الأنانية...هل هي صفة حميدة؟

                                               

                             زياد القيسي

الأنانية...هل هي صفة حميدة؟

يقولون أن الأنانية تجلب السعادة للإنسان وأن من حق كل إنسان عاش في الماضي أو لا يزال يعيش على وجه البسيطة أن يتمتع بقسطٍ من الأنانية, لذا سنطرح سؤالاً قد يشوبه بعض الغرابة وهو; " هل إذا تمتعنا بالأنانية سوف نجني الفائدة لأنفسنا ؟ "
ومن أجل ذلك سنتفق بدايةً على إن الأنانية شئ مفيد ولا تتصف بالسلبية دائماً وليست نتائجها بالهدامة أيضاً, مثل حال المسافر على متن طائرة و يلتزم بنصائح طاقمها فيلبس قناع التزود بالأوكسجين قبل أطفاله ليس خوفاً على نفسه أكثر منهم بل لأن إنقاذ روحه يعني إنقاذ أرواحهم ! وهذا إذا حدث فوق الغيوم فإنه بكل تأكيد يخالف قوانين الحياة اليومية والتعامل مع الأبناء التي أعتاد عليها الأبوين على سطح الأرض.
ولحد كتابة هذه الأسطر قد تكون هناك بعض الغرابة في العنوان قد تلاشت وأصبح القارئ نوعاً ما على قناعة بأن المقصود بالأنانية هي ليست تفضيل النفس أو عدم الاكتراث باهتمامات الآخرين واحتياجاتهم, بل على العكس فإنها تعني فعل أشياء تجلب السعادة للآخرين فتضفي على أرواحنا وعقولنا سعادة ما بعدها سعادة وهنا نجيب على السؤال الذي ورد في البداية مع بعض الإضافة, أي إن الفائدة سوف نجنيها لأنفسنا ومن ثم فائدة أخرى تعم علينا برفقة آخرين معنا.
وإذا ما بدأنا من مرحلة الطفولة وانتبهنا لأنفسنا كيف كنا نحاول الاستحواذ على رضا الكبار والتسبب في ظهور الابتسامة على وجوههم وكنا ننافس بعضنا لنكون نحن السبب في خلق سعادتهم, وعندما أصبحنا تلاميذ كانت الأنانية تأخذ مجراها لكي نلفت انتباه معلمينا داخل الصف برفع الأيادي و(بتعصب) من أجل أن يقع علينا الاختيار للإجابة ومن ثم نيل العلامات العالية التي كنا نتمنى ولا نزال نتمنى الانفراد بها دون غيرنا لتكون النتيجة هي التفوق وذلك أمر حميد.
وعلى هذا الأساس, فأن كل منا سوف يسعى جاهداً ( وهو بالفعل كذلك ) لأن يتصف بالأنانية التي تحقق له حالة من التوازن بين رغباته الشخصية وسعيه للتميز وتحقيق النجاح من جهة وبين إرضاء الآخرين ممثلين بالمجتمع الذي يعيش فيه من جهة أخرى كون الإنسان إذا تبنى سلوكيات معينة لنفسه فعليه أن ( يذكر ولا ينكر ) الذات الأخرى المتمثلة بكل إنسان يتعامل معه في المجتمع وهذه هي ليست نفسها صفة الأنانية التي تدفعنا للوقوف في مقدمة الطابور في مكان ما دون الاهتمام بمشاعر الآخرين الذين سبقونا في أخذ أدوارهم في ذات المكان قبل ساعات, وهنا يبرز نوع من التحدي تواجهه الذات ليكون هو الفيصل بين أن تكون الأنانية صفة محمودة أو مذمومة وبالتالي حسم موضوع من سيرتدي قناع الأوكسجين أولاً, ونؤكد هنا على ارتدائه (أنت أولاً ثم الآخرين) لأن اهتمامك بنفسك يعني سلامة الآخرين وإن إدخال جزيئات الأوكسجين إلى رئتيك يعني ديمومة حياة الآخرين أي يجب أن تكون لأسباب أنانيتك نتائج تجلب الخير للآخرين وبشكل ملموس, وهذا هو المغزى من موضوعنا فنكون وفقاً لهذا المنطق قد هيئنا الجميع ( الذات مع الآخرين ) للتعامل بإيجابية في مختلف نواحي الحياة العلمية والعملية, الدينية والدنيوية فيرتبط المخلوق الارتباط الأمثل بخالقه عز وجل وبالتالي مع بقية المخلوقات.
وخلاصة القول أن الذات البشرية تحمل مزيجاً من الخصال الحميدة وأخرى غيرها سيئة, لذا فإن توصيف حب الذات إيجاباً أم سلباً أو مدى التعامل بأنانية على حساب الآخرين أو لمصلحتهم إنما هو أمر متروك لنا نحن البشر وكيفية التعامل به في المجتمع بسلوك تنافسي تكاملي متحضر متوازن وعقلاني قلباً ولساناً ليندفع في تعامله مع الآخرين تحت عنوان ( حسن السلوك وطيب المعشر) فتكون ( الأنا ) المؤطرة بالأخلاق الحميدة ضرورية بالقدر التي تجعل كل منا متميزاً ومفيداً ومؤثراً في محيطه بشكل إيجابي فيكون هو النموذج الذي يرمز له ويقتدي به ذويه وأقرانه.
..ومسك الختام هو الطلب من الله عز و جل أن نكون كذلك أي نحمل صفة الأنانية بكل معانيها الإيجابية ليفيض إناءنا بخيره وتمتلئ منه أقداح الآخرين الذين لابد أن نحب لهم ما نحب لأنفسنا ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1160 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع