قاسم محمد داود
من سمات المجتمع المتخلف
يتألف عالم اليوم من مجتمعات متقدمة ومتحضرة أنشأت دول متقدمة ومتطورة في مختلف المجالات . وأخرى متخلفة غير متحضرة بمقاييس العصر الحديث، ظلت دولها في عداد الدول الفقيرة المتخلفة في كل المجالات . فأين نحن من هذه المجتمعات، كعراقيين اولاً وعرب ثانياً ، لكي نعرف موقعنا في هذا العالم ، يجب ان نعرف ماهي سمات المجتمع المتخلف . في البداية ما المقصود بالمجتمع ؟ هناك الكثير من التعريفات للمجتمع يطول الحديث عنها ، لكن أبسط تعريف هو : " مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل منظم في موقع معين ترتبط فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية ". تتصف المجتمعات المتخلفة بسمات كثيرة تتحكم في مسارها وفي حركتها التاريخية ومدى مشاركتها في التطور البشري واسهاماتها في الحضارة العالمية ، ومن ابرز هذه السمات التي شخصها علماء الاجتماع والعديد من الباحثين في هذا المجال :
اضطراب منهجية التفكير الذي تتسم به العقلية المتخلفة، فهذه المجتمعات لا تواجه الحياة بخطط علمية تقوم على منطق تسلسلي مرتب يتصدى للواقع ويعالج مشاكله أي انها تفتقر للخطط المسبقة القائمة على دراسة الحاضر لتوقع المستقبل، وبالتالي بدلاً من تنظيم الواقع والسيطرة عليه تزيد من حدة الفوضى لذلك نرى ان النقاشات التي تدور في المجتمعات المتخلفة تضرب في كل اتجاه وتنشغل بجوانب الموضوع عن لبه. وحين تكون الثقافة موغلة في متاهات التخلف، فهي شديدة التمسك بذاتها والالتفاف حول نفسها، معتقدة أنها الثقافة الوحيدة التي تحمل الحقيقة، متجاهلة كل الثقافات التي لا تتوافق معها، وما تتصف به من خصائص، لذلك يقع ممثلوها في عمى وجهل متوارث، ولا يكترثون إلى أي تغيير فكري، أو ظهور تيار يسهم في حركة المجتمع ثقافياً واجتماعياً وفكرياً وهذا يعني الانغلاق الذي يعطل العقل ويقف حائلاً دون أي تطور، لهذا تكون العتمة والظلام مسدولاً على هذا المجتمع.
ترضخ هذه المجتمعات للسلطة الغاشمة التي تقهرها وتصدق الوعود الكاذبة التي تؤملها بالتقدم والتطور والعيش الكريم والمستقبل الأفضل. وبالمقابل تكذب هذه المجتمعات المتخلفة المقهورة على السلطة بالتظاهر بالولاء والتبعية، وهكذا يصبح الكذب جزءاً من نسيج الكيان الاجتماعي المتخلف، يكذب الشرطي حين يدعي الحفاظ على القيم، ويكذب البائع على المشتري، والحرفي على الزبون، و
يصبح الآخر ليس مكافئاً وإنما أداة نستغلها، وعلى كل واحد أن يلعب اللعبة كما تسمح إمكانياته، وويل لذي النية الطيبة فإنه لا يخسر فقط من خلال استغلاله، إنما يزدرى باعتباره ساذجاً وغبياً.
يميل الانسان في هذه المجتمعات للعشوائية في تدبير شؤونه ويعتمد على أساسات عقلية بدائية في التعاطي مع واقعه المعاش، أما الأفكار الجديدة التحضرية فيقف عقله عاجزاً عن تقبلها أو حتى تحليلها. ويلجأ إلى الخرافات والأساطير الموروثة في مجابهة الطبيعة المحيطة، ومحاولة إعطاء كل ظاهرة قاهرة تفسيراً غيبيا هروباً من الواقع ورضوخاً له عوض مجابهته بالمناهج العلمية المضبوطة التي تمكنه من السيطرة على الظروف وجعلها لصالحه او على الأقل دفع ضرّها، وهو ما يجعله تابعاً لا متبوعاً ومنصاعاً للواقع وظروفه انصياعاً تاماً ويترسخ لديه مفهوم الحتمية المطلقة والقدرية الجبرية فيسلم نفسه للقدر مجبراً لا مخيراً.
أن الانسان في المجتمع المتخلف يلازمه الشعور بالغربة في بلده ، يحس بأنه لا يملك شيئاً ، حتى المرافق العامة يعتبرها ملك السلطة ، وليست مسألة تسهيلات حياتية له هو ذلك ان الهوة كبيرة بينه وبينها وأن ما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له فيما لو قدمت كمنّة وفضل ( مكرمة ) ، لا كواجب مستحق له. لذلك عندما يخرب المرافق العامة يعبر عن عدوانية اتجاه السلطة. وهذا ناتج عن عدم وعي هذه المجتمعات بما لها من حقوق وما عليها من واجبات .
ولأن الانسان في المجتمع المتخلف قد تربى وشب على مفاهيم وقيم هذا التخلف، فهو يراهن على خلاصه على يد الزعيم والقائد المنقذ دون ان يعطي لنفسه دوراً في السعي لهذا الخلاص سوى دور التابع المعجب المؤيد دون تحفظ والمنتظر للمعجزة سواء كان هذا المنقذ شيخ العشيرة او زعيم الجماعة او الزعيم الديني او الروحي او الحاكم .
ولأن "الماضي حصن من لا حاضر، ولا مستقبل له "، الانسان المتخلف كالمجتمع المتخلف سلفي أساساً. يتوجه نحو الماضي ويتمسك بالتقاليد والأعراف بدل التصدي للحاضر والتطلع للمستقبل. ويصبح لاهم له الا إرضاء من يعتبرهم مثلاً اعلى والرجوع معهم صوب الذاكرة الجمعية، لأعراف العائلة، او العشيرة، او المنطقة السكنية، لذلك يفقد قدرته على تحريك أي ساكن، ويختزل ذاته ليكون كما يريد المجتمع بقيمه المتخلفة لا كما يريد ان يكون حالة لها وعيها الفردي بل حالة تشاركية مقيته تلغيه كفرد متحرر حتى وان كان حاصلاً على اعلى درجات التعلم .
المجتمع المتخلف دائماً ضد التغيير لأن التغيير يهدد ماضيه الذي يستقي منه أمان الحاضر والمستقبل. لذلك نجده ينظر للخلف ويبالغ في أعلاء قيم الماضي إلى الحد الذي يصبح هذا الماضي بكل عناصره مقدساً ويصبح المساس بهذا المقدس بمثابة تهديد للحاضر والمستقبل وكلما ازدادت العوامل التي تهدد أمن المجتمع كالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كلما أتسعت دائرة التقديس وشملت ما لم يكن مقدساً في عصور سابقة.
في المجتمع المتخلف تغيب لغة الحوار عند التصدي للنزاعات سواء بين الافراد او الجماعات، وهنا تظهر وسائل خرى كبديل للوعي والتحكم بالنوازع البشرية : ان العنف والقتال ، الذي يتخذ وسيلة لفرض الارادات ويصبح السلاح والعنف لغة التخاطب الوحيد الممكنة مع الواقع ومع الآخرين ، لان الانسان في هذه المجتمعات يعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي المتحضر فالعدوانية كامنة في ذاته وموروثه القبلي. أن العدوانية والعنف ينخران بنية المجتمع المتخلف رغم مظاهر السكون والمسالمة الظاهرية، فالإنسان هنا في " في حالة تعبئة نفسية دائمة استعداداً للصراع. ولأقل الأسباب ينفجر في سيل من السباب ويتدهور الخطاب اللفظي الى المهاترة والتحدي والوعيد والعدوانية اللفظية، واحياناً ينفذ التهديد ويحدث الاشتباك باستخدام العضلات أو السلاح".
وبما أن الدولة المتخلفة هي نتاج طبيعي للمجتمع المتخلف ، فأن الحكومة المتسلطة وهي الأخرى من إفرازات هذا المجتمع فأنها تعامل الشعب باحتقار وتعال وترى فيه أنه مستعبد لها عليه أن يخدمها فحسب ، وليست له أي حقوق كما لدى الشعوب المتقدمة، فهي تعلم انه لا يشكل أي تهديد لوجودها كما انها تزيد من تخلفه بأساليب عديدة ، ولهذا فالمواطن يهان في كل مكان، في مراكز الشرطة التي من المفترض أنها تحمي الشعب ، ويهان في الشارع من أجهزة الحكومة المختلفة ، ويقمع في عمله وهذا لا يقتصر على الجهات الحكومية ، ولكن في كل المؤسسات والجهات والمنظمات حتى الخاصة منها فمن سمات الشعب المتخلف أن يأكل بعضه ويقهر بعضه وأن يتسيد على بعضه ويبحث عن احداث انتهت قبل آلاف السنين يعيد انتاجاها من جديد ليبرر صراعاته العبثية ، وهكذا تجد ان المقهور أو الذي كان مقهوراً يقوم بقهر الآخرين بمجرد أن تتاح له الفرصة .
أن من أهم عوامل بقاء المجتمع يدور في هذه الدائرة المغلقة والجمود على ما هو عليه لابل الى الأسوأ أحياناً وتفشي "العقلية المتخلفة" في هذا المجتمع هو: " سياسة التعليم، وعلاقات التسلط " وهما لب تخلف العقلية في العالم العربي، حيث يبدو أن التعليم في الوطن العربي بأساليبه وطرقه البالية في كل مراحله، لم يؤثر في الشخصية، بل ظل في الكثير من الأحوال قشرة خارجية تنهار عند الازمات لتعود الشخصية لنظرتها الخرافية وموروثها الثقافي المتخلف، حيث يغلب التلقين على التعليم. كما ان مواده مستوردة لا تعالج واقع الطالب في عالمه المتخلف، إلى جانب انفصام لغة العلم – الأجنبية - خصوصاً في الدراسات الجامعية عن اللغة الحية، مما يعزز الانفصال بين شخصيته وبين ما يتعلمه. وبما أن التعليم هو من أهم عوامل تقدم المجتمعات وتطويرها، فلا يمكن إصلاح أي مجتمع وجعله أكثر تحضراً وتقدماً إلا من خلال التعليم، لأن ثقافة أي مجتمع تعتمد بالأساس على تعليم أفرادها، حيث ان الأفراد المتعلمين أكثر إدراكاً لأهمية التخلص القواعد النمطية، والتقاليد الغير مبررة وأهمية مواكبة التطور والاسهام في الحضارة العالمية .
687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع