قاسم محمد داود
الـسنوات الـعجـاف - ١
حصار العراق 1991-2003
في الثاني من آب 1990 وفي خطوة اسلمت المنطقة برمتها الى المجهول وتركت العراق ولعقود يعاني من الفوضى والخراب والتخلف، اقدم صدام حسين على احتلال الكويت. ومن نتائج هذا الاحتلال وما اعقبه من حرب قادتها أمريكا مع تحالف ضم 32 دولة وجيش تعداده 960000 جندي انتهت بهزيمة العراق سبقها قرار الأمم رقم 661 في 6 آب 1990 الذي يدعو
الى وقف التجارة مع العراق لإرغامه على سحب قواته من الكويت. لكن قبل ان تصل الأمور هذه المرحلة قامت أمريكا والدول المتحالفة معها بشن حربها على العراق واخرجت القوات العراقية من الكويت بعد ان دمرت البنية التحتية للبلاد: من محطات اتصالات، وكهرباء، ومصانع، ومعامل، ومنشآت نفطية، ومخازن الحبوب، ومواد تموينية، وأسواق مركزية، ومحطات ضخ المياه، والمنازل، وحتى الملاجىء التي احتمى فيها المواطنون لم تكن ملاذاً آمناً لهم أمام القصف الصاروخي البري والجوي والبحري المركز على مدى 42 يوماً.(في ليلة 12 على 13 شباط قُتلَ 400 مدنياً عراقياً اغلبهم من النساء والأطفال كانوا يحتمون في ملجأ العامرية بعد ان قصفته طائرتان من نوع اف -117 بالقنابل الذكية ).
لكن العقوبات ظلت نافذة بذريعة التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وتطبيقه قرارات مجلس الامن وشملت هذه العقوبات حظراً تجارياً كاملاً باستثناء المواد الطبية والغذائية والمواد التي لها صفة إنسانية. وكانت هذه العقوبات من القسوة بحيث شكلت طوقاً خانقاً للعراق، فلم تتشابه معها في صرامتها أي عقوبات أصدرتها الأمم المتحدة على أي دولة أخرى قبل أو بعد فرضها على العراق. كان نطاقها شاملاً وأسلوب تنفيذها قاتلاً، بالأحرى لم تكن عقوبات بقدر ما كانت محرقة للشعب العراقي.
أدى الحصار الى نتائج مخيفة وكارثية في جميع مجالات الحياة العامة الصحية والبيئية والاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية. ونبدأ بالحديث عن الجانب الاقتصادي الذي كان العامل الأهم في التأثير على العوامل الأخرى وسوف نتناول بقية المجالات في مقالات قادمة .
الجانب الاقتصادي:
1- كان اجمالي الناتج المحلي عام 1989 (75,5) مليار دولار، فقد كانت صادرات النفط وهو العامل الرئيس في اقتصاد العراق بمعدل 3,2 مليون برميل يومياً بمعدل سعر مقداره 31,26 دولار للبرميل الواحد نتج عنه دخلاً سنوياً مقداره 36,51 مليار دولار انخفض بعد الحصار في 1991-1997 الى 0,98 مليون برميل يومياَ انتج دخلاً سنوياً مقداره 7,29 مليار دولار سنوياً وبذلك انخفض الناتج المحلي الى الثلثين. وكان اجمالي العائدات النفطية خلال فترة الحصار 110 مليار دولار يطرح منها تعويضات الحرب بموجب القرارات الصادرة من مجلس الامن والتي لايزال العراق يعاني منها 40 مليار دولار، وعليه فأن معدل دخل العائلة العراقية من واردات النفط انخفض الى اقل من 100 دولار سنوياً مما نتج عنه نسبة فقر قدرت بأكثر من 90%.
2- من المعلوم ان حوالي 95% من دخل الفرد العراقي يحصل عليه من النفط. وكان دخل الفرد من اجمالي الناتج المحلي عام 1988 (3510 ) دولار انخفض الى (1500 ) دولار عام 1991 ثم انخفض الى ( 1036 ) دولار عام 1998 وفي عام 2002 كان دخل الفرد 225 دولار وهو أقل من الحد الأدنى لمقياس خط الفقر(حسب د. صبري زاير السعدي / الاقتصاد السياسي الجديد في العراق – بغداد 2008 ).وقد شهدت سنوات الحصار تدهور حصة الفرد من الناتج المحلي الى حوالي (1/10) مما كان عليه في مطلع الثمانينات. وبعد ان كان العراق في قمة السلم بين البلدان النامية من حيث نسبة دخل الفرد الى الناتج القومي الإجمالي أصبح دخل الفرد الحقيقي الشهري في عام 1993 أقل من دخل العامل الزراعي غير الماهر في الهند التي تعد من البلدان الفقيرة، وكانت مستويات معيشة الافراد والأسر هي الأكثر تضرراً بشكل عام، وخصوصاً الأسر ذات الدخل المحدود أو الدخل المتوسط. وطبقاً لتقديرات منظمة الغذاء والزراعة الدولية لعام 1995 انخفضت مستويات الدخول والمعيشة لثلثي سكان العراق، واصبح دخل الاسرة يقارب ثلث دخلها مقارنة لعام 1988.
3- منع الحصار توريد المواد الأولية الأساسية التي تحتاجها الصناعة سواء كانت بهيئة مواد خام او نصف مصنعة فالقرارات كانت تمنع التعامل التجاري فيها من جهة. ومن جهة أخرى اصبح متعذراً توفير العملات الصعبة اللازمة لاستيرادها بسبب منع تصدير المنتجات العراقية ومن ضمنها النفط وثم تمويل شراء المواد الأولية. وبما ان كل قطاع في الاقتصاد العراقي الذي كان من الاقتصاديات النامية يعتمد على الاستيراد. لذلك صار أصغر مصنع للمنسوجات ليس باستطاعتهِ النهوض دون الاحتياج الى قطع الغيار الأجنبية. فالزراع يحتاجون الى المضخات المستوردة لتشغيل أنظمة الري. ولم تستطع الحكومة إصلاح شبكات الهاتف والكهرباء والطرق والماء والصرف الصحي المتضررة دون استيراد المواد اللازمة لها من الخارج. وأغلقت الكثير من المصانع الاهلية والحكومية والمشاريع التجارية أبوابها اوأكتفت بالحد الأدنى للإنتاج تاركة الشعب بدون عمل. فمن بين نحو 187 الف مصنع بين حكومي تابع لوزارة الصناعة والمعادن وآخر تابع للقطاعين الأهلي والمختلط والخاص بلغت نسبة مساهمتها بدعم الناتج الوطني الى نحو 23% توقف اكثر من نصفها بسبب الحصار وقصف طائرات التحالف.
4- تجلت آثار الحصار واضحة بوضع الدينار العراقي وسعر صرفه تبعاً لحالة التضخم الذي بلغ حدوداً غاية في الارتفاع فطغى بذلك على كل الظواهر الاقتصادية الأخرى وعليه فقد شهد سعر صرف الدينار مقابل الدولار والعملات الأخرى في السوق التجارية (السوداء) تدهور خطير جداً. ففي عام 1982 كان الدينار يساوي 3,22 دولار وفي عام 1989 كان يساوي 3 دولار اما بعد فرض الحصار فقد وصل سعر الدولار الى 4000 دينار وفي عام 1996كان 3000 دينار.
لقد دمرت حرب الخليج عام 1991 والحصار الذي اعقبها اغلب الأصول الحيوية للاقتصاد العراقي وتقلصت طاقة انتاج الكهرباء وتوقف الإنتاج الصناعي تقريباً. وشهدت سنوات الحصار تأكلاً في " البناء المؤسسي وتحطيماً لتقاليد الإدارة وقيم العمل مع توقف الاستثمار الإنتاجي وتراكم العجز في البناء التحتي والخدمات". وتحول الاقتصاد العراقي من اقتصاد واعد يتمتع بالعديد من المقومات الاقتصادية أبرزها الموارد الطبيعية الهائلة والإمكانات البشرية المؤهلة الى اقتصاد يمر بوضع كارثي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ودمرت البنية الأساسية وتدهور النشاط الاقتصادي وارتفعت معدلات الفقر والتضخم الى معدلات خطيرة. وهذا ما يفسر الانهيار السريع للنظام الاقتصادي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 واحتلال العراق بحيث استطاعت الإدارة الأجنبية إعادة ترتيبه بالكيفية التي اصبح عليها فيما بعد.
4787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع