دور المرأة العراقية في الحراك الشعبي والانتفاضة العراقية

                                                 

                            علي المسعود

دور المرأة العراقية في الحراك الشعبي والانتفاضة العراقية

تدخل ثورة الشعب العراقي وانتفاضته شهرها الثالث، والعراقيون يفترشون الطرقات والدروب في ساحة التحرير وفي محافظات الجنوب و الوسط ، يطرحون مطالبهم الواضحة والصريحة في وجه السلطة؛ يطالبون بالعيش الكريم ومحاربة البطالة والفساد الإداري والمالي ومحاسبة المسؤولين، وينقلون وجعهم وألمهم وهمومهم الى العلن. يناقشون أوضاعهم على وسائل الاعلام وفي حلقات تفاعلية تحت الخيم، يتداولون في همومهم وما آلت اليه أحوالهم عبر لقاءات وحلقات أكاديمية مفتوحة تشخّص الداء وتستعرض الحلول، وتكشف هزال السلطة وبرلمانها الفاسد وعزلتها و والتسويف و المماطلة في أمور الحكم وتمترسها خلف حدود التقسيمات الطائفية في الوقت الذي يتلاقى فيه العراقيين جميعا خارج حدود الطوائف، وبدت مساهمة المرأة في المظاهرات المتواصلة في العراق الظاهرة الأكثر لفتا للنظر في هذه الحركة الاحتجاجية التي طغت على شوارع العاصمة وبعض المدن العراقية في الأيام الأخيرة. وبدا حضور المرأة طاغيا في الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه المظاهرات وأنشطتها المختلفة، أن مشاركة المرأة في الحراك الحالي، ليست ظاهرة جديدة، فمساهمة الحركة النسوية في الحراك السياسي والاجتماعي في العراق في العقودالسابقة و التي كانت تبرز في لحظات مفصلية، كما هو الحال مع المظاهرات النسوية الحاشدة في عقود سابقة. خرجت المرأة العراقية إلى الشارع منتفضة بجانب الرجل. وكانت مشاركة النساء العراقيات فعالة، حيث كانت هناك نشاطات نسوية في ساحات التظاهر ببغداد وجنوبي العراق ووسطه، تخدم الشباب المنتفضين، حيث الإسعافات الأولية وتحضير الطعام، فضلًا عن التبرعات والحملات التطوعية، والنشاطات الفنية والتنظيف، كل ذلك كان بصمة بأنامل عراقية ناعمة سطرتها المرأة. وفي تقرير تقرير بريطاني نشر الثلاثاء، 5 تشرين الثاني 2019، سلط الضوء على مشاركة النساء ومخاطرتهم بحياتهم من أجل الانضمام إلى التظاهرات الشعبية الواسعة المناهضة للحكومة في محافظات الجنوب والوسط ، مشيرا إلى أن المشاركة النسوية في التظاهرات الأخيرة يعتبر تطورا ملحوظا بعد عقود. وأسهم الحضور النسائي في التظاهرات وفي ظهورها بصورة راقية في الاداء والتعبير والمشاركة الواعية للمرأة في المجال السياسي وقدم للعالم صورة أخلاقية راقية أغاظت العديد من أتباع السلطة الدينية و السياسية والمندسين الذين حاولوا جاهدين تشويه صورة التظاهر الراقية لانتفاضة الشعب العراقي، ولعل تلك ليست ظاهرة جديدة، فمساهمة الحركة النسوية في الحراك السياسي والاجتماعي في العراق لها تاريخ صويل و مشرف وكانت تبرز في لحظات مفصلية، كما هي الحال مع المظاهرات النسوية الحاشدة في عام 2003 التي اسقطت محاولة الأحزاب الدينية تغيير قانون الأحوال الشخصية في العراق واستبداله بقانون آخر يستند إلى التشريعات الدينية في الطوائف المختلفة.

في كل المظاهرات السابقة، منذ الاحتلال ثم في أعوام 2011 و2015 و2018، كان هناك، دائما، عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، من ناشطات المجتمع المدني، مخاطرات بتعريض أنفسهن للامتهان والاذلال. ويرى مراقبون سياسيون. أن “المشاركة الواسعة في الاحتجاجات في جميع أنحاء العراق جلبت شعورا قويا بالانتماء والاعتزاز بالنساء، ففي بغداد على وجه الخصوص أصبح ميدان التحرير عراقا مصغرا، حيث خلق الناس مجتمعا جماعيا، يشفوون جراحهم ويطالبون بهوياتهم الوطنية، ويعيدون كتابة تاريخهم الحالي بما يتجاوز الطائفية والفوضى والانقسامات والمخاوف. وكانت المرأة العراقية بكل أوضاعها الاجتماعية حاضرة، من نساء كبيرات في السن يقدمن الخدمات للمحتجين من الطعام والتطبيب، الى شابات الجامعات والمدارس اللواتي لعبن أدوارا مشرفة في حركة الاحتجاج، بالاضافة الى دورهن في الطبابة والاهتمام بالجرحى في وحدات الميدان الطبية، وكان سلوكهن نموذجا للوعي الحضاري المتمثل بالمشاركة في كل ما يقوم به أقرانهن من الشباب، حتى في حملات تنظيف ساحات الاحتجاج، كل ذلك في خضم جو تسوده روح عالية من الانتماء والوطنية، إذ لم تشهد ساحات الاعتصام أي حالة تحرش أو عدم احترام، حيث تقف المرأة إلى جانب الرجل يصنعان المستقبل.، كما كان يشاهد في الشارع العراقي، وكل ذلك مثّل دلالة على السلوك القائم على التعاطي المحترم مع المرأة في الانتفاضة العراقية. ليس هناك شك في أن الانتفاضة هي نقطة تحول بالنسبة للنساء العراقيات ولكن الطريق إلى حريتهن وحقوقهن ما زال مليئا بالعقبات،لأن حياة النساء العراقيات تتعرض باستمرار للتهديد بالقتل أو الاختطاف من قبل الميليشيات. وعكست الانتفاضة الأخيرة التي تشهدها المدن العراقية، حقيقة التلاحم الكبير بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه، متحدين حمى الطائفية التي أنهكت البلاد بدعم الأحزاب والمحتلين، ويرى ناشطون أن تظاهرات اليوم تعتبر رمزًا وطنيًا ينبذ الطائفية بكل أشكالها، لقد خلقت هذه المظاهرات جوا من الأمل والفرح من بعد غصة الوجع على أجمل شباب العراق الذين راحوا ضحية فيها. وشهدنا تآزرا للمرة الأولى بين كل طوائف المجتمع تحت شعار هو "نريد وطنا.

علي المسعود

المملكة المتحدة

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع