د. منار الشوربجي
أما وقد انسحب منافسو ترامب على ترشيح الحزب الجمهوري، فعلى العالم أن يتوقع الأغرب والأسوأ، فقد صرنا أمام حزب فقد بوصلته ومرشحاً للرئاسة يقتات على العنصرية والتصريحات الفجة، فقبل الموعد بكثير، صار ترامب عملياً هو «مرشح الحزب الجمهوري» الذي سيخوض معركة الرئاسة ضد الديمقراطيين، والحزب نفسه صار بهذه النتيجة في وضع لا يحسد عليه قد ينتهى باختفائه أصلاً.
ولعل تيد كروز الذي انسحب، فور هزيمته أمام ترامب في ولاية إنديانا، المجسد الحقيقى للأزمة القاسية التى يعيشها الحزب الجمهورى، فكروز ينتمى لليمين الديني، ولكنه صار عضواً بمجلس الشيوخ في أوج اندفاع حركة حفل الشاي التي كانت تساند مرشحين للكونجرس وفق شرط واحد هو أن يرفض أولئك المرشحون حين فوزهم أي حلول توفيقية سواء داخل المؤسسة التشريعية أو مع الرئيس أوباما.
ورغم أن الحلول التوفيقية كانت حتى تسعينيات القرن العشرين هي جوهر العملية التشريعية والسياسية في واشنطن، إلا أن نفوذ حركة حفل الشاي أدى لمزيد من اعتبار تلك الحلول تنازلاً أيديولوجياً وحزبياً، لكن تيد كروز شخصياً بأدائه في مجلس الشيوخ ذهب إلى أبعد مدى في تلك الاستراتيجية حتى إنه لم يخلق لنفسه داخل الحزب الجمهوري سوى الخصوم والأعداء.
وهو دوماً اتهم زملاءه بأنهم جزء من المشكلة لا الحل، لذلك حينما فوجئ الحزب الجمهوري بأن تيد كروز هو الأوفر حظاً من بين كل مرشحي الحزب الذين تساقطوا واحداً تلو الآخر، لم يدعموه ضد ترامب، وقال عنه زملاؤه إنه «ديماجوجي» و«إبليس»، الأمر الذي أدى لتدعيم فرص ترامب ولا أحد غيره في الحزب الجمهوري. ومواقف تيد كروز لم تكن أفضل على الإطلاق من ترامب سواء في ما يتعلق بالمسألة العرقية أو بالمسلمين أو بدور أميركا حول العالم.
وأزمة الحزب الجمهوري التي كشف عنها صعود شخص مثل كروز كونه منافساً رئيساً ليست هو الوحيدة، فالأخطر منها أن رموز الحزب انتهجت صمتاً مدوياً إزاء كل تصريحات ترامب الفجة والعنصرية، فلم يُسمع لرموز الحزب المعتبرة صوت بينما أهان ترامب المكسيكيين والسود والمسلمين.
ولم يحرك أحدهم ساكنا حتى حين قال بعد فوزه في إنديانا عن الجمهوريين الذين انتقدوه أنه «لا يريدهم» في الحزب وعليهم أن «يرحلوا ويمكنهم العودة بعد ثمانية أعوام» أي بعد أن يحكم ولايتين متتاليتين.
وصمت قيادات الجمهوريين ليس جديداً وهو ظل دوماً لأغراض انتهازية، فبعض المواقف المتطرفة التي اتخذها ترامب كونه مرشحاً للرئاسة كانت تقال في ساحة الحزب الجمهوري خلال السنوات الأخيرة من جانب مرشحين لمناصب مختلفة، منها بالمناسبة مرشحين هامشيين للرئاسة.
والحزب الجمهوري منذ السبعينيات يلعب على مخاوف البيض، لكنه مع فوز أوباما بالرئاسة أوغل في غض الطرف عن الكثير من خطاب الكراهية ضد الأقليات والمهاجرين فضلاً عن خطاب متطرف في السياسة الداخلية والخارجية طالما أنه يجلب له أصواتاً في الانتخابات.
لكن الحزب في أزمة هذه المرة لأن ترامب سيكون على قمة مرشحيه للمناصب المختلفة، بما يعنى أن عليه أن يتوجه بخطابه لجمهور أوسع من الناخبين، الذين جذبهم كونها وسيلة للاحتجاج على مسار السياسة في بلادهم.
وحين تتوج هيلاري كلينتون رسمياً باعتبارها مرشحة الحزب الديمقراطي، سيكون علينا جميعاً توقع حملة فيها ما هو أغرب من الخيال، سواء في ما يحمله ترامب في جعبته أو ما يحمله جمهوريون آخرون، فترامب لن يكف عن توجيه موجات متتالية من الاتهامات لكلينتون خارجة تماماً عن المألوف حتى الآن..
فالرجل لا يحتاج لأدلة لتوجيه الاتهامات، فهو كان على رأس من زعموا أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. وترامب ظل شهوراً طويلة يؤكد ذلك الزعم، ثم حين نشر أوباما شهادة ميلاده التي تؤكد أنه أميركى المولد، لم يعتذر ترامب للرأي العام. وترامب هو نفسه الذي زعم زورا «مقتل» عضو المحكمة العليا اليميني أنتونين سكاليا منذ شهور، رغم عدم وجود أدلة على الإطلاق تعزز زعمه.
وهو قال الأسبوع الماضي إن والد تيد كروز، الكوبي الأصل، كان ضالعاً في مقتل الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدى. ولأن اليمين مغرم بالبحث عموماً في ملفات آل كلينتون منذ التسعينيات، فلا يوجد ما يمنع الرجل من التمسك بأية أفكار تقال على هامش الساحة السياسية وتحويلها لجزء من معركة الرئاسة.
وترامب لم يخف أبداً مواقفه التي تزدرى المرأة، بما يعنى مواقف مقصود منها الحط من شأن هيلاري لكونها امرأة. ورغم أن الكثير من مواقف هيلاري كلينتون فى السياسة الداخلية والخارجية، لا شخصها، هي التي تستحق التفنيد، إلا أن الأرجح أنها لن تكون محور الحملة الانتخابية.
والأزمة القاسية للحزب الجمهوري تتجلى أيضاً في تلك الحملة الدائرة الآن من المحافظين الجدد لإيجاد مرشح جمهوري وترشيحه مستقلاً للرئاسة. وتلك الحملة إذا ما نجحت فمعناها إعلان وفاة الحزب الجمهوري.
1177 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع