د. منار الشوربجي
اليابان وجراح الحرب العالمية الثانية
في أسبوع واحد، كانت اليابان مضطرة للاستجابة لمطالب ضحايا الحرب العالمية الثانية في كل من الصين وكوريا الجنوبية. فويلات الحرب لا تزال حاضرة في أذهان ضحاياها في البلدين، وتؤثر على علاقات بلديهما باليابان.
في حالة الصين، أعلنت متسوبيشي اليابانية للمواد الخام، أنها انتهت من إنشاء صندوق خاص لتعويض الآلاف من العمال الصينيين الذين أجبروا على العمل بها أثناء الحرب العالمية الثانية. وإنشاء الصندوق، الذي سيدشنه البلدان بشكل مشترك، ويسمى «صندوق حقوق الإنسان في عهد السلام»، يأتي بعد أربعين عاماً كاملة من توقيع معاهدة السلام بين البلدين. فأثناء الحرب، كان ما يربو على 39 ألف صيني قد أجبروا على الانتقال والعمل باليابان.
وكانت شركة متسوبيشي للمواد، التي كان اسمها في ذلك الوقت «متسوبيشي للمناجم» قد استخدمت عدداً كبيراً من أولئك العمال في مناجمها للفحم، في ظروف عمل قاسية، أدت لوفاة عدد كبير منهم.
وقد أعلنت الشركة أن التعويضات ستصل إلى 15 ألف دولار لكل من الأربعة آلاف شخص من الضحايا، كما أعلنت أنها بصدد إنشاء نصب تذكاري في موقع المناجم، بتكلفة تقترب من المليون دولار تعبيراً عن اعترافها بآلام أولئك العمال.
وفي الأسبوع نفسه، كانت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية قد أصدرت للمرة الثانية خلال أسابيع قليلة قراراً يقضي بإجبار شركة يابانية عملاقة بدفع تعويضات لمجموعة من عمال كوريا الجنوبية أجبروا على العمل في اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية. فالحكم الأول تعلق بشركة نيبون للصلب والمعادن، بينما تعلق الثاني بشركة متسوبيشي للصناعات الثقيلة.
وقد أدى صدور حكمي المحكمة العليا لانفجار أزمة جديدة في علاقة اليابان بكوريا الجنوبية. فشركة متسوبيشي للصناعات الثقيلة أعلنت أنها ستتخذ «الإجراءات المناسبة فضلاً عن التواصل المستمر مع الحكومة اليابانية بشأن القضية» دون أن تشرح المقصود بتلك الإجراءات المناسبة.
أما حكومة اليابان فقد استخدمت لغة حادة في رد فعلها وزير الخارجية الياباني، تارا كونو، وصف قرارات المحكمة بأنها «غير مقبولة على الإطلاق» مشيراً إلى أنها «لا تقوض فقط الأساس الذي قامت عليه العلاقات الثنائية» بعد الحرب وإنما «يمثل تحدياً خطيراً للنظام الدولي الذي نشأ بعدها».
وهو توصيف يختلف كثيراً عن السائد في كوريا الجنوبية. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن خلال مفاوضات استغرقت أربعة عشر عاماً، تم التوصل لمعاهدة وقعتها كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
وهي معاهدة السلام التي كان من بين أهم الملاحق التي أرفقت بها ملحق خاص بالتعامل مع قضية العمالة القسرية التي كانت اليابان قد استجلبتها أثناء الحرب من كوريا التي كانت خاضعة لحكمها في ذلك الوقت. وبمقتضى النصوص التي وقع عليها الطرفان، قدمت اليابان أموالاً لحكومة كوريا الجنوبية في إطار ما سمي بالاتفاقية بالتعاون الاقتصادي، لتقوم بمقتضاه حكومة كوريا الجنوبية بتعويض تلك العمالة.
إلا أن الكثير من أولئك العمال طالما طالبوا بتعويض مباشر من الحكومة اليابانية ولذلك قاموا برفع مظالمهم للقضاء الكوري. ومن هنا، ترى اليابان أن قرارات المحكمة العليا الكورية يتناقض مع القانون الدولي، كون كوريا الجنوبية ملتزمة بنصوص المعاهدة الدولية.
لكن كوريا الجنوبية تنظر للقضية من وجهة مختلفة. فلا يزال هناك قطاع شعبي معتبر داخلها يؤكد على أن جراح الاستعمار الياباني الطويل لبلادهم لم تلتئم بعد. والتيار الليبرالي بكوريا الجنوبية، الذي ينتمي له الرئيس الحالي، يمثل تلك القوى أكثر من غيره. ففي أثناء حكم ذلك التيار مثلاً في بداية الألفية الحالية (2003) قامت حكومة كوريا الجنوبية بتأميم الأصول التي ورثها من كان آباؤهم يتعاونون مع الاحتلال الياباني.
والاحتلال الياباني هو بالضبط ما بنت عليه المحكمة العليا قرارها. فهي قالت إن القرار لا يتعارض مع القانون الدولي لأن الحكم الاستعماري الياباني من 1910 إلى 1945 كان حكماً غير قانوني ومن ثم يحق للعمال التعويض عن المعاناة التي عاشوها في عهده.
وترى كوريا الجنوبية أنه صحيح أن البعض من مئات الآلاف من العمال الذين ذهبوا لليابان «لم يجبروا» على العمل بها إلا أنهم أجبروا على ترك بلادهم، لأن الاستعمار الياباني كان قد أفقرهم لدرجة العوز «فأجبروا» على ترك بلادهم بحثاً عن لقمة العيش.
وتعارض وجهات النظر بشأن القضية، كان لافتاً في لقاء رئيس كوريا الجنوبية ووزير خارجية اليابان في إطار اللجنة المشتركة التعاون بين البلدين. فبينما أشار رئيس كوريا الجنوبية لأن «مرحلة الاستعمار تظل مؤلمة»، أعرب وزير خارجية اليابان عن قلقه من «وجود قوى في كوريا الجنوبية مناهضة للنظر للمستقبل».
ومن هنا، يظل السؤال الأهم في علاقات البلدين هو ما إذا كانت جهود التوجه نحو المستقبل، عبر دعم التفاهم المتبادل بين الشعبين قادرة على أن تداوي جراح الماضي.
529 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع