هل يخسر الإخوان المسلمون «الحرب»؟

                                       

                                                         وفيق السامرائي

أبدأ من حيث يفترض أن ينتهي به المقال، فقد تعايش الجميع لثلاثة عقود مع نظام الرئيس مبارك، الذي كان نظاما مفيدا للمعادلات الاستراتيجية، لو احتكم إلى قبول إصلاحات، لضرب رؤوس الفساد المالي والثراء على حساب الكادحين، مقابل بقاء هوية الحكم. وفي السابع من مايو (أيار) الماضي كتبت مقالا بعنوان «سلموهم الإدارة وليس الحكم يا سيادة المشير»، مخاطبا المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيسه، ولم أقصد فيه فريق «الإخوان» وحدهم، بل كل من تأتي به صناديق الاقتراع، وفق آمال ثورة الشباب البريئة، بمن فيهم العسكريون السابقون، ريثما تكبح نفوسهم نشوة نصر أسهمت فيها رغبة الرئيس مبارك، في عدم استخدام القوة، وليس كما يقال تمرد الجيش عليه.

ولو قبل الإخوان المسلمون بمبدأ تسلم إدارة الدولة، ومشاركة العسكر في الحكم، والتخلي عن هاجس استغلال الوقت لإحكام السيطرة على مصر، من خلال فرض تشريعات دستورية وقانونية متسرعة، ولو وجهوا جهودهم لتحقيق إنجازات عملية في مجال الاقتصاد والخدمات، وحولوا أنفسهم خدما للشعب لا أوصياء عليه «باسم الله»، لحققوا ما يصبون إليه تدريجيا، بطريقة الإقناع والتأثير البطيء. لكنهم كانوا ثوريين مع شعب علم العرب ثورية النضال السياسي التعبوي، وها هم يواجهون ثورة حقيقية، تستند إلى دعم مالي لن يتوقف، ممن يرون في حكم «الإخوان» الوجه الآخر للثورة الخمينية، التي تهدد أنظمة تمتلك مالا وفيرا، «ولو دولة واحدة ليست كبيرة».

مطلوب أن نرى رؤساء يخطبون بلغة هادئة وصوت منخفض، وترك سبابة اليد اليمنى للصلاة لا للتهديد، فلم نعد قادرين على سماع الصياح، والخطابة بصوت مرتفع لم تعد تجلب غير السخط «والمسبة والشتيمة». وإذا كانت مصر قد أصبحت تحت حكم «الإخوان» - وهذا ما يصعب توقع استمراره - فكان على قيادة الإرشاد توجيه كل محطاتها في العالم بعدم الشعور بنشوة النصر، وعدم المساس بأنظمة الحكم المعتدلة. بينما حدث العكس، فارتد الحراك إلى قلب مصر. وكل يتهم الآخر بالتآمر، والمؤامرة موجودة فعلا، بطرفيها المشروع والباطل.

أكثر الجهات الدولية وضوحا في التعبير عن الانزعاج من الترابط بين «إخوان» مصر و«إخوان» الخارج - بأي صفة - هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكثر الشخصيات الأمنية وضوحا هو الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي. وإعلان الإمارات عن اعتقال 94 إماراتيا بتهمة الاستيلاء على الحكم، رسالة واضحة تعبر عن اتجاه رسمي عربي عام. ومن مصلحة «إخوان» مصر والتنظيم الخارجي تسلم الرسالة والتوقف عندها مطولا، واتخاذ القرار الصحيح، وهو توجيه الجهد لإنجاح تجربة حكمهم في مصر، فإن قبل المصريون بتطبيق برنامجهم، يصبح من حقهم عرض تجربتهم، بدل أن يواجهوا موقفا مصيريا مؤذيا للجميع.

وحدث حراك شعبي في العراق، وصعد خطباء المساجد إلى منصات التعبئة الجماهيرية، وغابت الوجوه السياسية عن المسرح، إلا أن قيادة الحزب الإسلامي هناك تتمتع بهدوء وعقلانية، عرفت عنها على مدى عقود من الحراك السياسي في العراق، فركبوا الموجة بعقلانية يمكن أن تؤدي إلى ترجيح لغة التفاهم، وتراجع دور الانتهازيين النفعيين من سياسيي مخاض ما بعد 2003، ممن أثروا على حساب الشعب. ووجود الحزب الإسلامي العراقي لا يهدد مدنية الدولة ولا يستطيع التأثير عليها، لا هو ولا غيره، وقد يكون تقدمه مفيدا لكبح تجار الأزمات، فقسم ممن يحسبون أنفسهم على الليبراليين سطروا أكاذيب كثيرة.

إن من أسوأ ما يمكن أن يحدث عربيا، هو أن تتناقض أهداف وتوجهات أهل الثورات العربية على المستوى الرسمي، وأن يصبح الحراك الشعبي مجالا لتصادم سري بين الدول العربية. فتشتعل المنطقة بما هو أكثر خطرا من الوضع السوري المدمر؛ حيث وقعت الأمة السورية ضحية المصالح المتضادة، وبدأنا نسمع مرة أخرى عن شح العتاد لدى مقاتلي الجيش الحر، الذين سطروا دروسا لا مثيل لها، فتنامت جماعات العنف، واتخذت ذريعة للتقاعس الدولي، والتخاذل الأميركي، والتقطير العربي، وها هي سوريا تدمر أمام العالم كله بلا رحمة.

بحكم معرفتي المفصلة بقيادة الحزب الإسلامي العراقي، فإن واقعيتها تجعلها نقطة توازن، تساعد - إذا ما استمرت - في الوصول إلى حلول واقعية مع القوى الأخرى. وهذه ساعة مراجعة لكل القوى، ليسود العقل، وأن تتصرف أجهزة المخابرات بعقلانية وهدوء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع