أ.د. ضياء نافع
أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة عام 2011 كتابا بعنوان – ( تاريخ الادب الروسي ) تحرير تشارلز أ. موزر وترجمة الدكتور شوكت يوسف ,
وهو كتاب صادر عن جامعة كامبريدج الشهيرة باللغة الانكليزية ويتضمن عرضا شاملا لتاريخ الادب الروسي منذ بداياته في القرن العاشر وحتى تسعينيات القرن العشرين ويقع في ( 720 ) صفحة من القطع الكبير , ويحتوي على أحد عشر فصلا بقلم احد عشر باحثا , اي مؤلف واحد لكل فصل من فصول الكتاب , وقد تحدث المؤلفون على صفحات هذا الكتاب عن كل ظواهرالادب الروسي وخصائصه خلال ألف عام تقريبا , وتناولوا كل الادباء الروس في داخل روسيا وخارجها طوال تلك الفترة مع الاشارة الى مؤلفاتهم وتحليلها ومحاولة تحديد قيمتها واهميتها , وهي مهمة ليست بسيطة ابدا , وباختصار فان هذا الكتاب فريد من نوعه في المكتبة العربية الحديثة والمعاصرة حول الادب الروسي وتاريخه , ويمكن اعتباره فعلا واحدا من أهم مصادر التعريف العميق والشامل بتاريخ هذا الادب في لغتنا العربية بشكل عام .
يتناول الفصل الاول من هذا الكتاب الادب الروسي القديم منذ عام 988 وصولا الى عام 1730 , وهي الفترة التي ابتدأت واقعيا منذ اعتناق روسيا للمسيحية في القرن العاشر . تعد هذه المرحلة أطول المراحل زمنيا في تاريخ الادب الروسي و مسيرته , ولم يتناول الباحثون العرب عموما دراسة خصائص هذه المرحلة في تاريخ الادب الروسي بشكل عام مع الاسف , بل انني لا أعرف – حسب معلوماتي المتواضعة – اي عربي متخصص في أدب هذه الفترة من تاريخ الادب الروسي , ولهذا فاننا لا نمتلك بالعربية – ولحد الان - اية مصادر خاصة بتلك الفترة المذكورة تتضمن دراسات تحليلية ومعمقة حولها اوعن أبرز ظواهرها او تعريفا باعلامها واهميتهم ...الخ , عدا اشارات عامة جدا ومترجمة طبعا حول ذلك هنا وهناك ليس الا . لقد توقف مؤلف الفصل في هذا الكتاب عند شواهد مهمة في الادب الروسي الكنسي القديم , وخصوصا عند الملحمة المعروفة – ( كلمة حول فوج ايغور ) والتي اثبت المتخصصون الروس انها كتبت ما بين 1185 – 1187 , وانها تعد واحدة من انضج نتاجات الادب الروسي القديم , ويتناول هذا الفصل نتاجات كبيرة اخرى لا يعرفها القارئ العربي ولم يسمع عنها بتاتا والمكتوبة باللغة السلافية الكنسية القديمة , والتي كانت تدور حول الحروب المغولية – التتارية التي امتدٌت عبر عدة قرون في تاريخ روسيا و اخضعت الدولة الروسية الناشئة الحديثة آنذاك لسيطرتها . ينتهي هذا الفصل في القرن الثامن عشر ويبدأ الفصل الثاني بظهور بطرس الاول (او الاعظم كما يسمونه عادة في التاريخ الروسي) . عنوان الفصل الثاني هو - ( القرن الثامن عشر . الكلاسيكية الجديدة والتنوير . 1730 – 1790 ) , ويتناول هذا الفصل تحرر الادب الروسي من اللغة الكنسية وظلالها على مجمل هذا الادب , وبداية الملامح الاساسية للغة الروسية الحديثة , ويتوقف بالطبع طويلا عند اسماء بارزة في مسيرة هذا الادب مثل كانتيمير وترديكوفسكي ولومونوسوف وديرجافين وغيرهم . يشير الكتاب هنا في هذا الفصل الى مصطلح – الكلاسيكية الجديدة , وهو الذي كانت تطلق عليه مصادر الادب الروسي في روسيا السوفيتية تسمية - (الكلاسيتزيم ) تمييزا عن مصطلح الكلاسيكية في الاداب الاوربية الغربية , وذلك لان الكلاسيتزيم – كأتجاه أدبي - كان يعني في مسيرة الادب الروسي وتاريخه – التأييد المطلق لبناء الدولة الروسية في ذلك القرن العاصف , والذي شهد نتائج اصلاحات بطرس الاعظم والقياصرة من بعده , وتوجههم الى اوربا ومنهجها في بناء الدولة . ان اختلافات المصطلح في هذا الكتاب – واقعيا – لا يعني بتاتا اختلافا في التفاصيل , اذ ان مؤلف هذا الفصل ينطلق من نفس تلك المفاهيم , وهي ان نشاط الادباء في ذلك القرن قد عكس فعلا التأييد الكبير لبناء الدولة الروسية آنذاك وتطلعاتها بانشاء امبراطورية اوربية جديدة , وهكذا يبدأ المؤلف بالكلام عن اصدارات لومونوسوف والآخرين في هذا المجال , ويتناول دورهم في الابتعاد عن اساليب القرون الماضية واللغة الكنسية ومواضيعها , وكيف استطاعوا عبر نتاجاتهم الادبية المتنوعة تلك من وضع اسس جديدة للغة الروسية ومسيرتها وكيف ان هذه الخطوات الاساسية قد مهدت لبوشكين لاحقا ان يكمل هذه المهمة التاريخية العظمى بشأن اللغة الروسية الحديثة فيما بعد . ينتهي الفصل الثاني بالكلام عن ظهور اتجاه أدبي آخر في مسيرة الادب الروسي هو السنتمنتالية ( النزعة العاطفية ) والتي تركت تمجيد الدولة وعادت بالادب الى موضوعة الانسان الاعتيادي ومعاناته الذاتية المتشعبة , وهكذا يبدأ الفصل الثالث , والذي جاء بعنوان - الانتقال الى العصر الحديث / السنتمنتالية وبواكير الرومنتتيكية 1790- 1820 . يتناول هذا الفصل قبل كل شئ تاثير الثورة الفرنسية وتطوراتها على مسيرة الاحداث في الامبراطورية الروسية وانعكاس ذلك في الاطار الادبي , خصوصا بعد الغزو النابوليوني لروسيا عام 1812 وفشله , وتنتهي هذه الاحداث بانتفاضة الديسمبريين المعروفة عام 1825 ( رغم ان سنة 1825 لا تدخل ضمن السنوات التي حددها المؤلف لهذا الفصل من الكتاب ). تظهر في هذا الفصل اسماء ادباء روس كبار مثل راديشيف وكرامزين وديرجافين وجوكوفسكي وصولا الى بدايات بوشكين . يتوقف مؤلف هذا الفصل طويلا عند كتاب راديشيف المهم في تاريخ الادب الروسي وهو – رحلة من بطرسبورغ الى موسكو الذي اعتبرته الامبراطورة يكاترينا الثانية آنذاك أخطر من انتفاضة بوغاتشيوف ( انظر مقالتنا بعنوان راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) . يتحدث الفصل هذا عن موقع كريلوف في تاريخ الادب الروسي وعن تلك الاساطير والحكايات الخرافية التي كتبها مشيرا الى انها ( قد تجاوزت عصره ) وهذا رأي دقيق وصحيح فعلا ( انظر مقالتنا - كريلوف ابن المقفع الروسي ) . يتناول هذا الفصل ايضا بدايات المسرح الروسي واعلامه آنذاك وهذه النقطة المهمة في تاريخ الادب الروسي تتطلب وقفة تفصيلية بالطبع . يختتم مؤلف هذا الفصل بالحديث عن اسمين كبيرين في تاريخ الادب الروسي , الاول هو الشاعر والمترجم الروسي جوكوفسكي , الذي يرتبط اسمه يالرومانتيكية في الشعر الروسي وكذلك بحركة الترجمة عن اللغات الاوربية , وهو الذي ترجم الاوديسة لهوميروس , والاسم الثاني هو غريبويديف مؤلف المسرحية الشعرية ( ذو العقل يشقى ) , والذي يترجمها الدكتور شوكت يوسف بعنوانها الحرفي ( مصيبة من العقل ) ( انظر مقالتنا بعنوان – مسرحية غريبويديف الشعرية ذو العقل يشقى ) . وهكذا يبتدأ الفصل الرابع والذي جاء بعنوان – القرن التاسع عشر .الرومانتيكية . 1820 – 1840 . يتناول هذا الفصل طبعا ابداع بوشكين وغوغول وليرمنتوف , ولا يمكن تقديم عرض سريع لهذا الفصل , ولا الفصول التي تليه حول دستويفسكي وتولستوي ... الخ الاسماء الكبيرة في تاريخ هذا الادب , اذ ان كل اسم من هؤلاء الادباء يتطلب التوقف عنده وكتابة مقالة مستقلة حوله , وخصوصا الفصول الاخيرة بالذات التي تتناول الادب الروسي في المرحلة السوفيتية , اذ يقتضي العرض مناقشة تلك الآراء وبيان موقف محدد بشأنها , و كم اتمنى ان تسنح لي الفرصة بتحقيق كل ذلك في مقالات لاحقة .
ان كتاب – تاريخ الادب الروسي هو باختصار مصدر مهم جدا للقارئ العربي كي يطلع على مسيرة هذا الادب وتسلسل احداثه واعلامه ونتاجاتهم رغم كل الآراء التي تتحمل النقاشات هنا وهناك , وهو – في نهاية المطاف – عمل ابداعي رائع للدكتور شوكت يوسف .
639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع