قصة الباذنجان الجزء الثاني

                                        

                          بدري نوئيل يوسف

تغمرنني سعادة لا توصف وفرحة عارمة عندما يكون شراء الباذنجان مطلبا عائليا لتحضير صينية الباذنجان بالفرن، وتربطني معه علاقة ودية من باب الشفقة بالباذنجان وأكون اول المدافعين عن الخرافات المتهم بها، التي تقول انه يسبب ارتفاع درجات الحرارة والصرع وإطلاق مواصفات شيطانية سيئة عليه لتخويف الناس من استخدامه،

وأعداء الباذنجان لو عرفوا ان له وصفات عديدة وفوائده كثيرة فأنهم سيؤسسون احزابا للدفاع عنه كما تقول الدكتورة المصرية امال رخا خبيرة علم الاغذية: فالباذنجان يزيد الشهوة الجنسية لدى الرجال والنساء وتناوله بصفة مستمرة في الوجبات الرئيسية يقضي على البرود والضعف الجنسي، ونظرا لفوائده العظيمة في هذا الشأن أطلق عليه اسم (فاكهة الحب)، وأن الألياف الموجودة في هذا النبات تعمل على تحفيز مراكز الإثارة في المخ وبالتالى يتهيأ الرجل أو المرأة لممارسة العلاقة الزوجية، وحتى تتحقق الفائدة كاملة يرى العلماء تناوله مسلوقا أو متبلا، ولا يفضل قليه في الزيت لأنه يفقد الكثير من فوائده المؤججة للعواطف، ولتحقيق أقصى استفادة أكله مسلوقا ومضافا إليه الملح والليمون).
مكانة الباذنجان كانت عالية جداً عند العرب ويكفي معرفة أنه يستخدم من المحيط إلى الخليج، ففي بلاد الشام يقال للباذنجان أنه يقيم في (بيت أبيه) وأول ما يخطر في البال المكدوس، والبابا غنوج، والإمام بايلدي، والمصقعة، والمقلوبة وفي المغرب يعد طاجن المغرب الأقصى من اطيب الاكلات، وينصح المتذوق بتذوق مربى الباذنجان الذي يطهى على مرحلتين أولاً في الماء المغلي، وثانياً في قطر السكر بعد أن يغرس في كل باذنجانة مسمار من القرنفل.
يستخدم الباذنجان من اليابان الى اسبانيا بكثرة ك(يخنة) أي يطبخ ببطء على نار هادئة ويلجأ الكثير من الآسيويين الى شواء الباذنجان للتخلص من قشرته لتحضير طبق (البابا غنوج) (متبل الباذنجان) اللبناني، حيث يخلط الباذنجان مع الليمون والطحينة ليشكل اشهر الاطباق.
وأكلة المقلوبة مشهورة في دول عربية كثيرة منذ زمن بعيد، حيث أنها كانت تسمى (الباذنجانية) نسبة إلى الباذنجان ، وهو المكون الأساسي فيها ، إلى أن جاء يوم فتح مدينة القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي ودخوله وجنوده المدينة المقدسة، واحتفالاً بهذا النصر والفتح قام أهل مدينة القدس بتقديم الطعام إلى صلاح الدين وجنوده كعادة المسلمين في هذه المناسبات، وعندما أكل صلاح الدين من أكلة (الباذنجانية) أعجبته كثيراً فسأل عن اسم هذه الأكلة واصفاً إياها ب(الأكلة المقلوبة)، حيث كان من العادة أن تقلب في أواني التقديم (الصواني) أمام الضيف، فقيل له أنها تسمى الباذنجانية، ومن هنا جاء تسميتها (المقلوبة) كما أطلقه عليها القائد صلاح الدين الأيوبي.
كتب حسين علي الجبوري  موضوع طريف عن (ايام الباذنجان) ، قال فيه انه (خير عند عامة الناس وشر عند بعضهم) ويوضح (اما انها خير فلأن ثمرته في فصل كثرتها ترخص فيأكلها الفقراء والمتجملون والضعفاء بطرقهم البسيطة قليا او سلقا او شيا في التنور ولا يزيدون عليه شيئا سوى الملح والثوم والزيت وتسمى مرقتهم هذه (المسقعة)وقد يضيفون اليه اللبن الرائب ان وجد فتسمى حينئذ (البورانية)، اما انه شر على بعض الناس فلأن هذا البعض كانت تصيبه (السوداء) عند اكله، والسوداء مرض شبيه بالجنون يطلق عليه اسم (المالنخوليا) وكان الاطباء العرب يرون ان اكل الباذنجان والإكثار منه يورث مرض السوداء .
في قصيدة أمير الشعراء كان الباذنجان دليل النفاق،  عندما جاع الامير فقدم له طباخه كثير من الباذنجان فأكل منه كثيرا، وأعلن إعجابه فسارع طباخه بمدحه ، وفى اليوم التالى قدم للأمير الباذنجان فلم يعجبه، وسارع  طباخه بذم الباذنجان وهجائه . والعبرة أنه في أيامنا تجد أكثرية الناس يتبعون مبدأ المصلحة الخاصة وليس العامة، وتراهم بين ليلة وضحاها ينقلبون في مبادئهم وأرائهم تبعاً لمصالحهم الخاصة.
 يحكى أنّ الأمير بشير الشهابي كان لديه طبّاخ ماهر ذكيّ وخفيف الظلّ اسمه سرور، وكان الأمير يحبّ حديث سرور، كما كان يتلذّذ بطعم مأكله، في أحد الأيّام قدّم له الطبّاخ وجبة من الباذنجان، فاستدعاه الأمير وقال له: ما ألذّ طعم الباذنجان ! فقال الطبّاخ سرور:سيّدي، الباذنجان من أشهى المآكل: إن أكلته مقليّا بقي طعمه على لسانك طول النهار وإن أكلته محشيّا كان شيخ المحاشي، وإن أكلته مكبوسا فهو أشهى الكبيس.
انفتحت شهيّة الأمير، فبالغ في التهام الباذنجان حتّى أصابه انتفاخاً، فاستدعى طبّاخه وقال له: ما هذا الباذنجان المنحوس؟ لقد سبّب لي انتفاخا في بطني !
فأجابه الطبّاخ سرور: الباذنجان طعام رديء، إن أكلته مقليّا سبّب لك تضخّما في المصران، وإن أكلته محشيّا سبّب لك أحلاما مزعجة، وإن أكلته مكبوسا سبّب لك الغثيان، وإن أكليه متبّلا سبّب لك انتفاخا في البطن.
فصاح به الأمير: ويحك ! قبل قليل كان الباذنجان ألذّ وأفضل المآكل، والآن تذمّه وتجعل فيه كلّ العلل
فأجابه الطبّاخ: العفو سيّدي. أنا خادم سعادتكم وليس خادم الباذنجان.
وأظرف أشعار أمير الشعراء احمد شوقي قصيدة جميلة عنوانها « نديم الباذنجان» قيل عنها أن الشاعر قالها يصور شخص حقيقي في قصور الملك .
كان لسلطان نديم واف يعيد ما قال بلا اختلاف .... وقد يزيد في الثنا عليه إذا رأى شيئاً حلا لديه
وكان مولاه يرى، ويعلم ويسمع التمليق، لكن يكتم ....  فجلسا يوماً على الخوان وجيء في الأكل بباذنجان
فأكل السلطان منه ما أكل وقال: هذا في المذاق كالعسل .... قال النديم: صدق السلطان لا يستوي شهد وباذنجان
هذا الذي غنى به الرئيس وقال فيه الشعر جالينوس ....  يذهب ألف علة وعله ويبرد الصدر، ويشفي الغله
قال: ولكن عنده مراره وما حمدت مرة آثاره ....  قال: نعم، مر، وهذا عيبه مذ كنت يا مولاي لا أحبه
هذا الذي مات به بقراط وسم في الكأس به سقراط ....  فالتفت السلطان فيما حوله وقال: كيف تجدون قوله؟
قال النديم: يا مليك الناس عذراً فما في فعلتي من باس .... جعلت كي أنادم السلطانا ولم أنادم قط باذنجانا
الى الجزء الثالث من قصة الباذنجان والوليمة وأصناف الاطباق منه التي اوحت الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان.

----------------

مجلة التراث الشعبي.. حكايات عن النواعير والغناء والشام والباذنجان –
الحوار المتمدن سليمان جبران

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4571 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع