نحن نعانق السماء – الجزء الثالث

                                                

                        د.علوان العبوسي

       

   

      نحن نعانق السماء – الجزء الثالث

   

الفريق الأول الركن الطيار عدنان خير الله وزير الدفاع يزور قاعدة كركوك

        

الفريق الأول الركن الطيار عدنان خير الله «رحمه الله» إنسان وقائد مقاتل شهم شجاع، وذو خلق عالٍ، وكفء جداً في مجال عمله ، التقيته أول مرة بعد حرب تشـرين 1973 في المكتب العسكري في موضوع يتعلق بأسراب الهجوم الأرضي الأول والخامس والثامن ، بعد مساهمتها في الحرب المذكورة ، وسلّمته مجموعة عرائض الضباط الطيارين تتعلق بقضايا شخصـية كان رحمه الله قد طلبها منهم لتكريمهم بعد اشتراكهم بهذه الحرب ، ثم التقيته مرة أخرى في مدرسة معلمي الطيران بقاعدة الرشـيد الجوية ، عندما كان يمارس الطيران فيها للحصول على شهادة الطيران الاساسي ،

    

عدنان خير الله وممتاز السعدون وعادل سليمان وعلوان العبوسي وعلاء الخفاجي وفيصل حبو وفؤاد نجم الدين والملحق العسكري في باريس ( وفد فحص طائرات الميراج والجاكوار 1975

ومرة أخرى في فرنسا في تشـرين الأول/ أكتوبر 1975 من خلال وفد القوة الجوية الذي أُرسل إلى هناك لتقييم طائرات الميراج والجاكوار الفرنسـية، والتي كان العراق ينوي شـراءها وبالتالي التعاقد عليها ، وعندها أعجبت بأسلوب مناقشته وطروحاته الفنية والعلمية الدقيقة مع الجانب الفرنسـي ، بالمقابل أشاد ، رحمه الله، بجهود الوفد لتقييم الطائرات ذات العلاقة ، وكانت لي العديد من اللقاءات المهنية في فترات لاحقة خارج مجال هذه المذكرات اثناء عملي في القواعد الجوية وقيادة القوة الجوية وجامعة البكر .
في حزيران 1980 على ما أذكر زار سـيادته قاعدتنا «قاعدة الحرية الجوية» مع قائد القوة الجوية الفريق الطيار الركن محمد جسام الجبوري، وبعد أن أطلع على أسلوب العمل داخل القاعدة شاع السـرور في نفسه ، لاسـيما أن القاعدة كانت قد حصلت على درجة جيد جداً لفحص الكفاءة الذي قامت بها لجنة من قيادة القوة الجوية بأجنحتها وأسـرابها، وبعد تناول طعام الغذاء في مطعم ضباط القاعدة، وقبل توديع سـيادته من قبل ضباطها سألنا إن كان هناك طلب معين أو مشكلة شخصـية خاصة ، آنذاك طرح السـيد قائد القوة الجوية موضوع إشـراكي في كلية الأركان الذي تأخر طويلاً، ورجا سـيادته إشـراكي في الدورة القادمة استثناءً من شـروط القبول، وذلك لكون سبب التأخير كان لعذر مقبول قصدته قيادة القوة الجوية ؛ لضـرورات إعداد وتدريب الطيارين الأحداث خريجي دورات وحدة الطيران العملي المتقدم على طائرات السوخوي22، وجعلهم فعالين تعبوياً لسد نقص الأسراب منهم، ورفع النسبة 1:2( 1) وقد أيّد ذلك آمر القاعدة المقدم الطيار الركن خلدون خطاب بكر ، وأشاد بجهودي المبذولة خلال الثلاث سنوات الماضـية، مستشهداً بمنحي وسام الطيران من الدرجة الأولى، والعديد من كتب الشكر من قائد القوة الجوية، كان جواب السـيد وزير الدفاع نعم أنا أعرف المقدم علوان العبوسـي قبل ذلك، وأنا موافق وغداً بإذن الله سـيصلكم كتاب الموافقة ويستاهل، في الحقيقة لا أستطيع أن أصف شعوري في تلك اللحظات المباركة، لقد كان كلامه هذا دافعاً لي بدرجة كبيرة، وبخاصة أمام كافة الضباط فما كان مني إلّا أن شكرته معاهداً له بأني سأستمر في تدريب الطيارين وإعدادهم، حتى بعد إكمالي كلية الأركان إن شاء الله.
في اليوم التالي للزيارة اتصل أمين سـر قائد القوة الجوية وأخبر آمر القاعدة بالموافقة على اشتراكي بدورة الأركان القادمة «دورة 47» في أيلول  1980 استثناءً من شـروط القبول «الرتبة، العمر، الأختبار».
هكذا كانت البداية
في صباح يوم 7/9/1980 استدعت وزارة الخارجية العراقية القائم بالأعمال الإيراني في بغداد، وسلمته مذكرة حول استمرار تجاوزات القوات الإيرانية خارج خطوط الحدود الدولية، ومطالبته بردود فعل عملية من إيران، وبالنظر لتسارع الأحداث وعدم اتخاذ أي فعل رسمي أو عملي لطلب العراق هذا، وفي الساعة 1500 من يوم 7 أيلول  1980 قامت قواتنا المسلحة بعملية عسكرية لتحرير الأراضـي العراقية المستولى عليها من قبل إيران، وتمكّنت من استعادة «زين القوس، والشكرة، وبير علي، وسـربنت»، وفي قاطع «سـيف سعد» شـرعت القوات المسلحة في صباح يوم 10 أيلول  1980 بتحرير واستعادة مخفري «هيلة وماي خضـر»، وفي يوم 16 أيلول  1980 حررت مخافر «الطاووس، والرشـيدة، والسفرية القديم والجديد» في نفس القاطع، وفي يوم 17 أيلول  1980 باشـرت القوات العراقية بالتقدم نحو مخفري «شور شـيرين، وهنجيرة» في قاطع «مندلي»، وتمكّنت من رفع العلم العراقي عليها، أما عمليات القوة الجوية، فاقتصـرت على مجال الاستطلاع الجوي «غير المسلح»، قامت بها أسراب جناح طيران قاعدة الحرية الجوية تحسباً لأية ردود فعل إيرانية تجاه قواتنا المسلحة، وكان لي شـرف المساهمة بعدد من هذه الطلعات في العمق الإيراني حتى منطقة «سـربيل زهاب»، وقد شاهدت من خلال هذا الاستطلاع حشوداً إيرانية متفرقة هنا وهناك، من الدروع والمدفعية الثقيلة ذكرتها في تقرير المهمة، ولكن لم يكن لنا خيار المعالجة في هذا العمق، بالإضافة إلى الدوريات الجوية للمتصديات في معظم قواعدنا الحدودية، التي استمرت منذ الصباح الباكر وحتى الضـياء الأخير.
 في 12 أيلول  1980 إلتحقتُ بكلية الأركان «كان عميد الكلية العميد الركن نعمة فارس المحياوي»، وباشـرنا الدراسة فيها بشكل منتظم يشوبه الحذر تحسباً لأي طارئ قد يحدث، واستمرت لمدة أسبوع فقط، ففي 17 أيلول  1980 قرر مجلس قيادة الثورة إلغاء إتفاقية الجزائر لعام 1975 وإعادة السـيادة الكاملة على شط العرب. وذلك لإخلال الحكومة الإيرانية بالاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها، واعتبر ما تقوم به إيران بحد ذاته انتهاكاً لهذه الاتفاقية، واعتبار إيران هي من ألغتها أولاً لهذا السبب.
ونتيجة لتتابع الأحداث بسـرعة وعدم امتثال إيران للنداءات التي وجهها العراق لها، وتحسباً للظروف والاحتمالات للأيام القادمة التقى عميد الكلية بالطلبة معلناً تأجيل هذه الدورة إلى إشعار آخر، وضمان حقوقنا فيها لحين تحسن الأوضاع مع إيران، عاد طلاب كلية الأركان جميعهم إلى تشكيلاتهم، وعدت أنا إلى قاعدة الحرية الجوية بمنصبي السابق آمراً لجناح طيران القاعدة.
في الساعة 1800 يوم 20 أيلول /سبتمبر 1980، حضـر إلى قاعدتنا العميد الطيار الركن أحمد خيري العاني مدير الحركات الجوية، وسلم على عجل آمر القاعدة ظرفاً كبيراً أبيض، مغلفاً بورق «الفابلون» الشفاف، ومحكم الإغلاق، ولم يفصح لنا عمّا هو موجود فيه، وطلب عدم فتحه قبل يوم غدٍ 21 أيلول، وغادر القاعدة مسـرعاً إلى قواعد أخرى لنفس الغرض، وقد تبين لنا أن هذا الظرف يحوي خطة عمليات قاعدتنا تجاه بعض الأهداف العسكرية الحيوية الإيرانية، موقعة من قبل السـيد قائد القوة الجوية الفريق الطيار الركن محمد جسام الجبوري.
اتخذت كافة الاستحضارات اللازمة لتنفيذ الخطة المذكورة وملخصها تجهيز سـربي طائرات سوخوي22 وسـرب طائرات ميج21 بالقنابل شديدة الإنفجار، المخصصة لتدمير مدارج وملاجئ الطائرات المحصنة، وقد كان الشعور السائد لدى الجميع أن ذلك بمثابة تمرين واسع على مستوى القوة الجوية «ذلك لكثرة التمارين لهذه الفترة»، والتي كانت في حقيقتها استعداداً للضـربة الجوية الشاملة( 2) تجاه إيران، وقد ساهم هذا الشعور في الحفاظ على سـرية العمل بشكل رائع وبالتالي ساهم في تحقيق المباغتة السوقية «الاستراتيجية» لتحجيم دور القوة الجوية الإيرانية في عملياتها اللاحقة.
(1). المقصود بهذه النسبة أي جعل لكل طائرة  عدد «2» من الطيارين  أو أكثر، وذلك لاحتمال المرض أو التعب، وبغرض زيادة نسبة الطيران للطائرة الواحدة «علماً أن طاقم طائرات الهجوم الأرضـي العراقية كلها تقريباً يقودها طيار واحد».
(2). الضـربة الجوية الشاملة: عبارة عن مصطلح يستخدم في القوة الجوية دلالة على استخدام كافة الجهد الجوي المتيسـر لتدمير الأهداف الاستراتيجية المعادية ومنع إشـراكها تجاه قطعاتنا ومواقعنا الحيوية. عادةً تكون في بداية العمليات العسكرية وتكون على شكل ضـربة جوية واحدة، أو ضـربتين جويتين، وبتوقيتات مختلفة.
يتبع في الجزء الرابع .

للراغبين الأطلاع على الجزء الثاني

http://algardenia.com/maqalat/28210-2017-01-31-08-35-52.html

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

733 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع