عدنان أبوزيد
المعرفة والمهارة قبل الشهادة
لا تضمنٌ طرق التلقيّ والتلقين التقليدية المدرسية والاسرية، في العراق، المستقبل القادر على استيعاب تحديات العصر، بسبب نظام التعليم المدرسي والبروتوكول الاجتماعي، النمطي، والمتخلف عن التطورات التقنية والثقافية في العالم، ليركن في المحصلة النهائية الى الفشل بنتائجه التي نلمسها جميعا، حيث النسبة الكبيرة - إنْ لم تكن الأكبر - مشلولة عن امتلاك المهارات المطلوبة في العلوم واللغات والآداب، الى الحدّ الذي يمكن فيه تسميتها بـ (الأمية المتعلّمة)، التي درست ولم تستوعب، وعجزت عن أدوات التعبير عن الأفكار والاعتقادات.
ما يحدث من جيل مدرسي أمي، هو تحصيل حاصل لمنظومة تربوية متهرئة لا تستوعب نظريات التعليم والعلم العصرية بل تنهل من بيئة اجتماعية متطرفة السلوك ومتخلفة الأدوات، حيث لا يعكس المعلم أصول علوم التربية التي درسها، على قدراته، بل يستنبط سلوكه من محيطه الاجتماعي بكل عقده وافرازاته البالية.
الأمر يتعدّى المعلم الى الاسرة، التي تحرص على التربية الابوية الاستبدادية حيث العقاب بالأساليب القاسية التي تنصّب الاسرة دكتاتورا، لا أبا عادلا.لا يحتاج التعليم في العراق الى التقنيات والتجهيزات المادية، بقدر الشجاعة في تجديد الثقافات البالية، وتجاوز أساليب
الدرس النقلية القائمة على الحفظ والاستظهار، وإحراز النجاح بالغش والتدليس، لأجل الشهادة فحسب، لا لأجل اكتساب مهارات وقدرات ومعارف، الى الحد الذي بات فيه تلميذ الابتدائية بعيدا عن فك طلاسم الابجدية، فيما طالب الجامعة، يعجز عن استيعاب مقال صحيفة، ناهيك عن عدم استطاعته، التعبير عن أفكاره على الورق، بمفردات لغة سليمة.
نعم، التلميذ والطالب، وحتى "المتخرّج" يخطأ في كتابة حتى الكلمات التي يسمعها يوميا، فيما قدرته على الخلق والابداع والاستثمار الجيد للتواصل الاجتماعي، معدومة، لا يهمّه منها سوى المتعة، لا الفائدة.
ينعكس ذلك بشكل واضح على البيئة، فالحفلات والمناسبات على اختلاف انواعها تُنظّم بطريقة ينحسر فيها الذوق
الذي كان من المفترض انه انصقل في الدرس، فيما الطبيعة تغرق في التلوث، لعدم الوعي بأهمية الحفاظ عليها،
وانسحب الامر على كل مفاصل الحياة، التي لا يزيّن صورها اليومية ومشاهدها، الا المتعلم بحق.
نحن امام إشكالية قدرية، فإما ان نرسي دعائم التعليم الذي يوفّر المهارة والمعرفة أولا، قبل الشهادة، أو الخنوع لميكانيكية الفساد التي تخرّج الآلاف من التلاميذ والطلاب والجامعيين وحملة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، من دون قيمة علمية ومعرفية، واقتدار على التفكير والابتكار.
تتخرّج مجاميع هائلة جاهلة تتخفى خلف الشهادة لأجل التوظيف والتعيين حصرا، لا لأجل العطاء والبحث وخدمة البلد، لتتناسل عنها وظائف تستنزف الدولة الأموال الطائلة، ولن يكون بإمكانها الإنتاج والابداع والتطوير، لاسيما وان ظاهرة الغش الجماعي، ومنح الشهادات بلا حسيب او رقيب، قائمة على قدم وساق.
يبلغ النفاق الاجتماعي اعلى مدياته حين نرى ان ذلك يحدث في مجتمع يرفع شعارات النزاهة والأخلاق، فيما الاسرة
لا يهمها في التربية والتعليم، سوى نيل ابناءها، الشهادة المدرسية بشتى الطرق الملتوية ليتعارض ذلك تماما مع الشعارات البراقة.
لم يقتصر ذلك على المدارس الحكومية، بل انبسط الى المدارس والجامعات الاهلية، فبدلا من ان تكون مدارس نموذجية، تحوّلت الى مشاريع تجارية، الغرض منها استيعاب المئات من الطلاب من اجل الأموال، ومنح الشهادة حتى للراسبين منهم مقابل صفقات مالية.
لا نريد ان نيأس، لكننا نقول ان المجتمع يسير الى التفكك بشكل متسارع، لان بوصلة التعليم تتحرك نحو الاتجاهات الخاطئة، ولابد من التأسيس لمدرسة ومعهد وجامعة تعتمد العلم والتنافس الشريف على الفرص، وتعطّل السباق الوحشي نحو الشهادة، وتنمّي حب الاستطلاع والبحث وتصقل المهارات و قيم الذوق والصدق.
عدا ذلك، فإننا نبني مستقبلا آيلا للسقوط حتى قبل ان تكتمل اسسه، فيما سنكون في جزر منعزلة عن العالم بسبب الجهل المتخفي خلف الشهادة.
673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع