عبد الكريم ابراهيم
يسعى المصرف المركزي العراقي جاهدا الى حذف اصفار من العملة الحالية واعادة استعمال الفئات النقدية الصغيرة التي اختفت عن التداول بسبب تدني قيمتها الشرائية لدرجة ان الاجيال الجديدة لاتكاد تعرف عن النقود المعدنية سوى ذكريات الكبار وما يحُفظ منها لاغراض شتى ، واحيانا تنتابني الحيرة عن كيفة حصول بعض الحكام الرياضيين العراقيين على العملات المعدنية عند بداية كل مباراة لاجراء القرعة لاسيما في المباريات الشعبية وان كان هناك نموذج معدني مخصص لهذه الغاية ومعتمد من قبل الاتحاد الدولي .
يتردد على لسان بعض كبار السن مفردات تحتاج الى تفسير لفهمها لأنها تمدد الى عقود مضت وقد توارثتها الاجيال السابقة حتى اليوم . ولعل جدي رحمه الله من الذين يملكون قاموسا مفعما بالكثير من المصطلحات التي تحتاج اجيال اليوم الى مفسر لمعرفة معانيها المعاصرة ،حيث اصيب بالدهشة وانا اسمعه يردد مفرادت ( ماسيرة ، قُلقُ، ملكي ، أفندي ،عانة ، اقران ) وعندما احاول ان اطب منه مبلغا بسيطا من المال يتعذر بشدةٍ ويقول ( جدو ماعندي قمري ) ولم اكن اعرف معنى الكلمة الاخيرة ولكنها تعني حسب ما تبدو عدم امتلاكه اي مبلغ من المال .وفي المقابل كانت جدتي رحمها الله عندما تورد في حكاياتها الجميلة كلمات ( اقران ، روبية ، عانة ) ولعل اشهر تلك الحكايات قصة ( الملك احمد ) وكيف دفع ( 1000) ليرة مجيدي مهرا لحبيبته ،وعندما اسألها عن هذه المصطلحات النقدية تقول ( انها فلوس ذاك الزمان ) . بعض الاحيان يدفع فضول الاطفال ابني الصغير بسام الى العبث في بعض الاملاك الخاصة - طبعا ليست عمارات ودورا- بل هي عبارة عن اشياء واوراق ثبوتية قديمة تعود الى الحقبة العثمانية وبدايات تأسيس الحكومة العراقية ورثتها عن جدي . يجد هذا الصغير مجموعة من النقود المعدنية التي احتفظ بها تذكارا يلعب بها لأنها من النوع القابل الى الدحرجة والدوران واصدار الاصوات عند اصطدامها بالارض او مع بعضها البعض ، لم يكن يعرف قيمتها المالية في وقتها وان الدرهم ومائة فلوس كانت دخل عائلة عراقية في وقت ما .
قبل دخول بريطانيا الى العراق عام1914 كانت الليرة العثمانية واولادها هي السائدة التي تعرف بـ( المجيدي) نسبة الى السلطان العثماني وهي من الذهب الخاص ،وبعد صدور العملة العراقية ومنع تداول الليرة العثمانية اصبحت قلائد واقراطا ذهبية تتزين بها النساء ودخرا لعاتيات الزمن الاعبر ، اما (القمري ، القرش ) فهي من اجزاء الليرة . بعد دخول الانكليز واحتلال العراق دخلت ( الانة وروبية ) الهندية حيث كانت الاولى مصنوعة من النحاس الاحمر ( الصفر ) وفي حين كانت (الروبية ) مصنوعة من الفضة وظل العمل بهذه النقود حتى عام 1932. اما (العانة ) و ( القران ) فهي من العملات المعدنية التي صدرت بعد عام 1932 وصدور اول دينار عراقي من النوع الورقي والذي كان يعادل الف فلس ،و( العانة ) عملة معدنية مصنوعة من مادة النيكل قيمتها اربع فلوس وعامة العراقيين يطلقون عليها هذا الاسم ، اما ( الاقران ) يعادل عشرون فلسا وهو ايضا من النقود المعدنية المصنوعة من الفضة . استمر اصدار العملات المعدنية حتى بعد عام 203 حيث تم توزيعها على الموظفين ولكن ضعف قيمتها الشرائية جعلها تصبح مجرد وسيلة لهو للاطفال . يعمد الكثير من العراقيين في السابق الى عمل كيس من القماس لحفظ النقود المعدنية حيث لم تكن حافظات النقود معروفة كما هي الان ،ويختلف حجم هذا الكيس تبعا لطبيعة عمل حامله حيث يكون كبيرا لدى اغلب الباعة الذين يضعونه تحت ثيابهم بعد ان يأتزروا وسطهم بحزام للحيلولة دون سقوطه ولاجل الحفاظ عليه من اللصوص. اما النساء لاسيما من كبيرات السن يعمدن الى وضع هذه النقود بطرف عصّابهن ثم يقمن ربطها باحكام لعدة مرات وعندما يطلب احد الاحفاد من الجدات مبلغا بسيطا فعليه الانتظار وقتا لابأس به لاجل فك عقد (العصّابة) المحكمة الربط . اما الاطفال فتغريهم اصوات العملات المعدنية وتصادمها مع بعضها البعض لذا يعمد الكثير من هؤلاء الى تصريفها الى فئات اصغر كي تبدو على انها كثيرة عند وضعها في الجيب كنوع من تباهي الاطفال امام الاصدقاء ،ولعل مواسم الاعياد هو مصدر فرح لأغلب الصغار لانهم على موعد مع ( العيدية ) التي يطيرون بها الى اقرب ساحة للالعاب ( الفرجة ) .
وربما بعد تغيير العملة وضخ بديل جديد عنها لابد ان تكون النقود المعدنية حاضرة في هذا التغيير وما يعني العودة الى ايام الدرهم والربع والنصف والدينار وقد تبتكر الصين كيسا جديدا مخصصا للعراقيين لحفظ عملتهم الجديدة يستمد رؤيته من الماضي ومعاصرة اليوم .
*الماسيرة : الممرضة .
*الُقلقُ: مركز الشرطة .
*الملكي : الرجل الذي يلبس القميص والبنطون ولا يضع على رأسه اي انواع من اغطية الرأس .
783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع