أ. فؤاد يوسف قزانجي
كانت كثير من مدن وبلدات العراق في العصر الفارسي-المسيحي ،بين القرن الاول و منتصف القرن السابع للميلاد، يسكنها مسيحيون من اصول آرامية او كلدية او اشورية ،تبدو احيانا من تسمياتها مثل بانقيا وبادقلي وكشكراي او كشكر وحيرتا (الحيرة) واليس وبارسما أو باروسما وعاقولا وبادقلي وكل هذه البلدان كانت في الجنوب الشرقي من العراق . ويذكر المؤرخ الثبت صالح احمد العلي عن منطقة بادقلي مثلا :
”وقد اخذ اسمه من نهير يمر بها ، كانت مركزا لزراعة تمر الدقل، كما يسمونه الاراميين “.(1) وكذلك الحال بالنسبة الى مدن وبلدات وقرى اخرى مثل باجسرا وباعقوبا ودير قنى وبدرايا او بدره وغيرها. كما كان في العراق ثلاثة مدن ذات اغلبية من السكان اليهود وهم بقايا السبي البابلي، من ابرزها حزا قرب اربيلا وسورا في شمال ولاية كرماي وماحوزا قرب كتيسفون ،اما الفرس فكانوا يتمركزون في كتيسفون وامغيشيا واربيل و نو-اردشير (الموصل) وفيه-اردشير قرب كتيسفون وغيرها.
سورا وحزا وماحوزي اليهودية
تركز اليهود من احفاد المسبيين في العهدين الاشوري والبابلي الحديث ،بعد سقوط بابل، في ثلاثة مدن عراقية قديمة هي حزا في ولاية حدياب ،و سورا في شمال ولاية كرماي ،حيث كان يعيش فيها كثيرا من اليهود من احفاد المسبيين من العصر البابلي كما سكنوا اخيرا ، في مدينة ماحوزا او ماحوزي المجاورة الى العاصمة قطيسفون، وان اسمها الارامي او السرياني يعود الى اولائك اللذين بنوها هم المسبيين المسيحيين من انطاكيا ،بعد الاستيلاء عليها ونهبها من قبل الساسانيين في بداية القرن السادس . اما كفرعوزيل،فارى انها قرية تابعة الى مدينة حزا اليهودية .
كانت سورا تعتبر مدينة مهمة في جنوب شرقي العراق، فيها يمر فرع لنهر الفرات، وكذلك لوجود جسر فيها اقامه الفرس على الفرات، يعبر عليه الطريق المؤدي الى عاقولا اي الكوفة فيما بعد ، وكذلك الى قطيسفون. يروي الاصبهاني “ ان الاقيشر لما عبر جسر سورا نزل بقرية تدعى (قبين) وتوارى عند خمار نبطي (اي ارامي) . كما ذكر الحموي في معجمه : ان سورا تقع قرب قرية الوقف،لكن المؤرخ د. صالح العلي يصحح له فيقول انها قرية القف ، وهي موضع قرب سورا خرج منها شبيب بن بجرة ،اما (الكلبي) فيذكر ان القف بين قريتي زبارا وتل يونا.(2) .
اما حزا فتقع جنوب مدينة اربيل بحوالي 18 كم التي اشتهرت عندما ذكر ان ابن حاكم ولاية حدياب قد اعتنق اليهودية في القرن الاول للميلاد،وكان الحاكم من حزا ،لكن بعد هذا القرن، نجد ان حزا تختلط مع اسم اربيل،ونرجح ان اسمها صار مرادفا لاربيل بعد ذلك. ويذكر الحموي ان هذه البلدة ينسب اليها (النصافي الحزية) وهي ثياب قطنية ، اشتهرت حزا بنسجها لها ، ولشهرتها سمع عنها الشاعر المسيحي الاخطل(ت.710) فقال:
واقفرت الفراشة والحبيا واقفر بعد فاطمة الشفير
ثقلت الديار بها،فحلت بحزة حيث يتسع البعير
بانقيا وباروسما واليس
بانقيا وباروسما واليس بلدات مسيحية في جنوب شرقي العراق،حط المسلمون في ارض بانقيا في منتصف القرن السابع واقاموا قرية تدعى النجف ،ويرد ذكر بانقيا في الاخبار الاسلامية: ان ابراهيم الخليل نزلها عندما خرج من كوثي ؟! ،وان اليهود كانوا ينقلون موتاهم الى كوثى،لان ابراهيم الخليل قال انه يحشر من ولده في ذلك الموضع؟. اما اسم النجف فيورد ايضا صالح العلي انها (اوني-وجف) في لغة الاراميين !؟
ويروي الطبري ان خالد بن الوليد بعد ان استولى على بلدة اليس ثم مدينة الحيرة او بالاحرى حيرتا، تقدم الى بانقيا ، وكانت بانقيا اسفل الفرات ،وقد اشتهرت بعلاقتها بموقعة الجسر عندما زحف المسلمون متحهين اليها. وكان اهل بانقيا هم الذين عقدوا الجسر الى ابي عبيدة . لكن المؤرخ الطبري يقول ان خالدا كتب الى صاحب بانقيا:”اعطيت عن نفسك وعن اهل خرجك وجزيرتك ومن كل من في قريتيك بانقيا وباروسما بألف درهم”. غير ان الطبري يعود ويذكر رواية اخرى عن بانقيا: ان خالد بن الوليد ضمن له ماعليها وعلى ارضها وعقد لنفسه ولاهله ولقومه على عشرة الاف درهم سوى الخرزة ، وكانت الخرزة على كل رأس اربعة دراهم” . واحتل خالد بانقيا وثم اليس ومن ثم احتل حيرتا اي الحصن والتي سميت (الحيرة)، وكان خالد قد حاصرها ووجد حصنا فقتل من فيه ثم احرق الحصن وهدمه، فلما رأى اهل حيرتا ذلك ، طلبوا الصلح واداء الجزية. وهذا مايؤكد على مسيحية المدينة . وكان صلوبا بن نسطورنا قد صالح خالد ايضا على بانقيا وباروسما واليس.(3)
ونظرا لاهمية مدينة بانقيا فقد اشار اليها الشاعر الاعشى قائلا :
فما نيل مصر اذا تسامى عبابه ولابحر بانقيا اذا راح مفعما
وقال ايضا:
قد سرت بين بانقيا الى عدن وطال في العجم تكراري وتسياري
ويبدوا ان بانقيا لم تؤخذ بسهولة، فهذا ابن الازور الاسدي يذكر الدماء التي اريقت من اجلها :
ارقت ببانقيا، ومن يلق مثلما لقيت ببانقيا في الحرب بأرق
و يذكر ان النجف بنيت مجاورة الى بانقيا ،لكن يبدو انها بعد فترة تداخلت مع بانقيا، فنسي اسم بانقيا واصبحت تاريخا . تقع النجف على بعد 160 كم جنوبي بغداد، و قد توسعت فاصبحت مدينة كبيرة ثم محافظة في عام 1976 . وتعد من المدن العراقية المهمة ، اذ دفن فيها الامام علي بن طالب،الذي اغتاله رجل فارسي عام 640 ، وقدبني على قبره جامع ،جدد عدة مرات ،وغلفت قبته ومنارتيه بالذهب ، ووضع حول مدفنه، شباكا من الفضة . كما توجد فيها المدارس الدينية الرئيسية للمذهب الشيعي .
اما بارسوما فذكر انها كانت طسوجا مع نهر ملك، قرب كشكر، وقداستولى عليها المثنى الشيباني، بعد ان صالح صاحبها المدعو فروخ .
وقد اجريت حديثا، تنقيبات سطحية ومستعجلة في الارض المجاورة الى النجف ،فعثر فيها على آثار بلدة بانقيا المسيحية بينها عدة كنائس واديرة ،اعيد طمرها تحت مدرج مطار النجف ؟، وهكذا جرى ايضا في العهد السابق بالنسبة الى الكنائس السبعة التي عثر عليها في مدينة تغريث (تكريت) التي ظلت ذات غالبية مسيحية حتى القرن التاسع للميلاد
اهم المصادر
1، 2، 3 - العلي، المؤرخ أ.د. صالح احمد .معالم العراق العمرانية . بغداد :دار الشؤون الثقافية ،1989 . الصفحات (93-103 )
800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع