آرا دمبكجيان
خطة السي. آي. أي. بتبديل الأتحاد السوفييتي بدولة طورانية
بعد أن بقيت في خفايا مركز الوثائق و الأرشيف السري للغاية لوكالة الأستخبارات المركزية لعدة عقود، أكتشف ألماني من أصل تركي يسمي نفسه "خبير تركي"، خطة موضوعة في قيام ألمانيا النازية المنتصرة في الحرب بتقطيع أوصال الأتحاد السوفييتي الى مجموعة من الكيانات الصغيرة مبنية على العنصر الطوراني. كان هذا التقرير المسمى بالمقتَرَح الطوراني في طور السرية و لم تكشف السي. آي. أي عنه لغاية ليلة عيد الميلاد في سنة 2005. و كانت الوكالة قد أنتدبت هذه الخطة االسرية للغاية نفسها في الأيام الأولى للحرب الباردة كطريقة لأذابة و تحليل معظم الأتحاد السوفييتي و تبديله بما يسمى بالأتحاد الطوراني.
جاءت الطورانية في البداية كمبدأ و الذي طوَّره اللورد بالميرستون (1865-1784) الى منهج لتحطيم امبراطورية روسيا القيصرية و إبدالها بدول صغيرة و تابعة من الأقوام التركية و المنغولية تتبع السلطان العثماني و بالنتيجة تتبع ... التاج البريطاني. أثرت الحركة الطورانية على جماعة "الأتراك الفتيان" و كمال اتاتورك و أحتفظ بها ويلفريد بلانت في ادراج مكتبه، و هو ضابط الأستخبارات البريطانية الذي ترأس مكتب الأستخبارات السرية البريطانية في القاهرة، ليحييها مع الثورة العربية لأسقاط الدولة العثمانية.
كانت فكرة بعث ما يدعى بالأمبراطورية الطورانية مع تأسيس دولة عربية و احدة تحت مسمى "الأمة العربية" قد أثَّرت على الحركة الصهيونية التي رأت فيها مستقبلا لدولة يهودية قومية بأسم "اسرائيل الكبرى." رأت الخطة النازية ان انجاز مبدأ طوران الكبرى تتحقق على أساس ان ليس للقوميين الأتراك الرغبة في الحكم على امبراطورية متفككة تحوي على دولة (أمة) عربية و جيوب مسيحية صغيرة ذات حكم ذاتي تضم الروس و اليونان الأورثودوكس.
إن الخطة الأساسية لطوران الكبرى التي نُسِّبَت الى الخبير التركي الألماني كانت قد كُتِبَت من قِبل الكاتبة التركية خالدة أديب آديفار، و المدعوة "أعظم أدباء تركيا الحديثة" و التي نادت بالطوران الكبرى في روايتها "ييني توران – طوران الجديدة."
أسس الألمان النازيون، حسبما جاء في أوراق طوران الكبرى، علاقات مع "الشعوب التركية في رومانيا، بلغاريا، يوغوسلافيا و جمهورية التاتار في القرم ذات الحكم الذاتي في الأتحاد السوفييتي ASSR Tartary قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. باءت جهود الألمان النازيين بالفشل في تأسيس علاقات مع جمهوريتي الكازاخ و الأوزبيك السوفييتيتين في آسيا الوسطى حسبما يذكر الخبير التركي الألماني في أوراقه “`no Intourist bases’ there”.
و يذكر الخبير التركي في تقريره أيضا أن ألمانيا النازية قد أقامت "حكومات تابعة" على الأرض الألمانية و نشرت هذه صحفاً و جرائد "بلغات مختلفة لأجل فرض التأثير الألماني على هذه المجموعات و تحضيرهم للتعاون المشترك المحتمل معها اذا نجحت الخطة في تقسيم روسيا الى دويلات عنصرية متفرقة." و بعد الغزو الألماني لأراضي الأتحاد السوفييتي في 22 حزيران 1941، قامت القيادة الألمانية حسب الخطة الموضوعة "بعزل أسرى الجيش الأحمر من غير العنصر الروسي" و كوَّنت منهم وحدات خاصة مبنية على عناصرهم القومية المختلفة. و الأكثر اثارة في هذا الأمر، كما تكشف أوراق الطوران الكبرى، ان المانيا النازية سمحت حكومات الأقوام التركية التابعة اليها الأتصال بمجموعات مشابهة في تركيا (المحايدة ؟!...آ.د.) و كذلك مع تلك الموجودة على الأراضي البريطانية، عدوتها في الحرب.
ساعد النازيون في تأسيس حكومة منفى لتركستان الكبرى في برلين و موَّلوا جريدة الطورانيين القومية في المانيا “Naher Osten/Yakin Sark/Near East” أي الشرق الأدنى. في الوقت نفسه، ضيَّفت ألمانيا القائد السياسي الطوراني مصطفى بيك جوكاي أوغلي الذي قال الى زملائه الطورانيين في برلين: "يجب ان تنضم الدول الست كازاخستان، كيرخيزستان، كاراكالباكستان، أوزبيكستان، توركمنستان و طاجيكستان في دولة واحدة تدعى توركستان." و بهذا أكتمل المخطط الأساسي للمموّلين النازيين للطوران الكبرى و لمستقبل الأتحاد السوفييتي و أصبح جلياً و واضحاً. و نجح النازيون في برلين في إقناع الآذربيجانيين و عدد من الأقوام غير التركية مثل الأرمن و الجيورجيين و الأقليات الموجودة في شمال القوقاس و من ضمنهم الكالميك المونغوليين في إسناد القضية الطورانية و ثم تكوين الأتحاد القوقاسي مع الجيجان، إضافة الى أقليات تركية أخرى، بعد هزيمة الأتحاد السوفييتي في المستقبل القريب بيد ألمانيا.
ظهر بعد الحرب ألب آرسلان توركيس الذي ربط بين عمليات النازيين الألمان لتحقيق الدولة الطورانية في آسيا الوسطى من الأتحاد السوفييتي و بين Anti Bolshevik Blocs of Nations-ABN تحت ادارة السي. آي. أي كتحالف فاشستي في اوروبا الشرقية. و جاء راضي نزار، رئيس ال ABN في مقرها في ميونيخ و نشط أيضا في راديو اوروبا الحرة المدعومة من السي. آي. أي في أثناء الحرب الباردة. و بعد سقوط الأتحاد السوفييتي زار آلب آرسلان توركيس باكو، عاصمة آذربيجان، التي استقبلته استقبال الأبطال. دعم توركيس المرشح أبو الفضل إلجي بيك الرئيس الثاني للجمهورية.
في مستهل الحرب الباردة، أسست وكالة المخابرات المركزية مع منظمة حلف شمال الأطلسي – ناتو سلسلة من شبكات “stay behind” في اوروبا الغربية التي كانت مخصصة في خدمة حركات المقاومة السرية المضادة للسوفييت و للقيام بعمليات عصابات عسكرية ضد القوات السوفييتية في حالة غزوها و احتلالها اوروبا الغربية. دُعيت حركات المقاومة السرية في ايطاليا ب gladio ، و أما في تركيا فأخذت تسمية Ergenekon و هو اسم لمدينة في منغوليا انحدر منها الشعب الطوراني الذي يعتبر اصل الأتراك. ان ما يدعى بالطوران الكبرى مجرد فكرة جاءت الى الوجود و ليست حقيقة تاريخية، جيئ بها لتحقيق غرض سياسي كما ورد في أعلاه. و لكن القوميين الأتراك آمنوا بها، من اتاتورك العلماني الى ملك المال الملياردير فتح الله كولين، المقيم في ولاية بنسيلفانيا في امريكا و تحت رعاية وكالة الأستخبارات المركزية. و هو المتبني حاليا للحركة الطورانية عن طريق سلسلة المدارس الدينية و السياسية التي يمتلكها في آسيا الوسطى و الشرق الأوسط و حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. و أما دعم الوكالة لحركة كولين الطورانية ما هي إلّا نتيجة مباشرة لتبنّي الوكالة بما جاء النازيون بما يتعلق بطوران الكبرى. و من الجدير بالذكر ايضا ان دعم الوكالة و ما يأتي من خلال المنظمات غير الحكومية التابعة الى كولين و كذلك تلك التي يدعمها سوروس للأرهابيين الجيجان، ما هي إلّا جزء بسيط من مفهوم طوران الكبرى.
كان كولين هو المحفِّز الذي دفع حزب العدالة و التنمية الأسلامي التركي الى الواجهة عندما كان رجب طيب أردوغان رئيسا للوزراء الذي لم يُخفِ رغبته سراً ان ترأس تركيا ،غير المنتمية الى الأتحاد الأوروبي، كومونويلثاً من الدول التركية تمتد من ألبانيا الى آسيا الوسطى المحاددة للصين. يختلف الأسلام الذي ينادي به كولين عن الأسلام السعودي الوهابي و السلفي و يظهر انه إعادة بعث لأفكار الأتراك الفتيان و اتاتورك في مزج الحركة الطورانية و الحركة الأسلامية في بوتقة العنصرية التركية.
يرى الكثير من الدول و من ضمنها روسيا و مصر و سوريا ان الأسلام السني السلفي لا يختلف كثيراً عما ينادي به أتباع كولين. و من خلال عمليات هؤلاء، مثل المدارس الدينية و منظمات المجتمع المدني، تمكن السي. آي. أي. و السعوديون و القطريون مع الأسلاميين المتطرفين الحصول على موطئ قدم في الجيجان و داغستان و أنكوشيتيا و دول الـ "ستان" المستقلة في آسيا الوسطى. و في الواقع تتجه أصابع الأتهام الى حركة كولين في تمكين الوكالة من بيع السلاح الى مسلمي آلبانيا في حرب العصابات التي خاضوها ضد القوات الصربية في البوسنة و الهرسك و كوسوفو. و يرتبط كولين أيضا بعمليات الوكالة في جيجنيا حيث استخدمت الوكالة تركيا كقاعدة لعملياتها في البلقان و القوقاس في دعمها للأسلاميين المتطرفين في قتالهم الروس و الصرب، من ضمنهم العناصر التي ساعدت تاميرلان (تيمورلنك) و جوخار (جوهر) تسارناييف، الأخوة المتهمَين في عملية تفجير ماراثون بوسطن في 15 نيسان 2013، مع العلم ان عمَّهما رسلان تسارني (تسارناييف) هو عميل متنفذ لعمليات السي. آي. أي. في منطقة طوران الكبرى.
تركَّزت شبكة الأستخبارات العسكرية لمنظومة أركينيكون التركية حول الذئاب الرمادية، و هي مجموعة من أقصى اليمين المتطرف عملت على خلق امبراطورية الطوران التركية التي ستتضمن ما يدعوه التوسعيون الأتراك بتركستان الشرقية، و هي أقليم زينجيانك الصيني اضافة الى جمهوريات آسيا الوسطى، أوزبيكستان، توركمنستان، كيرخيزستان، كازاخستان، آذربيجان و عدد من الجمهوريات ذات الحكم الذاتي في روسيا مثل داغستان و جيجنيا و إنكوشيتيا و توفا. و تتضمن أيضا خطط الطوران الكبرى شعوب Finno-Ugric في امبراطورية الطوران مثل الفنلنديين و الهنكاريين و شعوب الكومي و أودمورت و شعوب ماري في روسيا، اضافة الى المونغوليين و الكوريين و حتى اليابانيين و اهل التبت. و تضمَّن الطوران الكبرى حسب النازيين الألمان قبائل الهنود الحمر الأمريكية في خططهم للسيطرة على العالم بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية.
تشير المعلومات ان ضابط السيطرة في السي. آي. أي. المسؤول عن الذئاب الرمادية في الستينات و السبعينات من القرن الماضي كان رئيس دائرة الوكالة في انقرة، نائب الرئيس الأسبق لمجلس المخابرات الوطني كراهام فوللر، و الذي تم تعيينه كرئيس الوكالة في افغانستان و لبنان و اليمن الشمالي، و هو ابو زوجة رسلان تسارني السابق، عم مفجرَي ماراثون بوسطن. و كان عضواً في الذئاب الرمادية أيضا التركي العنصري محمد علي آغجا الذي حاول اغتيال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في 1981، و هي الحادثة التي حاولت الوكالة إلصاقها بحكومات الأتحاد السوفييتي و بلغاريا. في هذه الأثناء روَّجَ توركيس ايديولوجية الذئاب. و كان صموئيل هانتينكتون أحد مروّجي الذئاب الآخرين و هو مؤلف كتاب "صراع الحضارات" الذي يعتبر بمثابة "الكتاب المقدس" للهجوم العسكري الغربي على الدول الأسلامية و احتلالها. و من الممكن اعتبار تلقّي هانتينكتون الألهام و الأيحاء من المثقف الصهيوني برنارد لويس دليلا على الأرتباط بين حركتي الصهيونية و الطوران الكبرى.
أمتدت فكرة خلق الأمبراطورية الطورانية الى هوليوود حيث أوجدت الوكالة مكتب اتصال من أيام الحرب الباردة لتفرض أفلاما معينة على الملأ، و اصبحت هذه الأمبراطورية المُلهمة لفلم "كونان البربري" ببطولة آرنولد شفارتسينيكر. و أصبح الأتراك الطورانيون كذلك نماذج مرعبة و مخيفة من الأورك قدَّمها جَي. آر. آر. تولكين اذ سمّاهم نسبة الى وادي أورخون، موطن الأتراك في منغوليا. و لا يسعنا هنا إلا ان نذكر ربيعة قدير (مواليد 1947)، المليونيرة و العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، التي ترأس حاليا مؤتمر الويكور العالمي تحت اشراف سوروس و كولين الساعي الى استقلال المسلمين الصينيين في مقاطعة زينجيانك الصينية. و تدعى ربيعة قدير اليوم بـ Dragon Fighter ، على اسم كتابها الذي ألَّفته و كتب المقدمة الدالاي لاما، القائد الديني الأعلى للبوذيين التيبيتيين. أصبح لقب ربيعة قدير و اسم كتابها عنوانا لفيلم سينمائي في 2003 عن معركة ضد تنين (خُلِقَ) من استنساخ جيني لخلايا تنين. و يرتبط زوج ربيعة قدير، صديق روزي، بالسي. آي. أي. من خلال عمله في اذاعة راديو آسيا الحرة و اذاعة صوت امريكا.
تعتبر التحركات المستقلة لربيعة قدير نمواً مباشراً للخطط النازية لخلق الطوران الكبرى. يذكر مؤلف التقرير الألماني النازي عن الطوران الكبرى ان الجنرال (الطفل) ما جونك-يينك (1936-1910) من مسلمي الهوي الصينيين أراد ان يعلن استقلال تركستان الصينية في 1928 الى ان قضى التدخل السوفييتي في 1937 على التمرد لصالح حكومة الصين الوطنية، و كان يرغب في انتصار ألمانيا النازية في حربٍ مع روسيا لتأمين استقلال تركستان الشرقية. و هذا دليل آخر على علاقة الطوران الكبرى مع ألمانيا النازية.
يتعاون اليوم المحافظون الجدد و محاربو الحرب الباردة الجديدة في Freedom House و كذلك Open Society Institute التابع لسوروس و National Endowment for Democracy التابع للسي. آي. أي. في إزالة الغبار عن فكرة تكوين الطوران الكبرى التي أقفلت عليها الوكالة منذ أكثر من خمسين سنة. و الغاية من فتح الملفات القديمة هي محاولة تفتيت الأتحاد الروسي و الصين الى دويلات مستقلة من الموزاييك تتجمع في دولة اتحادية للطوران الكبرى عاصمتها في اسطنبول و لكن أسيادها الحقيقيين في واشنطن و لندن و نيو يورك...
آرا دمبكجيان
مترجم من Strategic Culture Foundation
893 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع