موفق نيسكو
إن الآشوريين الحاليين هم السريان الشرقيون أو النساطرة ولغتهم هي السريانية (الآرامية) بلهجتها الشرقية، ولا علاقة لهم بالآشوريين القدماء الذين سقطت دولتهم على يد الكلدان والميديين سنة 612ق.م. وانتهت،
ففي كل تاريخهم ووثائقهم هم مسيحيون سريان أو نساطرة، لكن الإنكليز سمَّاهم سنة 1876م آشوريين لأغراض طائفية وسياسية، ومنذ بداية القرن العشرين بدأت الأوساط السياسية وخاصة في المهجر تُغير كل كلمة سرياني أو نسطوري إلى آشوري، وتم تسمية كنيستهم لأول مرة رسمياً الآشورية في 17 تشرين أول 1976م، وسمَّى المتشددون والسياسيون منهم لغتهم السريانية بالآشورية لتحقيق هدف سياسي معين، وأخيراً وبمناسبة اليوم العالمي للغة الأم في 21 شباط قام سيادة مطران استراليا مار ميلس زيا بافتتاح كلية محلية باسم اللغة الآشورية، ومع احترامنا لكهنوت المطران ميلس، فإن اسم أثور وآشور لا يمت إلى التداول ولا إلى الحقيقة العلمية والتاريخ المسيحي إطلاقاً، لا كاسم قوم، ولا كاسم لغة، وما يهمنا في مقالنا أن اسم اللغة الحقيقي والعلمي والتاريخي هو السريانية، وتسميتها بالآشورية هو تزوير وتزوير وتشويه اسمها الحقيقي مجاراةً للسياسيين والمتشددين، علماً أن المطران ميلس يعتبر من المعتدلين الساعين للوحدة، فما بالك بغير المعتدلين؟.
إن سيادة المطران ميلس لا يستطيع أن يذكر قاموس أو كتاب لغوي واحد من حوالي 175 كتاب يحمل اسم غير السريانية أو الآرامية (راجع الأب يوسف حبي، مجلة مجمع اللغة السريانية 1976م مج2 معجمات اللغة السريانية ص75–104)، علماً أن مؤلفي القواميس في التاريخ من السريان الشرقيين أي من أسلاف المطران ميلس وكنيسته هم أكثر من السريان الغربيين. (البطريرك أفرام برصوم، اللؤلؤ المنثور ص5)، ولا يستطيع المطران ذكر وثيقة واحدة من وثائق كنيسته المكتوبة بهذه اللغة وهي بالآلاف إلاَّ بالاسم السرياني، كما لا يستطيع المطران ومن ملايين الصفحات ذكر مرة واحدة أن كنيسته تستعمل اللغة الآشورية، والمطران يناقض طقس كنيسته منذ 2000 سنة وآباء كنيسته المدافعين بقوة عن اللغة السريانية كعبديشوع الصوباوي وإيليا برشينايا وبركوني الذي قال إن الله كلم آدم وأهل الجنة بالسرياني، ويناقض بطريرك كنيسته ايشاي داود 1975+ الذي طالب الحكومة العراقية باستعمال اللغة السريانية في المدارس، وعندما صدر قانون الناطقين بالسريانية 1972م، أرسل المطران يوسف حنا يشوع وكيل بطريركية الكنيسة الشرقية النسطورية والرئيس الأعلى للطائفة الآشورية في العراق، ورئيس الطائفة الانجيلية الآشورية برقيات ثناء للحكومة، ونختصر القول بما قاله كاهن كنيسة المشرق عمانؤيل يوخنا: إن الأصل في تسمية أي شعب هو ما يُسمِّي نفسه في لغته، وشعبنا لم يُطلق على نفسه يوما بلغته تسمية آشوري، مضيفاً أن الاسم الآشوري هو بدعة قائلاً: أعطوني كتاباً واحداً، مصدراً واحداً، مخطوط واحد، وريقة واحدة، بل جملة واحدة تُسمِّي هذا الشعب آشوري، أعطوني قاموساً واحداً أو كتاباً قواعدياً واحداً يتضمن هذا التنسيب الذي تبدعونه، أعطوني إنساناً واحداً عبر آلاف السنيين لقب نفسه بآشوري (القس المهندس عمانؤيل بيتو يوخنا، حربنا الأهلية حرب التسميات ص18).
وفضلاً عن أن المطران ميلس يناقض جميع المؤسسات العلمية في العالم التي منحت كثيراً من آباء ومثقفي كنيسته شهادات عالية في اللغة السريانية، فإنه يناقض جميع مؤسسات الدولة العراقية والكنسية ومنها كنيسة المشرق التي يتبعها المطران ميلس، فهو يناقض الدستور العراقي المادة 4 أولاً ومشروع دستور إقليم كردستان، واتحاد الأدباء السريان وهو جزء من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، والقسم السرياني في مجمع العلمي العراقي، ومديرية الثقافة والفنون السريانية، وغيرها، و يناقض أغلب الأحزاب الآشورية التي اعترفت باسم اللغة الحقيقي وهو السريانية، علماً أن بعض المؤسسات الآشورية وخاصة السياسية اعترفت عن قناعة وبعضها عن غير قناعة، أي تقية لأهداف سياسية، وربما ستبدل رأيها حسب الظروف والمكاسب وتسميها آشورية فيما بعد.
الغريب أن بعض الكادر التدريسي الأفاضل في هذه الكلية كانوا كل حياتهم يفتخرون أنهم أساتذة لغة سريانيه، وعلموها وكتبوها شعراً ونثراً، وفجأة انقلبوا إلى كادر لتدريس اللغة الآشورية، ولا نعلم هل أن الأساتذة كانوا كل سنوات العمر مخطئين وعلموا الناس خطأ، أم أن اللغة السريانية انقلبت في استراليا إلى لغة آشوريه؟، وهل الأساتذة سيعتمدون نفس المراجع اللغوية السابقة أم أخرى؟، ولا نعلم هل سئل المطران ميلس البروفسور رفعت عبيد رئيس قسم اللغات السامية في جامعة سيدني الرسمية عن اسم اللغة؟.
حتى الآشوريين القدماء لم تكن لديهم لغة، فلغتهم كانت أكدية بأبجدية مسمارية، وعندما اكتُشفت الآثار الآشورية في القرن التاسع عشر، احتار العلماء ماذا يُسمُّون اللغة المسمارية، فسَمُّوها لغة العصر الشبيه بالكتابي (Literate Proto) ثم سَمَّوها الأسفينية Cuneiform لأنها شكلها يشبه الأسفين (الوتد)، وكان من الطبيعي على العلماء أن يطلقوا اسماً علمياً لها، ولأن أغلب الكتابات اكتشفت في البداية بلاد آشور القديمة، لذلك أطلقوا عليها اسم اللغة الآشورية، ولكن بعد اكتشاف آثار بابل لاحظ العلماء تشابهاً كبيراً بين اللغة البابلية والآشورية، واتضح لهم أن لفظة آشور لا تفي بالغرض، فأطلقوا عليها اسم اللغة الآشورية– البابلية، ثم استخلص العلماء المحدثون من النقوش المسمارية أن منطقة بابل كانت تُعرف بأرض أكد وعدداً من ملوكهم لُقِّبوا بملوك أكد وسومر، وأهل بابل سَمَّوا لغتهم أكدية، وبذلك استقرت التسمية الأكدية على اللغة (أ. ولفنسون، تاريخ اللغات السامية ص22، هامش1. و the assyrian dictionary قاموس آشوري 1964م المقدمة ص7) وهذا القاموس لتلك اللغة المسمارية الأكدية طبع سنة 1921م في شيكاغو باسم آشوري قبل أن يستقر اسمها بالأكدية نهائياً، ويضيف البرفسور I.J.Geleb في ص7 وبعدها سبباً آخر هو: لكي لا يختلط الأمر في حينها بين كلمةAkkadian أو Accadian وبين اسم اللغة الفرنسية في كندا المتداول شعبياً في أمريكا وهو Acadian، ويؤكد Geleb أن اسمها الصحيح هو الأكدية، والمهم، حسناً تم تسمية القاموس آشوري لكي نوجه السؤال إلى المطران ميلس والكادر التدريسي، هل ستدرس لغة هذا القاموس في الكلية أم اللغة السريانية وقواميسها؟. للمزيد سنكتب لاحقاً مقالاً: لغة السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين).
إن اللغة السريانية تعتبر لغة مقدسة لدى المسيحيين مثل تقديس المسلمين للعربية، ولأهميتها عالمياً فإن الكتب والمخطوطات السريانية في المكتبات والجامعات والمتاحف العالمية تعتبر مصدراً مهماً ومحط تقدير واهتمام علمي وأكاديمي كبير لدى الباحثين والمؤرخين على اختلاف أديانهم وقومياتهم، ويجب القول إن العرب والمسلمين صحيح أنهم لعبوا دوراً بتعريب السريان وإضعاف لغتهم، ولكن اللغة السريانية بقيت محط احترام الكتاب العرب و المسلمين فيما بعد أكثر من بعض المسيحيين المتكلمين بها، فالعرب المسلمين يذكرون اسمها السريانية وأسماء الكتب التي ترجمها السريان لهم بفخر، ولم تلقى اللغة السريانية أية هجمة في التاريخ إلى بداية القرن العشرين سوى من أبنائها المتكلمين بها أنفسهم وخاصة من بعض السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين) وبصورة أكثر مركَّزة من الآشوريين المتشددين الآشوريين، وقلة قليلة من الكلدان حيث يقومون وبطريقة ممنهجة بفتح مدارس ومعاهد وتزوير أسماء القواميس واللغة ونقله من الكتب الأصلية من الاسم السرياني أو الآرامي إلى الاسم الكلداني أو الآشوري، وأن بعض الكتاب لا يذكرون اسمها الصحيح (السريانية أو الآرامية) خشية تعرضهم لانتقاد المتشددين من طوائفهم، فيكتبون لغتنا الأم، لغة شعبنا، لغتنا القومية، لشانا أتيقا (اللسان العتيق)، لشانا خاثا (الجديد)، السوداوية (العامة)، الفليحية (الفلاحين)، والمعتدلين يسمونها السورث، وكلمة سورث أو سور بائيث معناها السريانية أو بحسب السريانية (قاموس منا ص487. أ. دوبونت سومر، الآراميون ترجمة الأب ألبير أبونا ص17)، كل ذلك يتم هروباً من الاسم السرياني لتحقيق غايات سياسية وطائفية بحتة على حساب الحقيقة والتراث والتاريخ، وجميع الأكاديميين والمستشرقين في العالم يسمونها باسمها الصحيح، السريانية أو الآرامية، يشاركهم لغويون وباحثون وأدباء منصفون من كل الأطياف السريانية يُسمونها السريانية مثل الأستاذة بنيامين حداد، أفرام عيسى، باسيل عكوله، بشير طورلي، روبين بيت شموئيل، الأب شليمون ايشو خوشابا، آشور ملحم، ويونان هوزايا، عدا الموارنة والروم، كما ظهرت ظاهرة تأليف كتب لغوية وقواميس للهجة مدينة أو منطقة كآزخ وألقوش وطورعبدين، وهذا يضعف اللغة الأصلية واسمها.
http://www.ishtartv.com/viewarticle,61529.html
http://saint-adday.com/?p=6022
(مختصر تاريخ اللغة السريانية الآرامية، ومختصر مدى احترام العرب والمسلمين لها)
تُعرف اللغة السريانية بالآرامية أيضاً، فالآراميون الذين اعتنقوا الديانة المسيحية سَمَّوا أنفسهم سرياناً ليميزوا أنفسهم عن بني جنسهم من الآراميين الذين بقوا على الوثنية، فأصبحت لفظة آرامي عند المسيحيين تعني وثني تشبه لفظة جاهلي عند المسلمين (الدكتور حسن ظاظا، الساميون ولغاتهم ص100)، لذلك سُميت اللغة السريانية بالآرامية أيضاً، ولكن لم تُسمى الكنيسة تاريخياً بالآرامية إطلاقاً لأن في ذلك مدلول وثني، وباختصار اسم اللغة هو الآرامية قبل الميلاد والسريانية بعد الميلاد.
كانت الآرامية لغة بلاد الشام وبين النهرين الذي سُميت معظم مناطقه بيث ارماي أي بلاد الآراميين (المطران اوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص14)، وامتدت السريانية إلى شمال الجزيرة العربية وشمال شرق مصر، وانتشرت في العالم القديم انتشاراً واسعاً، وكُتبت بها بعض أجزاء أسفار العهد القديم مثل طوبيا ويهودت دانيال وعزرا، وأصبحت لغة الدولة الآشورية بعد اضمحلال لغتها الأكدية بأبجديتها المسمارية في القرن الثامن قبل الميلاد، ولغة الدولة الكلدانية الآرامية (612–539 ق.م.)، ولغة اليهود بعد عودتهم من السبي إلى فلسطين فكُتب التلمود بالآرامية، وكتب الصابئة المندائيون كتابهم كنز ربّا بالآرامية، وأصبحت في عهد داريوس الكبير (521–486 ق.م) اللغة الرسمية للإمبراطورية الفارسية وما جاورها وبها جمعَ الزرادشتيون في إيران أقوال زرادشت في كتابهم أفستاق، واستخدمها البوذيون في مواعظهم، وبعد الميلاد بلغت السريانية الهند الصين ومنغوليا ولعب السريان الشرقيين النساطرة دوراً مهماً في ذلك، ومن الآرامية جاءت صيَّغ وأبجديات كتابة للغات شرقية عديدة كالخروشتية، البرهمانية، التبتية، البهلوية، الأفستية، السغدية، المانوية، الويغورية، المانشوية، الكالموكية واليوريتاية، وغيرها، وكانت لغة الأنباط من القرن الثالث قبل الميلاد، ولغة مدينة الحضر وتدمر، وعن الخط النبطي الآرامي تطور الخط العربي الذي كُتب به القرآن، وعنه تطور الخط الفارسي والتركي والأوردي والمالوي، واستعمل الأرمن الأبجدية السريانية إلى سنة 404م، ومن الأرمنية تطورت الكتابة الجورجية والقفقاسية، واليونان تعلموا صناعة الحروف من طائفة آرامية وصلت إليهم بقيادة قدما سنة 1590 ق.م.، وعُثر على آثار آرامية قرب اولمبياد في اليونان تعود لقرون ما قبل الميلاد، وصور حروف اليونان قريبة من الخط الآرامي القديم الذي بقيت آثاره في القلم التدمري والعبراني (لاحظ الأبجدية السريانية وقارنها باليونانية (أبجد) ألفا، بيتا، جَمَّا، دلتا، (هَوّز) ها، زيتا، واو، وهكذا. (للمزيد راجع ألبير أبونا، أدب اللغة الآرامية ص18– 27. أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ ص162–171. أ. دوبون سومر، الآراميون ص131–168، ويُسميها إمبراطورية اللغة الآرامية).
في فجر المسيحية كانت السريانية لغة فلسطين وبلاد الشام وبين النهرين وغيرها، وتكلم السيد المسيح وأمه العذراء ورسله وبشروا بها، ونزل بها جانب من العهد الجديد كإنجيل متى، (واغلب الظن) الرسالة إلى العبرانيين، وبها أقام أسقف أورشليم مار يعقوب أول قداس وتناقش المجتمعون في أول مجمع كنسي في القدس سنة 51م، واستعملتها كنيسة أنطاكية في طقوسها، وفي القرنين الأول والثاني تُرجم الكتاب المقدس إلى السريانية التي تُسمى البسيطة، وهي إلى اليوم المرجع الرئيس لكل الكنائس السريانية شرقية وغربية، وأحصى الأب بولان 55 نسخة سريانية بسيطة اسطر نجيلية من القرن 5–7 مقابل 22 نسخة لاتينية و10نسخ يونانية فقط (فيغورو، معجم الكتاب المقدس ص132و133)، وتعتبر الدسقولية (تعليم الرسل) وأناشيد سليمان بالسريانية من أقدم كتب العالم وتعود لنهاية القرن الأول وبداية الثالث، كما كتب بالسريانية آباء الكنيسة وترجموا مئات الكتب العلمية والفلسفية والتاريخية والدينية من اليونانية إلى السريانية، فمن السريانية تُرجمت الكتب إلى العربية وليس من اليونانية مباشرة.
إن اللغة الآرامية كانت لغة دولية في الشرق، ولم تضاهيها لغة أخرى في الانتشار آنذاك إلاَّ اللغة الانكليزية في العصر الحديث، ونتيجة انتشار الآرامية الواسع سمَّت بعض المصادر التاريخية الألف الأول قبل الميلاد بعصر أو إمبراطورية اللغة الآرامية، والعجيب أن الآرامية انتشرت هذا الانتشار المذهل بدون مساندة من سلطة سياسية أو عسكرية لدولة قوية، بل أن الدولة الأخمينية القوية التي أسقطت آخر كيان سياسي آرامي قوي هو الدولة الكلدانية اعتمدت اللغة الآرامية رسمياً بحيث اخترع الفرس عدة أنظمة للكتابة بالحروف الآرامية مثل نظام (نامه دبيريه، وهام دبيريه، وراز سهريه، والنهروارش)، وهي أن تكتب الكلمة بالآرامية وتلفظ بالفارسية، فيكتبون كلمة (بسرا بسرا) بالآرامية ويلفظونها بالفارسية (كوشت) ومعناها لحم، أو يكتبون (لحما، لحما) ويلفظونها (نان) ومعناها خبز (حامد عبد القادر، الأمم السامية ص107)، ويعلّق الباحث خزعل الماجدي قائلاً: ويثير فينا هذا المشهد الروحي الواسع لانتشار الآرامية واستعمالها كلغة دينية لليهود والصابئة والزرادشتيين والمسيحيين سؤالاً هاماً وخطيراً سنعلقه في ذمة التاريخ لتجيب عليه الأجيال القادمة هو: ما سر هذه اللغة؟، وما سر هذا النبض الروحي العميق في داخلها والذي جعلها لغة أهم عقائد المنطقة قبل الإسلام؟، وهل كانت الآرامية بعيدة عن لغة العرب والإسلام؟، أم كانت هي جذورها؟ (المعتقدات الآرامية ص47).
ونشارك الباحث الماجدي بالقول إن انتشار اللغة السريانية الآرامية الكبير لم يكن بعيداً عن العرب والمسلمين، فلا يكاد يوجد كتاب لمؤرخ عربي ومسلم لا يذكر أن السريانية كانت لغة جميع الناس من آدم ونوح إلى إبراهيم وإسماعيل (الطبري ج1 ص111،77. الطبقات الكبرى ج1 ص18–19، وغيرهما كثير)، والسريانية هي أصل العربية (ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام ج1 ص31–32)، والسريان علّموا العرب الكتابة (ابن عبد ربه، العقد الفريد ج4 ص 156)، وجلبَ عبدالله بن عمرو بن العاص بعيرين محمَّلين بكتب سريانية من معركة اليرموك وكان يقرأ منهما (ابن كثير، البداية والنهاية، ج2 ص277)، وارتأى العلاّمة سلفستر دي ساسي (1758–1838م) أن مسيحييّ الشمال كانوا يترددون إلى اليمن وأدخلوا بين مسيحيِّها الكتابة السريانية بدلاً من الخط المسند الشائع عندهم، وروى السمعاني أن السريانية دخلت جهات عديدة من اليمن ( Assemani, BO, III 2603)، وذكر المؤرخ فيلوسترجيوس نهاية القرن الرابع أن في زمانه كان قسم من سكان سواحل أفريقية إزاء بلاد العرب يتكلمون السريانية، وجاء في كتاب كشف الأسرار في بيان قواعد الأقلام الكوفية: إن آل طسم وقحطان وحمير كانوا يكتبون بالخط الكوفي الذي يدعى السرياني (الأب لويس شيخو، النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ص59).
إن الخط العربي اشتقه من الخط الأسطرنجيلي السرياني، مرار مرة وأسلم سدرة وعامر جدرة، ونقلوه من الأنبار إلى الحيرة ومنها نقله بشر النصراني زوج الصهباء بنت حرب أخت أبو سفيان، فتعلَّم حرب وجماعة من قريش الكتابة منه (البلاذري، فتوح البلدان ص279)، والقلم الذي كُتب به القرآن هو نظير الأسطرنجيلي السرياني (ابن النديم، الفهرست، الكلام عن القلم السرياني ص22)، والعرب تأثروا بطريقة المصاحف بالسريان (أبو عمر الداني، المحكم في نقط المصحف ص28–29)، وأبو الأسود الدؤلي وضع نقاط الإعجام في القرآن متأثراً بالسريانية (أحمد حسن الزيات، الأدب العربي ص206)، ووردت كلمات سريانية في القرآن يذكرها علماء المسلمين (السيوطي، المهذب في ما وقع في القرآن من المعرب)، وفي كتب الحديث باب اسمه تعلم السريانية، ورسول الإسلام محمد أمر زيد بن ثابت بتعلم السريانية، فتعلّمها زيد وكان يقرأ للرسول ويجيب عنه إذا كَتبْ (الترمذي كتاب الاستئذان، باب تعليم السريانية ص730)، ويذهب هشام جعيط إلى ابعد من ذلك بالقول إنه من الواضح أن الرسول محمد كان يعرف السريانية (جعَيْط، في السيرة النبوية 2 ص154)، ولاعتزاز السريان بلغتهم إبان الدولة الإسلامية وخوفاً عليها من الانقراض ابتكر السريان الخط الكرشوني بحيث لا يستطيع المسلمون قراءته (حسن ظاظا، الساميون ولغاتهم ص101).
وللغة السريانية ثلاث خطوط رئيسية الاسطرنجيلي والشرقي والغربي ولهجتان شرقية وغربية، أي شرق وغرب نهر الفرات، ولا توجد إلا فروق قليلة بين اللهجتين، ويتكلم باللهجة الشرقية السريان الشرقيون (الكلدان والآشوريون)، بينما يتكلم باللهجة الغربية السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة، واستعمل السريان الملكيون (الروم) السريانية في طقوسهم إلى القرن السابع عشر حيث تم تعريبها من عهد البطريرك أفتيموس1637م (المطران جرجيس شاهين، السريان أصالة وجذور ص118. فيليب دي طرازي، السلاسل التاريخية في أساقفة الأبرشيات السريانية ص89).
استمرت اللغة السريانية سائدة حتى أواخر القرن السابع للميلاد حيث انتشرت اللغة العربية بمجيء الإسلام وأخذت السريانية تنحسر، لكنها لم تمتْ، فلا تزال محكية اليوم في طور عبدين وماردين والقرى المسيحية في تركيا والموصل وأربيل ودهوك وغيرها في العراق، وفي بعض القرى الإيرانية المسيحية وقرى سوريا في الحسكة والقامشلي والجزيرة وحمص وغيرها، علماً أن بعض سكان القرى السورية المسلمين لا يزالون يتكلمون بهذه اللغة إلى اليوم مثل سكان قرى بخعا أو نجعة وجبعدين ومعلولا المجاورة لدمشق ويسمونها الآرامية لأن السريانية ذو مدلول مسيحي، ولا يزال آثار وتراث اللغة السريانية ظاهر حتى في العربية وفي أسماء الأشخاص ومئات المدن والقرى في لبنان والعراق وسوريا وتركيا وغيرها، وتُدرَّس السريانية اليوم في جامعات عالمية كثيرة في الدول العربية والأجنبية.
في لبنان بقيت اللغة السريانية محكية في كثير من القرى إلى نهاية القرن الثامن عشر، وروى الراهب الفرنسيسكاني غريفون الذي زار لبنان في القرن الخامس عشر أنه سمع الموارنة يتكلمون بلغة أجدادهم السريانية، ولما زار شاتايل لبنان سنة 1632م سمع أهالي حصرون يتكلمون بالسريانية، وكان البطريرك الماروني جرجس عميرة (1633–1644م) يتكلم السريانية، وروى الكاهن الماروني مرهج بن نمرون الباني (+ 1712م)، أن أهالي بشري وثلاث قرى مجاورة يتكلمون بالسريانية، وعندما قام العلاّمة اللبناني سمعان يوسف السمعاني بزيارة لبنان سنة 1736م بصفته موفداً بابوياً زار والدته في بلدة حصرون في جبة بشري وتكلم معها بالسرياني، وأثبت الأب مارتن اليسوعي أن رهبان الروم الكاثوليك كانوا يقيمون طقوس كنيستهم بالسريانية إلى أوائل القرن الثامن عشر. (فيليب دي طيرازي، أصدق ما كان عن تاريخ لبنان ج1 ص3، مستنداً على مصادر كثيرة)، ولغة الكنيسة المارونية الرسمية هي السريانية،وكتب الليتورجيا والكتاب المقدس المسموح باستعماله طقسياً في الكنيسة كانت تصدر باللغة السريانية فقط حتى مطلع القرن العشرين.
في مصر عُثر على كتابات آرامية في جزيرة فيلة وسقارة تعود للقرن السابع قبل الميلاد، وهناك الآلاف المخطوطات السريانية الموجودة في كثير من الكنائس والمكتبات والجامعات أشهرها دير السريان، واستمرت اللغة السريانية إلى نهاية القرن السابع عشر، وعندما احتل نابليون بونابرت مصر أصدر أوامره بالفرنسية والعربية والسريانية، وجلب مطابع من ضمنها باللغة السريانية (تاريخ فرنسا الحديث المطبوع في بيروت سنة 1884م ص152)، ومعروف أن الأديب العربي الكبير طه حسين كان يتقن اللغة السريانية التي تعلمها في جامعة القاهرة على يد البروفسور الألماني إينو ليتمان (1875–1958م)، وكان حسين يحفظ كثيراً من النصوص السريانية، وقبل أن يغادر ليتمان عائداً إلى بلاده سنة 1914م أقامت له جامعة القاهرة حفلاً وداعياً في أحد فنادق مصر الجديدة وألقى المحتفون كلماتهم، وعندما جاء دور طه حسين فاجأ الجميع حيث ألقى كلمة الوداع لأستاذه باللغة السريانية فنالت إعجاب الجميع، وفرح ليتمان جداً لأنه نجح برؤية أحد طلابه يخطب بهذه اللغة المقتصرة على عدد قليل من الناس وبعض الكنائس والجامعات (طه حسين، الأيام ج3 ص54–55)، وفي مصر أكثر من مئة متخصص في اللغة السريانية رجالاً ونساء وكلهم مسلمون وقسم منهم بدرجة دكتوراه من ضمنهم ستة أساتذة على الأقل يُدرِّسون اللغة السريانية في جامعة الأزهر الإسلامية مثل الأستاذ أحمد محمد علي الجمل أستاذ اللغة السريانية لقسم البنين وزمزم سعد هلال وبسيمة مغيث سلطان أستاذتا قسم البنات.
للمزيد عن احترام العرب والمسلمين للسريانية أكثر من بعض المسيحيين سنكتب لاحقا مقال: (القرآن والسريان).
وشكراً موفق نيسكو
4664 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع