أ. فؤاد يوسف قزانجي
مدخل
سبق وان كتبنا او اشرنا الى الديانات السماوية المهمة الثلاث او بالاحرى الخمس وهي اليهودية والمسيحية والاسلام وكذلك ايضا الصابئية و الايزيدية . اما بالنسبة الى الديانات غير السماوية فهي شأن آخر .
اهتم الانسان منذ القديم اي قبل ظهور الحضارات القديمة، بتطوره الروحي ،خاصة في بداية اهتمام الانسان بالطبيعة ،في حوالي ظهور المدنيات الانسانية الاولى منذ الالف الخامس قبل الميلاد في انحاء عدة في العالم والتي نشأت قبل قيام الحضارات التاريخية اولا في بلاد مابين النهرين اي العراق القديم في حوالي 3200 قبل الميلاد ، حينما نشأت الكتابة المسمارية التي كتبت على الرقم الطينية، وهي اساس الحضارة السومرية الاولى التي انتقلت من العراق القديم الى جميع بلاد الهلال الخصيب ، ثم تلتها الحضارة في مصر القديمة في حوالي 3000 ق.م. وبعدهما قامت حضارات اخرى .
حاول الانسان اولا السيطرة على عالمه والعناية بحياته الخاصة وبيئته بتقليد مايراه حادثا في الطبيعة ،مما ادى الى قيامه بالتفكير في الشعائر الدينية، وربما بعض الاعمال الغيبية في مجالات عدة من حياة الانسان الاولى . وبدأ الانسان يبحث في وجوده بعد الاف السنين الى ان فكر في التجمع في قرى ثم في بلدات وبناء البيوت بعد معرفة الزراعة .
حاول الانسان اولا السيطرة على حياته ثم سعى الى حماية ارضه ومدينته وعرف الزراعة والاستقرار، واخذ يفكر فيما حوله وفوقه من روائع الطبيعة فالشمس المشرقة تمده بالدفىء والقمر يضيئ ليله الحالك والمطر يسقي زرعه ، يقابلها العواصف والثلوج ومعهما البرد . كل ذلك جعل الانسان يفكر بوجود خالق لايراه ينبغي احترامه ، وقد تصوره باشكال مختلفة ، وكان الاله الاول في بلاد بين النهرين اي العراق القديم مصنوعا من الطين . وبعد ان توجه نحوه بدا بالتقرب اليه مما ادى الى استعمال الشعائر وابتداع الدعاء ثم الصلاة والرقي وربما بعض الاعمال الغيبية .وقد يكون في بلدان اخرى صنع الهه من الحجر ، او رسمه في الكهوف، وهكذا عبد الانسان الهة تمثل الطبيعة او مظهر منها كالشمس التي عبدها البابليون ،ثم المصريون القدامى، والقمر الذي عبد في شبه الجزيرة العربية ، و العاصفة التي عبد الهها في بلاد كنعان .
الا ان الانسان تطور بعد فترة بعد ان ظهرت الحضارات في المشرق اولا ثم في اليونان وغيرها ووصل الى حد النضج الفكري و التفكير بوجود الله في القرن الثاني قبل الميلاد كما تذكر المصادر اليهودية : بظهور رجل مؤمن في اور بلاد مابين النهرين اي العراق القديم هو ابراهام ، وفي القرن الاول ق.م. ظهر النبي موسى في مصر ، الذي قاد شعبه اليهودي الى ارض كنعان (فلسطين ) ، وبعد ذلك كتب النبي عزرا نقلا عن الوحي المقدس الذي استلهمه موسى ، خمسة اسفار كانت بداية العهد القديم والتي سميت بالتوراة ، وذلك في الاعوام440-400 قبل الميلاد . فتفتحت عقول المؤمنين واكتمل العهد القديم في حوالي 100 ق.م. على يد الانبياء اليهود الاخرين .
اما الديانات غير السماوية فقد بدأت قبل الديانات السماوية في العالم بزمن طويل وذلك على الارجح منذ الالف الخامس قبل الميلاد كما تذكر المصادر الهندية ، لكن تشابه الاديان القديمة في المفاهيم لدليل قوي على انها لم تبدأ كل واحدة بمعزل عن الديانات الاخرى في العالم . ولذلك فان رواية الطوفان في بلاد مابين النهرين وجد صداها في الديانة الهندوسية ايضا . وعموما فان اي دين يهدف الى ان يؤمن الناس به ، ينبغي ان ينتج ثمرا طيبا بين الناس ولا يتهم المؤمنين من اصحاب الديانا ت الاخرى بالفساد ،فاضطهاد الاخرين ضد وصايا يسوع المسيح . وقد كتب المؤرخ المعروف ارنولد توينبي قائلا :
( ان القصد الحقيقي للدين الاسمى هو بث النصائح والقيم الروحية التي هي جوهره في اكبر عدد من الناس يمكن ان يبلغه،لكي تتمكن كل واحدة من تلك الانفس من تادية الغاية الحقيقية للانسان وهي تمجيد الله والتمتع به الى الابد .)
ان ابرز الديانات غير السماوية مايلي :
1-الديانة الهندوسية
وهي من اقدم الديانات الروحانية في العالم ،اذ نشأت في الالف الخامس قبل الميلاد بحسب المصادر الهندية ، وانتشرت في الهند و النيبال . ان ابرز نصوصها هي الفيدا والاباثيساد ورامايانا والبهاكافا والاكاما . ويبلغ عدد اتباعها حاليا زهاء 890 مليون يعيشون في الهند وهي على الارجح اكبر ديانة غير سماوية .
تقوم ديانتها على الاهتمام بنظام اجتماعي وروحي، اعتمادا على اخبار الملائكة التي وصلهم بلغة الفيدا مع شروحها ،والتي كان يعرفها في بدايتها 18 حكيما ، وقد جاءهم الالهام بواسطة الملائكة ،الذين دونوها قبل خمسة الاف سنة تقريبا . وتقسم الى اربعة اقسام وهي ليست دينا ، بل انها طريقة او اسلوب حياة اكثر منها قيما روحية . ويرجح رجال الدين الهندوس ان نشأة الهندوسية كان بين الالف السادس ومنتصف الالف الثالث قبل الميلاد . الا ان معتقداتها الحالية التي تسمى (الركيفيدا ) ترجع الى الاعوام 1700-1100 ق.م. وان الهتها هي اندرا و فارما واكني . وللهندوس طقوس يقدمون فيها اضحيات ، كما انهم مشهورون برياضة اليوكا وهي رياضة اشتهرت في العالم حيث تتحكم في التفكير والحواس بحسب اعتقادهم . وتقسم الى اربعة طقوس هي الشيفية والفايشانية والاسماريتية والشيكية .
2-الديانة البوذية
وهي حاليا اشهر الديانات غير السماوية في العالم لان معتقديها لايميلون الى العنف ابدا .ظهرت في القرن السادس ق.م. في الهند، حيث ولد فيها سيدهارتا كوتاما في عام 560 ق.م. والملقب بوذا اي المتنور . ان فلسفته ترتبط بالانسان نفسه، وهي فلسفة اكثر منها بحثا عن الروح، اذ ترتبط بالانسان المؤمن بافكارها وتقاليدها ، وترى ان النور الحقيقي ينبعث من الانسان نفسه ، حينما يعتمد في حياته على جملة قضايا: وهي التفكير السليم والحق تجاه نفسه، والقيام باعمال حسنة ، واخيرا التواضع وعدم استخدام العنف .
عرفت البوذية خارج قارة اسيا حديثا لدى الديانات غير السماوية الاخرى لانه في اعتقادهم ان بوذا او بودا يعد نبيا متنورا او منورا وقد قال قبل وفاته :
(اطلبوا الخلاص وحدكم في الحق ، لاتعتمدوا على احد سواكم من اجل المساعدة ) وهكذا استنادا الى فلسفة بوذا فانه لايأتي التنور من الالهة، بل من الجهد الشخصي في استخدام الحق . كما اكد على ضرورة ان يتبع الانسان في الحياة اراءا سليما وعيشا سليما وفطنة سليمة وتاملا سليما !
انتشرت البوذية في الهند اولا في القرن الثالث ق.م. بعد حوالي 200 سنة من موت البوذا في ايام الامبراطور اشوكا ، ولكن بعد وفاة الملك عاد الاهتمام بالهندوسية في الهند . لكن البوذية انتشرت خارج الهند بعد ذلك: في سري لانكا(سيلان سابقا) وشبه جزيرة كوريا والتبت وتايلاند وماينمار (بورماسابقا) التي يجلس بها ممثل البوذية في العالم عادة ،وقد شكى ممثل بوذا عدة مرات من اضطهاد السلطات الصينية له. وبحسب الموسوعة البريطانية لسنة 1989 فان اتباع البوذية يقدرون في العالم بحوالي 300 مليون نسمة .
3- الديانتان الطاوية والكونفوشيوسية في الصين .
انتشرت الطاوية والكونفوشيوسية تدريجيا في الصين اكبر دولة في العالم من حيث السكان ( حوالي مليار وربع المليار ) .
كانت الطاوية فلسفة دينية مؤسسها لاو-تزو او لاودزو الذي عاش في القرن السادس ق.م. وكان موظفا مثقفا وكاتبا لحفظ الوثائق الامبراطورية في منطقة الصين الوسطى ، كتب عن حياته احد المؤرخين في البلاط يدعى زوما تشين بين القرن الثاني والاول ق.م. الذي اضاف الى انه غرض الانسان ليس ان يعيش طويلا كفاية ثم يموت، انما ليحيا دوما بحسب المذهب الطاوي وقول المعلم جوانك ، الذي ظهر بين369-286 ق.م. :(لاشيئ في الكون دائم لان كل شيئ انما يحيا طويلا كفاية ليموت، وان (الداو وحده يدوم الى الابد) . كما انتشرت بين رجال الدين الطاويين حكايات اسطورية عن اناس خالدين يستطيعون الطيران على الغيوم .. الخ .
اما الكونفوشيوسية فتعاليمها جائت من السماء !
للكونفوشيوسية اربعة كتب اولها العلم الاكبر (دا شوه) ، والثاني العقيدة الوسطية اي جونك يونك ومعناه ايضا تطوير الطبيعة البشرية بالاعتدال ،والثالث المنتخبات او لون يو ،وهو مجموعة من اقوال كونفوشيوس،ثم كتاب منشيس اي منك-دزو ويتضمن كتابات احد اهم تلاميذ كونفوشيوس . كما ان هنالك كتبا مهمة اخرى تسمى الكتب الادبية الخمسة ، مما يدلل على علو ثقافته ومعرفته في عصر سحيق .
ولد كونفوشيوس في بلدة دسمو في مقاطعة جيك-نيك في عام 551 ق.م. اي بعد ولادة بوذا بسنوات قليلة ،وتوفي في سنة 479 ق. م. في بداية شبابه طاف في الصين ومارس تعليم المبادئ الاخلاقية والمعرفية ،سرعان ما صار له حوالي 3000 تلميذ ،والملفت للنظر ان يسوع المسيح في تاريخ لاحق استعمل اسلوبا مماثلا حينما قدم الى اورشليم واختار له 12 تاميذا منهم الاربعة اللذين كتبوا الانجيل بوحي من الله .
آمن معظم الصينيين بهذه الديانة حتى نهاية السلالات الحاكمة في الصين في سنة 1911 . فصارت الطاوية اولا موضع نقد ثم تبعتها الكونفوشيوسية التي صنفت بصفتها تؤيد الاقطاع .وبعد انحسار الشيوعية في الصين اتصل الصينيون باوربا وبدأوا يتعرفون على العالم من جديد، فمال كثيرا منهم الى قبول ديانات اخرى تدريجيا ،و اهتموا بالثقافة والعلوم الاوربية ، وهناك اكثر من3600 طالب تخرج فقط من الجامعات الامريكية والاوربية حديثا . وتدريجيا تحول كثيرا من الصينيين الى المسيحية وتذكر موسوعة ويكبيديا ان عدد الصينييون الذين تحولوا الى المسيحية حتى عام 2010 بلغوا 58 مليونا .
4- الديانة الشنتوية
دين نشأ في جميع انحاء اليابان منذ القرن السادس للميلاد ، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، بدأ حوالي ربع سكان اليابان ، وهم حوالي 100 مليون نسمة ، يغيرون ديانتهم الى البوذية المسالمة او المسيحية .
انتشرت اولا البوذية في اليابان ،لكن سرعان مانافستها الشنتوية التي اعتمدت على طقوس خاصة بالزراعة جرى تطويرها مع عبادة ارواح الاسلاف لآنه في فلسفتها ان النفس خالدة ولذلك اعتبرت الهة الطبيعة والهة الاسلاف ارواحا تطير في الفضاء ،ولكنها لاترى ، و في الاعياد يدعونها لتنزل في المواقع والمعابد المقدسة . تقول الاسطورة الشنتوية ان الاله الكبير (آزاناكي) حينما غسل عينيه ولدت الالهة (اماتراسو) الهة الشمس ،ولذلك انتشرت في جميع انحاء اليابان .
ليس للديانة الشنتوية مؤسس معروف او كتاب شبه مقدس لها .انما اعتمدت على ماكتبه رجال الدين الشنتويين من صلوات وادعية عن الطبيعة التي تمدهم بالحياة وكن مايعتبر ذا قيمه في حياة الناس، وتجعل الانسان ينسجم مع مجتمعه . اما اذا اراد الانسان ان يتحد بالالهة فعليه ان يكون نقيا وطاهرا ، وهناك طقسان لتطهير النفس: هما اواهاري و ميسوكي. فالاول يقوم به الكاهن الشنتوي باخذ غصن من شجرة تسمى الكاكي والتي تكون عادة دائمة الخضرة مع خيوط توضع على الشخص المراد تطهيره او يستعمل الكاهن الماء لتطهيره .
في القرن الثامن عشر للميلاد، عمد رجال الدين الشنتوي على رفض بعض التقاليد التي جاءت من الصين التي تداخلت مع ديانتهم ، وقام احد كبار رجال الدين وهو (هيراتا )بربط الشنتوية بتوقير الامبراطور، وروج لجعل الشنتوية دين الدولة الرسمي واستمر الامر كذلك حتى احتلال اليابان من قبل امريكا بعد الحرب العالمية الثانية . وتحول حوالي ثلاثة ملايين ياباني الى الديانة المسيحية ،وحوالي المليون الى البوذية .
5-الديانة السيخية
ديانة هندية، رمزها هو ثلاثة سيوف ودائرة في وسطها ، وهم طائفة كبيرة في الهند تبلغ حوالي 17 مليون نسمة ، معظمهم يعيشون في ولاية البنجاب . واهم مركز لهم المعبد الذهبي القائم في وسط بحيرة صناعية تقع في مدينة (امريستار) وتعتبر مدينة مقدسة لديهم .تعني كلمة سيخ بلهجتهم (تلميذ) . مؤسسها ( كورنانك) واتباعه معروفون بتعاليم العشرة كورو ، وهناك تسعة خلفاء تابعين الى النبي نانك. بدأت ديانتهم بالانتشار في القرن السادس عشر للميلاد عندما ادعى كورناك بانه اخذ افضل تعاليم الهندوسية ، ودعى الى التاخي بين الديانات في الهند قائلا :(بما ان هنالك الها واحدا فقط وهو ابونا، لذلك لابد ان نكون جميعنا اخوة). ودعى الى هدم الاصنام ، وعندهم ان النفس خالدة (ربما يقصدون الروح؟). وهم يفضلون لبس غطاء الرئس بصورة دائمة ،لكن للرجال فقط .
اهم المصادر
1-Mankind,s Search for God. Watch Tower Bible and Tract Society.Pennsylvania. U.S.A. 1990
799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع