د.منار الشوربجي
السؤال الأكثر خطورة فى أميركا اليوم يتعلق بالطبيعة التي ستكون عليها الولايات المتحدة، بعد يوم الاقتراع العام فى 8 نوفمبر، فلا توجد إجابات عن طبيعة مجريات الأمور بعد ذلك اليوم على المديين القصير والمتوسط،
بل وخلال ذلك اليوم نفسه، فالقلق الذي يعتري الكثير من الجهات إزاء تلك المرحلة لا يقل فى حجمه عن عدم اليقين المتعلق بمستقبل النظام السياسي نفسه، فالكثير من منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة يعتريها القلق خشية الفوضى والعنف ضد الأقليات يوم الاقتراع العام، بعد أن رفض ترامب صراحة أن يعلن أنه سيقبل بنتيجة الانتخابات بغض النظر عن نتيجتها، وتأكيده المستمر على أن الانتخابات سيتم تزويرها، بل ودعواته المتكررة لأنصاره بمراقبة اللجان فى تلميحات واضحة، لأن ما يقصده هو فقط اللجان الموجودة فى مناطق الأقليات، فهو قال لأنصاره فى أحد المؤتمرات الانتخابية «اذهب لتدلي بصوتك، ثم اذهب وراقب مناطق لأن هناك أشياء سيئة تحدث.. وأنتم تعرفون ما أقصد»، وتلك لغة شفرية طالما استخدمها اليمين الأميركي للإشارة للأقليات! وقد أعلن مثلاً مسؤول الاتحاد العام للأميركيين من أصول لاتينية أن الاتحاد بصدد التقدم رسمياً لوزارة العدل يطالبها بحماية الناخبين من الاضطرابات التي يدعو لها ترامب. وقال المسؤول السياسي فى واحد من أهم اتحادات العمال إن ما يقوله ترامب يحمل فى طياته «تحريض على العنف وإراقة الدماء».
وترامب طوال الحملة الانتخابية لم يتورع فعلاً عن القبول بالعنف أو مطالبة مؤيديه بالتدخل العنيف لصالحه، ففي مارس الماضي، مثلاً، حين صعد أحد المحتجين للمنصة ثم اقتاده الأمن بعيداً، قال ترامب بغضب إنه كان سيوجه للرجل اللكمات لو كان استطاع أن يصل إليه، وحرك قبضة يده فى الهواء مرات عدة. وحين سئل عن رأيه محتج قاطع برني ساندرز قال نصاً «لا أعرف ما إذا كنت ساعتها سأضربه بنفسى أم أن آخرين سيفعلون ذلك» نيابة عنه.
وتلك الواقعتان مجرد مثالين وسط بحر من الوقائع المماثلة التي دعا فيها ترامب بشكل أو بآخر لاستخدام العنف أو قوله صراحة إنه يؤيد من يرتكبه ويحميه إذا ما قاضاه أحد.
وعدم اليقين لا يتعلق فقط بما يمكن أن يحدث يوم الاقتراع العام وإنما يتعلق أيضاً بالمرحلة التي تلى إعلان النتائج، ففي حالة فوز ترامب، فإنه بالقطع لن يتهم أحداً بالتزوير، وسيقبل النتيجة كما قال بنفسه، لكن توليه الرئاسة يحمل الكثير من عدم اليقين بشأن سياسة أميركا الداخلية والخارجية، لأن الرجل لم يفصح أبداً عن مواقف واضحة من الكثير من القضايا الجوهرية.
وحتى فى القضايا التي صرح فيها ترامب بمواقف واضحة فإن عدم اليقين يلفها هي الأخرى، فعلى سبيل المثال، أعلن ترامب موقفاً واضحاً يتعلق بطرد ملايين المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بطرق غير قانونية، لكن أحداً لا يعرف الكيفية التي سيتم بها طردهم ولا الوقت الذي ستستغرقه تلك العملية ناهيك عن ما إذا كان طردهم ممكناً من الناحية الواقعية.
وعدم اليقين لا يتلاشى حال فوز هيلاري كلينتون وهزيمة ترامب، بل العكس هو الصحيح، فالأسئلة كثيرة حول ما سيفعله مؤيدو ترامب وقتها وما إذا كانوا سيقبلون بالنتيجة، وهل سيتوقف رفضهم عند حد الامتعاض أم سيتدخلون بالعنف ما قد يحدث فوضى.
وفى مثل ذلك السيناريو، من الذي سيحسم الأمر؟ فالكونجرس يظل، دستورياً، هو الذي يجتمع فى ديسمبر لإعلان نتيجة الانتخابات رسمياً. وهو نفسه المنوط به اتخاذ القرار لو لم تحسم أصوات الناخبين أصوات المجمع الانتخابي، لكن حزب ترامب، الحزب الجمهوري، هو صاحب الأغلبية فى المجلسين. وما يجعل الموضوع أكثر تعقيداً هو أن رئيس مجلس النواب، بول رايان، نأى بنفسه عن ترامب، وسحب تأييده له.
وقد فعل الشيء نفسه عدد لا بأس به من الجمهوريين فى المجلسين.
لكل ذلك، وبسبب إصرار ترامب على موقفه من تزوير الانتخابات، ستظل الفترة من الثامن من نوفمبر وحتى موعد تنصيب الرئيس الجديد فى العشرين من يناير فترة يحيطها عدم اليقين فى حالة فوز هيلاري كلينتون.
لكن الأخطر من هذا كله هو عدم اليقين الذي يتعلق بالمدى المتوسط، فكل قوى التطرف اليميني التي أطلقتها حملة ترامب، بما فى ذلك اليمين المتطرف الذى يستخدم العنف على الساحة الداخلية الأميركية الذي أعلن بصور شتى تأييده القوى لترامب، لن يكون من السهل إعادتها للهامش السياسي بعد أن صارت اليوم فى قلب الساحة الانتخابية والسياسية. ونفوذ المال فى العملية السياسية الذي بدا واضحاً بدرجة أكبر فى حملة هيلاري كلينتون ليس من الواضح تأثيراته على صنع السياسة الأميركية. والأهم أنه لم يتضح بعد ما إذا كان الحزبان الكبيران سيبقيان على حالهما أصلاً.
976 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع