أ.د. ضياء نافع
حول مؤتمر المستعربين في معهد الاستشراق بموسكو
استلمت بالبريد الالكتروني دعوة كريمة للمشاركة في اعمال المؤتمر الثاني عشر للمستعربين الروس في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية , والذي انعقد في موسكو بتاريخ 27 – 29 تشرين ثاني / 2017 , واعلمتهم بموافقتي على ذلك , فطلبوا عنوان الموضوع الذي سأتحدّث بشأنه في المؤتمر , وقد حددته كما يأتي – ( كلمة حول اول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق) , وهو المعجم الذي صدر لي هذا العام ( 2017 ) في بغداد عن دار( نوّار) للنشر , وقد استلمت بعدئذ الموافقة عليه من رئاسة المؤتمر باعتباره ( عنوانا لبحث يتناسب وينسجم تماما مع أهداف المؤتمر وطبيعته...) , واخبروني لاحقا , ان هذا البحث سيدخل ضمن جلسة يوم 29 تشرين الثاني المخصصة لبحوث اللغة العربية وآدابها ( الفيلولوجيا العربية ), واستلمت فعلا البرنامج الشامل للمؤتمر , ووجدت الوقت المحدد لالقاء البحث هناك , ولدى اطلاعي تفصيلا على برنامج المؤتمر, ادهشتني سعة المواضيع وتنوعها , اذ انها توزعت على خمسة محاور , وهي كما يأتي – ( المشاكل الحاليّة لتطور الشرق الاوسط السياسي – ويتضمن 17 بحثا ) , و ( تاريخ البلدان العربية و علم الاسلاميات- ويتضمن 11 بحثا ) و ( اقتصاد البلدان العربية- ويتضمن 12 بحثا) و ( الشرق الاوسط في نظام العلاقات الدولية – ويتضمن ستة بحوث ) و ( اللغة العربية وآدابها ( الفيلولوجيا العربية) - ويتضمن 16 بحثا) اي ان المجموع الكلي للبحوث هو – 62 بحثا , عدا مناقشات الطاولة المستديرة, التي يناقش فيها المشاركون في المؤتمر مجمل البحوث التي تلقى في بعض المحاور المشار اليها أعلاه و يعلّقوا على الاستنتاجات التي يستخلصها الباحثون من بحوثهم.
من الواضح تماما انه لا يمكن لنا – في اطار هذه المقالة – سوى الاشارة الى بعض الخطوط الفكرية الاساسية , التي تناولتها هذه البحوث العديدة والمتشعبة ليس الا , واودّ ان اتوقف هنا قليلا عند عدد من البحوث التي جاءت في المحور الخاص بالفيلولوجيا العربية , باعتباري قد ساهمت بها , وحضرت جلساتها بالطبع . اتوقف اولا عند محاضرة الدكتورة يافعة يوسف جميل , وهي امرأة عراقية الاصل و تقيم في روسيا منذ أكثر من خمس و أربعين سنة , و حصلت على شهادة الدكتوراه في علم اللغة العربية المقارن , وأصبحت منذ زمن طويل تدريسية في القسم العربي بالكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ , وهي الان بدرجة استاذ مساعد هناك. لقد كان عنوان بحثها هو – (دلالة جذر( دقّ) في اللهجة البغدادية ) , ولم يكن عنوان البحث مثيرا للانتباه اول الامر , ولكن ما ان بدأت الباحثة بالقاء كلمتها , حتى أثارت اهتمامات المؤتمرين وانتباههم , اذ انها أعدّت وسائل ايضاح جميلة ومدهشة عرضتها على الشاشة امام المؤتمر شرحت فيها كل الاشتقاقات من تلك المفردة التي تبدو وكأنها بسيطة للوهلة الاولى , ولكنها تحولت باللهجة البغدادية الى دلالات متشعبة وعديدة وواسعة , وقد عززت كل ذلك بامثلة حيّة وحيوية وطريفة جدا , وخصوصا للمستمع الروسي , الذي لم يكن حتى ان يتصورها , مثل ( دكّة رشيد عالي عام 41 – وعرضت صورة له مع شرح وجيز بالروسية لذلك الحدث ) او ( المدكوكة – وصورة لتلك الحلوى العراقية وشرح وجيز بالروسية لعملها ) او ( دكّ اصبعتين – مع صورة وشرح بالروسية لذلك ) او ( ابو الدكايك – مع توضيح وجيز) ...الخ تلك الاشتقاقات العديدة وغير المتوقعة والطريفة جدا . لقد صفّق المؤتمرون لهذه الباحثة عند انتهاء كلمتها المبتكرة والاصيلة بكل معنى الكلمة . ويجب القول , ان هذه الباحثة تستحق ان نكتب عنها مقالة خاصة يعرّف القارئ العراقي خصوصا والعربي عموما بنشاطها الفكري الواسع في الساحة الروسية , والذي يصب في تعزيز سمعة الثقافة العراقية والعربية ومكانتها المتميّزة في روسيا . أودّ ان اشير هنا الى بحث الدكتورة أليوخينا , التي تناولت فيه كتاب جورج حنّا ( قصّة الانسان ) وجوانبه الفكرية المختلفة. لقد أولت الدراسات السوفيتية عندها اهتماما خاصا لهذا الكاتب اللبناني الشهير انطلاقا من مواقفه السياسية المعروفة آنذاك , اما الان , فان الكلام عنه اصبح اوسع وأعمق واكثر شمولا وموضوعية. لابد من الاشارة والاشادة ايضا ببحث الدكتورة كوخاريفا حول موضوعة الوطن في الفلكلور العربي والابداع الشعري العربي , حيث توقفت الباحثة عند المصطلحات العربية في هذا المجال ومسيرة بلورتها في الوعي الاجتماعي العربي. اودّ ان اشيد ببحث الدكتورة بيليك , الذي تناولت فيه مسرحية نذير العظمة ( اوروك يبحث عن جلجامش ) . لابد من الاشارة ايضا الى الباحثة الجديدة في دنيا الاستشراق الروسي وهي الدكتورة موكروشينا من الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ , والتي قدمت بحثا بعنوان – ( قضايا الضمير والاخلاق في مسرحية مصطفى محمود – الانسان والظل ) , علما انها قد ترجمت هذه المسرحية الى اللغة الروسية ونشرتها في كتاب خاص بمدينة بطرسبورغ . لا يمكنني هنا طبعا ان اتوسع اكثر , رغم اني اودّ ان اشيد واشير – وبشكل خاص –الى دور الدكتور فالح الحمراني , الباحث والمترجم العراقي المعروف , في المداخلات الواسعة والعميقة مع الباحثين والتعليق عليها , والتي دلّت على سعة مطالعاته و معلوماته وموضوعية مواقفه الثقافية, ويؤسفني جدا اني لم استطع – نتيجة وضعي الصحي – ان ابقى الى نهاية الجلسة الاخيرة للاستماع الى محاضرته حول ترجمة نتاجات تولستوي الى العربية – حجي مراد انموذجا , ولا الى محاضرة الدكتوره الميرا علي زاده , والتي كانت ترأس وتدير جلسات محور الفيلولوجيا العربية بكل مهارة وموضوعية وروح أكاديمية عالية .
لقد كان المؤتمر الثاني عشر للمستعربين الروس في معهد الاستشراق بموسكو التابع لاكاديمية العلوم الروسية فرصة رائعة لكل المهتمين ( الروس والاجانب) بشؤون العالم العربي سياسيا واقتصاديا وتاريخيا وثقافيا , ويشكّل هذا المؤتمر بلا شك نجاحا كبيرا في المسيرة العلمية لمعهد الاستشراق العتيد في موسكو.
1358 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع