حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - ٦)
شخصية علمية ومهندس بارع وعلمٌ من الأعلام وقامة من القامات الموصلية العالية من الذين حباهم الله برعايته وكنفه فحلّق عاليًا في سماء الإبداع بالعراق ودول عربية وأجنبية أخرى فكان التوفيق ملازمًا له طيلة حياته العملية والعلمية ، وأبدع أيما إبداع في الغوص بدهاليز التربة وخفايا الرمال وما تكتنز بحورها العميقة ففك شفرتها وحل لغز أسرارها الدفينة فنفع الكثير بعلمه وترك طيب الذكر والأثر في مجال عمله وإختصاصه فغَدا نجمًا ساطعًا ومثالًا للإخلاص في العمل والتفانِ ، طاقة لا حدود لها وإمكانية لا تعرف الكلل والملل والمستحيل ، جمع بين أختصاصه العلمي في الهندسة المدنية وبين هوايته في الثقافة والأدب والكتابات المميزة ، شاعرٌ ومؤلف وخبير في صناعة النفط وأستكشافاته ، أنه الأستاذ الفاضل غانم عبد خليل العناز ، مواليد محلة المشاهدة في مدينة الموصل سنة (1937) ، درس في مدارسها وكان التفوق حليفه في مختلف المراحل الدراسية وصولًا إلى مرحلة البكالوريا عام (1954) ليكون من الأوائل على دورته فحصل على مقعد في بعثة النفط لدراسة الهندسة المدنية ، سافر بعدها مباشرةً إلى لندن في أواخر صيف (1954) وحصل على الشهادة البريطانية العامة في سنة (1956) ثم التحق بجامعة شفيلد وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية سنة (1959) .
عاد الى العراق عام (1959) ليلتحق بشركة نفط الموصل في عين زالة لفترة قصيرة ثم ألتحق بكلية الضباط الإحتياط عام (1960) ليتخرج منها برتبة ملازم ثاني إحتياط في (14 تموز 1960). ونسب للعمل في مديرية الأشغال العسكرية العامة في مقرها بوزارة الدفاع أولًا ثم في الكلية العسكرية في الرستمية حيث كان مدرسًا لمادة الرياضيات لمراحلها الثلاثة (المستجدة والمتوسطة والمنتهية) وفي عام (1961) عاد إلى مجال عمله وإلتحق بشركة نفط العراق في كركوك ، عمل خلال السنوات الثلاث الأولى في مجال الهندسة المدنية وإلتحق عام (1964) بدائرة هندسة التصاميم ضمن سياسة (زج المهندسين العراقين) التي تبنتها وزارة النفط العراقية آنذاك حيث كان معظم المهندسين العاملين في الشركة في تلك الفترة من الأجانب وفق برنامج زمني محدد ، وتمكن من إكتساب خبرة واسعة ومتنوعة خلال سنوات قصيرة من عمله في هذه الدائرة في مجال الهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية وفي خرائط مد أنابيب النفط والغاز وفي معالجة النفط وتركيزه وبكل ما يتعلق بالأعمال الهندسية لإنتاج ومعالجة وتصدير النفط والغاز وإلى غير ذلك من الأعمال ، تدرج في عناوينه الوظيفيه حسب الإستحقاق والكفاءة من مهندس وصولًا إلى رئيس مهندسين ونظرًا لكفائته وإخلاصه وما أكتسبه من خبرات في فترة قصيرة لا تتعدى (5 سنوات) أصبح رئيسًا للدائرة عام (1969) بديلًا عن رئيسها البريطاني الجنسية وأستمر في منصبه ذلك الى ما بعد عام (1972) (عام تأميم شركة نفط العراق) والتي أصبحت تسمى الشركة العراقية للعمليات النفطية .
في العام (1974) أسندت له مهام رئاسة دائرة المشاريع في الشركة العراقية للعمليات النفطية والتي تقرر إنشاؤها لغرض رفع الطاقة الإنتاجية من (1 مليون ب/ي إلى 1,2 مليون ب/ي) وتم تنفيذ المشروع بنجاح عام (1975) ومن ثم تقرر رفع الطاقة الانتاجية لحقول كركوك مرة ثانية بمعدل (200,000 ب/ي) إضافية لتبلغ (1,4 مليون ب/ي) .
عاد بعدها لمهامه رئيسًا لدائرة التصاميم وعهدت إليه فور بدء الحرب العراقية الايرانية في عام (1980) مهام حماية المنشآت النفطية في حقول النفط والغاز الشمالية إضافةً إلى مهامه وترك بصمات ملحوظة في إدامة وتشغيل المنشآت النفطية خلال فترة الحرب بالرغم من كافة الظروف الصعبة وقتئذ .
غادر العراق عام (1984) إلى بريطانيا ومنها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام (1985) ليتولى منصب المدير الفني لشركة الشارقة للتسييل الغاز (شالكو) في كانون الثاني (1986) والتي تتكون من مصانع ومرافق تكميلية ومنشآت نفطية حيويه أخرى وساهم وبشكل كبير يدًا بيد مع شركة (أموكو) الامريكية في عمليات إستخلاص وتسييل غازي البروبان والبيتان إضافة إلى بقية السوائل البترولية الأخرى وتم تعيينه على أثر نجاحاته المتواصلة في عمله سكرتيرًا لمجلس إدارة الشركة ليساهم في إدارتها وتطويرها وتوسعتها وفق أعلى المستويات والذي حقق فيها نجاحات متواصلة أفضت إلى زيادة في طاقتها الإنتاجية بنسبة (70 %) لتصبح (750 مليون) قدم مكعب باليوم وتم إنجاز المشروع بنجاح في عامي (1993 - 1994) وأستمر في منصبه والعمل في شركة غاز الشارقة (شالكو) لمدة تزيد على (21) عامًا ليترك العمل فيها عام (2007) وأستقر للعيش في بريطانيا منذ ذلك الوقت ولحد الآن .
أصدر كتابه (العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين) الصادر بالغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في شهر آيار (2012) وله العديد من المقالات العلمية الرصينة التي تعنى بصناعه النفط وإزدهاره وأخرى ذات جدوى إقتصادية ومشاريع تنمويه إستراتيجية كتلك التي نشرها في العام (2013) على موقع بيت الموصل بعنوان (الذهب الأسود لأعمار العراق ، بلد يطفو على النفط) والتي طالب بها بتخصيص جزء من واردات النفط لإعمار العراق والمناطق المنكوبة فيه.
بالإضافة إلى كونه خبير نفط فهو شاعر ، مؤلف ، عضو إتحاد كتاب وأدباء الإمارات العربية التحدة - سابقاً ، عضو كتاب مدينة واتفورد ، عضو كُتاب جامعة العمر الثالث واتفورد بارك والتي نشرت بعض قصائده باللغة الانكليزية ، عضو كُتاب شبكة الإقتصاديين العراقيين والتي نشرت له العديد من المقالات في موضوع النفط والغاز ، عضو اتحاد كُتاب الأنترنت العراقيين ، كاتب في موقع الموصل التراثي وله فيه ديوانه ومقالاته ، تزخر صفحته على الفيس بوك على العديد من قصائده ومقالاته ، كما وله ديوان شعر يحتوي على عشرات القصائد المنشورة على موقعه الخاص ، وأتفق حاليًا مع دار النشر (Brecht translated) العالمية في ألمانيا عن طريق مدير الدار (السيد جيمس كين ، James Cain) على أن يتولى الدار ترجمة قصائده من اللغة العربية الى الانكليزية ونشرها حصريًا وقد تم ترجمة ونشر ثلاث قصائد لغاية الآن وهي ( هَوتْ حدباؤنا ، مهد الحضارة ، التباهي).
ترك الموصل جسدًا والروح ثابتةٌ هناك عند ذاك العنفوان وذياك الصبا والشباب وحاضرةً معه في كل حلهِ وترحالهِ وحيثما وطأت قدماه في أرض المعمورة فكان لها ولأهلها نِعمَ البار والمخلص والصادق حبًا بها وبأهلها وأرتباطًا وثيقًا ولصيقًا بجذورها وذكرياتها ، تابع أحداثها أولًا بأول ووقف على أحزانها وأتراحها وقفة المحزون بصدقٍ على فقدِ أليم بعزيز قلب ، تألم لآلامها وأكتوى بما أصابها ، صرعته أقدار الغربة اللعينة وأنين الشوق والحنين وحسرات الذكريات وهي تنفض غبارها وتستعد للتحرير في أيامها الأخيره ، وعبر بكلمات بليغة عن ما حدث لمنارة الحدباء حين قال عنها (لتبقى كرسي منارة الحدباء كنقطة عار في جبين من خانوا وطنهم العراق وغدروا بشعبهم ومهدوا لغزو بلادهم) ضمن مقال رثى فيه منارة الحدباء يوم رحيلها كما رثاها الكثيرون وأذرفً دمعًا عليها وعلى مصاب أهل الموصل بنكبتها فكتب لها قصيدة عصماء تحكي حال ناظمها وتحاكي دموع المصابين بها نشرها في موقعة على الفيس بوك بتاريخ (16/7/2017) تحت عنوان ( وهَوتْ حدباؤنا) والتي قال فيها :
خـانكَ البعـضُ إذا الـبعض خــنــا ،
يـا عـراقٌ كـنـت يـوماً بــلــدي .
باعـك الـبعـض إذ الـبعض طــغــى ،
لــعـــدوٍّ من طــغـــاةٍ جـــــددِ .
وبــغــى الــشرُّ إذ الــشرُّ عـــــوى ،
في زمـــانٍ داعــشٍ مــتّــقِـــدِ .
فــغــــدت حــدبــاءُ نـــاراً ودمــــاٌ ،
وهــوت حـدبـاؤهـا من كــمــدِ .
وبــكـــت دجــلــتـهــا مـن رمــــــدٍ ،
وعـلــت آهــاتــها مـن نــكــــدِ .
وبـــدت أحـــيـــاؤهــــا خـــاويـــةً ،
وتـــهـــاوت دورهــــا مــن أودِ .
وصحـى أبـــنــاؤهــا مـن سـقـــمٍ ،
وقــضـى بـعـضهُـم و لـنْ يَـعُـــدِ .
بــارك الله بــمـن حـــرركــــــم ،
فانـهـضـوا يـا أهـلــنــا كالأسُـــدِ .
وإسـتـفـق يـا بـلـدي واتّـــعِـــــظِ ،
فـالــذئــابُ حــولــك فـي حـــردِ .
ولـتـعـش يــا جـيـشـنـا في شمـمٍ ،
وإلـتـحِـمْ يـا شـعـبـنـا كالـجـســِد .
وفرِحَ لتحرير الموصل وخلاصها من الدواعش الأنجاس وعبر بكلمات معدودات ذات معنى كبير عن تلك الأيام وما حملت حين قال عن مُجمل حقبتها المظلمة وسنواتها الثلاث العجاف ما قاله في مقولته كما في الصورة أدناه وهي عبارة عن فقرة مجتزأة من تعليق أدلى به على مقالة الدكتور سمير حديد في إختيار عنوان لكتابة الجديد بتاريخ (5/5/2017) والتي عبر فيها عن الكثير مما تعنية بإختصار شديد ، أضعها أمامكم سادتي الكرام متمنيًا أن تنال رضاكم وأن تأخذ صداها كمقولة وحكمة صادرة من رجل نبيل وعالم حصيف يكن كل الحب لمدينته وأهلها ، ويحذوني الأمل السعيد بمشاركتكم وتفاعلكم مع المقولة ومضمونها وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير.
حسن ميسرصالح الأمين
7/8/2017
والمقولة هي :
إن هذه الحقبة المظلمة وإن كانت قصيرة في عدد السنين والأشهر لكنها كبيرة في مدى ما خلفت من جروح وآلام وبثور عميقة في نفوس أهلنا الكرام .
الأستاذ
غانم عبد خليل العناز
386 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع