نحو محكمة عربية لحقوق الإنسان

                                             

 

                 نحو محكمة عربية لحقوق الإنسان
             د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
                   خبير قانوني عراقي

                  


سوف يبقى تأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان أملاً وحلما يراود كل مواطن عربي مكلوم مظلوم،  علّه يجد ضالته في الانتصاف عند هذه المحكمة إن أخفق القضاء الوطني لديه في إنصافه، خاصة وأن معظم شعوب الأرض صارت لها محاكم خاصة بحقوق الإنسان على المستوى القاري والإقليمي ومنها مثلا:
-المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في نطاق المجلس الأوربي.
-المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان في نطاق منظمة الدول الأمريكية.
-المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان، في نطاق الإتحاد الأفريقي.
- محكمة العدل الإسلامية الدولية لحقوق الإنسان في نطاق منظمة التعاون الإسلامي.
فأين هذه الفكرة من التحقيق؟
وأين وصلت الجهود التي تبذلها الجامعة العربية ومجلس حقوق الإنسان فيها، وبخاصة بعد صدور القرار رقم 7489 بتاريخ 10/3/2012 عن المجلس الوزاري للجامعة بتكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة حول انشاء المحكمة بالاستعانة بخبراء قانونيين عرب مع الاسترشاد بالتجارب الإقليمية والقارية لإنشاء كثل هذه المحكمة، وعقد مؤتمر في المنامة بمملكة البحرين خلال فبراير 2013 لبحث إنشاء المحكمة  العربية لحقوق الإنسان.

الجامعة العربية تشكل لجنة لدراسة الفكرة:
وقد تشكلت لجنة من عدد من خبراء القانون العرب لغرض إعداد دراسة عن إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان. وقد لاحظت اللجنة ان ميثاق الجامعة العربية خلا من الإشارة بنصوص صريحة وواضحة إلى مسألة إحترام حقوق الإنسان، وإن كان قد نصّ على تعاون الدول العربية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية (المادة 2 و 3 من الميثاق).
محكمة العدل الأوربية لحقوق الإنسان:
محكمة العدل الأوربية أنشئت في عام 1959 بغرض تطبيق "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، التي يتوجب على الدول الأعضاء في مجلس أوروبا احترامها من خلال تنفيذ الأحكام الملزمة التي تصدر عن المحكمة. ومنذ إنشائها فإن المحكمة أصدرت نحو 10,000 حكم بشأن قضايا امتنعت فيها الحكومات عن الوفاء بالتزاماتها بمقتضى الاتفاقية الأوروبية. بيد أنه توجب على المحكمة خلال هذه الفترة معالجة مخزون ضخم من القضايا التي زاد عددها على 100,000 قضية، كما إنها تتلقى عدداً هائلاً من الطلبات سنوياً، ما يفرض ضغوطاً هائلة على مواردها.
مؤتمر للحقوقيين العرب يطالب بالمحكمة:
وكان مجموعة من الخبراء الحقوقيين العرب من أهل الفكر والقانون الملتزمين بقضايا الحرية وحقوق الإنسان قد اجتمعوا في مدينة سيراكوزا بإيطاليا للفترة 5-12 ديسمبر 1986 بدعوة من المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية قد أعلنوا مشروع ميثاق عربي لحقوق الإنسان

والشعب وتوجهوا به إلى أبناء الأمة العربية في أقطارها كافة لتبنيه كمثل أعلى تبلغه وأن يجعلوا منه بداية للمشروع القومي للنهوض بها من عثرتها، كما توجهوا إلى الأقطار العربية منفردة ومجتمعة وإلى هيئاتها المشتركة وفى مقدمتها جامعة الدول العربية لدراسته وصولا إلى الأخذ به وتطبيقه.
المحكمة العربية لحقوق الإنسان:
وكان المشروع المقدم من قبل إجتماع سيراكوزا قد تضمن أنه تنشأ بموجب الميثاق المقترح محكمة تسمى "المحكمة العربية لحقوق الإنسان"، تعمل بموجب الميثاق والنظام الأساسي لها. ونص على أن تتكون المحكمة من سبعة من القضاة ينتخبهم ممثلو الأطراف في الميثاق من بين الأشخاص المرشحين لهذه الغاية. وأن يرشح كل طرف لعضوية المحكمة شخصين وترشح نقابات المحامين فيه شخصاً ثالثاً على أن يكونوا جميعا من القانونيين البارزين، وأن يقوم ممثلو الأطراف بانتخاب أعضاء المحكمة من بين المرشحين بطريق الاقتراع السري في اجتماع يعقد لهذه الغاية على أن لا يكون من بينهم أكثر من عضو عن طرف واحد. ونص على أن تكون مدة العضوية في المحكمة ست سنوات قابلة للتجديد، وعند انتخاب القضاة لأول مرة يكون اختيار ثلاثة منهم لمدة ثلاث سنوات بطريق القرعة.


اختصاصات المحكمة المقترحة:
تختص المحكمة بما يلي:
1-النظر في الدعاوى التي يرفعها طرف ضد طرف آخر بعد مضى مدة على تقديم ادعائه إلي اللجنة وفقا لما تقرره اللائحة الداخلية إذا لم تصل اللجنة إلى حل يرتضيه ذلك الطرف.


2-النظر في شكاوى الأشخاص التي تحيلها إليه اللجنة بسبب عدم تمكنها من الوصول إلي حل بشأنها، ولكل طرف توكيل من ينوب عنه أمام المحكمة.
3-تقديم الآراء الاستشارية بخصوص تفسير الميثاق وتحديد التزامات الأطراف بناء على طلب الأطراف والهيئات التي يؤذن لها بذلك وفقا للائحة الداخلية.
4- تقوم المحكمة بنشر تقرير سنوي عن أنشطتها.
وتكون للقرارات الصادرة عن المحكمة قوة النفاذ التي تتمتع بها الأحكام النهائية الصادرة من المحاكم الوطنية في بلاد الأطراف. وتكون جلسات المحكمة علنية ما لم تقرر خلاف ذلك وفقا للوائحها الداخلية.
بروتوكول إضافي للميثاق العربي لحقوق الانسان:
كما دعا المؤتمر العربي الثامن للمؤسسات الوطنية العربية لحقوق الإنسان المنعقد بالدوحة عام 2009 بإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان على غرار المحاكم الإقليمية في كل من أوروبا وأميركا وإفريقيا، ويمكن أن يتأتى ذلك عبر تبني بروتوكول إضافي للميثاق العربي، إلى جانب توسيع صلاحيات ومهام اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لجامعة الدول العربية لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة العربية. كما طالب المؤتمر بإصدار قوانين بتشكيل ديوان المظالم، وتبني مبدأ استقلال القضاء وتعديل التشريعات لدعم العدالة وإلغاء المحاكم الاستثنائية ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري والتوسع في تطبيق الوسائل غير القضائية لحل المنازعات. ودعا إلى تثقيف المجتمعات حول مفاهيم الدستور وموضوعاته وطرق وضع الدساتير والتركيز على الباب الخاص للحقوق والحريات وتطوير آليات التثقيف، وتفعيل برنامج حقوق الانسان وجعل مادة حقوق الإنسان اساسية في كل الجامعات وتدريسها للقائمين على انفاذ القوانين وتفعيل الخطة العربية للتربية على حقوق الانسان.


الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004:

كانت الجامعة العربية قد أقرت صيغة أول ميثاق عربي لحقوق الإنسان عام 1994، إلا أنه لم تصادق عليه سوى دولة عربية واحدة هي "جمهورية العراق"، وتم إعادة صياغة الميثاق عام 2004 الذي تم اعتماده في القمة العربية السادسة عشرة في تونس وانضمت إليه للآن (11) دولة عربية (هي: الأردن، الجزائر، البحرين، ليبيا، سوريا، فلسطين، الإمارات، اليمن، قطر، السعودية، ولبنان). ودخل الميثاق حيّز النفاذ في 15 مارس/آذار 2008 بتصديق سبع دول عليه. كما اقر الميثاق وثيقة عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدول العربية، اكدت الوثيقة على عزم القادة على مواصلة خطوات الاصلاح الشامل التي بدأتها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، ورعاية حقوق الإنسان وفقا للميثاق العربي لحقوق الإنسان ومختلف العهود والمواثيق الدولية المصدق عليها من الدول العربية.  كما اتخذ مجلس الجامعة العربية عام 2010 قرارا لتعزيز وتطوير وحماية حقوق الإنسان ونص فيه على تأجيل النظر في الموضوع لحين الإنتهاء من دراسة مقترحات تطوير منظومة العمل العربي المشترك.
اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان:
وكانت الجامعة العربية قد أسست اللجنة العربية لحقوق الإنسان عام 1961 وقد عنيت اللجنة في البدء بالإنتهاكات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة، وطوّرت اللجنة دورها ليتسع ويشمل موضوعات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان المواطن العربي.  


كما أنشأ الميثاق العربي لحقوق الإنسان لجنة حقوق الإنسان العربية، مكونة من خبراء مستقلين تنتخبهم الدول الأطراف في الميثاق، بهدف رصد ومتابعة حالة حقوق الإنسان في الدول الأطراف والوقوف على مدى التزامها بتطبيق حقوق الإنسان التي نصّ عليها الميثاق ومدى اتخاذها التدابير والإجراءات التشريعية وغير التشريعية اللازمة لتطبيق هذه الحقوق، وذلك من خلال تقارير تقدمها الدول الأطراف فيه، وتبحثها اللجنة وتبدي ملاحظاتها وتوصياتها في هذا الشأن وترفع اللجنة تقريراً سنوياً يتضمن ذلك إلى مجلس الجامعة عن طريق الأمين العام. الجدير بالذكر أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان لا يتضمن آلية أو
مبررات إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان:
إن فكرة إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان تقترن بإعتبارين أحدهما قانوني، وهو أن الحماية القانونية الفعالة على المستوى الاقليمي لحقوق الإنسان لا يمكن تأمينها بشكل كاف من حيث المبدأ، إلاّ إذا وجدت محكمة حقيقية لحقوق الإنسان، كركيزة رئيسية لوفير حماية حقيقية لحقوق الإنسان. أما الاعتبار الآخر واقعي وهو أن الجامعة العربية ليس لديها نظام إقليمي متكامل لتشجيع احترام وحماية حقوق الإنسان على عكس المناطق الإقليمية الأخرى كأوروبا وأمريكا وأفريقية، وهو ما يمكن تفسيره بأن النظام العربي الإقليمي لا يولي ملف حقوق الإنسان الاهتمام التي توليه لها المناطق الاقليمية الأخرى.
لقد غاب عن واضع الميثاق العربي لحقوق الإنسان وضع آلية فعالة للشكوى ونظام اختياري للشكاوى أمام اللجنة العربية من الدول ومن

الأفراد بخصوص أية إدعاءات عن إنتهاك لحقوق الإنسان. كما أن تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن الحكومات والدول لا تتضمن أية اعترافات بإخلال بحقوق الإنسان، مما يفرغها من جدواها وقيمتها. وهذا ضعف فادح بالنسبة للنظام الإقليمي العربي لحقوق الإنسان بالمقارنة بالأنظمة الإقليمية الأخرى.
إن إنشاء محكمة حقوق الإنسان العربية سوف يمثل تعزيزا ملموسا وضرورياً لإحترام حقوق الإنسان العربي، كما سيسهم إنشاء المحكمة في تعويض القصور الموجود حاليا في الميثاق، كما يمكن أن تكون المحكمة من خلال عملها القضائي والتفسيري والإفتائي أداة هامة لإحترام وتفعيل حقوق الإنسان العربية على المستوى التشريعي والقضائي وطنياً. كما تحقق المحكمة عند إنشائها التكامل بين نصوص الميثاق العربي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومن المتوقع أن ينص ميثاقها على إختيارية الإنضمام للمحكمة أي أن الإنضمام إليها لن يكون إلزاميا على الدول مراعاة للحساسيات العربية وخلافات الأنظمة وطبيعة النظام العربي الرسمي. لن تكون المحكمة بديلا عن القضاء الوطني وإنما أداة إضافية لحماية حقوق الإنسان لمن يرتضيها من الدول، ولن تكون المحكمة أداة للتدخل في شؤون الدول ولا سياداتها الوطنية.


وبعـــــــد:
لقد آن الأوان ليلحق العرب بالركب العالمي في مجال إحترام وصيانة حقوق الإنسان وإحترام آدميته، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه فهناك مازال الكثير من الهنات والعراقيل والصعوبات أمام إقرار المحكمة وأمام

فسج المجال لها لتمارس دورها المأمول على غرار المحاكم الإقليمية في أوربا وأمريكا وأفريقية.. وإننا لمنتظرون! 

 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع