إعداد/ اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي
١-المقدمه
الجغرافيا العسكرية military geography ذلك الجزء من العلوم العسكرية الذي يتعامل مع خصائص ساحة العمليات area of operations بقدر ارتباطها بالقوات والمهام العسكرية.
وهي من الناحية العملية تطبيق لأساليب التحليل الجغرافي للمشكلات العسكرية والجغرافيا أي التعامل مع التوزيع المكاني spatial distribution للظواهر على سطح الأرض أو على مقربة منه، والجغرافيا بشكل عام تستخدم أداة لتفسير أنماط وعلاقات الظواهر الطبيعية والبشرية لما يتعلق بالإنسان والجوانب الاصطناعية لثقافاته والحيوانات والنباتات الطبيعية في بيئته والمناخ الذي يعيش فيه والمحيطات وأشكال سطح الأرض الذي يتواجد وسطها. وبالتالي ترتبط أهمية هذه الأنماط والعلاقات بأهمية المشكلة التي يُسعى الى حلها. وعلى هذا يمكن تقسيم الجغرافيا إلى عدة فروع، كل حسب المشكلة المطروحة، فتعنى الجغرافيا ألاقتصادية economic geography على سبيل المثال بالتوزيع المكاني للمصانع والموانئ وحركة السلع والأموال بين الأماكن المختلفة، وتعنى الجغرافيا البشرية human geography بالطريقة التي يعيش فيها الناس وبيئاتهم ، كما تعالج جغرافيا المدن urban geography العلاقات بين الجوانب المختلفة من المدن، وتعنى الجغرافيا السياسية political geography بأنماط العلاقات بين البلدان والوحدات السياسية الأخرى، وتعنى الجغرافيا الطبيعية geography physical بالمعالم الطبيعية لسطح الأرض كالأنهار والجبال والسهول والتربة وظواهر جوية كالعواصف، وبشكل عام تعنى الجغرافيا بمناطق تحددها طبيعة ومجال المشكلة المطروحة، ويسعى المنهج الجغرافي للتحليل إلى تحديد الأقاليم ( المناطق ) المناسبة وتفسير التوزيع المكاني للظواهر في الإقليم أو المنطقة ضمن إطار المشكلة.
٢-مفهوم الجغرافيا العسكرية
تطبق الجغرافيا العسكرية في مناطق تحددها طبيعة ومهام القوات المسلحة. وتقسم إلى أربع فروع رئيسة :
تحليل الأرض terrain analysis
وتحليل المسرح theater analysis أو قد يسمى ( تحليل منطقة العمليات)
والجيوبولتيك أو الجيوسياسيه geopolitics (هـو علم دراسة تأثير الأرض - برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها-) على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي، هذا ويمكن تبسيط مفهوم الجيوسياسية بلغة اسهل على أنها تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه. إذ أن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا ً فعّالا ًفي أوسع مساحة ممكنة.
والجغرافيا العسكرية الموضوعية topical military geography وترتبط الفروع الثلاث الأولى بالفن العسكري military art
٣-الجغرافيا العسكرية والحرب البرية
غالباً ما يكون الهدف من الحرب البرية الضغط المباشر على العدو، بتدمير وسائل المقاومة لديه، والسيطرة على مراكز القوى التي يعتمد عليها. بمعنى أن الهدف الرئيسي من الحرب البرية تحطيم جيش العدو عن طريق تدمير مراكز الصناعات الحربية، والمدنية، والمراكز التجارية، باعتبار أنها تحد من قدرة العدو على القتال وإشعاره بأنه غير قادر على إحراز أي نصر عسكري وكشفه أمام مؤيديه بأنه غير قادر على الحفاظ على أراضيه مما يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لدى الشعب واستسلامه أمام عدوه.
وتحدد الجغرافيا العسكرية المحاور الرئيسية على الجبهة، التي تتوزع عليها القوات، بشن هجوم مباشر على القوات المعادية بعد تحديد مناطق الضعف فيه، حتى تتمكن من الدخول إلى أراضيه، أو التسلل من حوله للوصول خلف صفوفه لقطع طرق النقل والمواصلات، وبالتالي شل حركات الإمداد والتموين إليه، وتراعي الجغرافيا العسكرية في ذلك العوائق الطبيعية مثل التضاريس والمناخ، وتشترك مع الأفرع العسكرية في تجهيز الإمكانيات اللازمة للتغلب عليها. فمثلاً في حرب أكتوبر عام 1973، استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تعبر العائق المائي المتمثل في قناة السويس من ضفتها الغربية إلى الضفة الشرقية بالقوارب المطاطية، لمفاجأة العدو، واستغلال مراكز الضعف في جبهته، ثم مُدَّت بالآليات والمركبات بعد بناء جسر سابق التجهيز. أي أنه مجرد أن توضع الخطط الإستراتيجية، ويُحدد الهدف، تنطلق القوات نحو الهدف بعد دراسة وسائل الحركة والطرق، التي تتبعها القوات العسكرية مع وضع جدول زمني للتقدم، ومراعاة العوائق التي قد تحد من كفاءة الحركة علماً أن هناك جغرافية عسكرية للحرب الجوية والبحرية لم يتم التطرق لها اختصارا للموضوع.
٤-نظرة جغرافية عامة على ساحة العمليات في نينوى
التقسيمات الأداريه:
-قضاء الموصل / ويتألف من / ناحية بعشيقة/ الشورة/ حمام العليل/ القيارة.
-قضاء الحمدانية/ ويتألف من/ ناحية النمرود/ برطلة.
-قضاء تلكيف/ ويتألف من / ناحية القوش/ وانه.
-قضاء سنجار/ ويتألف من / ناحية الشمال/ قيروان.
-قضاء تلعفر / ويتألف من / ناحية زمار/ ربيعة/ العياضية.
-قضاء الشيخان/ ويتألف من/ ناحية زيلكان.
-قضاء الحضر/ ويتألف من/ ناحية التل.
-قضاءالبعاج/ ويتألف من/ ناحية القحطانيه.
-قضاء مخمور/ ويتألف من / ناحية الكوير / كنديناوه/قراج/العدنانية
-قضاء سميل/ويتألف من ناحية فايده.
ملحوظه/ مجموع مساحة المحافظه حوالي ( ٣٧٣٢٣ كم٢)
٥-المحاور الرئيسيه لتقدم القطعات
تمتاز محافظة نينوى بالعديد من الطرق الرئيسيه والفرعيه لارتباطها مع الدول المجاوره وكذلك الترابط الجغرافي مع محافظات العراق الأخرى، ومن أهم المحاور هي:
محور-صلاح الدين - بيجي – مركز قضاء الموصل
محور-اربيل - برطلة – مركز قضاء الموصل
محور- زاخو- مركز قضاء الموصل
محور – الكوير –الخضر- مركز قضاء الموصل
محور – الحدود السورية – وردية - تلعفر- مركز قضاء الموصل
محمور – الحدود السورية – ربيعة - مركز قضاء الموصل
محور- فيشخابور- عين زالة - مركز قضاء الموصل
هناك محاور جانبيه تربط الطرق الرئيسيه مع بعضها وطرق نيسيمة متعدده يمكن للقطعات استخدامها للتنقل بشكل مباشر ومن أغلب الاتجاهات. يضاف الى ذلك الطرق الرابطه بين الاقضية، النواحي، القرى، وأغلبها صالح للتنقل في معظم فصول السنة بسبب طبيعة الارض.
٦-الموانع المائية
يعتبر نهر دجله الذي يشق محافظة نينوى الى شطرين مانع رئيسي تجاه تقدم القطعات من كلا الساحل الايمن او الأيسر كما يحوي على خمسة جسور رئيسية تربط الجانبين، وتعتبر جميعها واهنة تجاه تقدم القطعات في حالة تفجيرها من قبل العدو مما يسبب تأخيرا للتقدم، وعليه يتطلب أن تحسب مسبقاً تهيئة المجسرات لأغراض العبور في حالة نسف الجسور.
أما بحيرة وسد الموصل فهو من الاهمية الاستراتيجية في مكان إذ وفي حال تعرضه الى سيطرة العدو او تفجيره فأنه سوف يسبب كارثة صعبة لذا يتطلب الامر بذل أقصى الجهود لحمايته برا وجوا ونهراً.
٧- الأهمية الاستراتيجيه لمحافظة نينوى
ان موقع محافظة نينوى في أقصى الشمال العراقي ومجاورتها سوريا التي تعاني اضطرابات وقتال بالضد من الارهاب، والذي يشبه الى حد ما وضعها وضع العراق، يعطيها أهمية عسكرية واقتصادية كبيره ذات تأثير على الجهد العسكري القتالي .كذلك وجود نينوى جغرافياً بمحاذاة أقليم كردستان وتداخل الاراضي والسكان والاختلاف بين حكومة الأقليم والمركز على عائديتها، يضيف المزيد من الأهمية الحساسة الى هذه المحافظة، وهذه اذا ما أضيفت الى التركيبة الاجتماعية لسكان نينوى حيث العرب بنسبة غالبة يليهم الأكراد ومن ثم التركمان والشبك والازيدية، والتقسيم المذهبي للسكان بين السنة الغالبة ومن بعدهم الشيعة عوامل تجعل هذه المحافظة صورة للعراق من حيث التركيبة الاجتماعية وتجعل التعامل مع موضوعها عسكريا وسياسيا ذا حساسية عالية. وعلى هذا استغرق وقت الاعداد لعمليات التحرير الجارية في الوقت الحاضر فترة طويلة زمنيا للتوافق في الرؤى بين حكومة المركز وحكومة الاقليم وكذلك للتنسيق مع الحكومة المحلية للمحافظة والقوى السياسية الفاعلة والممثلة لأبناء هذه التركيبة السكانية المتعددة التجانس.
ان تحرير الموصل اذا ما سار حسبما تراه وتخطط له الدولة ودون تدخلات خارجية وتحركات محلية فان المحافظة ستتحرر في القريب وبخسائر يمكن أن تكون مقبولة بحسابات القتال في المدن. وستتحرر على الأغلب لوجود ارادة دولية واضحة للتحرير، ولأن داعش أدت ما عليها من مهام والتزامات وباتت نهايتها قريبة على وفق الحسابات الدولية الي أسهمت في نشأتها.
٨- مخاوف ما بعد تحرير نينوى
ان نينوى ومركزها الموصل وكافة الأقضية ستتحرر حتماً بعد توافق الارادة المحلية والدولية الراغبة جدياً بحسم هذا الملف الشائك قبيل نهاية الانتخابات الامريكية، للحصول من نتيجتها على اثر ايجابي على نتائج الانتخابات، وكما تخطط وتريد الادارة الامريكية الديمقراطية الحالية، لكن المشكلة في واقع الحال ليس التحرير بحد ذاته بل وبالتهديدات المحتملة لما بعد التحرير والتي تتمثل بالآتي:
-وضع المحافظة وشكل ادارتها وتقاسم السلطة فيها ما بعد التحرير.
- شكل علاقتها وطبيعة ارتباطها بالمركز.
- العلاقة مع الاقليم ومقدار نفوذه في داخلها.
- مصير المناطق المتنازع عليها والتي تقع الآن تحت سيطرة الاقليم والاخرى تحت سيطرة الحكومة.
- وضع القوات التركية في المحافظة وكيفية التعامل معها عملياً.
- الموصليون الذين صفقوا أو أيدوا داعش اضطرارا (الخوف- الانتهازية- المشاعر الطائفية).
- الحشد الشعبي القريب.
- مصير الحشد الوطني (الحرس الموصلي).
- جهد اعمار المدينة وجهات التمويل.
- التدخلات العربية والاسلامية الممتدة الى داخل العراق.
- التطلعات الايرانية والتركية واتجاهات التصارع بينهما على الارض في عموم نينوى.
انها معالم تهديد سرعان ما ستظهر بعد التحرير مباشرة وقد تنتج اتجاهات صراع لا تقل تأثيراتها السلبية عن نتائج القتال الجاري بالضد من داعش وربما أكثر تأثيرا وخطورة.
٩- أبعاد المستقبل في نينوى
من سير الأحداث وبضوء خبرة التعامل مع عديد من المواضيع العراقية القريبة من وضع الموصل، وان كان أكثر تعقيداً فستشهد الحالة الموصلية بعد التحرير وباحتمالات ليست قليلة تحركاً قوياً:
- من قبل الاقليم "كردستان" لتسجيل بعض المكاسب من نصر ساهمت به قوات البيشمركة بقوة، وهذه مكاسب ومشاعر اقتدار تدفع الاقليم الى المطالبة بضم المناطق المتنازع عليها الى الاقليم مباشرة بقوة وطرح صيغة لإدارة المحافظة لهم فيه القول الفصل.
- ومن تركيا التي تصر على المشاركة في نصر محسوم على أمل أن يقدمها طرفاً مهما في التفاوض وتحديد صيغة مستقبل لنينوى يكون للتركمان والجهات السياسية المرتبطة بها حصة غير قليلة، ومجريات الأحداث واسلوب ادارة تركيا من اردوغان الاسلامي القومي التركي ترجح أن تكون تركيا ذات فاعلية وتأثير قوي.
- أما ايران فنفوذها في الموصل وبين الشيعة القله في المنطقة سوف يجعلها تركز على ان يكون للحشد الشعبي المرتبط بها دورا ونفوذا يمكن عن طريقه النفاذ الى الطاولة التي ستكون موجودة بعد التحرير.
- ومن الحكومة المركزية التي سيكون لها موقف وتحرك في خضم هذه التحركات والتناقضات وحضور على الطاولة التي سيتواجد عليها الامريكان والبريطانيون والاوربيون، لكن وجودها وتأثيرها أي الحكومة وعلى الأغلب سيكون أضعف مما يمكن أن يجعلها محور الحل واساس رسم صورة المحافظة بعد التحرير وان حصلت على قوة دفع من الأمريكان بتأييدهم جهودها واجبارهم على التوافق معها والحد من تحرك الحشد الشعبي في ساحة المعركة وأخذ زمام قيادة الجهد العسكري للتحرير من قبلها.
من المؤشرات المذكورة في أعلاه يتبين أن مرحلة ما بعد التحرير ستكون صعبة وخطيرة، وستشهد المحافظة وضعا خاصاً غير الوضع القائم جغرافيا وسياسياً، وضعا ستحدده الجهات الدولية وأصحاب النفوذ الأصلي في المنطقة الذين بدأوا من الآن يلوحون الى ضرورة ايجاد وضع للمحافظة يختلف عن وضعها السابق والأسبق.
ومع هذا يبقى السؤال الأهم لما يتعلق بالوضع الجديد لهذه المحافظة المهمة:
(هل سيكون الوضع الجديد معبراً عن مرحلة استقرار ونماء أم يبقي المحافظة بؤرة توتر يمكن اشعال فتيل نيرانها بالوقت الذي يريدون؟.)
وتبقى اجابته تتعلق بقدرة العراقيين على المناورة وثبات الرؤية والتعقل في التعامل مع أكثر مواضيع الصراع على أرضهم تعقيداً وخطورة.
4831 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع