بقلم: هدى أمّون
صوت النّاي
في كثير من الأحيان، أتمنى، لو أن الحياة تصبح في تلك البساطة التي تخيلناها في الصغر. تراكمت المشاعر في داخلي،وتكابتت، منذ سماع خبر وفاة أقرب الأشخاص على قلبي. كسرب طيور مهاجر تمر الذكريات في ذهني، لتسرقني في لمح البصر من الحاضر إلىالماضي. تصدمني حقائق الواقع، وتسقطني في قعر البئر.هل هذا كابوس مرعب، أم ماذا؟ هنالك حقائق مؤلمة، تستوطن القلب. لا يدري بها عابرو الطريق، ولا العصافير المحلقة في السماء. فداخلي أصبح كالفضاء. فيه الكثير من الأمور التي تجهلها محطات الإذاعة وقنوات الأخبار.حديث تثرثر به الجارات من شرفات الحارات، حتى أنه لا يحتل الصفحة الاولى في الصحف والمجلات، ليتداولها الرجال في المقاهي. أصبحت سجين الماضي، وأنهكتني القيود. تحيط بيدي وقدمي أغلال، ولا يمكنني التخلص منها. فجرح ودماء لا تتوقف. أنتظر روحا هائمة في السماء، علها تعود يوما. أنا أتحدث عن الأشياء الموجودة من خلال غيابها، بحيث يصعب على العقل تصورها، طالما لم يعشها.أمور لا يمكن البوح بها، سلبت مني فرحتي، أخفت ابتسامتي معها، بحيث أنها لا تتغير، ولن تتغير، مهما بكينا، صرخنا، تألمتاوتمنينا...في هذه اللحظة، الساعة وهذا الوقت، تعال يا شبح الذكريات، لملم شتات ما تبقى مني، وانثرني كأوراق الخريف المتساقطة، لأتدحرج، وأتناثر لأحوم حوله، لعلي لا أتركه وحيدا في هذا الليل الدامس. كيف لابتسامتي الظهور مجددا، وأنا أنظر اليه. أنظر الى وجهه الصافي للمرة الأخيرة، وأفكر، كيف سيقضي هذه الليالي الظلماء، فهل لفانوس أن ينير دربه المظلم؟
جفت الدموع من مقلتي على فراقك، فحتى لو فارقْتَنا في هذه الدنيا، فأنت تسكن القلب، وتحتل أجزاءه. وصورتك داخل ذاكرتي، لا يمكن أن تمحى، ولا تنسى. فأنت ما زلت حيا داخلنا، ولا يمكن أن تفنى من قلوب أحبائك. فجميع حواسي سألتني عنك، فهل ستحرر صوتي، فهو ما زال صادحا باسمك؟ أين أنت، يا من تشبثت في كل ثغرة مني؟ سيرهقني غيابك، فهل يعقل أن يفترق الإصبع عن الإظفر؟ إن أحاطتني دوامة الماضي، سأتركها، تسيطر على كل لحظة تمضي. ويجرفني حتى أغور داخلة، لعل الآلام تخف، حين أنتقل للعيش في الماضي بين الحين والآخر. فكيف سأصف الشعور الذي يعريني تماما، كصوت، يتسلل من وتر كَمان، قصبة ناي ومفاتيح بيانو، ويستقر في حنجرتي.
887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع