تولستوي يرفض حقوق التأليف فيكتور شكلوفسكي

                                                   

                          ترجمة أ.د. ضياء نافع

فيكتور بوريسوفيتش شكلوفسكي (1893- 1984) – اديب روسي معروف وناقد ادبي ساهم في مسيرة الادب الروسي منذ عام 1914 الى وفاته, والمقالة التي نقدمها للقارئ هنا مترجمة –بتصرف- من كتابه الموسوم (تولستوي) والذي صدر بعدة طبعات, وهي تتناول بعض افكار تولستوي الفلسفية .

ض.ن.

                                          

كانت واقعية تولستوي – واقعية فلاح جاء الى المدينة وشاهد الحياة الصاخبة, وتحولت الى خطوة جديدة في تطور الفن في روسيا والعالم ايضا...لقد وطٌد تولستوي واقعيته عبر صراع مع شكسبير,الذي كان يرى فيه عبقرية كبيرة, ويمتلك تجربة عظيمة , ولكنه-مع ذلك- يصٌور اشياء غريبة وغير اعتيادية –(ان ابطاله لا يتكلمون كما يتكلم الناس الذين نعرفهم, وما يفعلونه لا يشبه ابدا ما نجده في القرية الروسية)...
لكن واحدة من كبريات المعجزات التي خلقها العقل الانساني –هي تلك الاهمية الخالدة للنتاجات الفنية,هذه النتاجات التي خلقها الفنانون بفعل ظروف محددة, ثم اخترقت تلك الظروف, وبقيت تعيش بعدها ايضا, ودخلت مرحلة الخلود.
...لقد سخر تولستوي من الملك لير- (هذا لا يحدث في الواقع) هكذا كان يفكر تولستوي - ملك يتكلم بكلمات غريبة, ويوزع المملكة بين اطفاله,ثم يطرده هؤلاء الاطفال, ويذهب مع خادمه الى مصير عاصف.
الممثل ميخوليس, الذي كان يستعد لتمثيل دور الملك لير, قرأ مقالة تولستوي عن شكسبير, واعجب بها جدا, ولكنه قال – (تولستوي رفض الملك لير...ولكنه يقوم بتمثيل دوره, اذ انه وزع ثروته وذهب الى المنفى ...)
من المستحيل (خروج) الانسان من الحياة, الا ان انصار تولستوي حاولوا ذلك...أسسوا مستعمرات زراعية, مارسوا الاعمال اليدوية, وترك بعض اساتذة الجامعة اماكن عملهم وكذلك فعل بعض المثقفين وذهبوا ليحرثوا الارض, وحرثوها بشكل سئ طبعا...وتولستوي(الذي كان يحلم بالماضي, ويؤمن به,لكنه يعيش في الحاضر)كتب يقول –(ان الذهاب الى الكومونة, والكومونة نفسها ,والاحتفاظ بها في هذا النقاء – كل هذا خطأ وخطيئة...ان الانفراد بهذا الشكل من اجل ان يحتفظ الانسان بنقائه – قذارة كبيرة وهائلة)
وفعلا استمرت هذه العملية حوالي ثلاث سنوات لا اكثر, وكان المشاركون فيها يكتبون عن تجربتهم كما لو كانت معجزة... وفي هذا لم تكن هناك اية حقيقة... وكتب تولستوي نفسه يقول – (ان العمل الحقيقي هو العمل الاعتيادي, وليس العكس.)
ولكن اولاد تولستوي وزوجته بدأوا يطالبون بتقسيم الارض عليهم...ما العمل,حين يحيط بك الاقرباء الغرباء, حين يناقشونك كل يوم, حين ينظرون اليك بعيون الماضي, وهم يشبهونك لانهم اطفالك...ما العمل؟ قال تولستوي لاحد اصدقائه- (يجب علي ان اوقع الوثيقة, التي ستنقذني من الملكية, ولكن التوقيع يعني – التراجع عن المبدأ... ومع هذا فاني ساوقع لاني ان لم افعل- ساجلب الشر...)
ويوقع تولستوي وثيقة تقسيم الارض والثروة بين اولاده وزوجته ويكتب بعد فترة يقول –( لقد جلبت بذلك التوزيع شرا عظيما للاطفال. ان هذا يناقض افكاري ورغباتي وكل شئ اعيش من اجله.)
بعد تقسيم الارض والثروة, كان على تولستوي ان يقرر مسألة اخرى- حقوق التأليف.
في عام 1891 يقول تولستوي لزوجته,انه سيكتب رسالة الى الصحف يعلن فيها رفضه حقوق تأليف مؤلفاته كلها. صوفيا اندرييفنا تصمت... وتمر ايام اخرى ويعود تولستوي الى الكلام عن هذا الموضوع نفسه ... وتكتب صوفيا في مذكراتها – ( في هذه المرة لم اكن مستعدة ... شعرت بكل الاجحاف الذي تعنيه هذه الخطوة بالنسبة للعائلة, وشعرت لاول مرة, ان هذه الاحتجاج سيكون اعلانا جديدا عن الخلافات مع العائلة والزوجة, وكان هذا يقلقني اكثر من اي شئ آخر... ولقد ناقشنا بعضنا وكلانا خاطب آلاخر بما لم يكن لائقا... اذ اني اتهمت تولستوي بالتعطش للمجد والتكالب في البحث عنه, اما هو فقد اتهمني باني احتاج الى الروبلات, وانه لم يقابل في حياته امرأة اكثر مني غباءا وبخلا, ثم قلت له, كيف انه كان ينتقص مني طوال حياتنا, وانه لم يتعود التعامل مع النساء الشريفات, فاتهمني بدوره, باني لا افسد الاطفال الا بتلك النقود التي استلمها...ثم أخذ يصرخ في النهاية – اخرجي ... اخرجي...)
كان الموضوع حتى الآن يدور عن رفض تولستوي لحقوق تأليف النتاجات الادبية الاخيرة, اما الاجزاء الاحد عشر فقد كانت لا تزال تعتبر ثروة كبيرة للعائلة...لكن النقاش كان يدور في الوقت نفسه عن قوانين الحياة بشكل عام, وعن حق التملك بالنسبة لصوفيا, اما بالنسبة لتولستوي فقد كان جوهر الحوار عن – (ضعف تلك الاعمال التي كانت قادرة على ان تخدم الحقيقة...)
صوفيا اندرييفنا كانت تبكي, وتقرر (الهروب) الى الغابة وتخجل من الحارس الذي رأى دموعها, وتصل الى (حديقة التفاح) وتجلس لتكتب تلك المقاطع في دفتر مذكراتها, تكتب بقلم رصاص كان معها في تلك اللحظة, وتنهي تلك المقاطع بتلك الجملة – ( الحياة مع ليف نيقولايفتش تعذبني.)
في شبابها, ايام الخلافات الحادة, كانت صوفيا تفكر بالانتحار, اما الآن , فانها اكتفت ب(الهروب) الى حديقة التفاح.
وتقرر صوفيا ان هذه هي ارادة الرب...ولكنها مع هذا ارادت ان (تدفن) نفسها في اعماق الحديقة... وكتبت كل هذا يوم 21 تموز/يوليو, اما تولستوي نفسه, فقد كتب في دفتر مذكراته يوم 22 من الشهر نفسه ما يأتي- ( امس, كان حديثي مع زوجتي عن الرسالة الخاصة برفض حقوق التأليف. من الصعب ان اتذكر, ولكن الشئ الرئيس هو وصف كل شئ,كما حدث) بعد هذه الجملة يظهر (19) سطرا مشطوبا, ثم يقول –( بدأت الحديث بانها قالت مساء, ونحن نتهيأ للنوم, بانها موافقة. لقد حزنت عليها )
ويمضي الوقت...ثم يبدأ تولستوي مرة اخرى في مراسلة الصحف... وكان الحديث هذه المرة يدور حول رفض كل الحقوق الخاصة بالمؤلفات جميعها...الموضوع يسير ببطء,وفجأة بدأت اشاعات مخيفة عن الجوع الذي سيهاجم روسيا...وتمر فترة قصيرة وتتحقق فيها تلك الاشاعات. ويمضي وقت آخر, ويأتي يوم 16 ايلول / سبتمبر 1891, ويكتب تولستوي الرسالة الآتية ويبعث بها الى الصحف-
السيد المحترم..
كثيرا ما استلم طلبات حول السماح بنشر مؤلفاتي او ترجمتها او مسرحتها, ولهذا, ارجوكم ان تنشروا في جريدتكم ما يأتي –
اخول جميع الراغبين في روسيا او في خارجها حق طبع جميع مؤلفاتي وترجمتها ومسرحتها, التي طبعتها في (11) جزءا عام 1886, وتلك التي طبعتها في (12) جزءا عام 1891,وما طبعت منها هذه السنة(1891) في (13) جزءا, وما لم يطبع من المؤلفات في روسيا,فضلا عن تلك المؤلفات التي يمكن ان تظهر بعد اليوم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع