يعقوب أفرام منصور
ألحلُم بحياة أفضل
في يوم 30ـ10ـ 2010 لبّيتُ دعوة مركز الرجاء الثقافي في بغداد لحضور محاضرة ألقاها القس الدكتور فاروق بديل حمو، راعي كنيسة في أوستراليا، وبعنوان (الحلُم بحياة أفضل) تناولت مفهوم الغربة والهجرة إستنادًا إلى الكتاب المقدّس، ومن شأن مفاهيم ومعلومات المحاضرة أن تزيد صبر وإيمان المواطن العراقي المسيحي كما إعتقد المحاضر. وفي اليوم التالي 31ـ10ـ2010 أبردتُ إلكترونيًا مداخلتي إلى مدير مركز الرجاء الثقافي، ألأستاذ هاني قسطو؛ وقد حوت النقاط الأربع الآتية، شئتُ تبيانها الآن في أوان تصاعد موجات الهجرة بوتيرة متهافتة لها مضارّها ونتائجها السيئة حتى على المهاجرين أحيانًا وبعضًا بعد مُدد متفاوتة:
1ـ الحالات الفردية القليلة جدًا، المستقاة من (سفر التكوين)، الموحاة من الله إلى أشخاص معيّنين قليلين للغاية، وضمن نطاق ضيّق فحسب، هي حالات إيمانية بَحتة، واستجابة نادرة لنداء ربّاني، وليست موحاة إلى جماعات وشعوب وقبائل وأفراد كثيرين بسبب إضطهادات ومجازر وتغيّرات مناخية وبيئية وكوارث وحروب وقحط وفيضان ومجاعة وتمييز عنصري وعقائدي... أقول: هذه الحالات الفردية ( المستقاة من سفر التكوين) لا تنطبق أبدًا على هجرة وتهجير وتغريب العراقيين على مختلف أديانهم.
2ـ بخصوص وجوب تحدّي كنيسة العراق لبواعث إستمرار موجات هجرة وتهجير المسيحيين من وطنهم الأصلي ـ كما أشار إليه المحاضر، وأوصى باللجوء إلى الصلاة الدائمة كأداة لهذا التحدّي، أقول: ليس بالصلاة وحدها يمكن أن تصمد الكنيسة، وتتحدّى موجات الهجرة العارمة الجارية منذ أعوام ما بعد حرب 2003، بل ينبغي عليها ـ في التحدّي المقترح ـ أن لا تشجّع على الهجرة بأيّ شكل من الأشكال: في السكوت عنها، بل عليها أن توصي في المواعظ ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بعدم مغادرة الوطن، لأن المغادرة تعني تناقص الحضور الكنسي وضعف الإيمان، وتفاقم الخوف الذي نهى عنه السيّد المسيح بالقول: " لا تخافوا ...."، وعدم إعطاء المثل الرديء لأبناء الكنيسة من خلال مشاهدتهم بعض أقارب القسس والمطارين يبارحون الوطن للهجرة، بل حتى أفراد من الإكليروس هاجروا ويفضّلون الهجرة على المكوث في الوطن للتثبيت والصمود. ألصلاة هنا يجب أن تكون مقرونة بعمل جاد حثيث من خلال التوعية وتبيان مضار ومساوئ الهجرة العديدة.
3ـ ألهجرة قبل 2003 منذ أواسط الستينات، وبعدئذ حتى الآن، لم تشمل المسيحيين
فقط. فالإرهاب المقصود في المحاضرة والمؤدّي إلى التهجير شمل جميع الطوائف غير المسيحية، إذ الغاية القصوى من الإرهاب هي تفريغ البلد من الكفاءات والقدرات والمتميّزين بشكل خاص، فضلاً عن تقتيلهم وتفجير معابدهم وحرمانهم من فرص العمل. وليس الإرهاب في العراق ـ كما أفصح المحاضر ـ مقصودًا للمسيحيين فقط، ولأنهم تخلّوا عن التشبّث بالإيمان والثقة بملازمة كنائسهم، إذ الواقع الفعلي لأطياف ونِحَل وقوميات المهاجرين تنفي مقولة المحاضر تمامًا.
4 ـ ألهدف الأهم من التهجير ـ كما يريده المفسدون في الأرض ـ هو إفراغ العراق وجاراته من المؤمنين الموحّدين إلى أقطار غربية يشيع فيها الإلحاد واللاأدرية وضعف التديّن وعدم ممارسة التقوى والعبادة، وتصاعد نزعات التحلل والفساد والشذوذ، ليقتدوا بهم في سيئاتهم ورذائلهم ومحرّماتهم وكفرهم، بدءًا من صباهم وشبابهم؛ وبعد العراق يلي دور الأقطار العربية حتمًا بعد عقد أو عقدين ـ إذا بقيت الحال على هذا المنوال ـ خدمةً لأهداف المفسِدين في الأرض الذين لم يُشِر إليهم المحاضرإطلاقًا، وذلك بحسب " مخطط الشرق الأوسط الجديد"، سيئ الصيت، وهو أهم وأقوى وأخطر حلقة في هذا المقصد الشرّير!
إلى هنا تنتهي مداخلتي، وأضيف الآن هذه السطور:
1ـ فتح أبواب الهجرة من قبل بعض الدول الغربية: ألمانيا، فرنسا، إنكلترا، السويد، أمريكا، كندا، أوستراليا، ناجم عن احتياجها إلى أيادٍ عاملة عديدة الأصناف، فضلاً عن مهارات وكفاءات؛ وعامل الإحتياجات هو قلة الولادات في هذه الأقطار لعدم رغبة شعوبها في الإنجاب إطلاقًا أو الإقتصار على فرد واحد فقط.
2 ـ تعقيبًا على رأي المحاضر ـ كما أوردتُ في النقطة الثالثة من مداخلتي ـ إذ قال (إن الإرهاب الذي لحق مسيحيي العراق كان نتيجة تخلّيهم عن التشبّث بالإيمان والثقة بملازمة كنائسهم)، أقول: إن المسيحيين عمومًا، المنتشرين في المهاجر الأوربية والأمريكية والأوسترالية، واجهوا ويواجهون حاليًا شحّة كبرى في الكنائس والقسس، فغَدَوا أقلّ ترددًا على الكنائس، وبالتالي أقلّ حرارةً في الإيمان والتقوى، كما أقلّ التزامًا بالآداب وفضائل التربيىة المسيحية في مغترباتهم، وبسبب احتكاكهم بشباب الغرب، ذكورًا وأناثًا، واعتناق أفكارهم المادّية وقِيَمهم الأدبية والخُلقية. وأكرر قولي السابق إن الإرهاب لم يكن موجّهًا إلى الكنيسة فقط، بل كان إلى جميع مؤمني وأجناس العراق، وقبل موجات الهجرة بعد 2003، جرت موجات عديدة منذ الستينات حتى نهاية القرن الماضي، لكن المحاضر لم يُشِر إليها.
3 ـ ثمة بوادر لوحظت منذ شهور، هي حدوث حالات هجرة معاكسة على نطاق ضيّق، بسبب كثرة الضرائب المفروضة على المهاجرين بعد توطّنهم، أسوةً بالسكّان الأصليين في معظم الأقطار الغربية، فضلاً عمّا سادها من تحلل القِيَم والأخلاق، وعمّها من انحرافات مسلكية، ةتلاشي العقائد الإيمانية. وتوقّعاتي أن هذه المساوئ ستتفاقم وسيعاني منها أكثر العراقيين في مهاجِرِهم، ويعيدون النظر في أحوالهم ومستقبل عيشهم في المغتربات.
657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع