يعقوب أفرام منصور
تهافت الغرب على الشرق الأوسط
ألتسمية الجغرافية والإعلامية الحالية ( الشرق الأوسط) تضم كيانات : تركيا، إيران، ألعراق، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، مصر، ألسودان، أقطار شبه الجزيرة العربية، قبرص،؛ وأحيانًا يضم إليها البعض كيانات الشرق الأدنى في الشمال الأقريقي : ليبيا، تونس، ألجزائر، المغرب، كما يضم إليها الهند وباكستان وأفغانستان؛ مع العلم أن مصطلح "ألشرق الأدنى" كان هو الشائع لجميع هذه الكيانات تقريبًا حتى بعد أعوام قليلة من عام العدوان الثلاثي على مصر في خريف 1956، بدليل وجود محطة عربية ذائعة الصيت في عام 1946 بإسم (محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية) في يافا الفلسطينية، لكنها بعد أمدٍ قصير من منتصف 1948 إنتقلت إلى (ليماسول) في جزيرة قبرص. لكن (تشرشل) في مذكراته لأعوام الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) إستعمل مصطلح (ألشرق الأوسط) مرات عديدة، ومع أوائل الستينيات والسبعينيات شاع استعمال وتداول مصطلح "ألشرق الأوسط" إعلاميًا وجغرافيًا، واقتصاديًا، وتجاريًا وعسكريًا، وغاب مصطلح " الشرق الأدنى".
بقعة (ألشرق الأوسط) الشاسعة هذه تُعدّ الموطن الأصلي للعروبة والإسلام (إستنادَا إلى " الموسوعة الميّسرة" لعام 1987)، وهي ذات أهمية بالغة من حيث توسّطها بين القارات الثلاث : آسيا، أوربا، أفريقيا، ولهذا كانت ذات أهمية عظمى منذ فجر التاريخ المدوًن حتى الآن، وهذه الأهمية ناشئة أولاً من التبادل التجاري، وثانيًا من كونها مهد الحضارات العديدة المدوّنة منذ الألف الخامس ق.م. ـ كالحضارة السومرية وما قبلها ـ حين لم يكن للغرب كيانات سياسية ولا وجود حضاري مدوًن إلا في بداية ألألف الأول ق.م.، في حين نشأت عدة حضارات مدوّنة زاهيةخلال الألفين ق.م. في أصقاع المشرق: الآشورية، الكنعانية ، الفارسية، البابلية الكلدانية واليمنية( سبأيةـ حِميَريةـ معينية)،، في حين أول ظهور حضاري مدوّن سيادي في الغرب( إنكاتراـ فرنسا ـ ألمانبا)، كان في مطلع القرن الأول الميلادي. أما في أواسط أوربا، فقد نشأت حضارة "هالشتات" نسبةً إلى قرية بهذا الإسم في جنوب النمسا، شرقي سالزبورغ ـ عصر الحديد الأول 750 ق.م). وكان تأسيس روما في إيطاليا في عام 853 ق.م.، واللومبارديون كانوا في إيطاليا في القرن السادس الميلادي. وصَولات شارلمان (معاصر الخليفة العباسي هرون الرشيد) ضدّ السكسون في القرن الثامن الميلادي، وغزوات النورمان في أواخر القرن 8 الميلادي في إنكلترا، ثم قي بداية القرن 9 الميلادي في فرنسا، ودخول العرب إلى إسبانيا في عام 711 م. والسكسون حلّوا في بريطانيا عام 408م بعد أن غادرها الرومان بوقت قصير. وفي عام 476م وبعده نشأت
الممالك البربرية في أوربا : الفرنج في فرنسا، والفيزيغوط في إسبانيا، والجرمان في منطقة الراين. وكانت نشأة باريس في القرن 5م، ونشأة لندن في أواخر القرن 9م، في حين قامت ثلاث حضارات زاهرة في اليمن، أسلفتُ ذكرها، إبان القرنين 8 و7 ق.م.
ولما كان التهافت الغربي على الشرق الأوسط يتمثّل بالحركة الإستعمارية في القرون الثلاثة الأخيرة من الألف الثاني الميلادي، واستمرار التهافت عليه حتى الآن وبتصاعد، ولو بشكلٍ آخَر، إرتأيتُ نقل هذا النص عن الإستعمار الغربي من (ألموسوعة الميّسرة ) ،ـ ص 143 : [..وفي الغرب ظهر الإستعمار بظهور الدوَل القومية الحديثة، كما ظهر في عصرالإرتياد والإستكشاف، ويُقصَر الآن معنى الإستعمار على هذا اللون من الإمبراطوريات، فبرزت سيادة أوربا بالإستحواذ على مستعمرات تقطنها شعوب استُذِلّت بالقوّة، واغتُصبت أراضي أهلها الوطنيين، وأقام الإسبان والبرتغاليون إمبراطوريات " تجارية". أما البريطانيون والفرنسيون، فشيّدوا إمبراطوريتي "إستيطان"، وكان الدافع الأكبر لهذه الحركة الإستعمارية إنتشار النهج التجاري في بدء النهضة الأوربية الحديثة لتوسيع نطاق التجارة، واحتكار حاصلات المستعمرات، واستغلال مواردها الطبيعية. واتّجه إمتداد السلطان والنفوذ في روسيا نحو الشرق، أما في الولايات المتحدة، فسار قدمًا لإستعمار الجهات الغربية، ولم تقم إمبراطورية إلا بعد الحرب الإسبانية ـ الأمريكية( 1898). ولم تدخل ألمانيا وإيطاليا واليابان ميدان الإستعمار إلا في أخريات القرن 19. ومبدأ حرية التجارة والديمقراطية يتعارضان في إسميهما مع الإستعمار، غير أنهما طُرحا جانبًا في النضال على امتلاك أسواق لبيع المنتجات الصناعية للدول الإستعمارية الكبرى !]
قامت النهضة الأوربية خلال القرنين 15 و16 الميلاديين على رصيد غنيّ من علوم وفنون ومعارف وثقافات في مجالات الطب والهندسة والفلك والميكانيك والجغرافية والملاحة والفلسفة التي كلها أنتقلت من بغداد وأثينا وفارس والهند إلى الأندلس الإسبانية حيث تُرجمت من العربية إلى اللاتينية أولاً ثم منها إلى اللغات القومية الأوربية، ومن الأندلس إنتقلت إلى صقلية وسردينيا ومالطة وإيطاليا وأواسط أوربا، وكانت بعض مؤلفات إبن سينا والرازي العلمية تُدَرّس في بعض جامعات أوربا في القرنين 17 و 18 ، وبعد قرنين من اختمار ونموّ النهضة الأوربية، التي أسلفتُ كيفية قيامها، أرتقت الحضارة الأوربية في غرب وأواسط أوربا إبان القرنين 17 و 18 حين استُهِلّت الثورة الصناعية في عام 1770 باكتشاف القوة البخارية، واختراع القطار المسيّر بالطاقة البخارية على سكك الحديد، وأعقب ذلك حدوث تغييرات على أساليب الإنتاج، وأهمها إحلال الآلة محل الأيادي العاملة، وتقريب المسافات واختصار الوقت بالسكك الحديد والسفن البخارية، وبظهور المصانع الكبيرة والسرعة في نقل البضائع. وكان لكل هذه العوامل ،آثار عميقة إقتصادية واجتماعية، فزاد الإنتاج زيادة كبيرة، تطلّب تصريفها بإيجاد الأسواق. فاتّسع التبادل التجاري داخل الأوطان الأوربية وخارجها، وارتبطت أقطارالعالم بعضها ببعض بوسائط النقل السريعة، وظهرت التكتلات العمّالية والفوارق الطبقية، وبذا نجم عن الثورة الصناعية إنتهاء النظام الإقطاعي الزراعي وبداية الرأسمالية الحديثة. فهل كان مشروع حفر قناة السويس وإنجازه وافتتاحه في عام 1869إلا وسيلة فُضلى لمواصلة تنامي التجارة العالمية واختصار الوقت وتقليل كلفة نقل البضائع والتنافس للهيمنة على الأسوق؟!
من الملاحَظ أن تولّد هذه النتائج الإيجابية في القرنين 18 و 19 قد تزامن مع أوان تخلف الإمبراطورية العثمانية عن اللحاق بمواكبة هذا الركب الصناعي الإنتاجي التجاري، إذ إنّ أقطارًا عديدة من منطقة الشرق الأوسط في القرنين المذكورين كانت تحت السيادة العثمانية التي تميّز أغلب سلاطينها ـ بعد سليمان القانوني ـ بالجمود والتخلّف على الرغم من وجود قلّة من ولاّة ووزراء وخلفاء ينزعون إلى الإصلاح ومجاراة الغرب في تبنّي الوسائل الحديثة الأوربية في الإدارة والإنتاج والمتاجرة، فاستغلّ الغربيون ذلك الضعف والتخلّف بغزو أسواق تلك الأقطار التابعة للإمبراطورية العثمانية في منطقة الشرق الأوسط بسيول من البضائع.
هذا الطراز من الإستعمار التقليدي بلغ ذروته في القرن 19 وأوائل ال 20 ، إذ كانت أسواق الشرق الأوسط الكثيرة قبلة أكبر دولتين إستعماريتين أنئذٍ (إنكلترا وفرنسا) في مجال تزويد الأسواق بالمنتوجات الصناعية والزراعية والطبية الحديثة، مما جلب الثراء إلى خزائنهما وشعبيهما، وبالتالي إرتقى مستوى العيش في الدولتين ، ووصل بالكثيرين فيهما إلى درجة المليونير فالملياردير !
وفي ما يأتي أهم تواريخ إستعمار بعض أقطار الشرق الأوسط من قِبل الدولتين :
ألإنكليز يُنهون حكم المغول في الهند عام 1858
ألإنكليز يعلنون الملكة فكتوريا إمبراطورة الهند عام 1877
ألإنكليز يحتلّون مصر عام 1882
ألفرنسيون يحتلّون الجزائر عام 1830
الفرنسيون يعلنون تونس محميّة عام 1881
أ لفرنسيون يحتلّون المغرب خلال 1901 ـ 1904
إسبانيا تُعيد الصحراء إلى المغرب عام 1976
ألمهاتما غاندي يبدأ عملية تحرير الهند عام 1919
لكن الدولتين الإستعماريتين لم تكتفيا باغتنائهما عن سبيل المتاجرة بل دفعهما الطمع إلى الإستيلاء حربًا على بعض ممتلكات دولة " الرجل المريض" في رقعة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، مع تشديد قبضتَيهما على ممتلكاتهما الكثيرة قبل الحرب، وإدامة هيمنتهما على بعض المستعمرات: أوستراليا، نيوزيلندة، تسمانيا، الهند الجوهرة)، سيلان،، الصومال، كندا، ( البريطانية)، وعلى بعض المستعمرات الفرنسية في افريقيا وسيام والهند الصينية وبعض جزائر بحر الكاريبي وغيرها !
قوبل إستيلاء الدولتين بالحرب ، ثم السيطرة على أملاك الإمبراطورية العثمانية، باستياء وخيبة أمل أغلب شعوب المنطقة، وخصوصًا في كيانات الشرق الأوسط العربي ـ الإسلامي بفضل تنامي الشعور القومي والتحرري فيها ، برغم الوعود التي بثّها الغربيون إعلاميًا، أو التي وُثّقت بمراسلات (حسين ـ مكماهون 1915 ـ 1916) قبل مدة قصيرة من معاهدة عرفت بأسماء بعض دُهاة الإستعمار الغربي سيئ الصيت ـ سايكس ـ بيكو1916 . ( أنظر كتاب (يقظة العرب) لجورج أنطونيوس، لكنهم نكثوا العهود والمواثيق، مع العلم أن الجيش العربي بقيادة الأميرين فيصل وعبد الله إبنَي الحسين في الحجاز قد أسهما في مقاتلة الجيش العثماني لصالح الدولتين الحليفتين، إذ عمدت الحليفتان إلى احتللا ل العراق وسوريا الكبرى، وبسط النفوذ البريطاني على كل أطراف شبه الجزيرة العربية برًا وبحرًاـ حصة الأسد! لقد تزامن ذلك المد العالي الإستعماري مع وجود النفط الغزير في العراق الحالي وفي عربستان (الأحوازـ المحمرة ـ عبدان) التي كانت عراقية ثم سُلخت منه لتُعطى إلى إيران،، كما وُجد النفط بفزارة في بر وبحر كيانات الخليج العربي ورقعة المملكة العربية السعودية الشاسعة.
إبان ثلاثة أو أربعة عقود الخمسينيات قبل استخراج نفوط ليبيا والجزائر، وقبل قيام منظمة (أوبك)العالمية لتصدير النفط (1960)، بيعت نفوط العراق وإيران والخليج والسعودية بأسعار واطئة، ووارداتها كانت مُجدية للطرفين طبعًا ـ ألمُصدّر الشرق الأوسطي والمستورِد الغربي، مع العلم أن صادرات نفوط الشرق الأوسط من خلال (أوبك) في أواخر الستينيات بلغت زهاء 50% من مجموع الصادرات العالمية، ، أما بعد الألفين فنسبة الشرق الاوسط اخذت تتصاعد، لكن المشتري الغربي عمومًا كان أكثر أنتفاعًا من البائع الشرق أوسطي، لأن الكميات الغزبرة من النفط كانت أرخص مصدر طاقة للإنارة واستخدام وسائط النقل وتشغيل المصانع الإنتاجية الكبرى المصممة للتصدير التجاري الوسيع إلى كل أطراف العالم، فظهرت في الغرب ( بريطانيا، فرنسا، أمريكا) طبقة من الأثرياء المليونيريين أولاً، في حين كانت أقطار الشرق الأوسط المصدّرة آنئذٍ في حاجة ماسّة إلى الواردات من مبيعات النفوط لإنفاق معظم الواردات على مشاريع البناء والتنمية والتطوير بسبب تخلّفها في أثناء القرون ألأربعة الأخيرة من الحكم العثماني حتى أوائل القرن 19.
بفضل وجود منظمة (أوبك) وارتفاع مستوى أسعار المبيعات النفطية وتضاعف القدرة على رفع كميات تصدير النفط إلى الغرب، وتضاعف الإنتاج الصناعي الخفيف والثقيل خلال العقد الأول من القرن 21، فقد تضاعف أيضًا إرتقاء مستوى العيش والرفاه والرغد في الغرب كثيرًا، وفي الشرق الأوسط قليلاً‘ فبينما صار المليونيريون في الغرب مليارديريين كثيرين، برز في أقطار الشرق الأوسط مليونيريون قليلون، لكن مع فقراء كثيرين ومعدَمين وجائعين.
في أواسط الستينيات كان 85% من كميات نفط الشرق الأوسط تُستخرج من آبار الكويت والعربية السعودية والعراق وإيران، وبعد اكتشاف النفط في ليبيا والجزائر سترتفع النسبة إلى 90 أو 95% من منطفة الشرق الأوسط. ومع الزيادة المتوقعة من القطرين المذكورين وتعاقب الأعوام نحو العقد الثاني الحالي فصاعدًا، وبسبب التنامي السكّاني، وازدياد وسائط النقل والمصانع الإنتاجية الضخمة، سترتفع نسبة النفوط المصدّرة من منطقة الشرق الأوسط قاطبة إلى الغرب بمقدار يفوق الكميات المستخرجة من مناطق أخرى بملايين الأطنان سنويًا، بدليل أن الكمية المصدّرة من الشرق الأوسط في عام 1965 بلغت 265 مليون طن، وفي عام 1975 بلغت 800 مليون طن.
ولما كانت الأنظمة الحاكمة الكبرى في الغرب تنظر إلى الثروة النفطية في الشرق الأوسط نظرة شَرِهة مقرونة بنزعة إستحواذية على مقدرات وسياسات أقطار الشرق الأوسط مع نزعة الإبقاء عليها في مستوى دون مستوى الغرب من التقدّم في جميع نواحي الحياة العصرية (وأحد الأدلّة على ذلك إغتيال الغرب عددًا من علماء الذرّة في الشرق الأوسط، والحيلولة دون التزوّد بالطاقة النووية للأغراض المدنية)، دأبت القوى الغربية الكبرى الرأسمالية في الغرب الأوربي والأمريكي على خلق العديد من مسببات الإرباك والقلاقل والإنقلابات العسكرية والثورات الداخلية في أنظمة حكم الشرق الأوسط بشكل أو بأشكال تضمن لها إمكانية إستمرار التزوّد بنفوط تلك الأقطار بيُسر وبأسعار ملائمة لها ولإحتكاراتها وارتقائها التقني؛ فهي كثيرًا ما خلقت أسبابًا لحروب في المنطقة وغزوات تحالفية في عقود الثمانينيات والتسعينيات، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وذلك بحجج واهية وأسباب مزيّفة وبواعث شرّيرة لصالح تلبية أطماع توسّعية عنصرية. وهل تنسى شعوب الشرق الأوسط، وأوساط الرأي العام العالمي المستقل النزيه عدم استقرار أحوال المنطقة ، بل أرجاء العالم كافّة بسبب انعدام الجدّية لدى الغرب عمومًا، وخصوصًا لدى أمريكا، في حلّ المعضلة الكبرى المسببة لإضطراب أحوال العالم منذ عام 1967، وهي المشكلة المتعَمّد خلقها وبقاؤها بين فلسطين العربية وإسرائيل العنصربة برغم انصرام 51 عامًا عليها ؟!
علاوةً على كل ذلك، كانت وما برحت ثالثة الأثافي تعمل منذ ربع قرن بنشاط جسيم، وذلك بعامل ولادة الخطة الخبيثة المؤذية للبشرية والمدنيّة، المتمثّلة بتنظيرات المدعو( برنارد لويس)، المرسومة لتفعيلها من قِبل القوى الغربية الكبرى الإستحواذية ، من خلال بثّ عوامل الإحتراب بين الطوائف المذهبية الإسلامية والعناصر العرقية، واستخدام الفصائل المتطرّفة الإرهابية، وكل ذلك بقصد تفتيت كيانات الشرق الأوسط الحالية لتغدو زهاء 80 كيانًا هزيلاً بدلاً من الأربعين حاليًا، وذلك بقصد عدم قيام إتحاد شرق أوسطي إقتصادي أولاً ثم سياسي على غرار الإتحاد الأوربي الحالي، وتسهيلاً لبلوغ مآرب توسعية عنصرية مرسومة ومعلومة لدى المطّلعين. فكان ما كان وما زال من بروز طنين ورنين ممسوخ وهو مصطلح أطلقه الإعلام الغربي الأمريكي والأوربي، المشهور بِ "ألربيع العربي" الذي مهّدت له كارثة 11 أيلول 2001 المصطنعة ذاتيًا، ثم غزو إفغانستان فالعراق، ثم تجسّم في أحداث ثورات وانقلابات مشوبة بالإرهاب والعنف والتطرّف في تونس وليبيا ومصر والصومال والسودان وسوريا والعراق واليمن وإيران حتى الآن، والحبل على الجرّار المؤدّي إلى شفير الهاوية المهلكة التي تُنهي أطماع الطامعين الذين لا يشبعون، ما داموا على سطح هذا الكوكب الذي أفعموه بأفعال جمّة تُغيض البارئ، وتُفرِح الشيطان القبيح إسمه وشكله وفعله !
لفد اغتنى الغربيون غَناءً مفرطًا إلى حد التُخمة والبطَر والعربدة والإلحاد والإستهتار بكل القِيَم والمبادئ التي نافحت عنها البشرية في تاريخها الحضاري الطزيل، دَعكَ من تعاليم الرسالات السماوية، وكان غناهم مطبوعًا بتهافتهم على ثروات نفوط ومعادن الشرق الأوسط طيلة ثلاثة قرون ونيّف،، ونتيجةً لتوفّرهذا النفط لديهم أنتجت مصانعهم ألوف الأنواع من المنتجات وملايين الأطنان من البضائع التي أغرقوا بها أسواق الشرق الأوسط وأبعد منها كثيرًا؛ فأضحى غناهم الهائل مُهَيِئًا لإنشاء شركات ومؤسسات إنتاج صنوف الأسلحة الحربية، وأمسى تصديرها إلى أقطار الشرق الأوسط وغيرها مصدرًا آخر من مصادر الإغتناء " بفضل" إثارتهم العنعنات والتناحرات الطائفية والأثنية في هذه المنطقة الحيوية. كل هذا فعله الغرب ويفعله ويستمر على فعله من غير وازع من ضمير حي ولا مبادئ مسؤولة، في حين نجحت حكومات الغرب ـ على مرأى ومسمع من شعوبها ـ في مساعيها غير الإنسانية لإبقاء أقطار الشرق الأوسط مُتخَلّفة كثيرًا عن مستوى ركب تمدّن الغربيين، لأنهم كانوا وما برحوا منساقين لتلبية نداءات انانيتهم المفرطة، وخلوّهم من المسؤولية الأخلاقية التي جوهرها وعمادها العدالة.
692 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع