الدكتور
عزيز المفتي
الهجوم الاوكراني على القواعد والطائرات الروسية
معقولة بهذه البساطة اين استخبارات ومخابرات الروس من هذا
سؤالك مشروع جدًا، خصوصًا عندما نرى نجاح القوات الأوكرانية المتكرر في استهداف قواعد عسكرية روسية حساسة وحتى طائرات استراتيجية. فكيف يمكن أن تصل أوكرانيا لهذه الأهداف داخل العمق الروسي؟ ولماذا تعجز الاستخبارات والمخابرات الروسية عن منع ذلك؟
الإجابة تتطلب تفصيلًا في الجوانب التالية:
⸻
أولاً: طبيعة الهجمات الأوكرانية ووسائل التنفيذ
1. الطائرات المسيّرة (الدرونز):
• أوكرانيا تستخدم طائرات مسيّرة من طرازات مختلفة، بعضها محلي الصنع (مثل UJ-22) وبعضها غربي (مثل Switchblade الأميركية أو Black Hornet النرويجية).
• تم تعديل مسيّرات لتصل مئات الكيلومترات داخل روسيا، بل وصلت إلى قواعد في عمق 600 كم مثل قاعدة إنغلز الجوية.
• بعضها يطير على ارتفاع منخفض جدًا لتفادي الرادارات.
2. فرق التخريب والعمليات الخاصة:
• تقارير استخبارية عدة (أميركية وأوروبية) تحدثت عن وجود خلايا أوكرانية أو حتى معارضة داخل روسيا تقوم بتخريب مدرجات المطارات أو بوضع عبوات ناسفة على طائرات.
3. الصواريخ بعيدة المدى (عندما تتوفر):
• بعض الهجمات تمت باستخدام صواريخ “ستروما شادو” (بريطانية الصنع)، والتي أُطلقت من مسافة آمنة لكن وصلت أهدافًا روسية حساسة.
⸻
ثانيًا: الثغرات في الاستخبارات والأمن الروسي
1. تشبع استخباراتي وفوضى في التقدير:
• بعد سنتين من الحرب، أصبحت الجبهة متعددة الاتجاهات (الداخل الأوكراني – جبهة القرم – الحدود البيلاروسية – الداخل الروسي)، ما يجعل من الصعب تتبع كل التحركات.
• المخابرات الروسية منهكة بسبب جهود الرقابة الداخلية (قمع المعارضة – تتبع الولاءات)، ما يشتت الجهد.
2. الإفراط في الثقة وضعف منظومة الدفاع الجوي الداخلية:
• كانت العقيدة الروسية تعتمد أن “العمق الروسي في أمان”، وبالتالي لم تكن قواعد مثل إنغلز أو بيسيتش تُحصّن كما يجب ضد المسيّرات.
• الدفاع الجوي مصمم أساسًا لمواجهة طائرات مقاتلة أو صواريخ باليستية، وليس أسراب مسيّرات صغيرة وسريعة يصعب تتبعها.
3. ثغرات في التقنية والردّ:
• رغم امتلاك روسيا منظومات متطورة مثل S-400، فإن الكثير منها مخصص لحماية الجبهات أو موسكو فقط.
• اعتراض المسيّرات الصغيرة يتطلب تقنيات مختلفة (تشويش، ليزر، رادارات دقيقة)، وبعض هذه التقنيات تفتقر إليها بعض المواقع البعيدة.
⸻
ثالثًا: دور الغرب والذكاء الاصطناعي
1. المساعدات الاستخبارية الغربية:
• تقارير تؤكد أن أقمار صناعية أميركية وبريطانية تزود أوكرانيا بصور فورية لمواقع الطيران والمدرجات الروسية.
• أجهزة الاستخبارات الغربية تدرب القوات الأوكرانية على “اختراق سيبراني” للأنظمة الروسية.
2. استخدام الذكاء الاصطناعي في التخطيط للهجمات:
• برامج متقدمة تحلل صور الأقمار الصناعية وتحدد “الهدف الأضعف” (نقطة ضعف في الرادارات، فجوة في الحراسة، مدرج غير محصن).
⸻
رابعًا: تأثير الفساد والبيروقراطية في الداخل الروسي
• في بعض الحالات، الطائرات الروسية التي تم تدميرها كانت مصطفة في العراء دون حماية أو تمويه، رغم علم القادة بإمكانية التعرض لهجمات.
• هناك حديث عن حالات فشل في إصلاح أنظمة الإنذار المبكر، وسوء تنسيق بين الجيش والشرطة والأمن الداخلي.
⸻
خامسًا: نتائج هذا الفشل الأمني على روسيا
• ضرب المعنويات: استهداف طائرات استراتيجية مثل “توبوليف Tu-95” هو ضربة رمزية كبيرة لهيبة القوة النووية الروسية.
• تراجع الثقة بالقيادة العسكرية: هذه الهجمات غالبًا ما تؤدي إلى إقالات أو تغييرات في قيادات سلاح الجو والدفاع الجوي.
• ضغط سياسي داخلي: تصاعد الانتقادات من القوميين الروس أنفسهم ضد وزارة الدفاع، كما حصل بعد هجوم بيلغورود وداخل موسكو.
⸻
خلاصة
الهجمات الأوكرانية ليست بهذه “البساطة”، لكنها تستغل بذكاء مزيجًا من:
• ضعف التحصينات الروسية في العمق.
• تقنيات الغرب الحديثة.
• اختراقات استخباراتية.
• أخطاء بشرية ونظام بيروقراطي مترهل داخل روسيا.
ما يبدو مفاجئًا في الإعلام، هو نتيجة تخطيط طويل وصبر استخباراتي من الطرف الأوكراني، مقابل قصور روسي استراتيجي في حماية عمقه.
600 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع