال له المدير "لعل من الأولى ان تغني اغنية عراقية، فأنا اظن ان ذلك اكثر ملاءمة لك". فغنى الغزالي مقام حكيمي، قال له زعرور، انك تغنى غناء رائعا وسيكون لك مستقبل باهر!". ثم وقع مع الغزالي اتفاقية للغناء في دار الاذاعة لمدة ستة اشهر أولى.ودأب ناظم الغزالي على زيارة زعرور في داره ثلاث مرات في الاسبوع لكي يتعلم منه قراءة المقام والغناء العراقي، ولحن له عدة أغان عراقية. وذكر عازف الكمان الشهير الياس زبيدة الذي كان يعمل مع زعرور في دار الاذاعة  بان تلقين استاذه كان له الفضل في شهرة ناظم ومجده في اوساط الموسيقى العربية.
ولتكريسه معظم وقته لدار الاذاعة العراقية لم يستجب لدعوات عقد حفلات موسيقية خاصة سوى للحفلات التي عقدها الملك غازي في البلاط الملكي ثم حفلات الوصي عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد ووزراء الخارجية والداخلية وفي دار أمين العاصمة أرشد العمري الذي كان صديقا لزعرور ومعجبا بمواهبه الفنية.
ولم يكن من الهين على قلب يوسف زعرور الذي بلغ مثل هذه المكانة السامية في فن الموسيقى والتلحين والتي تضاهي مكانة صالح الكويتي الشعبية وبين كبار رجال السياسة والحكم في العراق، اسقاط جنسيته العراقية وظل يحن الى العراق الى يوم رحيله الى رحمة الله عام 1969 بعد مرض عضال لم يمهله طويلا.
يوسف زعرور وعائلته
  تزوج عام 1932 بفتاة جميلة من عائلة كريمة تدعى نعيمة عبودي وولد لهما خمس بنات وابن وحيد، ورغم عمله التي تطلب بقائه في دار الاذاعة العراقية ساعات طويلة ومرهة، فقد كان أبا رؤوفا لهم محبا ومشجعا لهم، وارسلهم للدراسة في افضل المدارس البغدادية. وبعد الهجرة والمكوث في "شاعر هعليا" (باب الهجرة) قرب حيفا، انتقلوا أخيرا الى رمات جان، التي فضلها يهود العراق لقربها من مراكز التجارة والدوائر الحكومية والفنية في تل أبيب. ولكي يقيم اود عائلته، ولان صوت اسرائيل باللغة العربية كان في مراحله الأولى، أخذ يوسف زعرور على عاتقه اقامة حفلات خاصة للجالية اليهودية القادمة من العراق.  ومع تطور صوت اسرائيل باللغة العربية شارك في برامجها الموسيقية وبعزفه المنفرد على القانون.
وفی محطة صوت اسرائيل ألف فرقة موسيقية لعزف المقامات العراقية مرة في الأسبوع مع المطرب حسقيل قصاب تلميذه وزميله في جالغي بغداد. ولحسن حظه التقى زعرور عام 1952 مع قائد الاوركيسترا الشهير ليناردو برنشتاين وقد اعجب الأخير بمواهب الموسيقار العراقي وعلى عزفه على القانون بدون الاعتماد على النوتات بل عن طريق السماع فقط. وكان برنشتاين يجلس الساعات الطوال الى جانب يوسف زعرور وهو يعزف ويسأله ويحقق ويكتب ما يقوله الموسيقار العراقي بغاية الاعجاب.  كما التقى بعازف الكمان الشهير يهودي منوحين وقام الاثنان بعزف ثنائي مع القانون والكمان في كونسرت مشترك لهما.

مساهمة يوسف زعرور في خدمة الجالية اليهودية في العراق.
اتاح له منصبه الهام في محطة الاذاعة العراقية فرص التعرف على كبار رجال الحكم والسياسة ومن اصحاب الحل والربط في العراق وعقد صداقات حميمة معهم، فأصبح يوسف زعرور موئل المحتاجين والمظلومين من اليهود، وكان لا يألو جهدا في مد يد المساعدة لهم،  فيلتمس من المتنفذين التوسط لهم ومساعدتهم. كما ساعد ماليا الفقراء والمعوزين والشباب والشابات الفقراء على الزواج ودعم ماليا بعض الكنس اليهودية.  
وقبل الهجرة الجماهيرية ليهود العراق وفي السنوات التي سبقت اقامة دولة اسرائيل، بدأ العرب باعتداءات على يهود العراق، طردوهم من وظائفهم بتهمة انتمائهم الى الحركة الصهيونية، وقد ساعد الكثير من اليهود الموقوفين ونجح في اطلاق سراحهم قبل ان يقدموا الى المحاكم العرفية ولهج اليهود بذكر افضاله عليهم.
وهناك حدثان مهمان في حياة الاستاذ يوسف زعرور، الحدث الأول وقع في يوم الفرهود حين كان كعادته منهمكا في دار الاذاعة العراقية، واعلن في ساعات المساء أعلن منع التجول في بغداد، وكل من خرق الأمر العسكري كان مصيره اطلاق النار عليه وسرقته. فما كان من صديقه أمين العاصمة أرشد العمري إلا أن ارسل سيارة طوارئ الإطفائية التي تستطيع ان تتجول بحرية الى دار الإذاعة لنقله الى داره وعائلته سالما.
وأما الحادثة الثانية فقد كانت في يوم الفرهود ايضا، الذي وقع في عيد العنصرة (الاسابيع) عام 1941، حين قامت جماهير الرعاع منطلقة في الشوارع بغرض القتل والنهب والاغتصاب واقتحام الدور للاستيلاء على محتوياته عنوة.  
وكان عدد كبير منهم قد فر باتجاه مدرسة الأليانس للإلتجاء  في بنايته الحصينة فرارا من مطارديهم، غير ان ابواب المدرسة الضخمة كانت مغلقة ، فما كان من السيد يوسف زعرور الا ان يتنكر بزي عربي محلي بالكوفية والعقال وتسلسل في درب ضيق وفتح الابواب من داخل المدرسة،  فاندفع اليهود الفارين من مطارديهم الى ساحة المدرسة واغلقوا الأبواب عليهم، وبكوا وناحوا وقبلوا ادراج التوراة وصرخوا الى الله متوسلين اليه ان ينقذهم من هذه المذبحة الأليمة. وعندما صعد يوسف زعرور الى سطح المدرسة شاهد الرعاع وهم ينهبون بيوت اليهود ويحطمون ابواب الدكاكين في سوق الشورجة.

الگاردينيا: المادة منشورة في موقع ايلاف..نشرنا المادة لكون البروفيسور شخصيا أرسلها لنا..فشكرا له.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1084 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع