سمية العبيدي
قصة قصيرة -الملحق
كان خطأ في تنفيذ خارطة البناء وسهوا أتاح للحديقة الجانبية أن تتسع شيئا ما بما يمكن أن تكون ملحقاً .. بيعت فضلة الأرض لمن جعلها ملحقا جميلا وبذا أنقذت الصدفة والخطأ أصحاب الأرض الكبيرة - والتي بدأ البناء فيها يرتفع وئيداً - من ورطة محتملة ولدتها طفرة جديدة في الأسعار كما هو معتاد في الربع الأخير من القرن المنصرم . من اشترى الأرض كان فنانا ذا ذوق رفيع فجعل من الملحق تحفة صغيرة عاش فيها مع أُسرته بضع سنوات حتى عزم السفر الى خارج البلاد بلا عودة محتملة فباع الملحق بثمن مجز . انتقلت العائلة الجديدة الى الملحق وهي تحمل هما وتخفي سراً فقد كانت ربة الأُسرة شابة كتابية جميلة تزوجت رجلا مسلما من إحدى الأقطار العربية وأنجبت طفلة حملتها وعادت معها بعد طلاقها الى بلدها . وهنا عاودت الزواج من رجل كتابي مثلها وبذا سقطت عنها حضانة الطفلة فقد تزوجت برجل خارج الاسرة التي تنتمي لها الابنة " أسرة والدها " هذا من جهة ثم إن الأم كانت قد أسلمت إثناء زيجتها من الرجل المسلم والآن عادت عن الإسلام وذلك ما لا يقره في بلدنا عرف ولا قانون ولا دين , كانت مهددة بانتزاع ابنتها منها , وما هي الا بضعة أشهر حتى رحلت عن الدار خشية افتضاح سرها وسر اسرتها وتركت وراءها فراغا ... ملأته بعد أشهر أُسرة أُخرى لا تقل عنها كتمانا وإخفاء لأسرار غريبة . فقد سكنت الدار أرملة مع ابنيها وكانت ابنتها فتاة راشدة مخطوبة تسعى لتكوين عائلة فتية , غير إن الأم وهي شابة أيضا كانت تخفي سرا لما بعد زواج ابنتها خوفا من ضياع فرصة الزواج وخراب أمر ابنتها . وفي منتصف ليلة ما جن ابنها الصبي وهو يكيل الشتائم بلا وزن ولا حساب لأمه طاعنا في شرفها لاعنا أهلها راكبا موجة من القهر والرعب والخجل غطت الحي الراقي بغمامة من اللون الرمادي الغامق ... فقد وجد رجلا في فراشها . اجتمع الناس عند بابها وهي تحاول تهدئة الصبي بلا جدوى فقد كانت متزوجة سرا من وكيل أعمالها بعد أشهر من وفاة زوجها صاحب مصنع المعلبات الذي ورثته مع ابنائها وهي الآن تديره بمساعدة سكرتيره الخاص سابقاً وزوجها حالياً . ومع إن المرأة لا عيب عليها غير إخفاء زواجها ناسية إنما الزواج إشهار قبل كل شيء فقد اضطرت لبيع الملحق هربا من الفضيحة التي ألقاها عليها ابنها لسوء ما فعلت من التكتم على أمر لا يصح معه الكتمان بل يجب إشهاره . ما هي الا أشهر حتى حل في الدار زوجان مع أولادهما الصغار وكان صاحب الملحق شبه أخرس لم ترض به المرأة زوجا لها لكنها رضخت لصوت عائلتها الفقيرة التي وجدت فيه معينا على الفقر والعوز غير إن الزوجة لم تكن مقتنعة به وكان لها من أيام الصبا حبيب تواصله باللقاء - البريء كما تحب أن تقول - في الأماكن العامة غير مبالية لتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه ولم تحسب حسابا للرجل الذي ارتبطت به ولو مجبرة , ولما أحس الرجل وذووه سوء فعلها وعبثها حذروها أكثر من مرة فلم ترتدع لذا طردوها من رعايتهم وأخذوا منها أولادها فهي لا تستحق أن تكون أُما ولا تؤتمن على دار ولا على أولاد . ظل الملحق الجميل والذي هو غاية في الأناقة والذوق السليم ظل بعد كل ما أخفى بين جدرانه من أسرار وظلال يشكو الفراغ فلم يجرؤ أحد على سكناه لسنوات بل عدَّ جالباً للفضائح ... مشؤوما .
*****
526 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع