د. منار الشوربجي
هل يستطيع الأستاذ الجامعي أن يعالج مشكلات طلابه الاجتماعية والنفسية؟ الإجابة بالقطع لا. فهو ليس مؤهلا من الناحية المهنية والعلمية لذلك، وإقدامه على مثل تلك المهمة من شأنه إلحاق الضرر بهم.
فالذين يعملون بالتدريس الجامعي، مثلي، يدركون أن أبناءهم الطلاب شباب غض في مقتبل حياتهم، لا يزالون يختبرون العالم من حولهم ويتعرضون لمشكلات اجتماعية وأسرية ونفسية كثيرة، أحيانا ما لا يقوون على مواجهتها بما قد يؤثر على دراستهم.
ويلجأ بعض الطلاب أحيانا لأساتذتهم طلبا للمساعدة لحل تلك المشكلات. ولكن لجوء الطالب لأستاذه الجامعي يعني عندي أن دائرته الموثوقة قد عجزت عن مساعدته أو ربما عن فهم طبيعة مشكلته. فالطبيعي أن يلجأ الشاب أو الشابة للأقرب له أولاً مثل الوالدين أو الإخوة والأخوات.
فإذا لم يجد عندهم ما يبحث عنه من مشورة أو مساعدة فقد يلجأ لمحيط العائلة الأكثر اتساعا أو لمن هم في عمره من الأصدقاء والجيران. فهؤلاء جميعا أطراف في الدائرة المحيطة بالشباب التي يشعر فيها بالراحة والثقة. لذلك، فإن لجوء الشباب للأستاذ الجامعي، يكون عندي بمثابة جرس الإنذار، يشير إلى أن الدائرة الاجتماعية المحيطة ليست »موجودة« لسبب أو لآخر.
ولا يهم في الواقع ما إذا كانت تلك الدائرة موجودة بالمعنى الفعلي على أرض الواقع طالما أنها ليست موجودة في ذهن الشاب، وإدراكه لواقعه ومدى قناعته بقدرة أطراف تلك الدائرة بحلقاتها المختلفة على مساعدته.
ولهذا السبب تحديدا تكون نوعية تدخل الأستاذ الجامعي في حاجة للتروي. فعدم »وجود« تلك الدائرة، على الأقل في ذهن ذلك الشاب، معناه أن ما سيقوله الأستاذ على سبيل المشورة سيكون بالغ التأثير على ابنه الطالب. وهنا مكمن الخطورة في تقديري. فالطالب يلجأ لأستاذه باعتباره القدوة.
ومن حق الطالب على أستاذه أن يشجعه ويشحذ طاقاته وقدرته على الابتكار، ويدعمه في أبحاثه ويمنحه الثقة بالذات. ولكن هذا الدعم لأبنائنا شيء والإقدام على ما لا أهل لنا به شيء آخر. فكل منا متخصص في فرع من فروع العلم، لكننا لسنا مؤهلين بالضرورة كباحثين اجتماعيين ولا نفسيين.
وأعترف أنني، مثل الكثير من زملائي، طلب منى أحد الأبناء الطلاب مشورة من ذلك النوع. وقد وجدت أن أفضل وسيلة هي أن تصارح الطالب بما تفكر فيه.
فذكاء أبنائنا الطلاب يجعلهم يثقون بدرجة أكبر فيمن يصدقهم القول، لا العكس، حتى لو لم يعجبهم قوله. والحقيقة أنني لم أجد يوما عيبا على الإطلاق في أن يقول الأستاذ لأحد طلابه بكل وضوح أنه ليس مؤهلا علميا، ولا تلقى تدريبا مهنيا للتعامل مع تلك النوعية من المشكلات، ويخشى أن يضر بدلا من أن ينفع.
وعن نفسي، لم أجد غضاضة مطلقا في مصارحة أبنائي الطلاب بما تقدم، واكتشفت أنهم يدركون تماما أن مغزى ما أقول هو الحرص عليهم لكن مسؤولية الأستاذ لا ينبغي أن تتوقف عند ذلك الحد لأنها عندئذ تصبح بمثابة تجاهل لمعاناة ذلك الابن.
إذ ينبغي بعد تلك المصارحة الضرورية أن يوجهه مباشرة للوجهة التي يحتاجها للحصول على المساعدة، مثل قسم بعينه بالجامعة، تلك هي وظيفته المهنية، أو الجهة الجامعية المؤهلة للتعامل مع تلك النوعية من المشكلات.
وفى بعض الأحيان الأخرى، قد لا يلجأ الطالب لأستاذه طلبا للمشورة. لكن بحكم الخبرة، قد يلحظ الأستاذ أن أحد الأبناء يواجه معاناة من نوع ما.
وقد وجدت في تلك الحالات أن الأنسب الاتصال بالإدارة الجامعية المؤهلة لأقص لها المؤشرات التي جعلتني، ولست متخصصة، أعتقد أن أحد الأبناء يحتاج لرعاية خاصة، ثم أستشير تلك الجهة بحكم تأهيلها عن الكيفية التي يمكن من خلالها توجيه الطالب لطلب المساعدة منها دون إحراجه أو زيادة أعبائه. وبالقطع، فإن الجهات المؤهلة بالجامعات تكون مدربة مهنيا على السرية لحماية طلابها، فضلا عن أنني أدركت من خلال التعامل المباشر أنها مدربة أيضا على فحص ما يأتي به الأستاذ من مؤشرات.
والحقيقة أن الحديث عن حدود دور الأستاذ ليست نابعة عندي من مجرد إيماني العميق، الذي لا أنكره بالمناسبة، بأهمية التخصص والمهنية في التعامل مع كافة القضايا. فالمسألة تذهب عندي لما هو أبعد من ذلك بكثير. فالعمل بالجامعة مسؤولية خطيرة ملقاة على أكتافنا. فالمطلوب فيها ليس فقط نقل الخبرات العلمية والمهنية لأبنائنا..
وإنما أن يكون هؤلاء الأبناء هم الأولوية الأولى بلا منازع. فهم مستقبل أوطاننا وعزها وأغلى ما فيها. لذلك، لا يجوز الاستهانة بأي ما قد يواجههم من مشكلات تعوق قدراتهم وانطلاقهم. والاستهانة عندي لها شكلان، فملاحظة وجود مشكلة وتجاهلها استهانة، والإقدام على التدخل دون علم استهانة. وأبناؤنا يستحقون أفضل رعاية في كل مجالات حياتهم. والرعاية المثلى لا يقدمها سوى المتخصصين في كل مجال.
1009 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع