أم الخسائر

                                               

                          إبراهيم الزبيدي

أم الخسائر

صدام حسين وبشار الأسد، وقبله والده حافظ أسد، يُصنفون ضمن قائمة الحكام العلمانيين، فقط لأنهم غير معممين، ولأنهم جعلوا شرعيتهم مُنتجة علمانية تلدها انتخاباتٌ واستفتاءات شعبية وليس مرجعية دينية أو عشائرية أو عسكرية. برغم أنهم جميعا، ومَن على شاكلتهم، جاؤوا بدبابة، وسقط من سقط منهم بدبابة، ومنهم من ينتظر، وبرغم أن كل واحد من هؤلاء الجزارين المتمرسين في السلخ والنفخ كان يذبح العلمانية والديمقراطية كل يوم، وكل ساعة، ويلطخ وجهها بدماء ضحاياه، ويجعل منها مرادفا للظلم والديكتاتورية وحكم السكين والخنجر والساطور، وسلطة الشبيحة والحرس الجمهوري والمخابرات.
وفي عراق ما بعد الاحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق لقيت العلمانية نفس المصير. فيكفي، لكي تصبح علمانيا، وربما قائدا للعلمانيين في العراق، أن تكون (أفنديا) غير معمم، وأن تكثر من الحديث عن الديمقراطية، وعن (عدالة) توزيع الوزارات والمناصب، وأن (تناضل) مع مخابرات أجنبية، غير إيرانية، أمريكية أو بريطانية أو أردنية أو سعودية، مثلا، وأن (تخاصم) السياسيين المعممين، ولكن دون أن تتجاوز الخطوط الحمر التي تضعها سفارة الولي الفقيه في بغداد، أو إحدى مليشياتها (المقدسة).
(أخونا) الدكتور أياد علاوي، برغم جذوره (الحرس قومية) البعثية السابقة ارتدى ثياب العلمانية مبكرا، من أيام انقلابه على حزبه، حزب البعث، وجهاده المضني من أجل تشكيل معارضة عراقية (بعثية) من عسكريين وسفراء وصحفيين وطلبة هاربين من نظام صدام حسين.
ولإثبات ما أهملة التاريخ علينا أن نُذكر بأنه ظل مُبعدا وغير مرغوب فيه في نادي قادة المعارضة العراقية التي شكلها الإسلاميون والبعثيون العراقيون السوريون وقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، برعاية مخابرات سوريا الأسد ونظام الولي الفقيه، قبل أن تقفز المخابراتُ الأمريكية إلى مركبها وتتولى تمويلها ورعايتها وإعداد قادتها لوراثة نظام صدام المقرر ترحيله، أمريكيا وإيرانيا وسوريا، في أقرب فرصة ممكنة.
ويقال إن سبب رفض المعارضة الأمريكية السورية الإيرانية السماح للدكتور أياد علاوي بدخول ناديها المغلق الخاص بها يكمن في شراكته مع المعارض صلاح عمر العلي، وهو الوزير(السني) (التكريتي)، عضو القيادة القطرية لحزب البعث، عضو مجلس قيادة الثورة، والسفير السابق الذي احتضنته السعودية، ومولت لهما منظمة (الوفاق).
 ولم يُسمح له بالانضمام إليها إلا بعد أن انقلب على (رفيقه) الذي فتح له باب الزعامة، واستحوذ على مالية (الوفاق) وأختامه  وجريدته (بغداد).
ومن أول أيام مؤتمر فينا الذي أنجب (المؤتمر الوطني الموحد) بزعامة (إبن خالته) أحمد الجلبي أصبح الدكتور أياد علاوي أحد أعضاء قيادته العليا الكبار، بدافعيْن، الأول موافقة إيرانية، باعتباره شيعيا عائدا إلى أحضان إخوته في الطائفة، والثاني إجازة أمريكية، باعتباره (علمانيا) قد ينفع أمريكا داخل البيت الشيعي، ذات يوم.
وقد يكون سببُ القبول به رئيس وزراء تسوية مؤقتة، 2004، لأشهر انتقالية معدودة هو براءته من المعارض السني صلاح عمر العلي ومن السعودية، ومن البعثيين المعارضين لصدام الرافضين لأية تبعية تنظيمية أو مالية أو سياسية مع إيران ووكلائها الإسلاميين العراقيين.
وظل يحافظ على لقب (العلماني) في جميع الانتخابات العراقية المتعاقبة، الأمر الذي جعل الفيتو الإيراني يحرمه من حلم العودة إلى كرسي رئاسة الوزراء، وبموافقة أمريكية، أيضا، ولكن على مضض.
ومن العام 2005 وحتى اليوم لم يتوقف عن الجري المضني نحو كرسي الرئاسة، واللجوء إلى أية وسيلة، وأي تحالف مع أيٍ كان، عراقيا أو عربيا أو إقليميا أو دوليا،  يمكن أن يُنيله  كرسي الرئاسة، دون جدوى.
وقد جره هذا العشق المَرَضي لكرسي الرئاسة إلى أن يتميز بتقلبات وتحالفات غير مدروسة وغير مقبولة وغير منطقية وغير عقلانية لم تبعد عنه الرئاسة فقط بل دفعت بكثيرين من أتباعه في قائمته السابقة، (العراقية)، وفي قائمته الحالية، (الوطنية) إلى الاختلاف معه، والخروج من تنظيمه، بل التشهير به وبمزاجيته وديكتاتوريته في القيادة، و(ألفاظه) التي لا تليق بقائد سياسي، البتة.
ويبدو أن الدكتور أياد علاوي بلغ سن التقاعد، ودليل ذلك أن شيئا من اللامعقولية جعله يجلس ويضحك ويتحاور ويتفاهم مع ألد أعدائه وأعداء (العلمانية) التي أنفق الدكتور كل سنوات نضاله (الوطني) من أجل التبشير بها وحمايتها من مؤامرات أشد أعدائها وأكثرهم تشويها لسمعتها وتسفيها لحقيقتها.
إليكم هذا الخبر.    " ذكر بيان لمكتب نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي أن رئيس ائتلاف دولة (القانون) استقبل نائب رئيس الجمهورية رئيس ائتلاف (الوطنية) الدكتور اياد علاوي والوفد المرافق له، حيث شدد الطرفان على تعميق الحوارات بين مختلف القوى السياسية لانضاج مشروع (وطني) يلتف حوله الجميع في المرحلة المقبلة". فهل هناك خسارة أكبر من هذه؟.
لقد كان الديمقراطيون والعلمانيون العراقيون، وما زالوا، بحاجة ماسة جدا إلى قطب سياسي من داخل العملية السياسية القائمة يقودهم ويوحد جهودهم وأصواتهم، ويؤسس بهم جبهة قوية موحدة قادرة على أن تُشاكس جبهة الإسلاميين، الشيعة والسنة، وتُغير توازن القوى معها، وتفتح أبواب أمل جديد للشعب العراقي للخلاص من شلل المتحاصصين المتقاسمين الوطنَ وأهله وخيراته. (باسم الدين سرقونا الحرامية).    
ولكن الدكتور أياد علاوي خيب آمال العلمانيين العراقيين، حين ذبح بسكينه، وليس بسكين غيره، وبدم بارد، تاريخه العلماني الطويل بلقائه الممجوج والمرفوض والمستهجن مع الذي كان قد وصفه مرارا بأنه "الديكتاتور المتسلط والمهيمن على القضاء، ومستخدم الدولة وأجهزتها المختلفة وثرواتها لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية والطائفية، وملفق الملفات اللئيمة التي يستخدمها لإسقاط خصومه السياسيين".
أذن فالمالكي لم يصبح علمانيا ولن يصبح، ولم يتغير، ولم يعلن أنه تخلى، أو سيتخلى عن نهجه الديني الطائفي، ولا عن فكره الظلامي المتخلف، ولا عن طائفيته وتبعيته الإيرانية، ولم يتعهد بأن يخفف عداءه المبدأي للعلمانية، ولا أن  يتوقف عن حروبه الدامية ضد كل من يدعو إليها ممن اتهمهم أكثر من مرة، وعلنا، بالإلحاد والكفر والعمالة وخدمة مخططات دول إقليمية معادية لإسقاط (المشروع الإسلامي).
الحقيقة هي أن أياد علاوي خسر، وسيخسر، مودة ملايين المواطنين، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، ممن كانوا يؤملون أن يقود ثورتهم على ديكتاتورية الإسلاميين، وعلى قائدهم نوري المالكي.
فقد أثبت أنه الوجه الثاني من العملة الرديئة ذاتها، والعياذ بالله.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع