د.سعد العبيدي
عُرف العراق بصعوبة ادارته، سياسيا، حتى أن نوري السعيد السياسي الداهية قد شكى من هذه الصعوبة.
ومن بعد مقتله عبر جميع الحكام أعتبارا من عبد الكريم قاسم وحتى وقتنا الراهن عن هذه الصعوبة وان لم يعلنوا عنها لنقص في الجرأة والحنكة السياسية، وهي صعوبة جاءت من عدة عوامل، تحرك مسيرتها باستمرار، بينها وأهمها ضعف التجانس في التركيبة الاجتماعية العراقية، وسط مجتمع متخلف، يعتقد الواحد فيه أنه الاحق بالحكم، وان جماعته من الطائفة والقومية هي الاجدر بالحكم، وبضوء قناعته هذه يهمل عوامل الرضا والاقتناع لباقي الجماعات معتقدا أن وجوده في الحكم كفيل بتأمينها، أو انها غير مهمة في سياق الحكم.... حقيقة لم يستطع نوري السعيد بحنكته المعروفة التخلص منها، ولم يتمكن عبد الكريم قاسم تجاوزها، وان سجل أنه الانزه في التعامل معها، وعلى العكس منه جاء عبد السلام منحازا ليعيد اشكالاتها، كذلك بالنسبة الى حزب البعث الذي غاص في سني حكمه الاخيرة في تناقضاتها على الرغم من علمانيته مستخدما القوة لفرض صيغ الصهر المجتمعي المنحاز لتأمينها... جميعهم ساروا ومازالوا يسيرون على نفس الطريق، وكأنها الصيغة الوحيدة لادارة اللاتجانس العراقي في بلاد تتميز أكثر من غيرها من باقي البلدان بالخصوصية المجتمعية، فنتج الذي نحن عليه الآن تناحر واختلاف عدائي يصعب السيطرة عليه.
إن الانسان في المجتمع غير المتجانس خاصة في العراق، لا ينسى التجاوز عليه، ولا يغض الطرف عن اهماله، ولا يرضى بسهولة عن قرارات حاكمه من الجماعات الاخرى غير جماعته، يكبر صغائر الامور الآتية من المقابل، ويصغر الكبائر القادمة من المنتمين الى جماعته، يفسر الزلة البسيطة خطئا فاحشا، وعدم الاستجابة لمطالبه تهميشا متعمدا، يبرر أخطاءه الجسام، ويحكم على أخطاء المقابل العفوية بالجسام ... الخ من مواقف التناقض وعدم الرضا المحكومة بافكار المذهب والقومية للجماعات الفرعية المتعددة.
انها مشكلة تعد معقدة لان عدم الرضا والشعور بالاهمال والاكبار والاصغار وعدم النسيان وغيرها مشاعر وأحاسيس لا تنتهي في العقل الانساني، بل وتتحول بتأثير الاعلام والحرب النفسية، وردود الحاكم غير المنطقية أحيانا الى انفعالات تشكل السلوك المناوئ له ولحكومته من الجماعات الفرعية بغض النظر عن اعتقاده بانه العادل والرحوم.
هذا جزء مما يجري في العراق الحالي، لا يمكن أن ينتهي بالتعنت والتغاضي والاعتداد بصحة الرأي والمعتقد، وتشكيل الجيوش المليشياتية، ولا يمكن أن يحل بطرح الآراء والمطالب غير الواقعية، ولا بتربع الجهلة والاميين على كراسي المقدمة.
الحل الاسلم هو أن يفكر المعنيون في ادارة الدولة وعقلاء المجتمع بأن لا يكون الحكم تحت التسمية المعنوية لأية جماعة فرعية.
وان يعملوا على تفكيك الانفعالات السلبية للجماعات الفرعية، ليس بأدوات السلطة والاجهزة الامنية، بل بالتسامح ونسيان الماضي والسعي لمنح الحصص للجماعات الفرعية بما يفوق حصصها في التمثيل الكلي للتركيبة الاجتماعية.
وان يستندوا على الجهد العلمي غير السياسي في مساعي التفكيك.
عندها سيكونون قد أرسوا دعائم تجانس مقبول لمجتمع يحكمون فيه بقدر عال من الرضا وراحة البال. يجنبونه ويلات التهديم بمعاول الاهل والاتباع
711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع