ماجد عبد الحميد كاظم
نشرت جريدة ( المفيد ) البغدادية الصادرة يوم الاربعاء 30 كانون الاول سنة 1925 الموافق 14 جمادى آلآخرة سنة 1344افتتاحية بعنوان:الحديث ذو شجون
لا غرو اذا اشتد قلق العراقيين على مصيرهم، ونصتو لكل حديث، ولكل اشاعة تذاع عن المعاهدة العراقية البريطانية الجديدة التي حكمت عصبة الامم بعقدها من دون ان تقف على ميول العراق ومطالبه المشروعة، وكل اهتمام يبديه الشعب العراقيفي هذا الشأن، وكل قلق يساوره في هذه الايام يجب ان نعتبره امرا طبيعيا، فهذه الامة التي جاهدت جهادها الطويل وفادت بكل غال وعزيز لا يمكن ان تقف مكتوفة اليدين امام كل عزم يجيش في صدور رجال السياسة، وكل حركة لها مساس - قل او كثر - بمستقبل البلاد.
انا لسنا من الذين ينكرون حاجة العراق الى حليف قوي، ولسنا من الذين يتجاهلون تقهقرالبلاد البارز في العلم والعمران و القوة، فهذه حقيقة لامجال لانكارها وغض النظر عنعا وها ان الامم التي تقدمتنا اشواطا واسعة في مضمار الحضارة والاستقلال نراها لا تستغني عن الاستعانة بخبراء وفنيين من الاجانب لاصلاح ماليتها وادارتها وقضائها وبحريتها وحربيتهاكما تفعل اليوم ايران الحديثة،وتركية المتعصبة ضد كل ما هو اجنبي عنها ولكنها لا تتأخر عن درس العلم على اهله وارتشاف كؤوس الحضارة الصحيحة من منابعها، فالعراق من هذه الوجوه احوج الى الاستعانة بالاجنبي من غيره وخاصة عندما نلتفت يمنة ويسرة فلا نرى الا سوادا جاهلا، وبلاد مخربة، وعرصات مقفرة، وايدي عاطلة او خاملة.
ضربنا هذه الامثلة للدلالة على ان العراق وهو في ابان نشأته الجديدة لا يستغني عن حليف واق يمده بما فيه من مواهب مدنية، وقوى مادية عند الحاجة، ولكن هذا الافتقار يجب ان لايكون وسيلة للعبودية والذل، فان المحالفة على اساس تبادل المنفعة شيئ والخضوع للحكم الاجنبي والدخول في عداد المستعمرات شيئ آخر، ويجب ان لا تغرنا وتخدعنا كلمة التحالف فان انكلترة حالفت امارات الهند كما انها حالفت فرنسة وامريكة واليابان.
ان اخوف ما نخافه من هذه المعاهدة الجديدة هو انها لاتجئ طبقا لاماني البلاد ومتفقة مع غاياتها الوطنية، وهذا الخوف الذي يخالج الافئدة والقلوب لم يكن ناجما الا عن سياسة التكتم التي تسير عليها الوزارة الحاضرة فلم يشع من جانبها اقل بصيص ينير طريق الشعب ويوقفه على حقيقة ما يدبر له في طي الخفاء بهذا الكتمان الشديد عن النواب وعن الاحزاب وعن الصحفيين وعن جماعات الامة المنورة لايمكن ان يقوي في النفوس الثقة والاطمئنان، وصار الناس يتقولون ويرددون اسئلة كثيرة في هذا الشأن قائلين:
هل تفرض المعاهدة علينا فرضا كما يفهم من كلام رئيس الوزراء الذي قال على رؤوس الملأ في مجلس النواب ان النص لم يبلغ الينا بعد؟ ام ان المعاهدة ستكون وليدة مفاوضات حرة تجري بين الفريقين واذا كان الثاني فهل جرت المفاوضات ومتى تجري سيما اذا راينا ان المستر بلودين ما اراد بكلمته تمويها في مجلس العوام البريطاني اثناء المناقشة في قرار عصبة الامم عندما قال انه سيعرض المعاهدة مصدقة من العراق على البرلمان في اوائل شهر شباط المقبل.
نعم اننا نعتقد ان المستر بلودوين لم يلق وعده جزافا ولم يرم الكلام على عواهنه كما يفعل الكثير منا ولذلك نحار في المقابلة بين هذا الوعد البريطاني وبين كلمة رئيس الوزراء الذي صرح بملئ فيه بان نص المعاهدة لم يبلغ الى الحكومة العراقية وهل يكفي في نظر رئيس وزارة بريطانية وفي نظر رئيس وزراء العراق شهر يناير المقبل لصوغ معاهدة ضافية وتدقيقها في شهر مع ان مدتها ربع قرن اذا لم تكن اساس المفاوضة تبليغا يعقبه القبول في الحال؟
ما قيمة المعاهدات في نظر الحقيقة والوقائع التاريخية الماضية اذا لم تكن صادرة عن صميم قلب الامة؟ نعم لاقيمة لها البتة ولذلك نحن نعتقد ان انكلترة لاتود ان تضم في خزانة معاهداتها في دوننج ستريت اثرا تاريخيا فحسب بل تروم ان تحالف امة اثبتت في جميع مواقفها انها لا ترضى بغير الاستقلال بديلا ولكنها من جهة اخرى ترغب كل الرغبة في اقتباس انوار المدنية الغربية والانتفاع بمواهب الاجانب عامة والانكليز خاصة لاصلاح ما افسده الدهر الخؤن، واستثمار ما في بطون بلادها من الينابيع والكنوز، على ان لا تضر تلك الاستعانة بكرامة الوطن ولا تمس جوهر استقلاله وحريته.
ليعلم الجميع ان العراق لا يمكن ان ينسي لابنائه مواقفهم الشريفة في مثل هذه الحالات كما انه لا ينسى اسائتهم اليها اذا مالأوا الاجنبي وساوموه على حرية البلاد للاحتفاظ بالكراسي واامراتب فان بطش الامة شديد، ونقمتها بليغة وهذه حوادث التاريخ امامنا ناطقة بان الامم ما صبرت في النتيجة على المفرطين من ابنائها بل عاقبتهم عقابا صارما، وهذه التقلبات السياسية القريبة العهد منا تثبت ان الاجنبي ما انتصر في النهاية لمجازف بعد ان يفوز بمأربه وانه دائما يعتبر الرأي العام وميوله ويعمل على مداراته ومجاملته جاعلا الافراد الضعفاء مطية له الى اغراضه فيمتطي كل واحد منهم شوطا حتى يصل الى الغاية التي وضعها نصب عينيه، فاين وزراء تركية الذين كانوا آلة لجيوش الحلفاء على ضفاف البوسفور واين هم وزراء ايران الذين كانوا يأتمرون باوامر السفارة البرطانية في طهران واين هو صبحي بركات والامير سعيد وحبيب السعد ممن مالأوا الاجنبي على وطنهم، وكانوا آلة صماء في يديه يقلم بها اظفار الوطنيين؟ نعم ليس احسن من العبرة والعظة في مثل هذه المواقف الدقيقة والعاقل من اتعظ بغيره,
انتهى الاقتباس
مع تحيات معد قراءات في صحف عراقية قديمة
ماجد عبد الحميد كاظم
650 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع