أ . د . حسين حامد حسين
كان ألفديو ..."نذيرا".... لثورة شعبية ستزلزل الارض...!!!
كان الفديو الذي شاهدته بالامس رهيبا ، ترك في اعماقي جرحا داميا وغضبا لم يجتاحني حتى تحت اشد حالات القسوة التي تعرضت اليها من قبل نظام صدام . فالفديو حمل صورا مخيفة كردود افعال لكبرياء عراقيين تم هدرها تحت النعال من قبل حفنة من جلاوزة من مسؤولين تم اختيارهم بعناية يمتلكون قدرا كافيا من السادية ويحملون في جيناتهم نزعات اجرامية تخلوا من الرحمة ، تجاه العراق والعراقيين . هؤلاء كانوا دائما برفقة اعلام عراقي انتهازي خائب ، عمد على تصويرهم لشعبنا في محاولة لايهامه كونهم هم "المنقذون" . بعضا من هؤلاء انتهى دوره وتمت ازاحته، ولكن جاء اخرون اكثر قسوة ليكملوا المشوار، فهم سواسية في عدم الرحمة بشعبنا . فالقسوة واللامبالات هي القاسم المشترك بين هؤلاء الحكام جميعا .
ففي ذلك الفديو المؤلم المخيف، شاهدت مع عائلتي رجالا غاضبون ثائرون . كانوا يصرخون في بكاء ونشيج مرير واضطرتهم اللاجدوى ، فراحوا يمزقون ما كانوا يرتدونه من ثياب . وتمزيق الثياب اثناء نوع من غضب كهذا ، هي حالة وجدانية متطرفة ومعروفة من حالات اليأس من الحياة وعمى مؤقت يفقد فيه الانسان حدود الارادة للسيطرة على اتزانه ، وهو أيضا كمؤشر لمن يصل به الغضب الى درجة الاستعداد للموت بغية اللوصول الى اهدافه الانية في تلك اللحظات الانسانية المريرة ، من بينها مثلا نتيجة لفقدان عزيز على ذلك الانسان . ولكن ذلك الفديو كان اساسا يتعلق بفقدان ألامل بالحياة لهؤلاء الرجال ولكراماتهم والمهدورة سدى نتيجة لهذه الدكتاتورية المبطنة التي يمارسها حكام النظام العراقي السادي منذ خمسة عشر سنة ضد العراقيين .
كان غضب الرجال في الفيديو عنيفا وبشكل مخيف وصل على حافات الجنون ، الى درجة أن هؤلاء الرجال الذين ظهروا في الفديو في اماكن مختلفة ومناسبات متفرقة ومع مجاميع من العراقيين مختلفة ايضا ، كانوا جميعا يمزقون ثيابهم ويلطمون وجوههم وهم يصرخون :
( ملينا ...ملينا ...ملينا ...كافي عاد يا ناس...كافي ...) !!!
كان الامر مخيفا ، فقد كأن هؤلاء الرجال يشكون ظلمهم الى الله تعالى، وان الله سبحانه يسمع ويرى. والامام الصادق عليه السلام يقول : (اتق دعوة المظلوم فانها تصعد الى السماء وكأنها شرارة).
ففي كل ما كان يقومون به هؤلاء ابناء شعبنا من التعبير عن الالم العظيم ، ما كان يعني سوى استعدادا لثورة من اجل الكرامة حينما لا يبقى فرقا كبيرا بين الموت والحياة. حينما يعج في تلك الدراما الهيجان والفوضى نتيجة لفقدان الامل في الحياة مع استعداد تام للقيام باعمال سفك للدماء وذبح وتدمير كل من هو معني بالابقاء على تلك الحياة الرخيصة التي كانوا اسيابا لما يعانيها هؤلاء بعد ان وصلوا الى نقطة اللارجعة . انها ثورة الغضب العفوي الهادر الجارف بنتائجه الكارثية المدمرة في العراق ، يمكن لها أن تنطلق وبلا انذار في أي لحظة .
لقد أعطانا المظلومون العراقيون من خلال الفديو صورة جلية عن عنف الظلم الذي يغلي في الصدور وتوقع ثورة شعبية عارمة قادمة ستجتاح العراق من طوله الى عرضه وباعظم وأكثر عفوية وقسوة ، ربما انها حتى اعظم من الانتفاضة الشعبانية عام 1991 . هذه الانتفاضة القادمة ستدمر كل شيئ ، ولا ينجوا من غضبها أحدا ممن كانوا اسبابا لها.
لقد تمعنت في ذلك البكاء الدامي والصرخات الدرامية التي تهز الكيان الانساني لهؤلاء الرجال الشرفاء . لقد ابكتنا نحن وعوائلنا، وتصورنا مقدار ما يمكن ان يفعله مثل هذا الفديو بعواطف شعبنا لكي يستجمع كل التعاطف الشعبي ضد حكام فاسدين تنقصهم الشجاعة والجرأة وتدوخ عقولهم البليدة شهوات الكرسي اللعين، فهؤلاء انقسموا الى فئتين: كتل واحزاب سياسية دمرت حياة الناس من خلال الفساد واللصوصية والاستيلاء على مقدرات عراقنا ، والاخرى، فئة حكام بلا شجاعة وبلا اخلاص وبلا رحمة ، ربطوا مصيرهم بكرسي السلطة، واعتمدوا في بقائهم على انظمة خارجية . هؤلاء فاقدوا الشجاعة والوطنبة ممن حكموا العراق منذ 2003، قد برهنوا على ذلة وجودهم وبقوا مجرد اسماءا يتم انتخابها من قبل تلك الانظمة الخارجية التي لها باع طويل في مصير العراق. هؤلاء وجوه سوداء في الدنيا والاخرة.
كان هؤلاء العراقيون يبكون بدم القلب وليس بدموع تذرفها العيون، فالعيون في تلك اللحظات كانت قد انطفأ فيها نورها الساجي وتحولت الى شرر واحتدام من اجل الثأر لأنفسهم. كان الغضب الذي يعتريهم انهيارا لكل حالات المنطق والمعقول المطلوب ، ومن خلال احتجاج اكثر من قاسي من اجل الكرامة العراقية المهدورة والتي لا يزال يدوس عليها المجرمون من المخانيث ممن يحميهم هؤلاء المسؤولين.
ففي الفديو ، كانوا يلعنون الحظ القاسي والقدر الاعمى الذي جعل منهم عراقيين ...وبهذه الدرجة من العيش المهين لهم ولعوائلهم . كانوا مستعدون في تلك اللحظات العصيبة العمياء لاستباحت دم كل مسؤول خانع ذليل في دولة عراقية هالكة ، ومن يتبجح بالعدالة نكاية بشعبنا بسبب أنهم تم تنصيبهم كحكام ليحلوا محل نظام اصبح مضربا للامثلال للخسة والسقوط الاخلاقي والطغيان. فخمسة عشر من سنين خيمت على العراق والعراقيين ، كانت ولا تزال اكثر سوادا من قار..
الفديو أبكاني وأبكى عائلتي!إ فهذه اذا هي نهاية شعبنا بعد خمسة عشر من ممارسات الفسوق والعصيان والرذيلة فيه ضد ابناءه؟ هؤلاء الطواغيت هم الذين اطاحوا بكرامة هذا الوطن العزيز الغالي، ولا يزالون يضحكون عليه!!
فيا للمؤامرة الكبرى التي سحقت كبرياء هذا الشعب الذي كان مجرد ذكره يهز عواطف العالم لحضارته التليدة والتي تحولت الى سمعة تتسم بالكفر به وبخيراته لمن لا ولاء لهم به ، ولقيادات واحزاب وكتل لا يختلف بعضها البعض سوى في التسابق في تبني الباطل وتبني مواقف سقوط الكرامات. .
هؤلاء السابقون ومن بعدهم اللاحقون لم ولن يبالوا باعطاء الاوامر ضد شعبنا المظلوم لاطلاق النار من قبل جنودهم واستخدام الذخيرة الحية لقتلهم لا لسبب سوى ان شعبنا يطالب بحقوقه من اجل عيش كريم . فالنتائج الكارثية الفضيعة لما ال اليه المئال في استمرار تسقيط العدالة والدوس عليها بالاقدام والاستهتار بالاخلاق والقيم العراقية ونحر الديمقراطية بعد ان قدمها هؤلاء المسؤولون الخانعون كأضحية سوداء من اجل هؤلاء ممن يحميهم في الخارج ، وهم لا يزالون رابضين في اروقة المنطقة الخضراء سيئة الصيت ، بعد ان قاموا بكنس العراق من قيمه الحياتية والانسانية وهي من بين حقوقهم من عند الله تعالى .
لقد أعذر من أنذر...
حماك الله يا عراقنا السامق....
900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع