أ.د.جعفر عبدالمهدي صاحب
البروفسور دكتورعبد الإله الصائغ ورماد عودة طيوره المهاجرة
عرض: بروفسور دكتور جعفر عبد المهدي صاحب
أوسلو – مملكة النرويج
الجزء الأول
في نهاية فبراير شباط من العام الحالي وصلتني نسخة من كتاب البروفسور دكتور عبد الإله الصائغ الموسوم ( الطيور المهاجرة ورماد العودة) مع إهداء جميل بخط المؤلف.
ولسوء حظي مع صديقي الصائغ تزامن وصول الكتاب مع بدء زرقات الأبر في عيوني في غرفة عمليت مسنشفى درمن حسب قرار طبيب العائلة على أن استمربزرق الأبر كل اسبوعين حيث أذهب 50 كيلو متراً من بيتي الواقع في بارومز فيرك الى مدينة درمن التي تضم في مستشفاها قسم عيون متخصص وعالي التقنية. وبعد كل عملية ارجع الى بيتي بسهولة وبدون منغصات ولكن تبدأ الآلام في عيني بعد ثلاث ساعات من العملية، آلام تصاحبها حرقة شديدة وانهمار الدموع والرشح بشكل مزعج للغالية ولم أتخلص من الألم إلا بعد أن أتناول حبة فالييوم خلافاً لتوجيهات الطبيب الذي لا ينصح بأخذ المنومات. هذه هي الطريقة الوحيدة في اجتياز محنة الألم وحرقة العينين.
ولسوء حظي مع عضيدي الدكتور الصائغ تزامن وصول الكتاب مع وصول مسودة أطروحة دكتوراه أنا مشرف عليها في جامعة قرطاج التونسية، وجامعة قرطاج من الجامعات الحكومية الرسمية الرصينة في تونس الخضراء، ولأول مرة أكلف بالإشراف على أطروحة دكتوراه فيها، وهذا يعني يجب أن أبذل جهداً استثنائياً حفاظاً على سمعتنا الأكاديمية.
هذان الأمران، علاج العيون والأطروحة، ساهما في امتصاص جل وقتي وأصبحت بسببهما معزولاً عن العالم الخارجي. ناهيك عن ذكر المشاغل الجانبية فقد تسلمت هدية الكاتب الأستاذ طارق حربي، كتابه الموسوم ( جمهورية رفحاء). لم يسعفني الوقت كي أقرأه وأكتب عنه في الصحافة رغم أني أعرف محتواه من الألف الى الياء حيث شرفني الأستاذ طارق بمراجعة مسودته قبل دفعه الى النشر في القاهرة.
ومن المشاغل الأخرى المجمدة التي تم تأجيلها لظروفي الصحية والأكاديمية وصول كتابين ضخمين مهداة ليَّ للمفكر اللبناني الكبير الأستاذ كريم مروة الأمين المساعد لسكرتير الحزب الشيوعي اللبناني. الكتاب الأول بعنوان ( فصول من تجربتي: في الفكر والسياسة، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون 2015 ) والكتاب الثاني بعنوان ( ملامح الشخصية اللبنانية، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون 2014). وينبغي أن نكتب عرضاً لواحد منهما.
ونحن في هذا الجو المزدحم بمزدحمات وتدافعات القراءة والكتابة والمشوش صحياً وصلني عتاب مؤثر من عزيزنا الدكتور الصائغ سوف أذكر الجانب العتابي فيه وأترك مقدمته الطويلة الذي خصصها للاطراء الى الدرجة التي يخجلني فيها، فقد جاء في عتابه قوله : (...تمنيت أن تكتب عن كتابي الجديد رقمه 31 وأنت الوحيد الذي أرسلت لك الكتاب حالما طلبته مني فأرسلت لك نسختي الوحيدة وطلبت من هم في العراق، طلبت من جواد الحطاب نسخة واحدة فارسل لي نسختين مع ان النسخة الواحدة تكلف مئة دولار بالبريد السريع المضمون ولحد الساعة لم يكتب أحداً عن كتابي الجديد الذي ازدان غلافة بعباراتك التي أسعدتني واخجلتني معاً. انتظر منك مقالة تنشرها في الحوار المتمدن ومركز النور وموقع المثقف. تحياتي).
الكتابة عن الصائغ ضياع:
بعد قرأت عتاب البروفسور الصائغ انكببت على كتابه حال رجوعي من مستشفى العيون في درمن وأخذت أتصفحه وأتأسف على ما سيحل بنسختي من الكتاب من تلف أوراقه حيث يتساقط الدمع عليها رغماً عني.
أقول للصائغ إن اخوَّتنا لاتحتاج الى دليل ولا أقول كما قال الشاعر:
كم من صديق باللسان وحينما تحتاجه قد لا يقوم بواجب
جرب صديقـــــك ان تحتاجه إن الصديق يكون بعد التجارب
الكتاب عبارة عن بحر مائج تتلاطم فيه أمواج الأدب والعلم والنقد الأدبي والسياسة وأدب الأخوانيات ومجمل سيرة حياة عالم وعلم من جهابذة العراق، نعم الحديث يدور حول الموسوعي الدكتور عبد الإله الصائغ. والكتابة عن الصائغ تعني الضياع مابين الأمواج المتلاطمة بين العلم والسياسة والشعر ولنقد الأدبي والعمل الموسوعي وأدب الأخوانيات وتاريخ البلدان. وأدب الرحلات ...الخ. نعم الكتابة عن الصائغ ضياع إجباري وبجدارة.
وذات مرة كتبت عن الدكتور الصائغ، في خضم قيادتي لحملة انقاذ حياته عندما أَلَّم به المرض في خريف عام 2012 ووجهت رسالة مفتوحة الى وزير التعليم العالي الذي كان يلقب بـ (الأديب) قلت له فيها: " ... سعادة الوزير : من عادتي لا أحب السجع ولا التزويق اللفظي ولا التيه في توريات الحديث. ولا من عوائدي ان أطلب مطلباً شخصياً لأطرق أبواب المستغعفين الذين أصبحوا ولاة أمورنا في عراقنا الحالي.
رأيت من الأفضل ان أبدأ بطرح موضوع بحثي بقصيدة بدوية في النخوة قالها شاعر بدوي يدعى ( أخو تكفى) أأمل من السيد الوزير التمعن في مضامين أبياتها قبل ان ينظر في طلبنا:
علم العفا وعفاك يا وافي الكيل ........بساطه أبشّرك في خير وعفا
نكفي بعضنا وانتكافا على الشيل...واللي تعب من الحطّ والشيل يكفا
من ذاق حرّ القايله يعشق الليل........ومن شبّ ضّوه ليلة البرد يدفا
لاعاد ليلٍ ٍ كنت به في حرى سهيل..وخايلت نوضٍ يخطف العين خطفا
امسيت من جيل ٍ ولا هوب ذا جيل......واصبحت والاّ ديرتي شبه منفا
كنّا على فال الشحم والمعاميل........ونفوسنا انقى من نقى العدّ واصفا
وانا ولو راحت بقولت : تساهيل..صلف وصروف الوقت تحتاج صلفا
ياترج جدّاني زحول الرجاجيل...........يحرم فلا لي عنك ياترج مقفا
إمّا لطمنا العيل والاّ الطم العيل..........مادام شبّ النار مندوب الأطفا
خل ابرهه الأشرم على ذمّة الفيل.........وانظر لشيٍ مايوصفّه وصفا
ياذيل والله ماتجي راس ياذيل............علمٍ ماهو يغبى ولاهوب يخفا
واللي حما بيته بطيرٍ ابابيل................ماجيتك ادوّر لمن راح واقفا
ولا جيتك اطلب منك بن ٍ ولا هيل......جيتك وجرح الظلم غاديه يشفا
جيتك بكلمة كنّها صعقة الويل..........إن قلت تكفى . لا تهاون بتكفى
تكفى تراها كلمةٍ تقطم الحيل..............لا بالله الا تنسف الحيل نسفا
تكفى ماهي لمعقبين الفناجيل..........تكفى لصلف وعادة القرم صلفا
تكفى ترى تكفى لها هدرة السيل......في صدر حرًّ ينتف الطيب نتفا
تكفى ترى تكفى لها تسرج الخيل..إن كان لك بالخيل سرج ٍ و عسفا
تكفى تبيّن كلّ لاشٍ وحلحيل............تسمع لها بالصدر هبدٍ ورجفا
تكفى وتكفى ماتساق لمهابيل...........تكفى تخلي القرم لاشٍ وهطفا
تكفى تجنّبني هل القال والقيل.........مانيب من ينكف على كل ملفا
تكفى تراني من قروم ٍ مشاكيل...........حمّاية الساقه بسيفٍ وشلفا
تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل..ولولا صروف الوقت ماقلت تكفى
وتابعت الكتابة لـ (الأديب) شارحاً حال البروفسور الصائغ الى أن قلت له: " والله لو كان هذا الرجل أمريكياً لوضعوا له تمثالاً أمام بيتهم الأبيض، ولو كان كان إسرائيلياً أمام كنيستهم، ولوكان روسياً أمام كريملينهم، ولو كان ألمانياً أمام بوندستاغهم. نعم هذا هو أحد رموز أكاديمينا ومفكرينا وأدبائنا المعاصرين، أنه البروفسور دكتور عبد الإله الصائغ".
وهذه السطور الأربعة الأخيرة من الرسالة اختارها الأستاذ الجليل ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف العربي، لتكون على الغلاف الثاني للكتاب.
كتاب الطيور المهاجرة ورماد العودة صدر عن مؤسسة المثقف العربي في سدني – استراليا 2015. ويقع الكتاب في 816 صفحة من القطع الكبير، قامت بنشره وتوزيعه دار ميزوبوتاميا – بغداد. وهو حوار مفتوح مع البروفسور دكتورعبد الإله الصائغ استغرق أربعة أشهر،أجاب فيها على ستة وتسعين سؤالاً، شارك في إدارة الحوار واحد وعشرون مثقف وفنان وأديب وناشط وأكاديمي. ويتكون الكتاب من ثلاثين حلقة وتقديم بقلم الأديب الفاضل ماجد الغرباوي رئيس مؤسسة المثقف العربي وهو محرر الكتاب أيضاً.
الحلقة الأولى: أجرتها صحيفة المثقف، فطرحت على عزيزنا سؤالاً: كيف يقدم الصائغ نفسه لقراء صحيفة المثقف؟ فبدأ الصائغ بجواب تفصيلي أول سطر منه قوله: هذا المبتدأ أحبه كسؤال محرج تتكسر بضوئه المرايا....ويتابع القول: الصائغ عبد الإله هو نجل السيد علي الصائغ الحسيني العذاري المرعبي وأبن الزرقاء ابنة مرشد النجف الشيخ محمد الحسين عميد أسرتي زيارة وألبو صيبع...كتبت في مدينتي النجف الأشرف مباحث في الأزمنة والأمكنة والأعلام، وكل ما يمت الى النجف أمت له، ولكن بعد تنقيته من سفلس العمى وسرطان العصبية، حتى قال المنصفون إن كتابات الصائغ الانتقائية خير الكتابات، لكن النجفيين أشعروني بعقوق غريب، غادرت النجف بل العراق عام 1991 وتغربت من أجل أن لا يتسخ شغاف الروح، حتى الساعة لم أر النجف ولم يرني العراق، أدركتني الشيخوخة منتصف الطريق وأدركت الغربة أول الطريق وأدركني العقوق آخر الطريق... ويذكر الصائغ المواقف المميتة التي واجهته خلال حياته ولكن الموت لم يتعرض له ويستشهد ببيت شعر جميل للمتنبي:
يحاذرني حتفي كأني حتفه وتنكزني الأفعى فيقتلها سمي.
وينهي الصائغ إجابته قائلاً: كنت ولا زلت أردد، من يشاء أن يبكيني فليبكيني حياً، وملعون من يبكيني ميتاً.
الحلقة الثانية: أدارها الكاتب الأديب سلام كاظم فرج من العراق. وكرست لدور الصائغ المحوري في تشكيل ندوة عشتار عام 1968، مع الإجابة على سؤال: بعد مرور كل هذه السنين، هل ترون أن الشعر وثيق الصلة بموضضوعة التصوف والعرفانيات والماوراء أم إنه انصاع لليومي والهامشي والهموم العابرة البسيطة، وهل يمكن للشعر في عالم اليوم أن يكون محرضاً كما كان عليه الأمر عند الجواهري الكبير أو السياب في قصائده التي سبقت ( هل كان حباً ) أعني قصائده السياسية المحرضة؟
الحلقة الثالثة: حاوره فيها الأديب والأعلامي نشأت المندوي – أمريكا. ومحور الحلقة دار حول محنة المبدعين في أعمارهم بين العيش والشهادة على الدنيا. ويسأله المندوي أيضاً عن التفكيك والاختلاف بين تشريح القصيدة العمودية وبين الشعر الحر بما فيه قصيدة النثر.ويجيب الصائغ إجابة مسهبة تتقدمها عبارته التي يذكر فيها بأن ترسيم الحدود بين نص ونص هي في بلورتها المركزية هي مشكلة الحداثة والقدامة. لقد لفتت انتباهي عبارة (ترسيم الحدود) وهي عبارة فنية خاصة بالقانون الدولي العام. وهذا يعني أن الصائغ حتى في استرساله فأنه يطعم كلامه بما تجود به موسوعيته الغنّاء.
الحلقة الرابعة: من نصيب الباحث والناشط فرزدق غازي زاهد – أمريكا. في بداية اللقاء وجه له سؤلاً حول اي الجامعات التي عملت بها هي الأقرب الى قلبك؟ فأجاب الصائغ جواباً مفعماً بالكياسة والدبلوماسية إذ أنه يحب كل الطلاب وكل الجامعات التي اشتغل بها من جامعة الكوفة الى جامعة الموصل وجامعة طرابلس وجامعة صنعاء وكلية تكساس بولاية جورجيا وكلية هنري فورد في مشيغن. ولكن أفصح الصائغ عن حبه الحقيقي حينما اعتبر ثمان سنوات جميلات عمل بها في جامعة الموصل وثمانية أعوام زاهيات عمل بها في جامعة طرابلس، " ثماني سنوات في الموصل وثماني سنوات في طرابلس أي ست عشرة سنة هي أجمل عمل سني عملي الأكاديمي بل وأجمل سني عمري ". والحلقة الرابعة هذه لها خصوصية منفردة لاأن المحاور الأستاذ فرزدق هو نجل صديق الصائغ منذ الطفولة وزميله في العمل الجامعي وهو البروفسور دكتور زهير غازي زاهد. فسأله عن مساحة الرفقة بينه وبين والده وكم هو عمقها؟
الحلقة الخامسة: كرست لملخصات وإيجازت، رسائل متبادلة بين الدكتور الصائغ والدكتور زاهد، وحديث الصائغ عن ندوة الأدب والفنون المعاصرة في النجف مطلع ستينيات القرن الماضي، والحلقة الخامسة برمتها مكرسة لاظهار الوشائج التي تربط زهير غازي زاهد وعبد الإله الصائغ. ويذكر الصائغ في نهاية الحلقة عدد لا بأس فيه من قصائده الشعرية، حيث بدأ ذلك بقصيدة جميلة بعنوان النجف الأشرف:
مدينتي
أزقة تفضي الى أزقة تفضي الى أزقة
فيها السراديب بيوت النمل
يا نمنمة المغيب
يا رملها والطيب
يا غابة القبور والأشباح
يا جرحها تلعقه الأشباح
مدينتي تنَّور
يولد فيها النور
يحرق فيها النور
أحبها أحبها لو شربت دمائي
أحبها كوناً بلا أسماء
أحبها
حين بكت على الأشواك جلنار
واختنق المدار في جمجمتي وغصت لا قرار
جمجمة السيد لا تغيث
بسملة الميت لا تغيث
تعويذة استسقائنا والمطر النثيث
لا تغيث
مدينتي كركرة غيبها المغني
تبت يداه ثملاً وتب
الأكل السحت فما أغناه هذا الوطن البستان
والنهران والغرين والذهب
السيد الحميري
وفارقت جيراناً وأهل مودة
ومن أنت منه حين تدعى وتنسب
فأنت غريب فيهم ومتباعد
كأنك مما يتقونك أجرب
الحلقة السادسة والسابعة: حاوره فيهما د. صالح الرزوق، أديب ومترجم سوري.
في الحلقة السادسة طرح عليه د. الرزوق سؤالين الأول يتعلق بانتشار أصوات الأدباء من .جيل السبعينات بعد ظهور الانترنت. والسؤال الثاني يتعلق بماهية تأثير الغربة على شعر الصائغ. أما الحلقة السابعة فقد طرح فيها الدكتور الرزوق سؤالاً واحداً يقول: لماذا تركت العراق 1991؟ وأما لمنفاك من نهاية؟
يجيب الدكتور عبد الإله على الأئلة تباعاً بانسيابية صادق يقول" تراثنا الابداعي القريب تحديداً المنجز الذي تركه لنا عظماء مبدعي العراق على مستوى الشعرهناك علي الشرقي ومحمد سعيد الحبوبي ومحمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب ورشيد ياسين وبلند الحيدري وأنور شاؤول وعبد الوهاب البياتي ولميعة عباس عمارة وشاذل طاقة ويوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد . وعلى مستوى السرد الإبداعي جعفر الخليلي وغائب طعمة فرمان ومحمود أحمد السيد ومير بصري وفؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر وعبد المجيد لطفي وذنون أيوب وعبد الحق فاضل وعبد الرزاق الشيخ علي وغانم الدباغ وهاشم الطعان وأدمون صبري ويوسف الحيدر.وعلى مستوى الثقافة بعامة ثمة الأب انستاس الكرملي ومصطفى جواد وفؤاد عباس وعباس العزاوي و محمد القبنجي وصالح كويتي وهاشم الخطاط وسليمة مراد وجبرا إبراهيم جبرا وحقي الشبلي ويوسف العاني وعلي الدبو وعزيز علي وجواد سليم ونزار سليم ونزيهة سليم ويوسف ذنون وناجي زين الدين المصرف وخالد صبري الهلالي وعبد الجبار المطلبي وعناد غزوان وجلال الخياط وخديجة الحديثي وعاتكة وهبي الخزرجي وأحمد مطلوب وعبد الرزاق محي الدين وخالد الرحال وشاكر حسن آل سعيد وعطا صبري وحافظ الدروبي. وثمة جيل وسط ضائع بين جيل الرواد وجيل الستينات ونتذكر منهم جمعة اللامي وعبد الرحمن الربيعي وسامي مهدي وجليل القيسي وسركون بولص وموسى كريدي وعزيز سيد جاسم وعبد الستار ناصر وغازي العبادي وحسب الشيح جعفر..."
وعن الغربة وكيف أثرت في شعر الدكتور عبد الإله الصائغ، يجيب الصائغ بجواب مسهب يسترسل فيه ذكريات ليست بعيدة زمنياً بل عميقة جداً في نفسه.فينتهي الى القول " حكومات العراق منذ تموز 1958 لم تلتفت الى البراكين والزلازل التي يكتنزها الموروث الجمعي العراقي، لم تلتفت الى تعريق وتعميق الوطنية العراقية،لم تلتفت الى خطورة التلابس بين الدولة والحكومة بين الوطن والمواطن ، بين الرأي العام الجمعي وبين ركامات الفكر العشائري والعمى الشللي، لم تلتفت الى اندلاع حجم رفع الحدود بين السلطات الخمس: التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية والتكنوقراطية، وكان الذي كان وما كان ينبغي أن يكون، جرت الدماء أنهاراً وأهين الوطن والواطن والحزبي والمستقل والشيعي والسني والكوردي والعربي والتركماني، ودشن الشعب العراقي مليونية الترمل والتيتم والتثكل، وصار السجن حقاً للحكومة وصار المواطن العراقي رقماً قابلاً للاختزال. إطلالة علمية ميدانية محايدة على سجلات الشكاوي لدى مخافر الشرطة ومركزيات الأمن والمخابرات منذ 1958 وحتى 2003 مع تبويب واع منصف سنعرف أن الفرهود واغتصاب العراقيات وتصفية الجسد وتصفية الشرفين الوطني والاجتماعي هي من مياسم تلك العهود مع الأسف ولذلك أقول متماهيا ً مع القائل :
نعد المشرفية والعوالي
وترتبط السوابق مقربات
وما ينجين من خبب الليالي
وتقتلنا المنون بلا قتال
رماني الدهر بالأزراء حتى
فؤادي في غشاء من نبال
نزلت على الكراهية في مكان
ولم يخطر بمخلوق ببال
بدار كل ساكنها غريب
طويل الهجر منبت الحبال
إذن باتت الغربة وطن وبات الوطن غربة حتى المثقفون فهم بسبب ضغط الحاجة والعوز تأقلم الكثير منهم مع سياسة النجاسة ونجاسة السياسة. الحسد بين المثقفين هو بوصلة الوشائج بين مثقف ومثقف، وبينهم وبين الوطن والمواطن، ويبدو والله أعلم أن التغرب قدر العراقيين منذ القدم، لهذا علينا أن نصلي ركعتي شكر إن بنا رمقاً لم يتسيس أو يتأبلس، ونصلي ركعتي صبر فنحن باقون في مغترباتنا وليس ثمة فجر وراء هذا الليل الطويل الثقيل، وبصدق ربي ليس لدي أدنى شك في أن الوطن بات مسلخاً للذبح وبنكاً للسرقة ومناصب للانتهازيين... كل الحكومات طرحت لعنة الحاكم الضرورة وكل حاكم عراقي يؤسس لمقولة ما ننطيها، فكيف سيختلف مخيالي في الغربة عن مخيالي في العراق، أنا بلا وطن والوطن بلا شعب والشعب بلا حضارة ونقول غنا شيدنا ، أننا أهل الحضارات ورحم الله أمل دنقل الذي عبث ببيت شعر المتنبي فقال:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
وقاتلت بدلاً عنها الأناشيد".
وحول الاجابة عن السؤال المتعلق بالغربة ومدى نهايتها، يقول الدكتور الصائغ بأنه تعرض الى حرب شعواء ضده سلاحها الطائفية ويطلق عليها (التآمر العلني ضدي من أجل ألا أكون في نسيج حملة الشهادات العليا ) وذكر اسماء بعضهم وأشاد باسماء أخرى وفي مقدمتهم البروفسور دكتور عدنان الدليمي الذي آزره ووقف معت موقفاً مشرفاً وفيما بعد أرتبط معه برابطة صداقة حميمة.
ويستطرد الصائغ في سرد سفر غربته فيقول: " اعذريني يا نجفي الحبيبة، زعلان عليك يا حبيبتي، فانت تُذكرين ولا تتذكرين ، هل أخلع ملابسي يا مدينتي لكي أريك الطعنات ومواضع نشوب الأنياب في جسدي الواهن، أما الوطن فقدكتبت فيه قصيدة أذكر فقط بيتا واحداً منها:
ما غربتي وطن أغادره
بل غربتي وطن يغادرني
ومشكلة العراقيين قديما وحديثاً أنهم يقدسون العراق ويدنسون العراقي...ماذا قدم العراق للعراقيين؟ النفط العراقي يصل الى أبعد رقيع في الأرض...فما الذي نالنا نحت أبناء العراق؟ دول المهجر تقطع من رغيف مواطنيها وتطعم العراقيين وتسكنهم وتكسيهم وتعالجهم دون أن تشعر الحكومة بالحرج، قبيلة شمر بألف خير وعافية لولا ينقصها الخام والطعام، وهكذا نحن باختصار مروع... شكراً للزميل صالح رزوق فقد منحتني أسئلته سانحة البوح حين أكل الصمت لساني."
يتبع الجزء الثاني.
الگاردينيا: الأستاذ الدكتور / جعفر عبدالمهدي ..نرحب بكم في حدائقنا..ننتظر جديدكم
844 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع