د. منار الشوربجي
يخطئ من يتصور أنه يعرف على وجه التحديد وجهة السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، فخلال المرحلة الانتقالية التي لم تنته بعد لا تزال الكثير من المؤشرات متناقضة، وبعضها يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات.
خذ مثلاً قضية العلاقات الأميركية- الروسية، التي بدت منذ اللحظة الأولى مرشحة أكثر من غيرها لحدوث تحول مهم فيها بالمقارنة بما عليه الحال حالياً، فالمعروف أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب كان قد أعلن فى حملته الانتخابية أكثر من مرة أنه ينوي إدارة علاقة أكثر تعاوناً مع روسيا من تلك القائمة حالياً، وهو أثنى على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
طوال المرحلة الانتقالية، التي تنتهي في 20 يناير المقبل، سيطر على الساحة السياسية الأميركية جدل صاخب بين إدارة أوباما، وأجهزة الاستخبارات من ناحية ودونالد ترامب وفريقه الانتقالي من ناحية أخرى، فأجهزة الاستخبارات الأميركية أعلنت أنها واثقة من أن روسيا سعت من خلال القرصنة الإلكترونية للتدخل في مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية بنية واضحة لحسمها ضد هيلارى كلينتون ولصالح دونالد ترامب، وهو الاتهام الذي نفته موسكو بالمطلق وأصرت إدارة أوباما على التحقيق فيه، لكن ترامب وفريقه رفضوا الاتهامات الموجهة لروسيا واعتبروها «مسيسة تهدف للنيل من شرعية انتخاب الرئيس الجديد».
وقد اختار ترامب، رغم ذلك الجدل، لتولي حقيبة الخارجية ريكس تيليرسن، المدير التنفيذي لشركة أكسون موبيل العملاقة، رغم ما يقال عن علاقات الرجل الوثيقة بموسكو وبالرئيس الروسي بوتين شخصياً، بينما صرحت رموز مهمة في فريقه الانتقالي أن مثل تلك العلاقة بين تيلرسون والروس من شأنها أن تدعم القرار الأميركي لا العكس.
لكن التطورات المتلاحقة في ملف العلاقات الأميركية الروسية راحت تثير عشرات الأسئلة، ففي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت موسكو أن كل قنوات الاتصال بين روسيا والولايات المتحدة قد تم تجميدها، وهو الإعلان الذي قوبل في واشنطن برد فعل غير مفهوم، إذ أكدت الأخيرة أنها لم تبلغ بذلك رسمياً.
وأن اتصالاً بين جون كيري ووزير الخارجية الروسي كان قد جرى قبل ذلك الإعلان بيوم واحد، لكن إذا كان بالإمكان القول إن هذا التطور يظل مفهوماً في سياق التوتر الجاري بين إدارة أوباما والمسؤولين الروس فإن تلاحق الأحداث فى الأيام التالية مباشرة، يثير المزيد من الأسئلة التي تتعلق هذه المرة بالرئيس المنتخب دونالد ترامب.
في تطورين فصلت بينهما سويعات قليلة كانت كل من روسيا وأميركا تعلن أهمية تحديث سلاحها النووي، ففي روسيا، كان الرئيس بوتين قد صرح بأن بلاده تملك ما يجعلها أقوى من «أي معتد» وأنها بصدد تطوير ترسانتها النووية. والمعروف أن روسيا منذ بداية حكم الرئيس بوتين قد رفضت نشر الولايات المتحدة لنظم الدفاع الصاروخية فى أوروبا بالقرب من الحدود الروسية.
ولم تقبل أبداً الزعم الأميركي بأن تلك النظم الدفاعية موجهة نحو دول أخرى، ومن ثم سعت دوماً لتطوير سلاحها النووي للمواجهة، لكن ما هي إلا ساعات حتى كان دونالد ترامب يخرج بتصريح ليس له سياق معروف قال فيه إنه ينبغي لبلاده أن تقوم «بتقوية وتحديث قدراتنا النووية بشكل كبير» وهي عبارات فضفاضة لها أكثر من معنى.
وهو ما فسره المراقبون فى الولايات المتحدة بأنه جاء بعد سلسلة لقاءات لترامب مع جنرالات المؤسسة العسكرية الأميركية بمن فيهم المسؤولون عن تطوير تلك الأسلحة تحديداً، لكن ترامب كان هو نفسه الذي قال أثناء الحملة الانتخابية أن السلاح النووي هو «أكبر مشكلات العالم اليوم».
المدة الزمنية التي فصلت بين تصريح بوتين وتصريح ترامب قد تكون مؤشراً على وجود علاقة بين التصريحين، وقد لا تكون، وإن كان من غير الواضح طبيعة مثل تلك العلاقة، خصوصاً في ضوء إعلان موسكو ونفي واشنطن تجميد الاتصالات بين البلدين.
وإلى جانب ما يثيره كل ذلك من أسئلة، فالمؤكد أن المؤسسة التشريعية الأميركية ستلعب هي الأخرى دوراً حيوياً في تشكيل العلاقة مع روسيا، وهو ما بدأ يحدث بالفعل، فقد أصدرت قيادات جمهورية بارزة فى مجلس الشيوخ بياناً مشتركاً مع قيادات الديمقراطيين، أكدوا فيه عزمهم على فتح تحقيق شامل بخصوص ما أعلنته أجهزة الاستخبارات الأميركية عن وجود تدخل روسي في الانتخابات الأميركية.
وأعلن عدد من أولئك الجمهوريين أيضاً معارضتهم لاختيار ريكس تيلرسن وزيراً للخارجية، وهو الذي يحتاج موافقة مجلس الشيوخ لتولي المنصب رغم أن رموزاً جمهورية مهمة تبذل جهداً حثيثاً لإقناع قيادات الجمهوريين في الكونجرس بالموافقة على تعيين تيلرسن.
وإذا كان مثل ذلك الكم من الأسئلة وعدم اليقين هو حال مستقبل العلاقات الأميركية- الروسية في عهد الإدارة الجديدة، بينما تظل تلك العلاقات هي عادة على قمة الأولويات لدى واشنطن، فلا بد أن الأمر نفسه ينطبق بالضرورة على علاقات أميركا بدول العالم الأخرى.
615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع