عباس العلوي
بحث تأريخي :
العمارة بلد الخصوبة والرخاء والنزهة والرفاه
العمارة : مدينة العشق والجمال ( يلي تريد الحِسن اخذه منهل العمارة )
قال عنها المؤرخون : بلدة الخصوبة والرخاء والنزهة والرفاه !
وأسماها البلاذري في < فتوح البلدان > بأرض البطائح أي ارض المستنقعات < الأهوار >
وتظل هي وأهلها البقيّة الباقية للسومريين !
هي مدينة فريدة في جنسها ونوعها / تناغم فيها التاريخ والجغرافيا ليرسمان بعشق لوحة جميلة بريشة فنان ماهر تباهت الأجيال بها عبر العصور !
ارض البطائح وهبها الله طبيعة جغرافية فاتنة / اجمل ما قيل عنها :
عالم طبيعي متميّز قوامه / الماء والنبات والحيوان والانسان معاً !
تقع على ضفاف الأنهر الثلاثة [ دجلة / الكحلاء / المشرّح ] فضلا عن نهر السطيح الذي يصب جنوبا في الجهة اليمنى من دجلة ونهر المندرس في الجهة اليسرى منه / كما تشكل في ذات الوقت احد اضلاع المثلث العراقي الذي يضم اهوار الناصرية والبصرة التي تزيد في مساحتها على دولة لبنان !
ببين الماء والطين وحقول اشجار القصب الذهبية والسطح الأزرق الرقراق / تنتشر في فصل الربيع اسراب الطيور المهاجرة ذات الألوان الجميلة الزاهية قادمة من اقاصي بقاع العالم في مكوث مؤقت ترسم من خلال طيرانها هنا وهناك نقوشا فنية رائعة المنظر بألوانها الجميلة/ فضلا عن غابات النخيل الخضراء التي تحيط بسواحلها / طبيعة خلابة ساحرة لا نظير لها / اعتبرها عالم اوربي متخصص في الأنثروبولوجيا : متحفا طبيعيا متحركا وسفارى مائية تربط العراق بالحضارات الانسانية السابقة !
ميسان مدينة عريقة موغلة في القدم / حظت بتسميات متعددة ففي السريانية وردت بصيغه ميشا وفي العبرية ميشون والارامية ميش وفي الفارسية ميسون / وتشير المصادر التاريخية بأنها بنيت من قبل الاسكندر المقدوني سنة (324 ق.م ) في المنطقة التي يلتقي فيها نهر الكارون بنهر دجلة.
تفاعلت الجغرافيا مع التاريخ لتصنع الحضارة البشرية / تاريخ سومري بأطوار متعددة مكتوب على الرقع الطينية وجدران المعابد وثمة كنوز وأسرار اخرى مازالت كامنة في بطون تلولها واهوارها وبقية ارضها ربما تغيّر من واقع تاريخ الحضارات القديمة اذا رأت النور!
مملكة ميسان دولة نشأت في جنوبي أرض بابل وسط العراق حتى عيلام جنوباً تحت حماية السلوقيين (311 ق. م ـ 247ق. م) عندما ضعف شأنهم لاحقا استقلت وتدرجت في سلم القوة والمجد لما يقارب ثلاثة قرون ونصف / حكمها ثلاثة وعشرون ملكاً مابين منتصف القرن الثاني قبل الميلاد إلى الربع الأول من القرن الثالث للميلاد / ارتقت دوراً بارزاً في سلم القوة والمجد يوم أن شكلت ميناءً مهما ًعلى رأس الخليج سيطرت فيه على الملاحة في شط العرب / وتذكر المصادر التأريخية أن الامبراطور الروماني [ تراجان ] زارها عام 116 م ورأى بعينه السفن التي تغادر منها الى الهند !
العمارة في اروقة التأريخ لها تسميتان :
إن قلت عُمارة < بضم العين > كان المقصود بذلك (عمارة بن الحمزة) الذي عينه الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور (136 هـ ـ 158هـ) على كور دجلة الذي يشمل ميسان ودستميان وأبرقباذ وضمت له ولاية البصرة وما تبعها إضافة الى كور دجلة لتنتهي بحدود واسط المقابلة لكسكر.
أما اذا قلت عِمارة < بكسر العين > تعني بذلك تسمية جديدة لبناء جديد / يُضاف لها (أل التعريف) لتثبيت المعنى وتعريفه / وهي من اعمال الوالي العثماني محمد نامق باشا (1861ـ 1867م ) الذي أنشأ معسكرأ على نهر دجلة عُرف [ بالأوردي ] لحفظ الامن والأشراف على جباية الاموال وقد أقيم فيها عمارة فخمة ليتحصن فيها الجيش وكان المجاورون لهذه [ العمارة ] يفتحون الحوانيت قياما بما يحتاج اليه الجند / ثم انشأوا البيوت والمنازل حولها حتى صار الأهالي يطلقون لفظة [ العمارة ] على هذه المجموعة / وقد ارّخ الشاعر عبد الغفار الأخرس تأسيس العمارة بقوله :
عمرتموها فغدت عمارة / كما اردتم لمراد الخاطر
فقل لمن يسأل عن تأريخها / قد عُمّرت أيام عبد القادر
كان ذلك في تاريخ 1278 ــ 1861 م
وعبد القادر الذي يعنيه الشاعر هنا / هو ( عبد القادر الكولمندي) اول قائم مقام مدني عُين لقضاء العمارة بعد انتهاء الحركات العسكرية والشروع في تنظيم الأمور الأدارية / وقد سميت إحدى المحلات بالقادرية ومازالت تحفظ بهذا الاسم لغاية اليوم .
أما الشاعر الكبيرعبد الرزاق عبد الواحد / فقد تغزل بها قائلاً :
هي العمارة فجر العمر مرضعتي / وما أزال رضيعاً حين تنخاني
أمّي .. وربّة انجيلي وقرآني / وأكرم الناس اهلوها وجيرتُها
وأصدق الناس هم في كل ميدان / نبُلاً .. وطيبة نفس .. وانفتاح يدٍ
وخيرُها انّهم جذعي واغصاني / وهم ملاجئ روحي كلما اغتربت
وهم مياهي / وهم زرعي وبنياني
فرخ البط عوّام!
أنجبت مدينة العمارة وتوابعها رجالاً افذاذ ساهموا في بناء الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية للعراق المعاصر أمثال : عالم الاجتماع وصاحب الدراسة الشهيرة عن الجبايش الدكتور شاكر مصطفى سليم / والدكتور إبراهيم السامرائي عالم اللغة العربية / وعالم الجغرافيا الدكتور جاسم محمد الخلف / والأدباء الكبار عبد الجبار المطلبي ومالك يوسف المطلبي وشوكت الربيعي وخليل رشيد / وطبيب العظام المغترب الدكتور محمد زاير / والفنان القدير فاضل خليل / و صاحب الدراسات المعمارية المتميّزة شريف موسى / والفنان الفطري الشهير مسعود العمارتلي / وعشرات المبدعين الآخرين لاتسع هذه العجالة لذكرهم .
أيضاً: من يقلب صفحات الابداع في وريثة الحضارات لايستطيع ان يمرّ مرور الكرام على من لاتنساهم الذاكرة من المكون المندائي / كالمربي القدير نعيم بدوي / والباحث الكبير غضبان الرومي / والدكتور متي العائش مربي الأجيال وعالم الخلايا السرطانية / والأستاذ عزيز سباهي / والعالم الفيزيائي الفذ الدكتور عبد الجبار عبد الله الذي تولى رئاسة جامعة بغداد عن جدارة واستحقاق / والطبيب البارع الدكتور جبار ياسر الحيدر / والشاعرة ميسون الرومي التي ترفدنا بأبدعها كل يوم / والشاعر المتميّز عبد الرزاق عبد الواحد [ سواء اتفقت او اختلفت معه ] يبقى شاعراً من العيار الثقيل / ومسك الختام لهذه السلسلة الذهبية شاعرتنا العملاقة لميعة عباس عمارة [ اطال الله في عمرها ] شاعرة الرومانسية الزاخر بالشفافية والرقة / الطافح بالصور الشعرية والعواطف الجميلة .
ومن الطرائف الجميلة التي نرددها دائماً على سبيل النكته والمزاح :
(شلون تموت وانته منهل العمارة ) !
و
(شلون ردح العمارة .. هيج .. وهيج) !
عباس العلوي
السويد 5/ 5 / 2017
4588 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع