سيّار الجميل
مهرجان مستشفى المجانين
في منطقة قديمة تقع مستشفى المجانين ،ويجتمع حوالي 35 مجنوناً صرفاً ، والعالم كلّه يترّقب أخبارهم المضحكة ونوادرهم التافهة وحركاتهم البهلوانية، خصوصاً وأنهم أخلوا المستشفى من أطبائها ، واستولوا على ادارتها منذ 15 سنة .. وكلّ أربع سنوات يقيمون احتفالاً هزلياً سخيفاً لهم بهذه المناسبة ، وهم يحسبون أنفسهم من العقلاء ، وقد أودعهم فيها جنود الاحتلال ، فاكتشفوا فيها كنوزاً من الذهب ، فراحوا يتكالبون في السيطرة عليها لنهب الكنوز واستلاب الحياة ، كانت المستشفى بمبانيها واقسامها تحيط بها الحدائق الغناء واشجار البرتقال .. فكان أن خربها هؤلاء المجانين خراباً ، وفتحوا قسماً فيها للمجنونات من النساء الحيزبونات .. كنا نجد هؤلاء قبل سنوات بثيابهم الوسخة والرثة وهم ينتعلون النعل البلاستيكية ، ويفترشون الارض ويعيشون على الصدقات والاعانات أو نجدهم يتشاتمون على شاشة المستقلة .. وفجأة وجدناهم في احتفالهم يلبسون الألبسة الفاخرة ، ويقتنون السيارات الفارهة ، وقد أطالوا لحاهم ، ولبسوا محابسهم .. وظهر بعضهم بالعمائم البيضاء والسوداء وقد جعلوا المستشفى خرابا ..
كتب احد العاملين "تقريرا " عنه ، قائلاً : كانت المستشفى مأوى منغلقاً لمجانين البلاد ولم يكن يسمح لهم بالخروج أبداً ، ولكن ابان الحرب فتحت أبوابها على مصراعيها ، وأخذ المجانين يرقصون عراة في الشوارع ووراء كلّ مجنون يسير الالاف المؤلفة من التابعين والمعتوهين واللكامة والمداهنين والمنافقين والمرابين والسفلة والقتلة .. وغدوا كتلاً وأحزاباً تقودهم شرذمة من الجهلاء السفهاء :
مجنون نائم في غرفته وهو يتخّيل نفسه ملكا بلا عرش ولا تاج .. لا يسمع شيئا ولا يرى أمرا ، ليس له الا النوم والعلف وقضاء الحاجة ، وتحيط به الخدم والحشم .
ومجنون يهذي بتعابيره وشعوذاته التي لا يفهم رأسها من ساسها ، وهو فاقد للوعي والعقل ، وهو ينتظر خروج القمقم .. وقد غدت اخبالاته مسخرة كوميدية في كلّ العالم ..
ومجنون يتخيل أنه من قبيلة عربية ، ويريد اقامة الدعاوى ضدّ امريكا كونها احتلت العراق في حين شاهده العالم كله واحداً من كلاب اميركا السائبة قبل سنوات !
ومجنون آخر يزعم أنه بطل الابطال وهو يلبس البزة العسكرية ، ولا تنقصه الا النياشين والاوسمة واسنانه لم تعرف الفرشاة يوما ! وكان عاقاً ، قتل أهله في غفلة من الزمن ، واليوم يريد أن يكون مديراً للمستشفى !
ومجنون آخر كان قد سيطر قبل سنوات على المستشفى ونهب ما فيها من كنوز ، وهدم حيطانها وعبث بمقدراتها واشعل الحرب بين المجانين ، وأدخل اليها كل القتلة المشعوذين .. انه يسعى بكل الوسائل ليعود مديراً ليجهز على ما تبقى !
ومجنون آخر ، يخرج علينا كلّ يوم مثرثراً مدّعياً التقدم ، لا يحب الطرب ، ولكنه يأنس للرقص ، فكلّ من يدّق له يرقص ، ولا يمكنه ابداً ان تأخذ منه حق ولا باطل ! لا يقوى على اتخاذ اي قرار حتى وهو على فراش النوم ..
ومجنون آخر جميل الطلعة بهي الوجه يشبه النسوة في حركاته واحاسيسه يبيح المنكر وينهى عن المعروف .. يتملك العقارات ويعشق الميخانات وبيوت المساجات والدعارات وكلها وجدت في المستشفى بفضله ! وشعاره : خذوا الحكمة من افواه المجانين .
ومجنون آخر التحق بقافلة عتاة المجانين بعد ان بقي يمثل دور القرد ، وكسوه ببدلة جديدة وبربطة عنق حمراء ، وهو يتخيل نفسه رئيس برلمان الى الابد ، وهوايته القفز بين الاشجار بسرعة القرود !
ومجنونة اخرى تطالب بقتل نصف العالم ، وهي سليطة اللسان قبيحة الكلام .. تخيلت نفسها لبوة في غابة استوائية ، واكتشفت فجأة نفسها قملة في شعر متعفن !
ومجنون آخر ، اصابته اللوثة بعد ان كان مستشاراً زراعياً ، وليس له الا التشدّق بالمشروع الوطني وهو نفسه غارق في ذممه ومشارك في نهب الكنز الوطني مع بقية المجانين .. رأيته مرة وقد دعي الى مائدة طعام ، فاكل بيديه الاثنتين بشراهة وكأ،ه لم ير أكلا في حياته !
ومجنون آخر . جالس يراقب الموقف ، ويعرف الجميع انه عاقل ، لكنه اصطنع الجنون من أجل أن يقتنص الفرصة ليعود الى ادارة المؤسسة ، ولكن يحفّ به المعتوهون من كل صوب وجانب !
قال صاحبي : ذهبت الى غرفة منعزلة ، دخلتها فوجدت جماعة تصلى وسيّدهم الامام حيران وهو صاخب لا يعرف أين قبلته ذات اليمين ام ذات الشمال ، سألته عن هؤلاء المجانين ، اجاب : سيعود العقل الى هؤلاء كلهم عندما يتركون لعبة كرة القدم !
واستطرد صاحبي قائلا : خرجت لأذهب الى غرفة كبيرة للرياضة ، فوجدت فيها اجتماعاً لمعتوهين آخرين يبحثون مصير كتلتهم السنية التافهة ازاء التحالف الشيعي وشعارهم مشروع وطني . فضحكت عليهم ضحكة مجلجلة .
خلاصة التقرير: لا يمكن اصلاح مستشفى المجانين أبداً ، ولا يمكن علاج رّواده الا بجمعهم كلّهم من الشوارع في سيارة اسعاف وحجزهم بعد تقييدهم وارسالهم الى مستشفى جديد للمجانين والاتيان لها بمدير جديد وطاقم جديد من الاطباء !
949 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع