الدكتور علوان حسون العبوسي
ابعاد الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق وأثره على امنه الوطني
مقدمة
للأمن الوطني مفاهيم واسس ومرتكزات وقوى غاية في الأهمية انه كيان الدولة وقدراتها المادية والمعنوية بالكامل، وهناك من يطلق عليه بالأمن القومي او الدفاع الوطني بمشتملاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والمعنوية. يعتمد الأمن الوطني على مدى الاستعداد الدائم للدولة في مواجهة التهديدات التي قد تواجهها سواءً من مصادر داخلية أو خارجية وتوفير كافة متطلبات تامين الحماية اللازمة للأفراد والمؤسسات ، وللأمن الوطني ابعاد مهمة ترتكز عليها الدولة منها البُعد العسكري الذي يعتمد على دور القوات المسلحة والقوات الأمنية الأخرى في توفير الأمن ضد أية اعتداءات أو مخاطر مخطط لها من قبل جهات دولية خارجية لذلك يجب أن يكون الجيش مستعداً، وقادراً على توفير الحماية الكاملة للدولة منطلقاً من مبادئ وطنية بحتة ، ثم البُعد الاقتصادي الذي يحرص على استيعاب أية أزمة اقتصادية عند حدوثها تلافياً لأية تأثيرات سلبية على الأمن الوطني ، عليه يجب ان تكون الدولة مستعدة لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها الاقتصادية التي تواجهها ، ثم البُعد السياسي الذي يتكامل مع البُعد العسكري والاقتصادي من خلال المحافظة على سيادة الدولة على أراضيها وحمايتها من أية تدخلات خارجية قد تؤدي للسيطرة عليها من الداخل بأساليب وطرق ذات بعد إقليمي توسعي ، كما يجب ان يأخذ هذا البعد دوره العميق بالدولة في توفير المساوات في الواجبات والحقوق الإنسانية للأفراد بكافة طوائفهم واديانهم ومعتقداتهم للمحافظة على استقرارها تجنباً لحدوث أية أزمات داخلية قد تنتج عنها نتائج سلبية تؤثر على الأمن الوطني، ثم البُعد الأيديولوجي الذي يساهم في تعزيز انتماء المواطنين لوطنهم من خلال التربية الوطنية والأخلاقية في مراحل التعليم المختلفة وابعادهم عن كل ما يمس كيان الدولة وامنها الوطني كما يضمن البعد الاجتماعية عدم تعرض المواطن لأية اعتداءات أو جرائم داخل المجتمع بضمان تفعيل حكم القانون ، لذلك يرتبط البُعد الأيديولوجي بكافة القوى المستخدمة لتوفير الأمن الداخلي والوطني من خلال المحافظة على المجتمع وتعزيز فكرة تقبل الأفراد للاختلافات الدينية والثقافية، والفكرية والقومية ...الخ ).
كل هذه الأساسيات والابعاد ركيزتها الأساسية والمهمة ان صح القول هو الانسان بمنطلقاته الوطنية والاخلاقية والإنسانية والعلمية ، ومن بعدها يسهل توجيهه في بناء الامن الوطني للدولة سياسياً واقتصادياُ واجتماعياً وعسكرياً وثقافياً ، عليه يجب على القيادات السياسية العليا الالتزام بها من اجل قوة الدولة وقد لمست ذلك جلياً عندما كنت اشغل منصب عميدا لكلية الدفاع الوطني في جامعة البكر للدراسات السياسية والعسكرية العليا (وهي من الكليات غير التقليدية تستقبل قادة الدولة على مختلف اختصاصاتهم مدنيين وعسكريين برعاية ديوان رئاسة الجمهورية بأشراف رئيس الدولة شخصيا لأعدادهم قادة المستقبل ) كنت اقف وأقول للطلبة ، يا اخواني علينا جميعاً بالإنسان وهو طفلا ويافعا وشاباً ثم راشداً ومسؤولا في اقسام الدولة المختلفة لحمايته من أي أفكار ونهوج معادية تخل بمبدأ الامن الوطني )، منطلقا من منطلقات أساسية أخلاقية وتربوية صحيحة ، تُسهل على الدولة مسايرة مجتمعاته داخليا وخارجيا يكون لها حظوة بين الدول إقليميا وعالميا لبناء مستقبل افضل ، ومثالنا في ذلك اليابان وما جرى لها بعد الحرب العالمية الثانية من تدمير شامل لكل بناها التحتية لكنها وقفت بقوة شعبها بدءً من الصفر وأصبحت دولة في مناص الدول الكبرى وكذلك المعجزة الاقتصادية الألمانية بعد هذه الحرب اعتمادا على مبدئ الانسان المناسب في المكان المناسب وغيرها من دول العالم المتحضر في اوربا ودول أمريكا الجنوبية ، عليه يكون مفهومنا للأمن الوطني هو القدرات والامكانيات التي تتمكن بها الدولة من تامين مصادر قوتها في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والمعنوية في اطار من النظام والاستقرار الداخلي في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية التي تهدد وجودها .
سأناقش الموضوع بصورة عملية لوقائع اخلت بالأمن الوطني العراقي بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق منطلقاً من حقائق سياسية داخلية للفترة من 1990 - 2003 ومن بعدها حقائق دمرت امننا والسيادة الوطنية والوصول بهما الى الواقع الحالي المؤلم.
خلفيه تاريخية مهمة
خرج العراق من حربه مع ايران وهو يمتلك الثقة والقدرة التي تتمثل بأقوى جيش عرفته المنطقة في تاريخها بالإضافة امتلاكه اكبر قاعدة تصنيع عسكري وخبرة قتالية عالية خرج والشعب اكثر تماسكاً والتصاقاً بقيادته ، وقد عبرت القوة العسكرية بقيادة الرئيس صدام حسين عن نفسها بكل صراحة ووضوح وحركت جماهير الأمة العربية ، فاصبح لها رئياً عاماً بدء يضغط على سياسات بعض حكومات المنطقة تسبب بإحراجها احياناً ، في ذات الوقت أيقنت الصهيونية العالمية والقوى الدولية والإقليمية الكبرى أن ما علا وأضاء في سماء المشرق العربي هو إنذار بخطر متنامي مؤكد وتغيير مقلق في توازن القوى مما يتطلب مراقبة شديدة لطبيعة وتصرفات القيادة العراقية وطبيعة نظامها السياسي .
لقد تابعت الولايات المتحدة الأمريكية فصول هذه الحرب حتى نهايتها ، فكانت تقف إلى جانب العراق أحيانا لتمرير أجندة معينة ، وإلى جانب أيران تارة أخرى بعد تسخير إسرائيلي لمدها بالأسلحة والمعدات والتجهيزات لزيادة استعار الحرب وفق ما يسمى (ايران كيت) Iran gate أو ( إيران كونترا ) وعلى أية حال كانت أمريكا تنظر لهذا النصر بعين الريبة والتوجس والخوف من المجهول خاصة أن ميزان القوى العراقي أوضح أن العراق لوحده قد حقق التوازن العسكري أو التعادل مع إسرائيل( دون الدول العربية ) وهذا يشكل خطراً على مصالحها في الخليج والوطن العربي . ففي نهاية عام 1989 أعدت المخابرات المركزية الأمريكية تقريرها الذي تضمن كماً هائلا من الأكاذيب والتلفيقات مفادها أن العراق ينوي مهاجمة إسرائيل والتوسع على دول الخليج العربي ويقترب من إنتاج الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمياوية ...الخ، وركز التقرير على سعي العراق لتوحيد الشعب العربي من خلال أنشاء مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن، مما سيشكل خطراً جسيماً على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. لقد كانت ردود فعل الإدارة الأمريكية حيال هذا التقرير وبعد التشاور مع بريطانيا هي البدء بمرحلة التخطيط الهادئ لاستدراج العراق وإدخاله في مشاكل من خلال افتراءات أو خلق مواقف يصعب على قياداته التنصل منها أو إهمالها لكونها تشكل تهديداً لأمنه الوطني منها أن العراق يسعى لصناعة أسلحة الدمار الشامل وهو بهذا يهدد أمن إسرائيلي ومنطقة الخليج العربي ، بدورها إسرائيلي اعتبرت ذلك تصعيداً ضدها متضامنة مع المخطط الاستراتيجي الأمريكي البريطاني، فأصدرت تهديدها بضرب كافة منشآت التصنيع العسكري ذات العلاقة بإنتاج الأسلحة الكيمياوية، مما أثار حفيظة الرئيس صدام حسين للمرة الثانية وصرح لكافة وسائل الإعلام بانه سيحرق نصف إسرائيل باستخدام الكيمياوي المزدوج (1) ما أقدمت على تنفيذ تهديدها . كان رد الفعل العراقي هو التخطيط لاستخدام قوته الجوية تجاه أهداف منتخبة داخل إسرائيل وفعلا قام بحشد سلاحه الجوي في قواعد يحتمل شن ضربته الجوية منها إذا تطلب الأمر ذلك واتخذت كافة الإجراءات والاستعدادات الفعلية للتنفيذ، إلا أن الموضوع لم ينفذ لكون إسرائيل لم تنفذ تهديدها. كان العراق بعد حربه مع إيران قد تفرغ للتخطيط من أجل بناء اقتصاده والتوجه إلى عمليات أعادة الإعمار والتطوير لبناه التحتية التي تضررت طوال سنوات الحرب والتوجه إلى الحياة الطبيعية أسوة بدول العالم إلا أن هذه الأعمال الاستفزازية المخطط لها جيداً أوقفت ذلك، وأشغلت القيادة العراقية بها، ومما زاد من توترها أيضاً انخفاض أسعار النفط بسبب زيادة الإنتاج النفطي للكويت، نتج عنه خسائر كبيرة في الاقتصاد العراقي.
تأزم الموقف بين العراق والكويت
في 16 تموز/يوليو 1990 وبمناسبة ذكرى ثورة 17 تموز/ يوليو 1968 القى الرئيس صدام حسين خطابه المعتاد بهذه المناسبة أوضح فيه اهم واخطر الأحداث التي كانت تشنها الدوائر الإمبريالية والصهيونية الرسمية وغير الرسمية خلال الفترة الماضية، ضد العراق بصورة خاصة والأمة العربية بوجه عام، وكذلك مشيراً للسياسة البترولية التي يتبعها بعض الحكام في دول الخليج العربي تعمداً تسببت في خسارة العراق أربعة عشر مليار دولار سنوياً وهي سياسة أمريكية وبإيعاز من أمريكا وبالضد من مصالح الأمة وشعوب المنطقة ، ولان العراقيين الذين أصابهم هذا الظلم المتعمد مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم وعن النفس ،فانهم لم ينسوا القول المأثور – قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ...فهم بدل إن يكافئوا العراق الذي قدم لهم زهرة شباب أبنائه لتبقى بيوت أموالهم عامرة بالمزيد المضاف مما هو مكتنز والذي لولا العراق لأصبح بأيد أخرى ، ساءوا إلى العراق بالغ الإساءة ...وبدلا من إن يكافئوا العراق غرزوا الخنجر المسموم في الظهر ...)).
المراوغة الأمريكية قبل ازمة احتلال الكويت
في 25 تموز/يوليو 1990 التقت السفيرة الأمريكية ببغداد (أبريل كاثرين جلاسبي) الرئيس صدام حسين ، دار حوار طويل بينهما اقتطع أهم ما جاء فيه (( عندي أوامر مباشره من الرئيس بوش بالعمل على تحسين علاقتنا مع العراق ، ونحن عندنا تعاطف كبير مع مساعيكم في بغداد للحصول على أسعار عالية للنفط ، ونعتقد أن هذا هو السبب المباشر لمواجهتكم المرتقبة مع الكويت ، ونحن لاحظنا كيف انك نشرت قوات كبيرة من جيشك في جنوب العراق ، وهذا الأمر في المعتاد لم يكون ضمن اهتماماتنا ، ولكننا نربطه بتهديداتك لدولة الكويت ، ولذا نرجح أن هناك علاقه بين الأمرين وبناء على ما سبق فقد تلقيت أمراً بان اسألك بشكل مباشر وبدافع من روح الصداقة وليس التحدي بشان نواياك الحقيقية ، لماذا حشدت قواتك على مقربه من حدود الكويت ....؟) (1) ، وقد أجاب الرئيس صدام حسين قائلا(( كما تعرفين فقد بذلت على مدار سنوات كل جهد ممكن من اجل التوصل إلى تسوية لنزاعنا مع الكويت ، وننوي عقد اجتماع خلال يومين ، وانا مستعد لفتح باب التفاوض ولكن لفرصة واحدة أخيرة متبقية ، ونرى أي امل يمكن أن يسفر عنه اللقاء ، لكننا لو وجدنا عدم قدرتنا في التوصل إلى حل فسيكون من الطبيعي أن يرفض العراق الاستسلام للموت)) ، وتجيبه السفيرة (جلاسبي) ، نحن ليس لنا رأي حول نزاعاتكم العربية / العربية مثل نزاعكم مع الكويت ، وكل ما هناك أن وزير الخارجية جيمس بيكر وجهني إليك لنستوثق من الأمر ، مع الوضع بالاعتبار انه ومنذ عام 1960 لم تعد قضية الكويت مرتبطة بأمريكا ، ونحن ليس لنا راي حول نزاعاتكم العربية /العربية مثل نزاعكم مع الكويت.... ) وقد فهم الجواب بمعنى التصرف وفق ما تروه مناسب!!!!! يبتسم الرئيس صدام حسين وينهي الاجتماع.
في 31 تموز/يوليو1990 أخبر (جون كيلي) مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى الكونجرس بان الولايات المتحدة ليس لديها التزام بالدفاع عن الكويت بل ليس لديها نية في ذلك إذا تعرضت لهجوم عراقي !!!!(2). في 28 تموز- يوليو- أعد موظفو مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الرسالة التالية إلى الرئيس صدام – (( سررنا بنبأ الاتفاق بين العراق والكويت على إجراء مفاوضات في للتوصل إلى حل سلمي بينكما فللولايات المتحدة والعراق مصلحة قوية في الحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ولهذا السبب نحن نعتقد أن الوسائل السلمية افضل طريق لحل هذه الخلافات لا التهديد باستخدام القوة العسكرية)) – انتهت الرسالة ، كما يذكر جيمس بيكر في مذكراته (1) (كان علينا الاعتراف مبكراً باننا لم نفلح في تهذيب سلوك صدام وكان علينا تغيير سياستنا في وقت مبكر وبدرجة اكبر مما فعلنا وكان ينبغي إعطاء سياستنا مساحة اكبر تجاه العراق وإلى مدى بعيد ولأسباب عديدة ومعقدة ..).
احتلال الكويت 2 آب (أغسطس)1990
في فجر يوم 2أب/ اغسطس1990 قامت فرق الحرس الجمهوري حمورابي، الفاو، المدينة المنورة، توكلنا على الله، عدنان، بغداد، لواء الواجبات الخاصة 26 - ضفادع بشرية، باحتلال الكويت.
في البدء يجب التنويه بان ملايين من العسكريين والسياسيين وعموم الشعب العراقي ليسوا مع الرئيس صدام حسين في اتخاذه قرار اجتياح الكويت بهذه الطريقة ، بعد استشارته عدد محدود من القادة العسكريين والسياسيين خارج وزارة الدفاع ، ولسنا مع ملوك وأمراء وشيوخ دول الخليج العربي في نهجهم المشبوه والمقصود والمبيت الذي اتبعوه قبل وبعد قرار الرئيس صدام حسين باجتياح الكويت ،وأيضا لسنا مع السلوك المشبوه والمقصود الذي اتخذه الرئيس المصري حسني مبارك(باعتباره رئيس الدورة آنذاك لجامعة الدول العربية ) باجتماع دول الجامعة العربية في 10 اب /أغسطس 1990 بعد احتلال الكويت وتفرده بالقرار المتسرع وتفويض ذلك إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم دون اعتماد الحل عربياً الممكن آنذاك .
عادةً تتخذ القرارات الخطيرة ومنها قرار الحرب بعد التشاور البناء والتخطيط الدقيق مع القيادتين السياسية والعسكرية عبر عدد من المنظومات البحثية العلمية آخذين بنظر الاعتبار مبادئ وفن وعلم الحرب ومرتكزات قوى الدولة في امنها الوطني وانعكاساتها المستقبلية دولياً وقطرياً ومحلياً ...الخ ، ناهيك عن قيام عدد من رؤساء الدول بمبادرات مهمة وإرسال عدد من الرسائل المهمة حول موقف العراق مع الكويت قبل وبعد الاجتياح لتهدئة الأوضاع بين البلدين وسحب القوات العراقية منها مبادر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بأرسال رسلتين مهمتين طالب بهما الرئيس صدام حسين الانسحاب من الكويت موضحا الاثار السلبية لأقدام الولايات المتحدة على ضرب العراق بحشدها دولا كثيرة منها عربية وانعكاس ذلك ليس على العراق فقط ولكن على المستقبل العراقي والعربي والعالم اجمع، والمبادرات المهمة التي قام بها كلا من الملك حسين بن طلال ملك الأردن ، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ونائب الرئيس اليمني سالم البيض ، وأخرها رسالة الرئيس الأمريكي بوش في 12 / 1 / 1991 حول الانسحاب من الكويت .
ولكي ننصف الجيش العراقي الذي يقوده وزير الدفاع في حينه الفريق الاول الركن عبد الجبار شنشل ورئيس اركانه الفريق الاول الركن نزار عبد الكريم الخزرجي وكافة قادته وصنوفه أي دور في عملية احتلال الكويت ولم يؤخذ حتى رأيهم بالموضوع، وإنما زُجَّ به بعد إتمام احتلال الكويت واستقرار الأوضاع على الأرض هناك.
قوات التحالف الدولي تهاجم قواتنا في الكويت
بعد 39 يوم من القصف الجوي والمدفعي والبحري المعادي بدءً من ليلة 16 /17 كانون الثاني / يناير لكافة الأهداف الحيوية والاستراتيجية العراقية، شرعت، ليلة 23 شباط / فبراير 1991، قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجومها البري الواسع بقيادة الجنرال شوارسكوف.
في 26 شباط / فبراير 1991 استشعرت القيادة العراقية بخطر تطويق قواتها الرئيسة من قبل القوات البرية الحليفة فأصدرت أمراً سريعاً وحاسماً وغير متوقع بالانسحاب الفوري نحو الأراضي العراقية ضمن قاطع البصرة والدفاع هناك وقد نفذ أمر الانسحاب بشكل مرتبك جداً وعلى عجل غير مخطط له مسبقاً بالانسحاب الفوري نحو الأراضي العراقية. ولم تسنح للقوات العراقية المدافعة الفرصة لإعداد سلسلة طويلة مطلوبة من الإجراءات الضرورية لعملية الانسحاب التي تحتاجها القوات، فتركت أثقالها ومواد تموين قتالها التي كدستها في قواطعها الدفاعية خلال أربعة شهور ولم يكن أمامها سوى ساعات قليلة، وعليه حين نفذت امر الانسحاب الطارئ شكلت أهدافا سهلة للقوات الجوية للتحالف، فاصبح الطريق المركزي الدولي (الجهراء – العبدلي) طريقاً للموت، لم يفوت التحالف الفرصة لإحداث مجزرة للأرتال العراقية المنسحبة من مسرح العمليات الكويتي .
وفي يوم 28 شباط / فبراير 1991اعلن الرئيس بوش وقفاً للعمليات الحربية، كما أعلن انتهاء الحرب في الميدان بعد 43 يوماً، وكانت النتائج مروعة للطرف العراقي في اسلحته ومعداته.
بعضاً من انتهاكات الامن الوطني العراقي
في يوم 28 شباط / فبراير قامت إيران وحال انتهاء القتال وبشكل غير متوقع بدفعها عناصر عراقية مناهضة للنظام من حزب الدعوة والهاربين من الخدمة العسكرية أثناء الحرب معها يقودهم عناصر من الحرس الثوري الإيراني لإحداث أعمال شغب وحرق للمؤسسات الرسمية للدولة وعمليات التصدي المسلح ضد القوات العراقية المنسحبة من الكويت. ومن ثم امتدت نحو المحافظات الجنوبية والوسطى، وفي ذات الوقت هاجمت مجموعات مسلحة كردية من حزبي مسعود البرزاني وجلال الطالباني وحدات الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة في المحافظات الشمالية الثلاث وكركوك مما تطلب مواجهة كل هذه العناصر من القيادة العراقية بعنف شديد، إذ اعتبرت هذه الفوضى أعمالا خيانة لصالح العدو استمرت من 1 / 3 – 16 / 4 / 1991، وقد أدت ما تبقى من فرق الحرس الجمهوري والجيش دورها بنجاح في إعادة الهدوء للبلاد بعد أن قامت هذه العناصر من تخريب البنى التحتية للبلد عموماً انطلاقا من واقع طائفي جديد لم يكتب له النجاح آنذاك ، وقد شكلت هذه الأحداث صدمة عنيفة للأمن الوطني العراقي تم التخطيط لها بعناية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا .
الخطوة التالية في استهداف امننا الوطني الأولى بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، فرضت أمريكا منطقتي حظر على الطيران العراقي شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32 ثم توسعت إلى خط العرض 33، الثانية فرض المنطقة الشمالية ملاذاً آمناً للأكراد من قبل الدولة، بعد ان منحهم الرئيس صدام حسين في نهاية عام 1991 حكماً ذاتياً شمل المحافظات الكردية الثلاث دهوك – أربيل – السليمانية، وقد وجه خطاباً خاصاً للعراقيين الأكراد شارحاً لهم بعض مبررات هذا القرار المفاجئ.
كانت نتائج اجتياح الكويت مدمرة بالنسبة للأمن الوطني العراقي عموماً وللاقتصاد العراقي خاصة بعد حربه الطويلة مع أيران، أضافة إلى ذلك وفاة حوالي مليون طفل دون سن الخامسة بسبب الحصار الشامل المفروض دوليا، ناهيك عن التدخل الإيراني في مدن جنوب العراق بعد إعلان انتهاء الحرب.
لقد كانت مأساة احتلال الكويت هي بداية النهاية لكيان الدولة العراقية الحديثة ، اذا أن الحرب لم تنتهي فعلياً بعد انسحاب العراق من الكويت، بل استمرت بشكل حصار اقتصادي شامل انهك العراق ككيان كامل واستنزف جهود الدولة وكافة مواردها الاقتصادية التي تشكل احد مرتكزات الامن الوطني المهمة ، علاوة على استمرار الحرب النفسية الموجة ضده ، حيث استخدمت في هذه الحرب مختلف أدوات الحروب النفسية بين الدول بدءً من أكثرها براءة ظاهرياً كالصحافة ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وصولا إلى اقذر الوسائل كالاغتيالات والرشا بالأموال واستخدام الوسائل الاستخبارية والنفسية الأخرى المعروفة في الحروب ، لذا يصح القول أن حرب أمريكا عام 2003 ، انما قد ابتدأت عام 1991 ، وما المدة ما بين 1991 – 2003 إلا توقف مؤقت في بعض جوانبها أو مرحلة استحضار لها ، تم خلاله القضاء على البقية المتبقية من مقومات الدولة العراقية ومعنويات قواتها المسلحة .
الحصار الاقتصادي الشامل 1990 – 2003
وفق اللعبة التي خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية لانتهاك الامن الوطني العراقي قامتا بالتأثير على الأمم المتحدة في اصدار العشرات من القرارات الجائرة ضده بدءً من عام 1990- 2003 وفق البند السابع التي عزلت العراق وشعبه عن المحيط الدولي سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وإنسانيا. ولو تعمقنا بماهية هذه القرارات لوقفنا على حجم الاستهداف المباشر للعراق ليكون رأس جسر للهيمنة على الإرادة السياسية العربية البائسة تمهيداً لاحتلاله. لقد كانت الفترة المذكورة من أصعب الفترات التي جابهها الشعب العراقي وقيادته السياسية، انعكست على قدرات وإمكانيات الجيش العراقي بمختلف صنوفه واختصاصاته ، حيث دُمر حوالي 50%منها وأعطب 25% ، على العموم نجحت اللعبة في استدراج العراق لهذه المواقف الصعبة التي عانا منها رغم كل الجهود المبذولة من قبل هيئة التصنيع العسكري ووزارات ألصناعة والمعادن والنفط والأشغال والتعمير ومعامل القوات المسلحة للحفاظ على ما تبقى من القوات ألمسلحة من خلال حملات الأعمار والتصليح وبذل الجهود لتصنيع قطع غيار بخبرة عراقية ، رغم كل ذلك فقد بدء العد التنازلي لهبوط كفاءة القوات المسلحة منذ عام 2000 مما أجبر القيادة السياسية العراقية اعتماد البدائل والمراهنة على العدد دون النوع ( الكم دون الكيف ) وعلى القوات البرية تحديداً . عليه أستحدث تنظيم جيش القدس ككتلة بشرية مقاتلة التحق بها نسبة كبيرة من أبناء الشعب العراقي جلهم من المدنيين وأصحاب المهن والحرف العامة وموظفي الدولة والطلبة ، وشُكل أيضا تشكيل عسكري آخر هو جيش فدائيوا صدام ، وتشكيل جيش آخر من تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي ، كل هذه التشكيلات حسبت كإضافة على القدرة القتالية الرئيسة ( الجيش النظامي ، جيش الحرس الجمهوري وجيش الحرس الخاص ) أما القوة الجوية وطيران الجيش فقد اعتبرت خارج الخدمة تقريباً بعد عام 2001 وأخرجتا من القدرة القتالية بسبب تقادم أعمار طائراتها ، والحال نفسه مع القوة البحرية ، الدفاع الجوي هو الآخر أصبح في وضع لا يحسد عليه فقد خسر أهم عنصر من عناصره القتالية وهو الإنذار المبكر الإيجابي والطائرات المتصدية (كل ذلك كان انتظاراً لانتهاء الحصار وعودة الأمور إلى طبيعتها السابقة ) .
في 2 نيسان / ابريل 1991 أصدر مجلس الامن القرار 687 بشان شروط وقف اطلاق النار بين العراق وقوات التحالف وجاءت أهم بنود القرار لتضع شروط التفتيش والبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وهي شروط أشد صرامة من اي عملية تفتيش دولية سابقة ، وفي 6 نيسان 1991 وافق العراق رسمياً على القرار ، بالرغم فرضه أعباء عانى منها العراقيون جميعاً ، ومع ان العراق نفذ الالتزامات الخاصة به بالكامل لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة وبريطانيا من احتلاله عام 2003 ولم تعثر قوات الاحتلال على اي اثر للأسلحة المحظورة ،رغم الشكوك التي رافقت عملية البحث والتفتيش عن البرنامج النووي جرى تشكيل ثلاثون فريق استمر العمل ضمن هذه الفرق منذ 14 ايار/ مايو 1991 وحتى خريف 1995، قدم العراق تقريرا شاملا تجاوز عدد صفحاته المليون صفحة سلمة الى مكتب الوكالة الدولية في بغداد في اذار (مارس) 1996 ومن ثم احتاجت الوكالة الى 17 شهر لكي تقدم استفساراتها ، غير عابئة بحصار شعب وموت اطفاله (1).
بإيجاز شديد لم تفضي فرق التفتيش الى نتيجة إيجابية لصالح العراق منذ بدء عمليات التفتيش التي استمرت 12 عام تمكنت الادارتين الامريكية والبريطانية التهويل بقدرات العراق النووية بجملة من الافتراءات والاكاذيب وباحتمال استخدام تلك الاسلحة من قبل العراق ليس للهجوم على جيرانه وليس ضد اسرائيل حسب، بل لمهاجمة امريكا وبريطانيا وهما الدولتان الحصينتان تجاه التهديد من اية دولة صغرى سيما من العراق الذي تفصله عنهما الاف الاميال.
الامن الوطني العراقي والدول الإقليمية
الموقف العربي
ان حرب الخليج الثانية كانت بمثابة جرس الانذار لمكامن الضعف في النظام الاقليمي العربي ، إذ كشفت عن هشاشته سواء إطاره التنظيمي المتمثل في جامعة الدول العربية او الامني المتمثل في اتفاقية الدفاع العربي المشترك ، ورغم كل ذلك فان العرب لم يتخذوا اية خطوة على طريق بناء النظام الاقليمي العربي ومؤسساته ، وقد شهدت العلاقات العربية /العربية ظواهر سلبية كان لها اكبر الاثر في اضعاف هذا النظام أهمها تفاقم الخلافات بين دولها التي ادت الى تدهور واضح في العلاقات العربية /العربية ، وقد انعكست هذه الخلافات بدورها على كل الاجتماعات العربية المشتركة على كافة المستويات التي عقدت لمناقشة اهم قضيتين او ازمتين تواجههما الانظمة العربية هما القضية الفلسطينية والازمة العراقية التي انعكست بشكل واضح في غياب اية استراتيجية عربية موحدة سواء في المجال السياسي او الامني او الاقتصادي تقف مع العراق الذي ينعكس امنه الوطني مكملا للأمن القومي العربي.
في ظل هذا الواقع العربي جاءت الحرب على العراق لتكرس من جديد المأزق الذي يواجه العرب ولتثير التساؤلات حول مستقبل النظام الاقليمي العربي وإطاره المؤسسي والتنظيمي والشكل الذي يجب ان يكون عليه .
الموقف الايراني
لا شك ان حرباً امريكية ضد العراق يتم من خلالها اسقاط نظام الرئيس صدام حسين وتدمير القوات المسلحة والبنية الاساسية للعراق يصب في مصلحة إيران لكون العراق يعد منافسها القوي في تحقيق اطماعها وهيمنتها الفارسية على منطقة الشرق الاوسط وهو حلم خميني في تنفيذ مخطط تصدير الثورة للعالمين العربي والإسلامي ، إن أول ما يلفت النظر عند تأمل سلوك الدولة الإيرانية تجاه العراق هو منع العراق من التحول مرة أخرى إلى دولة قوية تناطح إيران أو السعي إلى الحد من قدرتها على مد نفوذها وتحقيق أهدافها في الخليج العربي بنحو خاص، فالدولة الإيرانية تحرص الآن أو مستقبلاً على أن لا تصل إلى حكم العراق أي قوة ذات موقف وطني مستقل أو ذات رؤى واستراتيجيات طموحة تعمل من أجل تقوية العراق والعروبة.
كانت طهران قبل الحرب تقف في منطقة التضليل الكبرى، طبقاً للحياد المزعوم، وهي تتحدث بلسانين في آن معا: (نعم) و(لا). نعم لزوال العراق، وهذه الـ (نعم) هي الترجمة الأمينة لتواطؤ طهران مع النوايا العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقاً وتنسيقاً على إسقاط العراق وتدمير بنيته وتفكيك جهازه العسكري. أما الـ(لا) فهي جملة تصريحات مسؤولي الجمهورية الإسلامية وقادتها المعلنة إعلامياً، والتي تصب في خانة الممانعة على شن الحرب) (1) .
الموقف التركي
يُعد الموقف التركي من الأزمة العراقية شديد الخصوصية، بحكم أن تركيا حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية، وعضويتها في حلف الناتو، وبها أهم قاعدة جوية للناتو وهي (أنجر ليك) في جنوب تركيا. وفي الوقت ذاته كان الموقف التركي شديد التحفظ إزاء ضرب العراق بل الرافض لها اساساً، مما اضطرت القيادة الأمريكية إلى تعديل خططها في تنقل قواتها البرية اثناء تقدمها لاحتلال العراق.
الموقف الاسرائيلي
من الناحية الظاهرية أدعت إسرائيل أن الحرب الأمريكية ضد العراق لا شأن لها بها إلا أن ذلك لم يكن صحيحاً حتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت تُشير بين حين وآخر إلى مشاركات إسرائيلية ونصائح وتقارير تقدمها إلى قوات التحالف من قبل بدء العمليات من أجل توفير صورة عن طبيعة المعارك المحتملة التي قد تواجهها هذه القوات في العراق لاسيما في المدن ، ولم يكن ذلك مستغرباً لأن تدمير دولة عربية كبيرة وجيشها مثل العراق يصب بشكل رئيس في مصلحة وأهداف إسرائيل التي غايتها أن تكون القوة الإقليمية العظمى في المنطقة بلا منازع . وقبل فترة وجيزة من بدء العمليات العسكرية، تكررت إشارات عن وجود قوات نخبة إسرائيلية وعملاء للمخابرات الإسرائيلية في مناطق عدة من العراق لاسيما في المنطقة الكردية بشمال العراق وفي غرب العراق
في 19 / 3 / 2003 وقبل ساعات من بدء العدوان عقد مجلس الامن آخر جلسة له قدم بليكس تقريره ولم يحضر البرادعي الجلسة لكنه أرسل تقريره وحضر ممثل العراق الدائم وكوفي انان الامين العام، وقد تكلم اعضاء مجلس الامن الذين عارض اغلبيتهم الحرب، وكانت آخر الكلمات لكوفي انان الذي قال (ان هذا اليوم يوم حزين للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، واني لعلى يقين ان ملايين الناس في شتى ارجاء العالم يشاطروننا هذا الاحساس بخيبة الامل، وان شبح الحرب الوشيكة يفزعهم أشد الفزع).
انفضت الجلسة ورفض المجلس اصدار قراراً بالحرب ولكن القنابل الامريكية والبريطانية بدأت بعد ساعات تنهمر على بغداد ومدن اخرى.
في 19 اذار/مارس 2003 قامت القوات الامريكية والبريطانية مهاجمة العراق عبر أربعة مراحل وتم احتلال بغداد في 9 نيسان / ابريل 2003.
أخطاء ما قبل الاحتلال ساهمت في أضعاف الامن الوطني ساعدت سرعة الاحتلال
• كانت القيادة السياسية العراقية تؤمن بنظرية حافة الهاوية وهي النظرية التي اقترنت بوزير الخارجية الامريكية الاسبق جون فوش دالاس ، وهذه النظرية جعلتها ترفض الانسحاب من الكويت في 1991 حتى آخر المهلة المحددة رغم التأكيدات العديدة من رؤساء الدول ، وقد توهمت هذه القيادة في 2003 وكررت اخطائها بهذه النظرية للمرة الثانية بأوهام التعاطف الجماهيري العربي والدولي المخادع مع العراق مثل مساندة فرنسا وروسيا والمانيا والصين ، واعتقدت هذه القيادة ايضاً بان الضغوط الدولية ستُفشِل المخطط الامريكي لضرب العراق ، وكان لها امل بانفراج الازمة حتى اللحظة الاخيرة وان الأمريكان سوف لا يندفعون حتى بغداد.
• فترة الحصار الشامل الطويلة بعد احتلال الكويت بددت آمال الشعب العراقي بحنكة قياداته السياسية والعسكرية التي خبرها واحترمها، وقد استشعر بانها خرجت عن عقالها وباتت ضعيفة وبعيدة عن آماله وتطلعاته المستقبلية لحياة كريمة جعلته ينشد التغيير دون الافصاح عنه ساعد على الانهيار السريع.
• في العديد من التصورات الخاطئة للقيادات السياسية ان الحرب لا تقوم وان قامت بإمكان العراق الانتصار بعد قتال داخل المدن وعليه بنيت الخطة الدفاعية على هذا الاساس، ومنها سيتكبد العدو خسائر جسيمة بالأرواح لا يتوقعها مما سيضطره التوقف ويحسم الانتصار للعراق.
• التفوق الهائل بميزان القوى العسكرية بين دول التحالف والعراق ساعد على تدمير الالة العسكرية العراقية المتهالكة والغير جاهزة للمواجهة من وجهة نظر فن الحرب والعلم العسكري بشكل شبه تام.
• بوقت متأخر جداً أدركت القيادة العسكرية العراقية مدى التفوق العسكري النوعي والعددي الهائل لقوات التحالف على العكس من القيادات السياسية باتت تجامل لدى القائد العام الذي اقتنع معها بهذا الاتجاه بافتراضات غير صحيحة بالرغم من الدراسات ولعب الحرب والبحوث العلمية والمهنية العسكرية التي اعدت في هذا الشأن بالضد منهم.
• الاشتباك مع عدو قوي معاصر يمتلك أحدث الاسلحة والمعدات والتجهيزات ووسائل الحرب الاخرى مع قوات لا تملك سوى قوات برية ضعيفة ومتهالكة ودفاع جوي متواضع دون سلاح جو او طيران جيش او قوات بحرية أحدث خللا في موازين القوى الاستراتيجية وحسم الامر لصالح العدو بأسرع من المتوقع.
• قاتلت القوات البرية ومعها جيش القدس والفدائيين وجيش الحزب بكل شجاعة واقتدار عالي المستوى لكن صمودها لم يتعدى معنوياتها العالية واسلحتها البسيطة التي لم تسعفه تجاه عدو يقاتلها عن بعد بأسلحة متطورة.
• كان التخطيط العسكري مُكبلاً بأفكار رجال السياسة الذين لم ينجحوا في المجال السياسي وأثرو على الاخرين وجعلوا امامهم مطبات وعقبات أثرت وسرعت في احتلال العراق.
دور سلطة الاحتلال في الاخلال بالأمن الوطني
في منتصف أيار/ مارس 2003 نسب الرئيس الامريكي بوش السفير (بول بريمر) حاكماً مدنياً لسلطة الاحتلال ، وفي عجالة اصدر في 23 مايس /مايو 2003 الأمر رقم (2) لا دارة التحالف تحت عنوان (حل مؤسسات) والذي شمل وزارة الدفاع و التشكيلات العسكرية الأخرى الغير مرتبطة بالوزارة ، كما شمل الامر قرار تشكيل جيش جديد (1) .
لم تهتم الإدارة الامريكية وحاكمها الاداري في العراق لما سيجري سبب خطوتها الخطيرة هذه للأمن الوطني العراقي ، وما سيترتب من فراغ أمني مقصود استمر حتى اب / اغسطس 2003 حيث نُهبت كل مقرات واسلحة وتجهيزات ومعدات الجيش العراقي برعاية المحتل وبإشرافه وتخطيطه ، وكان لمليشيا الحزبين الكرديين حصة الاسد بعد ان استولت على اسلحة الفيلقين الاول والخامس وجزء من اسلحة الفيلق الثاني كاملة غير منقوصة بحجة غنائم حرب حصلوا عليها بعد قتال مع هذه الفيالق ().
بعد صدور أمر إلغاء الجيش العراقي جرت العديد من المحاولات لإلغائه لكنها لم تنجح وقد حاول بعضاً من قادته المساهمة الفعلية في الجيش الجديد بعد قناعتهم ان المحتل مصر على الالغاء ولا رجعة في ذلك والسبب من أجل بناء جيش يرتكز على أسس ومبادئ وعقيدة سليمة دون ضياع الجهود الخيرة لمنتسبيه من القادة الضباط والجنود ، احدى صيغ هذه المحاولات إجراء عدد من اللقاءات مع بعض السياسيين في مجلس الحكم وقائد القوات الامريكية في العراق اللواء شانشيس وغيرهم طرحت عليهم العديد من وجهات النظر في هذا السبيل ولكنها ايضاً لم تفلح ، وقد اتضح اخيراً ان غاية الولايات المتحدة الامريكية وعملائها في الداخل بناء بمرتكزات امريكية مغذات بالطائفية والعنصرية والاستغناء عن كل العناصر الوطنية المحبة للعراق ، وقد بدأت نواة تشكيل الجيش العراقي الجديد في الثلث الاول من عام 2004 .
توغل المليشيات داخل الاجهزة الامنية الجديدة
قبل أن يغادر الحاكم المدني (بول بريمر) العراق بانتهاء مهمته وكبادرة حسن نية كما يدعي وبغرض سد الفراغ الامني والحفاظ على الامن والاسراع بتشكيل الجيش الجديد أصدر أمره المشؤوم ذي الرقم 91 في الاول من حزيران /يونيو 2004 سمح فيه لتسعة مليشيات كانت تعمل بصفة معارضة داخل وخارج العراق في الجيش الجديد بشرط عدم إشراك اي عنصر من الجيش السابق ولا أيا من حزب البعث العربي الاشتراكي وكافة الاجهزة الامنية الاخرى.
القوات الامريكية تسمح لإيران التوغل في العراق دون ردود فعل مؤثرة منها
منذ عمليات تحرير الكويت سمحت القوات الامريكية لإيران بإدخال عناصرها التخريبية الى العراق من الهاربين من الخدمة العسكرية ومنهم المجرمين والارهابيين عاثوا بالأرض فساداً قتلا بالجنود والضباط العزل المنسحبين من الكويت وتخريب وحرق مؤسسات الدولة في ثلاثة عشرة محافظ، ويبدوا ان النوايا الامريكية كانت تهدف اسقاط النظام السياسي من خلالهم.
تكرر واقع الحال مع إيران بعد احتلال العراق في 2003 حيث تركت القوات الامريكية الحدود الشرقية سائبة دون قوات لمنع التسلل الايراني المتوقع ساعدهم في ذلك منظمة بدر الجناح العسكري للمجلس الاسلامي الاعلى وبعض عناصر حزب الدعوة تنظيم إيران والعراق.
من هنا بدء موضوع الطائفية يأخذ دوره التخريبي داخل العراق من قتل وتهجير وسرقة دور المواطنين الابرياء على الهوية بتشجيع امريكي ايراني واضح دون مسائلة قانونية رادعة من سلطات الدولة بل تركت حل مثل هذه الافعال على المواطنين بدفع مبالغ كبيرة لمن يتم حجزه لدى هؤلاء او يتم تصفيته او الاثنين معاً وهذا الحال قائم حتى الان (2018) .
الاساليب التي أتبعتها إيران في التوغل العميق بكل سلطات الدولة لتحقيق مشروعها التوسعي
يذكر الجنرال ريموند اود يرنو – قائد القوات الامريكية في العراق (ان أكبر مخاوفي تتلخص في اننا نجهد من أجل ترسيخ استقرار العراق، ثم سنسلمه الى ايران في وقت نندفع فيه مسرعين بالانسحاب منه)( 1 )، وهذه رسالة الجنرال قاسم سليماني الى الجنرال بترايوس ((انا قائد فيلق القدس الايراني المسؤول الوحيد عن السياسة الايرانية في العراق)) ( 2) .
بعد الثورة الايرانية في شباط 1979 وتبني خميني مشروعه السياسي (ولاية الفقيه في تصدير ثورة الاصلاح كما يدعي ، يعود بنا إلى استذكار مفهوم الأيديولوجيات المغلقة، أو ما يسمى بالفقه السياسي المعاصر بـ اليقينيات الموثوقية القاطعة ، التي توصد الباب أمام النقد، وتتعالى على التجربة وترفض النصح، وبالتالي فإنها ترفض الرأي الآخر) (3) . وعليه فلا يرى من حوله وأمامه إلا اتجاهاً واحداً يمضي به على انها صورة خالدة للحياة والكون والمصير، ومن مظاهر هذه الصورة إطلاق الأحكام النهائية والتمسك المتناهي بالنتائج الذاتية ، بمعزل عن المكان والأزمان، وعلى هذا النحو من العناد اللاعقلاني ، تتشكل الحياة لدى الخميني من لون واحد، وتظل على هذه الحال من المبتدأ إلى المنتهى (إما أن تكون معنا أو تصير عدوا لنا)، ليس ثمة من موقف محايد أو رأي مستقل، ، والذي سار على هديه المرشد الثاني خامنئي ، وكان العراق وسيظل لحقب طويلة مثالاً حياً على عدوانية الفقيه الإيراني.
الاساليب المتبعة في تصدير الثورة الايرانية
الاسلوب الدبلوماسي
تعززت العلاقات العراقية الايرانية بعد الاحتلال دون سواها بشكل غير طبيعي ومقصود حقيقة كما تحدث بين الدول ، من مصالح مشتركة تدعم امنهم الوطني المشترك سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وامنياً ...الخ ، وقفزت هذه العلاقات إلى مستوى متقدم في ظل حكومة إبراهيم الجعفري 2005 بالتوقيع على اتفاقية تعاون أمني مشترك بموجبه شكل البلدان لجانا مشتركة للتنسيق الأمني وضبط الحدود والمساعدة في إعادة تأهيل الجيش العراقي ، وقد استمر الخط البياني للعلاقات الإيرانية العراقية في تصاعد حتى بعد خروج الجعفري من الحكومة وتولي نوري المالكي رئاسة الوزراء (2006 – 2014)، حيث بادر الأخير إلى زيارة إيران، واستقبله الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد الذي أعلن أثناء هذه الزيارة عن ربط أمن بلاده بأمن العراق، قائلا إن بلاده مستعدة لإحلال الأمن كاملا في العراق، لأن أمن العراق هو من أمن إيران ، وقد رد المالكي على ذلك بقوله إنه لا توجد حواجز تعترض طريق التعاون بين البلدين.
وكانت ثمرة هذه اللقاءات استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتوسعها بافتتاح خمس قنصليات تثير الريبة والشك بشكل خطير لمستقبل العراق دون ردود فعل منطقية من سلطات الدولة، فالعراق ليس بذات المساحة الذي يستوعب كل هذا العدد من القنصليات في محافظات مهمة ذات بعد سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني في البصرة واربيل والسليمانية وكربلاء والنجف (1) في خطوة لغرس نصل الخنجر بقلب العراق مهدده امنه الوطني بشكل سافر.
منذ أن احتلت الولايات المتحدة وحلفائها العراق في العام 2003 كان شغل إيران الشاغل هو الاستفادة من الفراغ الذي تسبب فيه إسقاط النظام السابق والسيطرة على مقاليد الأمور في العراق، وبالطبع فإن هكذا أمر لم يكن يتم لولا تمتع الإيرانيين بضوء أخضر أمريكي واضح فعملت طهران على نشر أذرع لها في كافة ربوع العراق بأشكال مختلفة، منها الرسمية الدبلوماسية كما جاء انفاً والاخرى ممثلة بصورة مؤسسات خيرية وعسكرية وثقافية تخفي وراءها الأهداف الحقيقية من تواجدها بعلم السلطات المركزية العراقية.
اسلوب المؤسسات الخيرية والثقافية والعسكرية الايرانية تحت غطاء انساني
استغلت ايران فقدان الامن الوطني في العراق بعد الاحتلال وشرعنه بعض الاحزاب الرئيسة بتأسيس الجيش الجديد وفق الامر 91 بأنشاء عدد من مؤسساتها المخابراتية المسلحة بغطاء انساني مستغلة لحاجيات المواطن البسيط بعد انتشار الفساد المالي والاداري وانعدام ردود فعل سلطات الدولة باي هامش عمل تصب في خدمته بالإضافة لفقدان اسس المواطنة الحقيقية وكما يلي ( 75 مليشيا مقاتلة واكثر من 20 شركة ومؤسسة تحت غطاء انساني ترعاها وتدعمها ايران بصورة مباشرة من خامنئي وبتأييد ودعم السيد علي السيستاني ، تنتشر في محيط بغداد وكافة محافظات العراق .
نتيجة للفراغ الامني وفقدان مرتكزات الامن الوطني ، نجح النظام الايراني من التوغل بالشأن العراقي في كافة المجالات واصبح له دور ملموس بالوضع السياسي والامني ، وسعت الى خلق عراق ضعيف غير قادر على الوقوف حيال مخططاتها ومشاريعها بإرادتها ، وبدأت بتنفيذ مخطط خطير كلفت به المليشيات بدءً بتصفية كبار القادة السياسيين والعسكريين والاكاديميين والضباط والطيارين والعلماء والكفاءات العراقية ولا يزال مشروعها قائم حتى الان () .
التنفيذ العملي الفعلي لبدء المشروع الطائفي
تفجير مرقدي الامامين علي الهادي وحسن العسكري
لم يتضح جلياً نجاح نتائج المشروع الطائفي كما خطط له من قبل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وايران بعد الاحتلال ، فالعراقيون بمختلف طوائفهم واعراقهم عبر مئات السنين لم يلجؤوا لموضوع الطائفة غاية لتحقيق اهداف وطنية تصب في عراق عربي موحد فالكل سواسية في الحقوق والواجبات ، فمن المؤكد قد يلجأ المخططون لتعديل الغاية بما يلزم لسرعة تحقيق الهدف وفعلا اتضحت النوايا بعد سنتين من الاحتلال تقريبا لإحداث حادث جلل يحرك مشاعر العراقيين وغضبهم شيعة وسنة وكان هذا الحدث هو تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء وقد نجحوا في ذلك بتأجيج هذا القمقم الساكن على مرحلتين .
المرحلة الاولى . في صباح يوم الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2006 قامت مجموعة من الارهابيين بزرع عبوتين ناسفتين تحت قبة الضريح وفجروها مما أدى إلى انهيار القبة الخاصة بالضريح ( 1) .
بانت علائم نجاح مشروع تأجيج الفتنة الطائفية بشكل كبير حيث قامت جماعات مسلحة مجهولة بإحراق مساجد سنية وهدمها بالإضافة لأعمال قتل عشوائي في العاصمة بغداد والمناطق المجاورة لها وأفاد ديوان الوقف السني ان ما يقرب من 168 مسجداً سنياً تعرض للهجوم وتم قتل 10 أئمة في المساجد وخطف 15 آخرين في بغداد وافادت جهات أمنية ان حصيلة أعمال العنف بعد التفجير قد تتجاوز 100 قتيل.
المرحلة الثانية. في صباح يوم الأربعاء 13 حزيران (يونيو) 2007 حدث تفجير آخر استهدف مئذنتي المرقد الذهبيتين ودمرهما بالكامل وسويت بالأرض ولم يعد لهما أثرا.
تصريح الجنرال جورج كيسي قائد القوت الامريكية في العراق
بوقت متأخر جداً في 22 / 6 / 2013 وعند القاء خطابه في مؤتمر المعارضة الايرانية ذكر الجنرال جورج كيسي قائد القوات الامريكية السابق في العراق حول حادث تفجير الامامين العسكريين ما يأتي( نظام طهران هو المسؤول عن قتل الالاف من العراقيين ، وايران هي المسؤولة عن تفجير الامامين العسكريين في العراق من اجل تأجيج الصراع الطائفي فيه وصولا الى اضعافه وتدميره وانهائه كدولة ...الخ ) (1) ، كما ذكر كيسي إن النظام الإيراني يقوم بتعزيز الميليشيات وتمويلها وتدريبها في العراق اعتباراً من 2006.
الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)
نتيجة لفقدان الامن الوطني بكل ابعاده ابتلي العراق بزمر ارهابية عديدة بعد الاحتلال الامريكي البريطاني وبضمنها التدخل الإيراني السافر، تمثلت بمليشيات اتسمت بالشرعية لأحزاب خارجة عن القانون تقتل وتسرق وتهجر كيفما اتفق وآخرها تنظيم دولي (داعش) الارهابي استهدف المحافظات ذات الاغلبية السنية تحديداً جعلها مستقراً له للتمدد لباقي المحافظات الأخرى، وفي نيسان / ابريل 2013 تم الاعلان عن اقامة (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وأنظم اليها اغلب المقاتلين الاجانب.
في نفس العام كانت عودت داعش قوية تحت سيطرة ابو بكر البغدادي بعد ان فض نوري المالكي اعتصام الانبار في كانون الثاني/ يناير2014، ومع استمرار سياسة القمع والتهميش الطائفي التي اتبعها المالكي اصبح العراق مستباح من دول العالم من الإرهابيين الأجانب (نشرت لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن الدولي تقريراً حول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ، اعتماداً على معلومات من مؤسسات استخبارات أكثر من 100 دولة في العالم بتعداد يبلغ 30 ألف مسلح انضموا إلى داعش ، 30% منهم من النساء ، واصبح العراق اكثر دولة في العالم تتعرض لعمليات ارهابية وفقاً لمنظمة ( ايراك بادي كاونت ) (2) .
في 9 حزيران /يونيو 2014 اجتاح التنظيم ثاني اكبر مدن العراق الموصل رغم تواجد قوات عسكرية كبيرة (حوالي اربع فرق) هربت دون قتال بدراية الحكومة الاتحادية وواصل التنظيم زحفه إلى مسافة غير بعيدة عن العاصمة بغداد، وعلية يكون التنظيم قد احتل كلا من الموصل، صلاح الدين، الانبار، ديالى، سامراء، الحويجة، مناطق غرب العراق، أي أكثر من ثلث مساحة العراق.
ونتيجة لفقدان الامن الوطني وفوضى الإجراءات الأمنية وتفشي البطالة، دعا السيد علي السيستاني العراقيين إلى حمل السلاح لقتال داعش الذي أسفر الى تشكيل ما يسمى بالحشد الشعبي (من الطائفة الشيعية) فيما دعا رجل الدين السني العراقي عبد الملك السعدي ببيان يدين دعوة السيستاني ووصفها بانها موجهة لحرب ضد السنة وليس الإرهابيين، كما أعرب البابا فرنسيس عن قلقه للأحداث الأخيرة في العراق.
ثلاث سنوات سوداء احتلت الموصل ومعها محافظات غرب العراق ووسطه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية الارهابي (داعش) ، حدث جلل لم يكن مباغت لنا جميعاً ولكن ، جرت صناعته من قبل قوى سهّلت ذلك الاحتلال المأساوي من حيث الدعم الاداري والمادي واللوجستي والتسليحي فقد ظهر بوضوح من خلال وسائل الاعلام بان هناك دعم امريكي لأسلحة وغذاء وادوية على شكل عبوات يتم اسقاطها جواً .
ففي حزيران /يونيو 2017 اوضحت الصحفية البلغارية (ديليانا جيتا نزيفا) التي تعمل في صحيفة ( ترود) بصوفيا ، نشرت تقريرا مفصلاً عن قيام خطوط (سيكلو اي) المملوكة لدولة اذربيجان بتنفيذ اكثر من 350 طلعة طيران وبأشراف المخابرات المركزية الامريكية نقلت خلالها عشرات الاطنان من الاسلحة والذخائر للإرهابيين في سوريا والعراق والتقرير مدعم بالوثائق الرسمية التي تحدد انواع وكميات المقذوفات والاسلحة ومناطق الشحن والتفريغ والاهم من ذلك اسماء الشركات المتعاقدة مع الحكومة الامريكية للإسهام في تسليح وتدريب الجماعات الارهابية وابرزها شركة بريل شوفل البلغارية عبر وزارة الدفاع الاذربيجانية (1) ، ولم يبدوا لذلك اي اهتمام جدي من قبل سلطات الدولة المفروض ان يكون ، واصبح هذا الاحتلال لدى العديد من الفصائل الإرهابية الطائفية فرصة للانتقام من بعض المناطق السنية في محيط بغداد والمحافظات السنية الاخرى ، وفرصة للتدخل الايراني بحجج الدفاع عن العراق من قبل قادة ايرانيين امثال الجنرال قاسم سليماني وآخرين مع عناصر مقاتلة ايرانية معهم حلفاء عراقيون سياسيون ولائهم المطلق لإيران امثال ابو مهدي المهندس وهادي العامري وتطوير اعمال قوات الحشد الشعبي خارج نطاق محاربة التنظيم الارهابي وكاّن الامر مهيئ مسبقاً لمثل هذا التدخل .
استنتاجات وتحليل لواقع الامن الوطني العراقي بعد الاحتلال
• في كل ما تقدم اتضح بشكل واضح ان الحرب على العراق في 2003 ليست بسبب ادعاءات امتلاك العراق اسلحة دمار شامل وغيرها بل من اجل اضعاف وانهاء امنه الوطني بكافة ابعاده ليسهل السيطرة عليه ثم تحقيق الهيمنة السياسية والجيوسياسية على هذه المنطقة وإعادة تشكيلها بما يخدم المصالح الامريكية وفرض الوجود الإسرائيلي، بالإضافة للتمكن من تحقيق أطماع اقتصادية منها احتكار لإنتاج النفط العراقي والاستفادة من عائدات إعمار العراق التي لم ترى النور حتى يومنا الحاضر.
• لقد بات واضحاً سبب ترك القوات الامريكية/ البريطانية الحدود الشرقية للعراق مع إيران دون مراقبة قواتهم كما فعلت في غرب العراق وجنوبه وذلك لسماح لعناصر فيلق بدر وحزب الدعوة وكافة العناصر المناهضة للنظام العراق الدخول ريثما يستطيعون عمل فعل معين يصب في خدمة الاحتلال، حيث دخلت هذه العناصر بعد أيام عدة من احتلال العراق تؤازرها القوات الامريكية والبريطانية، وكما فعلت في حرب الخليج الثانية.
• كانت أول خطوات المحتل واعوانه حل الجيش العراقي رمز الامن والسيادة الوطنية وحَلّ معه كافة الدوائر الامنية والسياسية والوزارات المهمة في خطوة لأنهاء كل ذي صلة بمفهوم الدولة العراقية بدل الاستفادة منها على اقل تقدير في العهد الجديد الذي اقره واستعاض عنها بجيش ودوائر أمنية ومؤسسات بداياتها مليشيات ونهاياتها طائفيه عرقية ، ومحاولة تأسيس ركائز جديده بدءً من الصفر لتغيير الواقع العراقي جذرياً ليتماشى مع نهجه وسياساته العدوانية ، تسبب عنها خرق أمني داخلي وخارجي وفرض نفوذ أيراني إسرائيلي واضح لا يحتاج الى تحليل ، ادى الى شل الحياة اليومية للعراقيين ممن كانوا يسعون الى التغيير والانطلاق نحو الحرية والديمقراطية الحقيقية استمر حتى يومنا هذا.
• وعند البحث بمجريات احتلال العراق 2003 وما جرى عبر سنواته اللاحقة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال ، من حَيّث التدخل الخارجي بشؤون الامن الوطني العراقي بصيغ واشكال مختلفة لم تحدث لبلد من بلدان العالم كله ففي الجانب الانساني مثلا لم نسمع او نطلع من قريب او بعيد ان حكومة مهما كانت قاسية في حكمها تكره وتَقتل وتُهجر مواطنيها بكافة فئاتهم واختصاصاتهم العلمية والمهنية والامنية عن قصد لأخلاء العراق منهم وفقاً لمخططات اجنبية لإضعاف كيانه الاجتماعي وجعله يستجدي العناصر الكفؤة من هنا وهناك ، دليل آخر جاء في مواد القرار 1441 لمجلس الأمن والذي أصرت واشنطن علي أن يتضمن بنداً حول استجواب العلماء العراقيين، وكان بالطبع لديها كشوف بأسماء وعناوين هؤلاء العلماء، حيث تمت مطاردتهم واعتقال بعضهم وتهديدهم لتسليم ما لديهم من أبحاث، مما دفع بعض هؤلاء العلماء للاستعانة من خلال البريد الإلكتروني لإنقاذهم من عمليات المداهمة والتحقيق والاعتقال وكشفوا أيضاً عن محاولات لإغرائهم ونقلهم إلي مراكز بحثية غربية ، الهدف هو القضاء علي المشروع الوطني العراقي، هذا المشروع الذي سعي لتسخير العلم بهدف الحفاظ علي الأمن الوطني بكافة اشكاله وحيثياته ،ولأنه يتعارض مع مصلحة إسرائيل ولأنه يتيح الفرصة للاعتماد على النفس وعدم التبعية للغرب فكان من الضروري العمل علي إنهائه حتي لا يخرج عن المنظومة التي رسمتها أمريكا وبريطانيا لمشروعها الاستعماري وليس هناك أدلة علي صدق ذلك من تصريح جاء علي لسان مستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس عندما قالت أن القضاء علي نظام صدام أسهم في توفير الحماية والأمن لإسرائيل (1) .
• اما عن سلطات الدولة فبدلاً من الوقوف ضد هذه المشاريع العدوانية تجاه النخب العراقية وباقي فئات شعبه ومؤازرتها واحتضانها وانتشاله من معاناته الطويلة بعد حرب الخليج الثانية ، سعت منذ الايام الاولى مع المحتل وبمؤازرة ايران الى اغتياله ومعه كل من نادى بالإصلاح وبناء الدولة بصّور واشكال متعددة غريبة بدل الحفاظ على مكتسباتها وامنها الوطني وثرواتها الطبيعية ، بعد ان طمأنته بالحرية والديمقراطية من خلال دستور مليء بالمغالطات والطائفية والعنصرية جرد العراق حتى من عروبته وتاريخه الحضاري صَوت عليه الشعب بشكل عاطفي وفي عجالة دون ان يفهم المعاني الحقيقية التي جاء بها .
• فالمطلع على الواقع السياسي العراقي بعد الاحتلال عن قرب لم يلمس اي شكل من أشكال العمل السياسي البناء لينقذه مما هو فيه بل العكس فقد كشرت الحكومات منذ البداية عن انيابها وباتت تمزق شعبها وتقطع اوصاله الى اجزاء يسهل القضاء عليها باسم الديمقراطية والقانون والمشروعية الدستورية من خلال الاجندات السياسية لأضعاف أمنه الوطني بشكل متعمد ومحاولة سلخه من محيطه العربي وهويته الوطنية ، فالمحتل ومعه حلفائه من صهاينة وفرس وضعوا استراتيجية محكمة يبدأ تطبيقها بترويع وخذلان وتجهيل الشعب العراقي وجعله يقبل بأية حلول تضمن بقاءه حياً على اقل تقدير ، واليوم نعيش هذه المأساة فقد استولت ايران على العراق بأشكال واطر مختلفة منها سياسية واقتصادية ونفسية من خلال سفارتها وقنصلياتها وشركاتها الوهمية وميلشياتها ذات الصفة الشرعية في جنوب وشمال العراق بشكل ملفت للانتباه اضافةً لعملائها من القادة السياسيين يأتمرون بأمرها دون نقاش ، فها هي الموصل باتت تحت احتلال ظالم شرس ممثل بقوى شريرة غريبة عن مجتمعاتنا العربية والاسلامية (داعش ) استمر ثلاث سنوات من القهر والظلم، والمؤلم ان مجلس النواب العراقي شخص الأسباب وحدد المقصرين ولم يتخذ اي اجراء لمعالجة ومحاسبة المقصرين وباتت قراراتها طي الكتمان لان فيها من الشخصيات الحزبية والسياسية الموالية ، فماذا يعني التفريط بأكبر محافظة عراقية دون محاسبة المتسببين في هذا الاحتلال ، والامر ينعكس على باقي المدن العراقية الاخرى مثل الانبار وديالى وصلاح الدين وسامراء وكركوك واقضية ونواحي رزحت تحت احتلال داعش يعني ذلك فقط فقدان سلطة القانون في الدولة .
• أذن العامل السياسي هو اهم مرتكز وطني بل هو بمثابة العصا السحرية والمفتاح الرئيس لفك كافة رموز المشاكل والازمات في ترتيب اوضاع اية دولة وقواها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ، وان اي اهمال في عمل أيا من هذه القوى ينعكس سلباً على باقي القوى الاخرى . الذي يجري اليوم ومنذ خمسة عشرة عاماً تقريباً هو انعكاس لهذا المفهوم فالأموال تهدر في مشاريع وهمية اقل ما يقال عنها دون ناتج واضح للعيان سببه عدم المتابعة ومحاسبة المقصرين يشاركهم في ذلك لجان وهيئات قانونية هي الاخرى تلتزم الصمت وتعلم علم اليقين ان ما يجري هو انتهاك للسيادة العراقية .
• ازمة اقتصادية فاعلة وهي اهم القوى بعد القوة السياسية في الامن الوطني للدولة ، فبناء اقتصاد قوي متين يساهم مساهمة فعالة في بناء مستقبل الدولة ، يمكن ان يكون ذلك بمستوى التطور الزراعي والاكتفاء زراعياً ثم التطور في مجال الطاقـــة والصناعــــة والتجارة الداخلية والخارجية ثم مستوى العلم والتكنلوجيا والمستوى المالي ... الخ ، كل هذه الامور موجودة في بلدنا لكن تحتاج لمن يستثمرها بصورة صحيحة ، ومع الاسف نحن بلد نملك كل عوامل القوة الاقتصادية ، لكننا نقف عاجزين عن استغلالها واستخدامها بصورة صحيحة سببه فقدان الواعز الوطني الحقيقي للقادة والمسؤولين في سلطات الدولة .
• ازمة اجتماعية فاعلة تبلورت بعد الاحتلال حصراً نتيجة الازمات الرئيسة التي ذكرتها انفاً انعكس تأثيرهما على القوة الاجتماعية المتمثلة ببناء الفرد علمياً وصحياً وتربوياً ونفسياً واخلاقياً ووطنياً وجعله طاقة فعالة في المجتمع ، بل على العكس زرع النظام السياسي منذ الاحتلال وحتى الان سياسة الكره للأخر بأساليب رخيصة لا يعيها الجهلاء في المجتمع للتفريق بين الطوائف هذا شيعي وهذا سني وهذا كردي وتركماني ومسيحي ويزيدي وصابئ ...الخ ، وبات كل من هذه الطوائف يبحث له عن رقعة جغرافية ، ومطاليب وكانه غريب في هذا البلد لا تربطه به رابطة المواطنة والتاريخ والجغرافية والتعاون والحقوق والواجبات منذ مئات السنين قصد من ذلك المحتل السيطرة والولاء له ، معتمدا اسلوب فرق تسد بالارتكاز على الطائفية السياسية دون الالتفات الى الكفاءة والوطنية التي اعتمدها العراق منذ استقلاله ، بل اوغل في هذا الجانب أكثر بعد اشراك رجال الدين في العراق وخارج العراق وهناك ستة فضائيات طائفية تبث عبر أقمار صناعية إسرائيلية بتنسيق إيراني تندد بالإسلام الحقيقي يدعمها الموساد مستخدماً من خلالهم سياسة التجهيل الديني والمذهبي ، اما الحياة العامة للمواطنين نجد عدم توفر العديد من مستلزمات الحياة العصرية البسيطة المتوفرة في اية دولة فقيرة مثل الكهرباء ، الماء النظيف الصالح للشرب العناية الصحية ، توفير السكن ، المجاري ، الشوارع المبلطة ، التعليم على كافة مستوياته ، اساليب العمل مع المواطنين في دوائر الحكومة تكتنفها الرشى ولا تنجز معاملة اصولية مهما كانت بسيطة دون ذلك ، بطالة مقنعة في كافة دوائر الحكومة ، صنفت منظمة الشفافية الدولية العراق خلال العام 2010 كرابع أفسد دولة في العالم ،وفي تقرير المنظمة لعام 2017 صنفت العراق ضمن عشرة دول الاكثر فساداً في العالم بمؤشرات منها انعدام الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية والازمات الاجتماعية منها الفقر المدقع ، جيوش من العاطلين عن العمل 7 ملايين عاطل ، ايتام بلغ العدد 6 مليون يتيم ، الارامل 3 مليون ) () ذلك امور كثيرة تشعرك بعدم وجود دولة بالمفهوم التقليدي لها ، وعليه فان العامل الاجتماعي يعتبر احد اهم مرتكزات الامن الوطني وكما اشرنا آنفاً .
• اما حقوق الانسان فهي معدومة بانعدام الثواب والعقاب وفقدان سلطة القانون التي باتت بسيطرة الاحزاب فلم يعد مفهوم الانسان كقيمة عليا في المجتمع الذي يؤسس ويبني ويدافع عن الوطن ويحرص على المال العام والمرافق العامة وغير ذلك، الان في ظل ظروف العراق الصعبة أصبح الانسان العراقي يعيش بدون اهداف فهو خائف من المستقبل ومن الاقدار ومن السلطة ان تعتقله او تداهمه او تهجره مع عائلته بدون سبب او يخطفه أحد من ضعاف النفوس لكي يساوم عليه بمبلغ من المال او يُقتل لأنه طبيب ناجح او قائد عسكري كفوء.. او.. الخ.
• انتشرت نتيجة تردي الاوضاع العامة بفقدان العامل الاقتصادي والاجتماعي البطالة ( تقارير الامم المتحدة حددت نسب البطالة في العراق 20% )ولكن الحقيقة اكثر من هذا الرقم بكثير، اسبابها كثيرة منها حل الجيش العراقي ، توقف اعمال الاعمار ، ضعف الجانب الامني ، وللمحاصصة الطائفية دور كبير في هذا الشأن بسبب النسب غير الحقيقية للطوائف المسلمة حيث غُلبت نسب طائفة على اخرى واصبحت هذه الطائفة المغلوبة دون عمل مما دعاهم للهجرة وغير ذلك من الطوائف غير المسلمة الاخرى ، وعليه هاجر حوالي 400 الف شاب عراقي الى دول اوربا وتركيا في ظروف صعبة بغض النظر عمن سبقهم من المهاجرين في كافة دول العالم حيث بلغ اجمالي المهاجرين خارج العراق اكثر من 4 مليون وفي الداخل اكثر من 5 مليون عراقي .
• الطائفية من اخطر الازمات التي تشل الامن الوطني بل أصبحت من اهم أولوياته، والسماح للمليشيات الإيرانية العمل بجانب القوات الأمنية ، انضم لها العديد من المليشيات الاخرى ذات الصبغة والتوجه الايراني واصبح واقع الحال غير مقبول في هذه المؤسسة العريقة ، انعكس هذا الامر على باقي مؤسسات الدولة .
• تطبيقاً للغاية الايرانية في التغيير الديموغرافي لسعيها نشر مبدأ ولاية الفقيه ضد العرب من السنة والشيعة على السواء ، فكان عمل ميليشياتها بعد ترحيل المواطنين من مناطق سكناهم قسراً منعهم من العودة اليها ، وتصبح هذه المناطق متهيئة لاستقبال السكان الجدد وفق اختيار هذه المليشيات أما من تبقى من أبنائها الأصليين فانه يصبح امام خيارين ، هما الرضوخ لأحكام المليشيات والتمادي المذهبي المتطرف معها او الرحيل خارج مناطقهم ، يقول الامين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم لمجلس الامن رقم ( S / 2016 / 77 ) ( من المؤسف ان ترد تقارير عن المناطق المحررة من تنظيم داعش تفيد وقوع اعتقالات تعسفية وأعمال قتل وتدمير للممتلكات ومحاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية بالقوة واعمال عنف انتقامية ، وبغرض التصدي لهذه الانتهاكات وتمكين الاشخاص المشردين داخلياً من العودة بأمان الى مناطقهم الاصلية يجب على حكومة العراق ان تكفل بسط سلطة الدولة وإعادة إرساء سيادة القانون بأسرع ما يمكن في المناطق المعنية ) .
• اما التدخلات الخارجية داخل العراق فهذا المبدأ من اخطر الامور التي يواجها الامن الوطني العراقي بعد الاحتلال بتصميم وتنفيذ امريكي صهيوني بموافقة سلطات الدولة ، وعدم تشخيص خطورتها على الامن الوطني والاقليمي ، اهمها التدخل الايراني السافر في كل شؤون الدولة من خلال سفارتها وقنصلياتها التي اتخذتها المخابرات الايرانية(السفاك) وسيلة سهلة لها للعمل داخل العراق ، بالإضافة الى فيلق القدس الايراني بقيادة قاسم سليماني فهو ينتشر في معظم المحافظات العراقية انظم اليه الاف من العراقيين الذين كانوا في ايران بحجج مكافحة الارهاب ناهيك عن المؤسسات والمكاتب والشركات الايرانية بغطاء انساني تعمل لأغراض المخابرات الايرانية .
الخاتمة
من الغريب ان نسمع ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى لنشر الديمقراطية ولم نسمع ان الديمقراطية تأتي بالحرب ولم نسمع ان تحرير الدولة من نظام دكتاتوري يعني الاستيلاء على ثرواتها القومية والنفطية والغاء هويتها وتهجير وقتل شعبها ومحاولة محو تاريخها و تشكيل حكومة موالية لقوة الاحتلال ، ليس هذا الكلام من قبل الاستنتاج بل ذكره بوش امام الكونجرس في احتفال الاتحاد اليهودي المسيحي بتاريخ 29 / 1 / 2002 وقد شمل تصوره لما يجب ان يحدث في منطقة الشرق الاوسط من تغيير جذري لشعوب المنطقة ، وقد جاء في خطابه ( لقد حان الوقت لتغيير شكل العالم ليصبح على الصورة الامريكية ، واستطرد قائلا سننفق أموالنا لفرض معتقداتنا الرزينة والودودة والتحررية على عالم في حاجه لأموالنا ، رسالتنا ان لا يخضع الرجال بعد الان لشرط اطلاق اللحى وان تخضع النساء لشرط تغطية وجوههن واجسامهن ، ومن الان وصاعد يحق للعالم ان يتناول الخمر والتدخين وممارسة الجنس السوي او الشذوذ الجنسي بما في ذلك سفاح القربى واللواط ومشاهدة أفلام الجنس والاشرطة الخليعة ، اني آمل ان اكون قد حافظت على ارث آل بوش بمحاربته العرب والمسلمين طيلة عشرة سنوات لضمان عدم الاستقرار والفوضى في بلادهم ..) (1)هذه هي الدوافع والخطر القادم في منطقة الشرق الاوسط والذي بدأت ملامحه في العراق بعد احتلاله و رسم خارطة الشرق الاوسط الكبير ليشمل كل ما تهدف له الولايات المتحدة الامريكية في نهجها العدواني القادم ليشمل كل منطقة اهتمامها فماذا نحن فاعلون .
في كتاب محو العراق لمؤلفيه مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول ويلسون للخطة الامريكية الكاملة لاقتلاع عراق وابادة مجتمعه وزرع مجتمع آخر بدلا عنه اقتبس منه الحقائق الاتية ( انه السيناريو الذي تم وضعه في مراكز الابحاث الامريكية والغربية بعد دراسة معمقة لطبيعة المجتمعات التي يراد تمزيقها وتفتيت الدولة التي تعيش فيها فئات مختلفة الاعراق والطوائف في تآخي ووئام ، من خلال تفجير الكراهية بين فئاته ومناهج حياته وحضارته وتاريخه ثم هدم المجتمع وابادته وهذا الذي يحصل ومستمر حتى الان في عراق ما بعد 2003. لقد تم هدم كل قيم التضامن وعلاقات الجوار والأحياء السكنية والمذاهب وبناء نظام الحواجز المادية والنفسية والدينية ،وسيطرة الارتيابية والخوف من الاخر ، والاخطر انقلاب المقاييس بحيث يصبح الشاطر ذكيا ، والنبيل غبيا لأنه لا يشارك في الوليمة العامة والنهب ويصبح اللص سوياً، والشريف منحرفاً ، وغيرها من التناقضات التي تقلب منظومه القيم الأخلاقية والسياسية السوية لصالح نقيضها انه التدمير المقصود) ويعلق مؤلفو الكتاب الثلاثة ، بان التدمير المقصود للعراق وشعبه الذي قامت به الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها ابان حرب الخليج وحقبة العقوبات الدولية وحرب الخليج الثانية وخاصة في ضوء غزو العراق في نيسان 2003 الذي حدث دون تفويض اممي ، (شكل محاولة ابادة اجتماعية ليس للشعب انما للدولة العراقية رغم التاريخ الطويل لهذه الدولة وتعايش مكوناتها الأثنية . لكن كيف تحقق ذلك خلال 14 عاما من الحروب والدمار والارهاب والنهب وتغيير القيم والمفاهيم والمعتقدات وحتى كثير من سلوك الافراد التي جعلت نزعات الانفصال لأسباب اثنيه لا تثير أي رد فعل غاضب من الحكومة والشعب!!!! ثم مصرع العشرات سواء بفعل الارهاب او الحرب ضد القاعدة وداعش امرا طبيعيا وكذلك الرشوة والسرقة والاستيلاء غير الشرعي على املاك الدولة وتدخل الدول الأجنبية السافر بشؤون العراق واقتطاع اراضيه ومياهه وتشرد الملايين من مناطق النزاع وهجره اكثر من مليون عراقي خارج الحدود كيف تحقق هذا في ظل الديمقراطية الأمريكية في العراق؟؟؟؟؟ ثم يجيب الكتاب الثلاثة موضحين عمليه تمزيق الكيان العراقي من ان مشاعر الاغتراب واليأس والكأبة والقلق والمشاعر السلبية هي ظاهرة سائدة بين الناس الذين تنقلب أسس حياتهم بصورة عاصفة ، ويشعر الناس الذين يعرفون بعضهم قبل سنوات انهم في الحقيقة غرباء عن بعض ، ليس لأن هؤلاء خدعوا بعضهم كما يلوح في السطح بل لان نظرة الجميع للحياة تغيرت تماما والاسس الاجتماعية والثقافية والصحية والاخلاقية وروابط اللغة والتاريخ والقرابة والصداقة قد انتهت بل قُلبت تماما ، ولم يعد للناس ما يحكمون به على بعضهم بل على انفسهم الا بالحقد والخوف والنقص والكراهية وهي أعراض تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه وزعزعة الاساس الداخلي للإنسان وتحويله الى مخلوق ساخط يعوي على قمر بعيد ويتعرى سلوكاً ولغةً في الساحات والمنابر العامة بوهم أنه تحرر من كل القيود السابقة ثم يشير مؤلفو كتاب محو العراق الثلاثة للعراقيين سوف تنهك قواكم وانتم تتصارعون فيما بينكم ويتهم كل مكون الاخر بالعمالة لتلك الجهة وغيرها وتستنزف ثروات العراق ودم الالاف من ابنائه في حروب داخليه تمهد في مجملها لتمزيق الدولة والشعب العراقي وهذا هو جوهر مشروع الشرق الاوسط الجديد انتهى الاقتباس ).
المراجع
1. علوان حسون العبوسي : لواء طيار ركن دكتور: القدرات والادوار الاستراتيجية لسلاح الجو العراقي في الفترة 1931- 2003 .
2. جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكية: مذكرات شخصية: سياسة الدبلوماسية: الطبعة الاولى: الناشر مكتبة مدبولي: القاهرة :1999.
3. مجموعة مؤلفين هم (الدكتور همام عبد الخالق والدكتور نعمان سعد الدين والمهندس حسام محمد والدكتور جعفر ضياء والدكتور عبد الحليم ابراهيم والاستاذ سرور مرزا محمود) : التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق :دار الايام للنشر والتوزيع : عَمان : الطبعة الاولى .
4. عبد الستار الراوي: استاذ دكتور سفير العراق في إيران: وقائع من الدور الايراني في احتلال العراق: ولاية الفقيه والخليج العربي: موقع وجهات نظر.
5. بول بريمر الحاكم المدني للعراق: مذكرات بول بريمر – عامي بالعراق.
6. جبار ياور وكيل وزارة البشمركة: تصريح (ان قوات البشمركة ليس لديها مصادر تسليح واسلحتها الحالية من غنائم الجيش السابق من الفيلق الاول والثاني والخامس التي كانت في تماس مع كردستان: جريدة الشرق الاوسط العدد 10954 في 24/11/2008.
7. ايما سكاي: الانهيار – الآمال الكبيرة والفرص الضائعة في العراق: ترجمة وتقديم قيس قاسم العجرش: الطبعة الثانية: بيروت 2017.
8. عبد الستار الراوي: استاذ دكتور التجربة الإيرانية (الواقع والمالات): مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية: دار عمار للنشر والتوزيع: عمان: 2017 .
9. الموسوعة الحرة: ويكيبيديا: العلاقات العراقية الايرانية.
10. عبد الستار الراوي: استاذ دكتور سفير العراق في إيران حتى 2003: في لقاء مع قناة روسيا اليوم حول إيران ودورها في الحرب الامريكية على العراق: الحلقة الثانية: 26 / 10 /2012.
11. ) https://youtu.be/pXEGRV5aqCc خطاب الجنرال كيسي حول تفجير الامامين في سامراء).
12. خالد عكاشة: عميد شرطة امراء الدم صناعة الارهاب من المودودي الى البغدادي: المجموعة الدولية للنشر والتوزيع: سما: الطبعة الاولى 2015: مصر – القاهرة .
13. الاهرام العربي. العدد 1064، ايلول /سبتمبر 2017.
14. خالد محمد غازي: ١٧ ألف عالم عراقي أجبروا علي الرحيل منذ بدء الاحتلال: ديوان العرب الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥ http://www.diwanalarab.com
15. تؤكد منظمة اليونيسف المعنية بالأسرة والطفولة أن نحو 3 ملايين أرملة في العراق وأكثر من 6 ملايين يتيم.
16. عثمان كامل حسين: لواء: يوميات الحرب الامريكية المبرمجة على العراق: حرب الخليج الثالثة: مع مجموعة من المؤلفين: اكاديمية ناصر: المكتب المصري الحديث: القاهرة: الطبعة الأولى 2004.
4728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع