بقلم : علي المسعود
“اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين" للدكتور لميس كاظم اضافة متميزة للمكتبة العربية.
وصلني بالبريد كتاب الدكتور لميس كاظم و المعنون (اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين ) و الذي كنت انتظره بفارغ الصبر لانه يتميز بكونه الكتاب ألاول الذي يتصدى لقضية الاندماج ويناقش اللجوء، أنواعه، أسبابه، هموم العراقيين والعرب والعلاقة بين الثقافتين السويدية والعراقية. ولذا يعتبر الكتاب اضافة متميزة للمكتبة العربية. كما أن هناك نقص واضح في الدراسات المعمقة والمفصلة التي تتناول هذا الشأن المهم. برزت الهجرة، كظاهرة عراقية لافتة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وازدادت وتيرتها في تسعينيات القرن المنصرم والى الان، ما ادى الى نشوء مجتمعات عراقية صغيرة داخل حاضنة البلد المضيف، في اوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، سعت الى التواصل مع ثقافة الوطن الأم، عبر المنتديات الثقافية والمدارس التي تعنى بتعلم اللغة والثقافة الاصليتين،على طريق إيجاد توازن بين نفوذ الثقافة المكتسبة الجديدة وقدرتها على الرسوخ وبين الثقافة الام، التي وجدت نفسها أسيرة الظروف الجديدة التي تحتم عليها الانكماش ضمن نطاق ضيّق وبين الاندماج الاجتماعي
والتعددية الثقافية، تسعى المجتمعات العراقية في بلدان المهجر الى تجاوز كونها كيانات معزولة وهامشية بالاندماج مع الثقافة الجديدة من جانب، والإبقاء على التفاعل والتواصل مع الثقافة الاصلية.
و قد سعي البعض الى تفسير الاندماج بأنه تطويع لثقافة المهاجر الاصلية، وبين اعتقاد البعض بانه ليس سوى تأهيل للمهاجر ليقوم بدوره في المجتمع الجديد، فان وجهات النظر المختلفة آلت في بعض المواقف، الى احتكاك واستفزاز ثقافي بين المهاجرين وسكان البلدان الأصليين .
كتاب (“اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين ) للدكتور لميس كاظم و الذي صدر من دار ( الجواهري ) في بغداد وهو خلاصة تجربة اغتراب امتدت 25 عاما و خاصة ان الكاتب ( لميس كاظم ) وصاحب تجربة حيث عمل أستاذ محاضر ومدرب في سوق العمل السويدي، مستشار الجمعيات الأجنبية في مدينة مالمو جنوبي السويد يوضح موضوع الاندماج و اهميته , في البداية اكد الكاتب (أني لست باحثا نفسيا أو اجتماعيا أو حضاريا وإنما باعتباري أكاديميا وأديبا صدر له أربع روايات ومقالات عن ثقافة الوطن والمواطنة والمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، وجدت نفسي مضطرا أن أدوّن هذه الملاحظات خدمة للمصلحة العامة والتي هي عبارة عن تجربة عملية ومعايشة لواقع المجتمع السويدي لأكثر من 25 سنة من وجهة نظر مواطن سويدي من أصول عراقية وكذلك ناشطا في مجال جمعيات المجتمع المدني، والمؤسسات الثقافية السويدية، التي ولدت تراكمات خبرة متواضعة تولدت في عمق المجتمع السويدي تلك التي ساعدتني لإبداء وجهات نظري في تفسير بعض المنطلقات التي يرددها المقيم العربي عن المجتمع السويدي.) ص13
الكتاب توزع في اربعة فصول في الفصل الاول سلط الضوء على المواضيع التالية :
1-لمحة عن اللجوء في السويد
2-اسباب اختيار العراقيين السويد
3-انواع المجاميع العراقية التي طلبت اللجوء
4-هموم المقيم العراقي
5-العلاقة بين الثقافة العراقية و السويدية
في الفصل الثاني دون الكاتب انطباعاته الخاصة عن الشخصيتين السويدية و العراقية , اعتمد الكاتب في المناقشة
على أسلوب المقارنة بين مكونات الفرد، العائلة والمجتمعين السويدي والعراقي وهو ليس بالأمر اليسير. والمناقشة لا تعني المفاضلة بين الطرفين إنما هي عرض وتوضيح عادات وتقاليد المجتمعين وإبداء وجهة نظره لأن الكاتب ( لميس كاظم ) عاش في رحم هذين المجتمعين اللذين يمتلكان ايجابيات وسلبيات وعاش ظروفا اجتماعية وعادات وتقاليد وأنظمة سياسية مختلفة. مما يُبرر الاختلاف الكبير فيما بينهما لكن بالوقت نفسه توجد خصال مشتركة ونقاط مضيئة حاول أن يسلط الضوء عليها ليستفيد منها المقيم الجديد ويزيل الغبار الذي علق في ذاكرته عن المجتمع السويدي وبهذا الخصوص يذكر الكاتب فيما يتعلق بالشخصية العراقية ( يمكن القول انها لم تتربى على اسس الديمقراطية . فمجتمعنا لم يوفر الرحم الصحي لتخصيب الديمقراطية و الرئة التي يتنفس منها المجتمع كانت و مازالت رئة معطبة تشتنشق هواء فاسد ) ص 67
وفي الفصل الثالث و الخاص بالعائلة ناقش الكاتب انواع الارتباط الاسري وسمات العائلة السويدية بالمقارنة مع العائلة العراقية مما يتيح للقارئ ان يتعرف على خصائص العائلتين وسوف يتعرف على العائلة السويدية من وجهة نظر عراقي عاش في كنف هذا المجتمع وتالف معه و بنى عائلة عراقية مع تاكيد على ان الانظمة و القوانين السويدية اولت اهتماما عظيما للاسرة و الطفل على اعتبارهما النواة الاساسية التي سيشكل منها هرم البناء الاجتماعي , الفصل الرابع كان مخصص لموضوع الاندماج. يطرح الكاتب حلول ومقترحات جديدة لمعالجة إخفاقات لاندماج .
يطرح الكتاب حلول ومقترحات جديدة لمعالجة إخفاقات الاندماج، ورسمت فيه خارطة طريق واقعية، تعبر عن وجهة نظر أجنبي مندمج عاش ربع قرن في السويد، لأن برامج الاندماج ما زالت نظرية، ومطلوب منها أن تُحول إلى ورشات عمل تطبيقية، كما أن هناك فهماً مشوشاً يؤكد أن العمل هو الهدف الاستراتيجي الذي يحقق الاندماج .
يؤكد الكاتب ان اللغة السويدية هي المفتاح الرئيس الذي يفتح كل الابواب المؤدية للاندماج) 158
بمعنى اخر انها العتبة الاولى التي ترتقي به الى سلم الاندماج ويقول الكاتب انا اليوم اكتب بعد خبرة عمل و احتكاك طويليتين ,ان طريق الاندماج هو الرابح الاول في العيش بهذا المجتمع خاصة للعائلة العراقية . ص 163
ويؤكد الكاتب على أن العمل هو أحد أهم أدوات الاندماج الفاعلة، لكن يجب أن تصاحبه بقية أدوات الاندماج وأهمها الرغبة في الاندماج اللغة و النشاطات الثقافية و الاجتماعية و كذالك التربية و العادات و الوعي و العرقة بين العراقي والسويدي وعلاقة المواطن العراقي بالمجتمع السويدي والاهم علاقة المقيم بالقانون السويدي ص 174
وفي الاخير يقدم الكاتب المقترحات لتطوير سياسة الاندماج السويدية و تتضمن البرنامج مرحلتين في المرحلة الاولى تاهيل المقيم الجديد ومدتها ثلاث سنوات وفيها يتم تعلم اللغة حسب التخصص و الكفاءة وكذالك البحث عن عمل وفتح مراكز عملية للاندماج ومرحلة ثانية ومدتها سنتان او ثلاث سنوات لتاهيل المقيم و المتجنس كي تكون ادواته اكثر عملية , و يتضمن برامج و محاضرات و سميناريوم و افلام و حوارات عن سوق العمل و خصائصه تقاليده .
في النهاية لابد من الاشادة بالجهد المبذول من الكاتب ( الدكتور لميس كاظم ) في شرح و توضيح عملية الاندماج و التي تعني التفاعل والتواصل الاجتماعي والثقافي بين كل المجاميع التي تعيش في بلد واحد .
علي المسعود
المملكة المتحدة
الهوامش
كتاب (“اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين" للكاتب الدكتور لميس كاظم
أصدار ( دار الجواهري ) - بغداد
782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع