زياد القيسي
محكمة من الريش الناعم
يعرف جميع القراء الكرام إن للمحاكم على مر العصور أثر بالغ ومهم في التأثير على المجتمعات ككل وعلى الأفراد بالتحديد, وتكمن أهمية هذه المحاكم في الطرائق التي تتبعها في تقييم فعل أي إنسان ثم محاسبته وذلك من أجل إحقاق الحق ودرء شر المسيئين عن الآخرين وإعطاء كل ذي حق حقه .
وعبر هذه السطور سيكون الكلام عن محكمة ( افتراضية ) خاصة ومن الدرجة العالية, لها فلسفة وقواعد ومعايير ومرافعات تختلف عن المحاكم التقليدية التي نعرفها والتي تنضم أروقتها في أحسن الأحوال لمبانٍ تراثيةٍ عامة. وإن من ميزات هذه المحكمة أنه يتولي شخص واحد كل مهامها , فتجده هو من يوجه التهم ومن ثم يتولى الدفاع وهو من يقضي وبعد ذلك ينطق بالحكم, وبالرغم من هذا فإنه لا يتجرأ بأن يكون الجلاد فليس ذلك من صلاحياته, كما ولا يحق له أن يصدر أية قرارات بالعفو كونه غير قادر على ذلك .
هذه المحكمة تغلق أبوابها مع ساعات الفجر الأولى مع إرتفاع الشمس كون الإنسان في هذا الوقت يستأنف عمله وينشغل بكسب رزقه أو إدارة شؤون بيته أو مطالب غيره, أي إن أوقات عمل هذه المحكمة تكون في وقت متأخر من الليل وعلى الأغلب عند الشروع بالنوم فيبدأ التقاضى بالأمور الحياتية والعلاقة مع الآخرين الذين يتم التعامل معهم من بعد بزوغ الشمس حتى لبضع ساعات بعد مغيبها وفقاً لمعايير دينية وأخلاقية تكون في غاية الدقة في تطبيق نظام العدالة لأن ( أهل مكة أدرى بشعابها ). كما إن من ميزاتها أن يكون الحوار بين السائل والمجيب بنفس اللغة فلا أثر هنا للترجمان مثلما ينعدم دور الباحثة الأجتماعية أو الطبيب النفسي على حد سواء أو حتى وجود من ينادي بصوتٍ عالٍ ( محكمة ), أما الشهود فهم على أعلى درجة من المصداقية فلا أصدق في جسم الإنسان من جوارحه التي يمسك هو بدفتها ويديرها بحكمة وليس حسب ما تشتهيه أشرعة سفينته .
من هنا ينبغي على الإنسان الحكيم أن يكون صاحب نفس لوّامة وهي التي أقسم بها الله عزوجل في كتابه العزيز, فمن يسأل نفسه دائماً ويتحقق عن الطريق الذي يسير فيه فيحاسب نفسه بنفسه, يكون هو القاضي بضميره وهو المتهم بأفعاله عند شروعه بالنوم ووضع أحد خديه على الوسادة المصنوعة من الريش الناعم أو من القطن أو غير ذلك, فهو أمام محكمة شخصية ناعمه في إحتضانها الظاهري للوجه و قاسية في تعاملها الباطن مع القلب والعقل, تفتح أبوابها قبل دقائق الوسن المعدودة وفي أوقات رخاء وسكينة للعقل وللجسد فيبدأ الإنسان بالإعتراف بأخطائه وتنمية شعوره بالمسؤوليه عن تلك الأخطاء لتظهر بشارات توبة بإيقاع حزين مضمونها البحث عن مخارج لإعادة الزمن ومحو ما خفي وما ظهر من أفعال وأقوال وهمزات ولمزات لا ترضي الله عزوجل ولا عباده الأكرمين.
إن وجود رؤية واضحة لدى كل إنسان تحاكي الواقع الذي يعيشه كل يوم بقصد المحاسبة, تعينه ( أي الإنسان ) على إيقاف الكثير من الخسارات المرشحة للولادة في الأيام الآتية, وإن تقييم المرء المغلف بالمجاملة ( كونه بنفسه يرأس محكمته ) يفسد للقضية الكثير من الود, حيث لا فائدة من معرفة فداحة الخسارة بعد الإنتقال الى عالم البرزخ ومن ثم الآخرة ولات حين تصحيح أخطاء.
الگاردينيا:الأخ الأستاذ زياد القيسي ، نرحب بكم في حدائقنا و ننتظر جديدكم
713 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع