عادل الجبوري
دور "الحشد الشعبي" في العملية السياسية العراقية
لا تندلع حرب في البلدان النامية إلا وتظهر مجموعات مسلحة رديفة للقوات النظامية فيها، والعراق ليس استثناء، فلم يكن أحد ليتوقع أن تتوحد الفصائل المسلحة الشيعية تحت راية واحدة. فعلى الرغم من أن تلك الفصائل اتبعت مذهبًا إسلاميا واحدًا، وكانت مرتبطة بعدد من الأحزاب والحركات السياسة ذات الميول والتوجهات الأساسية المختلفة، إلا أنها عملت على الأرض كقوة عسكرية فعالة ومتماسكة.
"الحشد الشعبي".. هذه المفردة، باتت خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، تمثل أحد أبرز المفردات في الأدبيات السياسية والإعلامية العراقية. واليوم، لا يمكن فصل الحشد الشعبي عن مجمل الحراك السياسي في البلاد، وقد يذهب المرء لتصنيف الحشد كمؤسسة عسكرية رسمية فعلية - تعمل في نفس سياق الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية والعسكرية الأخرى. وكما هو الحال في السياسة العراقية، غالباً ما تتداخل وتتشابك العوامل المحددة لتوجهات وأفعال المجموعات السياسية.
وقد تصاعدت الحملات المحلية ضد الحشد الشعبي، مع احتدام المفاوضات الماراثونية لتشكيل الحكومة، خلال الشهور القلائل الماضية، وبروز محورين أساسيين: تحالف " الفتح"، وهويته حشدية إلى حد كبير، وتحالف "سائرون “، الذي لا يعلن عن رفضه للحشد على الرغم من عدم ارتباطه به، وكلاهما معنيين باختيار رئيس الوزراء الجديد.
واليوم بعدما انتهت الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي بنسبة كبيرة، وفي ظل احتدام التجاذبات السياسية بين مختلف القوى والكيانات والشخصيات لبلورة صورة المرحلة السياسية المقبلة على ضوء نتائج ومعطيات الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحضوره القوى على الساحة العراقية، من الطبيعي جدا أن يكون "الحشد الشعبي" حاضرا في كل محطات ومنعطفات البحث والنقاش.
وقد وجد الحشد نفسه عند مفترق طرق، عالقا بين من يسعى إلى إقصاءه وتهميشه وإبعاده، وبين من يحاول استثماره وحتى استغلاله، وبين من يريد المحافظة على هويته وأدواره ومنجزه، بعيدا عن مناكفات السياسة ومخرجاتها "السلبية". ومن ثم، لا يوجد صعوبة في تتبع تطور سياسة الحشد وذلك من خلال التصريحات الأخيرة حول تشكيل الحكومة، والتي سلطت الضوء على الدور الذي سيلعبه الحشد في السياسة بمجرد تشكيل الحكومة.
بدأ الصراع يظهر بين قوات الحشد الشعبي بعد إصدار الحشد بعض البيانات السياسية التي تؤكد رغبته في الانسحاب من المدن العراقية، فمثلا، وعلى الرغم من إصدار نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، جمال جعفر أل إبراهيم (أبو مهدي المهندس)، قرارا بسحب قوات الحشد من بعض المناطق والمدن المحررة، وإخراج كافة مقراته من داخل المدن، إلا أن حيدر العبادي رفض تلك الخطوة وأصدر تعليمات تقضي بابقاء قوات الحشد في مواقعها وعدم سحبها من المدن والمناطق المحررة.
فخلال زيارته لمقر هيئة الحشد الشعبي في بغداد، في أواخر شهر أغسطس الماضي، أكد العبادي أن " إخراج الحشد من مدن هائلة لا يجب أن يخضع لضغط سياسي، فعصابات داعش طردناها وهزمناها، ولكن لديهم خلايا وفكر أيديولوجي، يجب أن نستمر بمحاربته، أما أخلاء الساحة بشكل مفاجئ فأنه سيعطي فرصة للجماعات الإرهابية للاعتداء على المواطنين، وان الدستور والقوانين تمنع الخلط بين العمل الأمني والعسكري والاستخباري مع السياسي".
وهناك أيضا من رحب بإخراج الحشد الشعبي من المدن منهم أعضاء في الحكومات المحلية ومجالس المحافظات في صلاح الدين ونينوى، علما أن دعوات سابقة كانت قد انطلقت من تلك المحافظات لإخراج الحشد منها. وفى هذا الصدد، قدم رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، لائحة تتضمن ثلاثة عشر مطلبا إلى الحكومة الاتحادية، من بينها "إخراج فصائل الحشد الشعبي من المدينة، وتسليم الملف الأمني إلى الشرطة الاتحادية، وإعادة النازحين الذين ما زلوا- بحسب لائحة المطالب- مجبرين على البقاء في المخيمات بسبب إصرار فصائل مسلحة على عدم إعادتهم". ولعل من بين أبرز أسباب رفض محافظات صلاح الدين ونينوى لوجود قوات الحشد الشعبي فيها، هو انه رغم مساهمة الأخير في طرد تنظيم "داعش" من مناطق واسعة من تلك المحافظات، إلا أن الهاجس الطائفي مازال وسيبقى هو المسيطر والمتحكم بتفكير وتوجهات أبناء تلك المحافظات.
كما تعالت بعض الأصوات بضرورة حل الحشد الشعبي بحجة أن الحاجة إليه قد انتفت، خاصة بعد هزيمة داعس، وطالبوا المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد على السيستاني الذي أصدر فتوى الجهاد الشفائي إلى الإعلان عن انتهاء مهمة الحشد. وبالفعل استجاب السيستاني لتلك الدعوات حيث شدد في احدى خطب صلاة الجمعة من مدينة كربلاء في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، على ضرورة دمج قوات الحشد الشعبي ضمن المنظومة العسكرية والأمنية الحكومية العراقية. وقد لاقت تلك الدعوة ترحيبا واسعا، حيث أشاد محمد الكربولي رئيس كتلة الحل البرلمانية بدعوة السيستاني ودعا إلى دمج متطوعي الحشد الشعبي في المؤسسات والأجهزة الأمنية الحكومية. ومع ذلك، ظلت الأمور لم تتغير وبقيت على حالها، وما ساهم في ذلك هو أن الحرب على داعس لم تنتهي فعليا، إذ مازالت هناك بعض الجيوب لذلك التنظيم والمنتشرة في مساحات مختلفة من الجغرافية العراقية، تتطلب تأهبا عسكريا وامنيا متواصلا.
ولا شك أن الضغوطات لحل الحشد الشعبي، أو إعادة النظر بالأدوار والمهام الموكلة إليه، ليس بالأمر الجديد. وبعض تلك الضغوطات خارجية، توجهها واشنطن بالدرجة الأولى، وبعضها إقليمية تتصدرها الرياض، وبعضها داخلية، وكل تلك الضغوطات المتعددة المصادر والمستويات تلتقي عند نقطة واحدة، وان تنوعت واختلفت أساليبها وأدواتها، وهذه النقطة، تتمثل في أبعاد إيران عن المشهد العراقي بأقصى قدر ممكن، إذا لم يكن بالإمكان إقصائها بالكامل. ولعل هناك تصورا وانطباعا عاما لدى المجتمع الدولي مفاده أن الحشد الشعبي في العراق مرتبط بإيران وتابع لها، ولكن في حقيقة الأمر فأنه لا يمكن تصنيف الحشد بعناوينه المتعددة، ومرجعياته المتنوعة، في إطار واحد.
إن الأطراف الدولية والإقليمية المهتمة بتقليص النفوذ الإيراني في العراق يجب إن تدرك أن قوات الحشد الشعبي ليست مليشيا شيعية متجانسة، ومن ثم، فان اتخاذ أي سياسة ما نحو الحشد الشعبي يجب أن تتعامل مع المجموعات المكونة للحشد بشكل منفصل خاصة أن منها الموالي لإيران وترتبط دينيا بالمرشد الإيراني علي خامنئي، ومنها ما يدعوا إلى إدماج قوات الحشد في الجيش العراقي النظامي مثل تلك المليشيات التي أسسها المرجع الشيعي علي السيستاني وتلك التي تقع تحت إمرة المرجعية الشيعي مقتدى الصدر.
ومن ثم، فان تمكين الجيش العراقي ووضعه تحت إمرة الحكومة العراقية هو المفتاح لمواجهة زيادة نفوذ قوات الحشد الشعبي خاصة تلك الموالية لإيران. كما أن هناك ضرورة لتطبيق قانون الحشد الشعبي، الذي دعا إلى مأسسة الحشد الشعبي ، والذي أقره البرلمان العراقي في شهر تشرين/نوفمبر عام 2016.
لذلك، فان دمج قوات الحشد الشيعي في المؤسسة العسكرية النظامية يمثل الخطوة الأولى لعزل تلك القوات عن إيران. ومع ذلك، يجب أن تتم عملية الدمج بشكل فردى وليس جماعي لمواجهة مشكلة الانتماءات المتعددة وتجنب انقسام الولاءات بين الحكومة والانتماءات العسكرية للأعضاء الجدد.
836 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع