إبراهيم الزبيدي
حروب العنصريين القديمة الجديدة في المنطقة
في حالة واحدة فقط كان سيُصبح من واجبنا أن نحترم رئيس إقليم كردستان المنتهية رئاسته، مسعود البارزاني، وأن نعتبره البطل القومي الصادق الأمين، وأن نفرد له مكان الصدارة بين شارل ديغول محرر فرنسا التاريخي، ونلسون مانديلا بطل الحرية الأفريقية، وأوتو فون بسمارك البطل القومي التاريخي للشعب الألماني، وأن ننقش بحروف من ذهب تاريخ سعيه لانتزاع حرية شعبه بشجاعة العاقل وصلابة العادل لو كان قد جعل من كردستان العراق التي حكمها مع أولاده، وباقي أفراد قبيلته البارزانية، عشرات السنين منارة للديمقراطية والعدالة والازدهار والأمن والأمان، ولم يضع مصالحه الزعامية والأسرية والعشائرية فوق الوطن والمواطن، ولم يتآمر، بالحلال وبالحرام، لتسقيط خصومه (الاتحاديين) و(التغييريين)، ولم يذبح صحفيا لأنه شتمه ذات يوم، ولم يطرد نائبا أو وزيرا خالفه في الرأي أو العقيدة، ولم يخترع المبررات والمسوغات لبسط أيدي أبنائه وأبناء أعمامه وأخواله، وحدهم، على مؤسسات الدولة، واحدة بعد أخرى، ليصبح هو الزعيم الأوحد والقائد الضرورة الجديد.
لقد ألحق ضررا كبيرا جدا بالحق الكوردي المشروع المحلي الخاص بشعب كردستان العراق، وفي صيغته القومية الكردية الواسعة التي يحلم بها كل مواطن كردي في كل مكان، حين أفقده الكثير من هيبته وقدسيته، وحَوَّله، في نظر أعداء الشعب الكردي وأصدقائه على السواء، إلى أداةِ حربٍ سياسية واقتصادية يستخدمها في معاركه الرئاسية النفعية الشخصية العابرة، رغم علمه بالعواقب الوخيمة الآتية مع مشروعه إلى الكرد العراقيين، ثم الإيرانيين والأتراك والسوريين، في الزمن القريب الآتي، وفي الزمن البعيد.
وهو حين يبرر إصراره على الانفصال برفضه الدولةَ الدينية في بغداد فإن أبسط رد عليه هو أن الدولة الديكتاتورية العنصرية التي أتقن إقامتها في كردستان ليست أقل شرورا وأذىً من دولة ديكتاتورية الطائفة والدين. فـ (شهاب الدين أسوأ من أخيهِ).
وإن كان الفعل البارزاني عنصريا وعدوانيا، دون شك، فرد الفعل عليه هو الآخر عنصري وعدواني بامتياز.
فلا الأول استخدم الوسائل الديمقراطية العقلانية للتفاهم مع شركائه في الوطن، وجيرانه، محاولا إقناعهم بمشروعه الانفصالي، ولا خصومُه في بغداد وطهران وأنقرة قرروا التصدي له وفاجأوه بتحضيراتهم العقابية بعد أن فشل الحوار الديمقراطي المتمدن الخالي من لغة التهديد والوعيد.
فلا يمكن تبرئة موقف حكومة المنطقة الخضراء وأحزابها الدينية الشيعية والسنية والجماعات العربية القومية الغاضبة على استفتاء البارزاني، من الحقاد العنصري والطائفي، ولا من الأنانية والمصالح الزعامية المُلبَّسة ثيابَ الحمية والغيرة على الوطن والشرف والدين.
فلو كان واقع السلطة في بغداد، وتاريخ أحزابها وشخصياتها الدينية والعشائرية الكبيرة المتنفذة، غير ما رأينا ونرى، وغير ما سمعنا ونسمع عن طائفيتها وفسادها وتخلفها وظلمها وعبثها بالدستور والقوانين، لكان علينا أن نصدق أنها، في خصامها مع البارزاني، مدفوعةٌ بإخلاصها للديمقراطية، وباحترامها للشرعية والدستور، وبخوفها على الشعب الكردي من ظلم الظالمين وفساد الفاسدين. ثم متى كانت أحزاب المنطقة الخضراء منصفة وعادلة مع أهالي المناطق التي توصف بأنها المتنازَع عليها؟
شيء آخر. لا يمكن أن نكيل مواقف النظامين الإيراني والتركي من الاستفتاء إلا بنفس المكيال.
فقد اجتمع العنصريون والطائفيون والديكتاتوريون العراقيون والإيرانيون والأتراك على معاقبة الشعب الكوردي، وأخذه بجريرة حفنةٍ من تجار سياسة، وباعة شعارات، متسلطين عليه بقوة المال والسلطة وسلاح المخابرات الأجنبية، تماما مثلما تسلط حزبُ الدعوة وحلفاؤه ومليشياته على العراقيين، والوليُّ الفقيه وحرسُه الثوري على الإيرانيين، والسلطان أردوغان ومخابراتُه
على أهل تركيا أجمعين.
فتكملة لاجتماعات العسكريين والسياسيين الإيرانيين والأتراك لتوحيد الجهود لمواجهة المشروع البارزاني جاء دور العراقيين.
فقد أعلن بيان مشترك صدر عن لقاء بين قائد الجيش العراقي، عثمان الغانمي، ونظيره التركي، خلوصي أكار، في أنقرة، وفقا لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية "إن الجانبين بحثا التطورات المهددة لاستقرار المنطقة، وعلى رأسها الاستفتاء غير المشروع الذي يزمع الإقليم الكردي إجراءه في 25 سبتمبر/ أيلول الجاري."
وكان وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، قد أعلن: "أن قرار الاستفتاء وتطبيقه قد يمهدان الطريق أمام سلسلة من ردود الأفعال، ومثل هذه الخطوة غير المسؤولة قد تتسبب بحريقٍ في المنطقة لا يمكن السيطرة عليه."
وأمس تلقى حيدر العبادي اتصالا هاتفيا من الرئيس الايراني حسن روحاني، أكد فيه "الموقف الإيراني الرافض للاستفتاء في إقليم كردستان العراق، لخطورته على وحدة العراق واستقرار المنطقة وأمنها".
كما أصدرت وفود العراق وإيران وتركيا إلى الأمم المتحدة بيانا مشتركا نشرته وزارة خارجية بغداد نص على اتخاذ "إجراء "عدم دستورية الاستفتاء الذي تنوي حكومة إقليم كردستان العراق إجراءه، لأنه سيسبب صراعات في المنطقة من الصعب احتواؤها".
وهنا نسأل، لمصلحة مَن كلُ هذه اللقاءات والتفاهمات لإنعاش العنصرية، وتأجيج الكراهية،
وإشعال حروب طروادة في المنطقة؟.
ثم، متى ينتهي الصراع القديم الجديد بين عنصريين وعنصريين، ديكتاتوريين وديكتاتوريين، فاسدين وفاسدين؟، ومتى تستيقظ شعوبنا المغفلة العربية والكوردية والإيرانية والتركية من سباتها المدمر الطويل؟؟
968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع