خالد حسن الخطيب
ابتدءا بقوله تعالى الذي خص ذكر النخلة في كتابه الكريم بأكثر من عشرون مرة وانتهاءأ بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( اكرموا عمتكم النخلة )... حتى انتهي دوما على ان النخلة هي من اكثر الاشجار التي تعطي مردودا اقتصاديا كبيرا على مدار السنة مقارنة مع بقية الاشجار المزروعة في العراق .
وعلى اية حال فإن الاقتصاديات المرتبطة بزراعة النخيل كبيرة وواعدة بسبب كثرة المنتجات الجانبية والتي من الممكن الاستفادة منها لتصبح اقتصادا كاملا لا يمكن الاستغناء عنه . فالتمور من اغنى الفواكه بالطاقة الحرارية وإمكانية انتاج السكر السائل والفركتوز وإنتاج حامض الليمون (( سكوربك اسد ) وهناك صناعات عديدة تعتمد على التمور منها صناعة الدبس و انتاج الخل وإنتاج الخميره الجافة وصناعة مربى التمر . اما الصناعات التقليدية فحدث ولا حرج فالعراق قد عرف هذه الصناعات منذ القدم حيث تصنّع الاثاث المنزلية مثل الكراسي والأسرة وأقفاص الحيوانات والحبال وغير ذلك ناهيك عن الصناعات السليلوزيه الحديثة التي من الممكن ان تنتج الورق وصناعة وإنتاج الفورفرال وصناعة الخشب المضغوط وصناعة الريون وصناعة الألياف والكنبار بالإضافة الى صناعة الأعلاف والحصر وغيرها. وهناك الكثير من الصناعات الغذائية يمكن ان يدخل التمر بصورة مباشرة او غير مباشرة مثل الايسكريم والبسكويت والحلويات المختلفة والكراميل وأغذية الأطفال ومشروبات التمر المرطبة، ناهيك عن إمكانية احلال التمر ومشتقاته محل بعض الفواكه المستعملة حالياً في إنتاج كثير من المواد الغذائيه . .فمن هذا كله تتضح الاهمية الاقتصادية لشجرة النخيل . ومن المواقف التي علقت بالذاكرة انه في سنة 1997 سافرت الى الجماهيرية الليبية للعمل والإقامة هناك وكانت المسافة بين طرابلس عاصمة ليبيا وتونس عاصمة الجمهورية التونسية تستغرق بحدود اثنا عشر ساعة بالسيارة لعدم وجود طيران بسبب الحظر الجوي الدولي على ليبيا وفي احد الايام قررت الذهاب الى تونس وقد ركبت سيارة تكسي نوع بيجو ويقودها سائق تونسي وكانت سيارات الاجرة التونسية احدث وأجدد وأنظف من سيارات الاجرة الليبيه , وبعد عبورنا الحدود الليبيه التونسيه بمسافة كثيرة استمر السائق بقيادة السيارة لكنه كان يتوقف بين الحين والأخر لشراء شي معين وبعد سؤالي للسائق عن سبب التوقف المتكرر قال انه يود شراء التمر حتى استقر على ارخص بائع وقد اشترى منة كيلو واحد فقط وبسعر دينار تونسي الذي كان يعادل دولارا واحدا ان ذاك .. وقد اعطاني تمرة واحده لا غير وأعطى لكل راكب كان معنا تمرة واحدة كذلك , والتي لا ترتقي الى مستوى وطعم ونكهة التمر العراقي اللذيذ وكان العراق في ذلك الوقت يرزح تحت الحصار الاقتصادي الظالم الذي قادته امريكا وحلفاءها الظالمين وكان سعر صرف الدولار في ذلك الوقت 2000دينار للدولار الواحد وكان سعر كيلو التمر الزهدي في محلات الجملة لبيع التمور بحدود عشرة دنانير للكيلو وبعد اجراء العمليات الحسابية في ذهني قلت الى السائق التونسي انه بإمكانك شراء 200 كيلو تمر بهذا الدينار الذي انفقته قبل قليل لو كنت في العراق الان .... فكان هذا الكلام كوقع الصاعقة عليه مما جعله يوقف سيارته فجأة والتفت عليه بصورة ملفتة للنظر وقال هذه الكلمات التي لا انساها ابدا ... هل هذا معقول .. فقلت له صدقني انا لا ابالغ هذا هو الواقع فالعراق هو بلد الخير وبلد افخر انواع التمور وهذه هي الحقيقة.... فاخذ ينظر لي باستغراب ودهشة كأني قد قلت كلاما اتحدث به عن عجائب الدنيا السبعة ..
وفي سنة 1932 اقترحت شركة نفط العراق I P C ) ) بكادرها وأدارتها البريطانيه ببناء الجسر الجوي ( التلفريك ) او المعبر الهوائي الذي يعمل بالكهرباء على ضفتي نهر الفرات في منطقة الحقلانية لأنة من ابسط وارخص وسائط النقل . وكانت شركة نفط العراق ( البريطانية الجنسية ) تقوم باستخراج النفط من الاراضي العراقية في منطقة كركوك حيث عقدت اتفاقية مع الحكومة العراقية لإجراء مد انابيب عبر الاراضي العراقيه ابتداءأ من مدينة كركوك حتى ميناء حيفا في فلسطين ومدينة طرابلس الساحلية في سوريا . وهذه تتطلب اقامة محطات ضخ متعددة لدفع وإيصال النفط العراقي الى المرافئ المذكورة وتكون المسافة بين محطة وأخرى بحدود خمسون ميل . وكانت هناك عقبة لتمرير ونقل المواد الانشائية والمواد المتعلقة لهذه المحطات حيث يقف نهر الفرات عائقا لصعوبة عبور هذه المواد فقامت الشركة بالكثير من الدراسات لمعرفة المنطقة المناسبة لنصب هذا الجسر الهوائي . فقامت بنصب برجين حديدين بارتفاع اربعون مترا على جانبي نهر الفرات وكانت هناك جزيرة تسمى اربان تقع في وسط النهر تحتوي الكثير من اشجار النخيل وكان من المفروض ان تمر هذه الاسلاك الحديدية فوق الجزيرة وحدث ان العربات المتدلية والمنزلقة من على الاسلاك الحديدية قد تصطدم بأشجار النخيل الباسقات البالغه خمسون نخلة تقريبا حيث يجب ازلة هذه الخمسون نخله بغية عدم حصول ارتجاج او تصادم قد يسبب مشاكل في المستقبل فاجتمعت اللجنة الانكليزية العراقية برئاسة المدير الانكليزي ان ذاك وقدرت قيمة التعويض ودفع التعويض المناسب لأصحاب النخيل حتى يتم ازالتها تماما فقدرت اللجنة ان سعر النخله الواحدة بثلاثة دنانير فلما جاء رئيس اللجنة وبيده قرار التعويض ليتم توقيعه وتصديقه من قبل متصرف( المحافظ) لواء الدليم ( لواء الدليم يمتد من منطقة ابو غريب حتى الحدود العراقية السورية ) المدعو عارف قفطان وهو من عائلة زراعية وله خبرة شديدة في فوائد النخيل ومشتقاتها وكيفية الاستفادة ومعشية الاهالي والمالكين لهذه النخلة . قام المدير الانكليزي بتقديم اوراق التعويض الى المتصرف عارف قفطان وعندما قرأ المتصرف مبلغ ثلاثة دنانير للنخلة الواحدة استشاط غضبا ورمى بوجهه الاوراق التعويضيه وقال له انت لا تعرف النخلة وقيمتها فالنخلة الواحدة تكفي لإعالة عائله مكونة من خمسة اشخاص لمدة سنة كاملة وعلية يجب ان يكون سعر التعويض للنخلة الواحدة (150) مائة وخمسون دينارا فلطم المدير الانكليزي يده على وجهه وقال هل انت مجنون ( هذا مبلغ خيالي جدا ) فقال له المتصرف عارف قفطان بل انتم المجانين والبخلاء . وبعد نقاش شديد وطويل بدا من الساعة العاشرة صباحا وانتهى بحدود الساعة الخامسة مساءا تم الاتفاق على تحديد سعر النخلة المقطوعة الواحدة ب(80) ثمانون دينار عراقيا وتم بالفعل تعويض اصحاب ومالكي النخيل بثمانين دينار لكل نخلة حتى ان المتصرف عارف قفطان قال وقتها اني وقعت وانأ غير مطمئن لان النخلة لها قيمة وفوائد لا تعد ولا تحصى واخشى اني قد قللت من قيمتها التعويضية وإلحاق الضرر لأصحابها والمعتاشين عليها .
علما ان سعر سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار عام 1932 كان يبلغ 4,86 دولار لكل دينار عراقي واحد .
..فحتى الانكليز الذين لا يعرفون قيمة النخلة ومنتجاتها قاموا بدفع التعويض المناسب بعدما تعرفوا على فوائد النخلة الاقتصادية .
اما نحن اليوم فأننا ومع الاسف نساهم بطريقة مباشرة في اندثار ما حباه الله لنا من اشجار الجنة الجميلة ...
3277 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع