خالد القشطيني
كان حزب العمال البريطاني في أوائل عهده يتكون من عمال وكادحين حقيقيين وليس من أبناء الذوات والطبقة المتوسطة كما هو اليوم.
ولهذا فعندما فازوا في العشرينات بالأكثرية وشكلوا أول حكومة عمالية تطوع أهل الخير لتوجيههم وتعليمهم. كان منهم برنارد شو. نصحهم فقال: ستصلكم شتى الدعوات لولائم فاخرة. عليكم أن تتذكروا أن هذه الولائم ستكون أرستقراطية وتتكون من عدة أطباق وليس من طبق واحد كما كنتم معتادين عليه في بيوتكم. صحن خضراوات مسلوقة وخلاص. ستتكون هذه الولائم من ستة أو سبعة أطباق. سيقدمون لكم طبق شوربة دجاج مع خبزة محمصة وزبدة منمنمة، يليها طبق من المعكرونة والمعجنات، ثم طبق ثالث من السمك المقلي والبطاطس، ثم رابع من لحم الضأن بالفاصوليا والجزر، والخامس من الحلويات والمرطبات، والسادس من الجبن والبسكويت، والسابع من القهوة والكريمة والشوكولاته.
لا تستعجلوا وتتصوروا أن الشوربة والخبزة أو المعكرونة هي كل ما سيقدم لكم، فتملأون بطونكم بها، ولا تتركوا حيزا للكافيار والسمك السلمون واللحمة الشاتوبريان وكل ما سيلي مما لذ وطاب.
تذكرت كلماته وأنا أفكر في كل هؤلاء الذين جاءوا من شتى زوايا العالم والشايخانات الشعبية وسوح التسكع والضياع ورأوا أبواب المجد والسلطة مفتوحة على مصاريعها غداة الثورات والانقلابات والانتفاضات وتدخل القوات الأجنبية. أعطاهم أصواتهم ناخبون لا يقلون جهلا بالكثير عنهم فتسلموا الحكم. مبروك عليكم. ولكن دعونا نفيدكم نصحا على طريقة هذا المفكر الواعي جورج برنارد شو. لا تتصوروا أن قائمة الرواتب المليونية المطروحة أمامكم على الطاولة هي كل ما سيقدم لكم. كلا! هناك ستة أو سبعة أطباق أخرى تأكلون منها هنيئا مريئا. سيليها طبق المخصصات ونفقات السفر ثم طبق عوائد النفط وطبق معدات القوات المسلحة، وطبق إصلاح المعدات الخربانة. أطباق لا نهاية لها. فلا تستعجلوا وتملأوا بطونكم من طبق واحد. كلوا من هذه المائدة الوافرة على مهل، شوية شوية، والبركة من الرحمن، لئلا تصيبكم التخمة فتقعوا ضحية لها كما حصل لأسلافكم. اختلسوا لقمة أو لقمتين من كل طبق ونزلوها رويدا وتريثوا حتى يتم هضمها جيدا في البنوك الأجنبية فلا تتجشأوا ولا تقرقروا ولا تتقيأوا وتخرج ريحكم وتظهر عيوبكم للحساد والمنافقين.
تمسكوا بالصبر فسرعان ما تنقلب المائدة ويتساقط كل ما عليها هباء منثورا على الأرض ويتعارك الندلة والخدم والطباخون والمجهزون والمقاولون، يشتمون بعضهم البعض على المسؤولية، فيتضاربون ويتقاتلون ويهب لنصرتهم كل من هب ودب وتتحول الوليمة إلى غنيمة وكسيرة. وهذه فرصتكم، فرصة جديدة لم تخطر لكم على بال. فكلوا يا أيها السادة، كلوا من هذه المادة.. كلوا يا أيها السادة!
543 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع