الموصل بعد التحرير - الحلقة (١٧): الخدمات الصحية

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 26 آذار/مارس 2017 20:11

كتب بواسطة: د.سمير بشير حديد

                 الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد

الموصل بعد التحرير - الحلقة (١٧): الخدمات الصحية

فلقد أخذت معركة تحرير الموصل بعدًا آخرًا في الأيام القلائل الماضية؛ حيث ما حصل في منطقة موصل الجديد من ازهاق ارواح ابرياء من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب على يد قوات التحالف، يعد أمرا مروعا يرقى إلى جرائم الإبادة والقتل الجماعي، اي جرائم حرب. حتى لم يستيطيعوا احصاء عدد الشهداء والمصابين ولكن بالتأكيد يزيد على (500) وقد يصل إلى ألفين ضحية. هذا بالاضافة إلى المئات من الأبرياء الذين تعدمهم داعش لرفضهم تنفيذ أوامرها أو لأنهم حاولوا الهروب من أتون الحرب ولم يحالفهم الحظ.
يقول احد المواطنين المفجوعين من سكان موصل الجديدة شوهد يتحدث عبر قناة الجزيرة: قتل نحو (137) مدني بسبب داعشي واحد قناص فوق سطح ذلك المبنى!
ويقول شاهد عيان من منطقة موصل الجديدة: ما ان اقتربت سيارة شحن كبيرة (لوري) محملة بما يقارب ٢ طن متفجرات من ازحم نقطة سكنية في المنطقة الا وانهال عليها القصف من طائرات التحالف وفجرتها؟ كان المنظر يشبه تفجير قنبلة هوريشيما، اليس من الممكن تاجيل قصف الشاحنة المفخخة إلى بعد خروجها من تلك المنطقة الآهلة بالسكان.
ويقول أحد أبناء عمومتنا من الذين تحررت مناطقهم اخيرا ويسكن قريب من الأحداث: أصلا جميع الضحايا كانوا اموات؟ أي بلا حياة؛ لأنهم بلا غذاء ولا ماء ولا كهرباء ولا ابسط مستلزمات الحياة لمدة طويلة... فهم في إعداد الموتى!
ويقول أحد المواطنين المحاصرين في الموصل الجريحة: لو قوات التحالف تسقط علينا مواد غذائية ومساعدات إنسانية ومياه بدل الصواريخ والقنابل؟ اليس افضل!

الموصل حاليا مدينة منكوبة وفق المعايير الدولية وأعلناها في الحلقة (4) انها منكوبة، ولكن مع الاسف الشديد يرفض البرلمان العراقي الاعتراف بذلك للمتاجرة السياسية، ويرفض نواب الموصل وساستها الضغط بهذا الاتجاه لأنهم منتفعون من هذه الظروف ...
وليسجل التاريخ أن الموصل راس العراق وثاني اكبر مدينة فيه، قد سلمت إلى داعش في زمن حكومة المالكي، ودمرت وشرد أهلها في زمن العبادي... سجل يا تاريخ هذه الوقائع ولا ترحم كل من تسبب بهذه الآلام والمعاناة والدمار. امتشقوا أقلامكم أيها المؤرخون والكتاب والشعراء ومثقفي نينوى ... هذا سلاحكم الوحيد.

لنعد إلى موضوع حلقتنا هذه ونستعرض بشكل سريع كيف كان وضع الخدمات الصحية خلال فترة احتلال الموصل من قبل داعش. ومن الجدير بالإشارة الى الحلقة (11) التي تناولنا فيها الجانب الصحي، وفِي هذه الحلقة وردنا معلومات إضافية مفيدة تستحق التوثيق.
كان هناك خدمات صحية متاحة للمواطنين للقطاعين العام والخاص. بخصوص القطاع الخاص فكانت عيادات الأطباء مفتوحة وكذلك المستشفيات الأهلية لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين وقد خفت الحركة في هذا القطاع على نحو كبير بعد إنقطاع الرواتب عن الموظفين.
يقول مواطن: كان عندنا طبيب في المحلة وكانت عيادته عامرة قبل قطع الرواتب، وبعد قطع الرواتب تغيرت الصورة تماما بحيث كنا ندخلها وقلما نجد مرضى بصالة الإنتظار.  ونقول في هذا المقام أن بعض الأطباء كان لهم وقفات إنسانية بمساعدة المرضى المحتاجين وعدم أخذ أجور منهم، بل إعطاء بعضهم أثمان الأدوية.  أما بخصوص القطاع العام فقد قام الدواعش بتشغيل جميع المؤسسات الصحية مقابل أجور مالية تُجبى من المواطنين ولا يوجد شيئ بالمجان إطلاقا مهما كانت الحالة المادية للمريض، حيث كان على المراجع دفع دخولية 1000 دينار، تعادل 8 دولار، في قسم الطوارئ  والمراكز الصحية و 2000 دينار في قسم الاستشارية. كما كانوا يأخذون أجور الفحوصات الطبية والتي كانت تشكل كاهلا ثقيلا على أعباء المواطنين.
تقول طبيبة في أحد المراكز الصحية أنه كان يأتيها أحياننا مريضان يشتركان ببطاقة دخول واحدة لعدم امتلاكهم أجور الدخولية. أما بخصوص الأطباء والعاملين في القطاع الصحي فكانوا يُكرَهون على العمل.
تقول طبيبة "تحججتُ على المسؤول بعدم استطاعتي الدوام لأن حالتي الصحية لا تسمح لي بالدوام"، فأجابها المسؤول " إذا ما تداومين نأتي الى بيتك ونسحبك من شعرك حتى نوصلك للمستوصف"، علما أن الدواعش كانوا يتابعون مناطق سكن الأطباء ويُحدثونها بإستمرار كي تسهل السيطرة التامة عليهم عن طريق ما يُعرف "بديوان الصحة". وكانت هناك ضغوط ومضايقات كبيرة جدا للدواعش على الأطباء والطبيبات، وكانت هناك محاسبة عسيرة على الإلتزام التام باللحية والخمار.
يروي أحد المواطنين التقاة قصة واقعية تعكس طريقة تعامل الدواعش مع الكوادر الطبية في الموصل. تقول القصة أن طبيب وزوجته الطبيبة هربوا من الموصل مع أولادهم عن طريق مُهربين كانوا يتقاضون مبالغ كبيرة تصل الى 20 ورقة ( أي 2000 دولار) للفرد الواحد. وما أن خرجوا من أطراف الموصل (سيطرة العقرب) حتى القت القبض عليهم مفرزة من الدواعش. وبعد أن أفزعوهم وأرعبوهم وأرعبوا أطفالهم مهدديهم بالقتل والذبح أخذوا الزوجة والأطفال الى الموصل، أما الزوج فأخذوه الى الفلوجة واجبروه على الدوام في مستشفياتها لمدة 6 اشهر وتم تصويره في مقطع فيديو أثناء دوامه في الفلوجة ونشروه في إحد اصداراتهم على انه طبيب داعشي!!
     وطالما نحن نتحدث عن الجانب الصحي فإننا نذكر بفخر واعتزاز مواقف بعض الأطباء الوطنية والإنسانية تجاه إخوانهم المواطنين الذين ليس لهم سوى الله تعالى يحميهم.
يقول مواطن من الجانب الأيسر من الموصل، استغرقت عملية تحرير حينا قرابة أسبوع، وكانت الأجواء مخيفة ومرعبة لا نسمع سوى اصوات الإنفجارات ودوي الرصاص والشوارع خالية من أي حركة على الإطلاق. يقول المتحدث: فدخلت شضايا الى البيت وأصابت أحد أفراد عائلتي، وبدأت الدماء تنزف ولا نعلم ما نفعل: لا يوجد سيارة إسعاف ولا نقدر أن نخرج ولا نقدر أن نستدعي طبيب. يقول المتحدث: وبقينا على هذه الحال قرابة أسبوع نعالج المصاب بما تيسر لنا من ضمادات لحين تمكنا من جلب طبيب له. ثم يردف المتحدث قائلا: عندنا طبيب جراح في المنطقة حوَّل بيته الى مستشفى مجاني لمعالجة المصابين أثناء عمليات التحرير وبعدها حيث وقعت إصابات كثيرة بين المواطنين نتيجة إنفجار الألغام التي زرعها داعش في الأحياء السكنية وبين البيوت، ثم يقول هذا الشخص: كان الناس يجلبون المصابين لذلك الطبيب محمولين بالعربات الخشبية التي تُستخدم لنقل الخضراوات بدل جلبهم بسيارات الإسعاف وكان ذلك الطبيب يقوم بعلاج المصابين وهم بالعربانة؟ إنه مشهد لم نجد له في التاريخ مثيل.

في الختام: أرجوكم شاركوني هذا الدعاء لاهل الموصل انقله إليكم كما وردني من صديق محب للموصل واهلها:
اللهم ان عبادك من اهل نبيك يونس في شدة وضيق، ونقص في الثمرات والانفس، فهم من اهل القرية التي رفعت عنهم العذاب بعدما استحقوه ايام كانوا من أمة نبيك يونس، واما اليوم فهم من أمة نبيك محمد، النبي الذي خلقته وشرفته واحببته، فارفع عنهم ما هم فيه من الخوف والجوع والموت والدمار، وارحم صغيرهم وكبيرهم واحفظهم من بين ايديهم ومن خلفهم ومن فوقهم ومن تحت ارجلهم، يارب ان العباد تخلوا عنهم وانت رب العباد فلا تتخلى عنهم هم اولى بك يالله، آمنهم في بيوتهم وفي مسيرهم وفي يقضتهم وفي منامهم، فانت رب الطيبين، أكرمتهم بنبيك محمد فأكرمهم بالامان والحفظ من الاذى، كرامة لنبيك محمد كرامة لكتابك العزيز وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الاستاذ الدكتور سمير بشير حديد
٢٦ مارس - ٢٠١٧