سمية العبيدي
زهر البرتقال
كان الوقت يوشك ان يكون ربيعا ً وقد بدأ الشتاء ُ يغــادر مدينتا بملابسه الثقيلة ذات الالوان الغامقة وشوارعه المبللة والموحلة .
ابتسمت طلائع الربيع في شوارعنا وعلى الشرفات وكــللت اشجار الحمضيات بالعطر والزهر ...واعدة ايـّــــانا بأجمل الايام وأحلى النزهات ( ولوفي حدائق بيوتنا ) .
خرجت ريم الى الحديقة وقد علت شفتيها ابتسامة حلوة مثلها وريــم في الرابعة من عمرها تتمتع بحب نادر للحديقة واشجارها واطيارها وخاصة لأرجوحتها .
وطالما ألحت ريم على افراد الاسرة طالبة مرافقـــــتها للارجوحة وللحديقة طوال موسم الشتاء . فكيف بها الآن وها هــــو ذا الربيع بلطفه ينشر ملاءات الفرح والعطر.
وفي المساء عندما زارت ريم مع امها بيت جارتها الصغيرة رؤى اصطحبت ريم معها الدمية الجديدة - التي اهداها لها عمها لمناسبة عيد مولدها - كي تلعبا بها معا ً. شمت ريم وهي تحيـي صديـــقتها رائحة لطيفة ثم انتبهت لعِقد ابيض يتدلـّى من عنق رؤى فقالت لها ما أحلى قلادتك يا رؤى . وقد عزمت ان تصنع لنفسها قلادة مثلها .
استيقظت والدة ريم على بكاء حار فتركت الفراش مذعـورة نحو مصدر الصوت وهو الحديقة لترى ريم ملقــاة على الارض ودموعها تغطي خديها وقد لطخت بقع التراب ملابسها الجميـلة .
ومن بين البكاء والكلام عرفت امها انها حاولت تســـلق شجـرة البرتقال لتقطف بعض ازهارها فدفعتها الشجرة بأغصانها والقتها أرضا ً
قالت الأم تلوم ريم بصوت غاضب وهي تنفض الأوساخ عن ثوبها : كيف خرجت الى الحديقة بمفردك ؟! ...وما ذا تفعلين فوق الشجرة ؟ أجابت ريم والبكاء يجعل كلامها مبهما ً متقطعا ً :ار..يد مث ل ..عِق..د ..رؤ..ى .
اجابت الام : جيد ٌ ما فعلته بك الشجرة كيف تسمحين لنفسك بسرقة جهودها وثمرها . ثم تابعت الام كلامها : كان عليك ان تخبريـــني بما تريدين سكتت ثانية ثم قالت : حسنا ً سيكون لك مثل عقد رؤى . هيّا ساعديني ........
وأخذت الام ترفع زهرات البرتقال الجميلة والكاملة من ارض الحديقة برفق وهدوء وتضعها في راحة يدها المبسوطة ثـم عادت الى المنزل لتأتي بصحن نظيف وضعت فيه كل ما وجدته من زهر ابيض متألق وعادت الى المنزل مع ريم لتجمعا بوساطة الابـــرة والخيط كل ما وجدتاه من زهرالبرتقال ليكون عقدا جميلا ً وضعته ريم في عنقها الجميل ليزيده جمالا .
مرت ريم على كل افراد الاسرة لتريهم عقدها الجميل وتحكي لهم عن الشجرة التي دافعت عن زهرها والذي هو برتقال الموسم القادم .
*****
نشرت في مجلة مجلتي
سمية العبيدي
565 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع