إبراهيم الزبيدي
لم نعد بحاجة إلى المزيد الوقت والدم والدموع، ولا إلى المزيد من الدلائل والوقائع، لكي نعترف بأن المواقف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتخذها أمريكا وأروربا، وحتى روسيا، في كثير من الحالات، من قضايانا العربية، تقررها قلة من يهود أمريكا، بالتنسيق والتناغم مع يهود أوربا وحاخامات روسيا النافذين.
وكما أفشل الموساد طبخة الديمقراطية في العراق إثر سقوط نظام صدام حسين، فهو يعبث اليوم أيضا بالملف السوري، ويضغط من أجل إطالة المذبحة إلى أن تستوي سوريا، نظاما ومقاومة، وتصبح أطلال دولة آيلة للسقوط لا تقوى على طرد ذبابة عن وجهها الكريم، وتسقط، وإلى خمسين سنة قادمة، دولة اسمها سوريا، كما سقط العراق، قبلها، ومصر، ليضحك نتياهو من جهل الجاهلين وغباء المغفلين.
ومهزلة القصير أكبر دليل على ذلك. فكل النداءات الجريحة التي أطلقها المواطنون السوريين مناشدين الأشقاء العرب والمسلمين والمجتمع الدولي التحرك من أجل منع ذبح ذويهم بأيدي (مجاهدي) حزب الله وشبيحة بشار ذهبت هباء في هباء وفقاعات في هواء.
فهذا النبيل العربي الذي أفاق من منامه مذعورا ليحتج ويستنكر، وبشدة وعلى الفور، غارات نتياهو على جبل قاسيون، بلع لسانه هذه المرة، ولم يشجب ولم يستنكر دخول مسلحين من دولة عربية لقتل أهالي قرى آمنة في دولة عربية مجاورة، بل راح يفكر في دعوة مجلس الجامعة التي (لم تجمعنا) لينعقد الخميس القادم. فمن يوم الجمعة إلى يوم الخميس يكون النبيل العربي قد منح حسن نصر الله وبشار سبعة أيام بلياليها لذبح أكبر عدد ممكن من (خراف) القصير وما جاورها، وبالأخص من العجزة الذين لم يتمكنوا من الهرب قبل فوات الأوان.
ومؤتمر جنيف 2 الذي (يأتي ولا يأتي) ليس سوى إهانة بالغة ومتعمدة لأصدقاء الشعب السوري، ومنهم وأولهم أشقاء عرب صمتوا عن هذه اللعبة الخبيثة صمت القبور. فروسيا التي تبشر بالمؤتمر تصر على قتله قبل أن يولد. فهي حين تصر على حضور إيران التي تعلم أن جنودها الرسميين وغير الرسميين، والغون وإلى ذقونهم في دماء السوريين، وحين ترسل لبشار صواريخها المتطورة، وحين تواصل شتم المقاومة بزعم أنها شلل إرهابيين، إنما تدوس على المؤتمر المزعوم بحذائها الملطخ بالدماء. وأمريكا العظيمة التي لا تغضب على مجازر بشار بالصواريخ والبراميل المتفجرة ما تزال تبحث عن أدلة قاطعة تؤكد خرقه لخطوط أوباما الحمر التي لا ترى بالعين المجردة.
فليس يعقل أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية، بجلالة قدرها وجبروتها، تجهل أن الروس يكذبون حين يزعمون بأنهم يريدون الضغط على طرفي النزاع في سوريا لدفعهما إلى القبول بالتفاوض على حل سياسي يحقن الدم السوري ويوقف هذه المهزلة.
ولا يعقل أن تكون تجهل أيضا أن يهود إسرائيل يكذبون حين يزعمون بأن غاراتهم على مواقع في سوريا هي فقط لتدمير أسلحة مرسلة لحزب الله، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة على أسلحة متطورة ظلت، كل السنوات الماضية، تصب كالسيل على حسن نصر الله وباستمرار من إيران وعبر سوريا.
إن الثابت الذي لا يحتاج إلى دليل هو أن السياسة الدولية العليا المقررة لسوريا، من الآن وإلى أن يشاء نتنياهو، هي ضربة على رأس النظام وضربة على قلب المقاومة. رصاصة للمقاومة وصاروخ للنظام. تماما كما كان حال تلك الحرب التي أشعلها الخميني وصدام حسين ودامت ثماني سنوات. فقد كانت أمريكا وأصحابها تعطي لصدام حسين كل ما هو لازم لمنع إيران من احتلال (البوابة الشرقية للأمة الواحدة ذات
الرسالة الخالدة) من قبل الفرس (المجوس)، وكانت إسرائيل حريصة على تهريب والسلاح لإيران لمدها بالقدرة على مواصلة القتال.
لقد أحصيت اثني عشر عصفورا ذهبيا قد تكون إسرائيل تتعمد اصطيادها بحجر واحد في سوريا، وقد نكون نحن من يُسقطها في سلتها، عمالة أو جهالة:
1- قتل أكبر عدد من السوريين، من النظام والمعارضة.
2- إثبات همجية العرب والمسلمين وتخلفهم وغبائهم مقابل ديمقراطية إسرائيل وتحضر يهودها.
3- إرهاب الدول الأخرى.
4- إسقاط القضية الفلسطينية ورميها في سلة مهملات العرب والمسلمين.
5- تعميق الهوة بين إيران والعرب. وبين شيعة العرب وسنتهم إلى أمد قادم طويل.
6- إستنزاف العرب وإيران، ماليا وعسكريا وبشريا إلى أبعد الحدود.
7- خبط المجتمعات العربية وإشعال نار الفتن في العراق ومصر وتونس والأردن ولبنان وسوريا والخليج.
8- تقوية الوجود الروسي في المنطقة. فوجود بوارج الروس وصواريخهم يزيد من إذلال العرب وإرهابهم واستنزافهم، ولا يشكل أي تهديد من أي نوع لأمن إسرائيل.
9- إهدار المال الإيراني المتدفق على سوريا. فروسيا ترسل الصواريخ وإسرائيل تدمرها وإيران تدفع أثمانها.
10- إهدار المال العربي الخليجي على اللاجئين، أدوية ومعلبات وبطانيات وخلافه.
11- إن دخول حزب الله إلى سوريا بحجة حماية الشيعة إجازة لدخول مسلحين سوريين، غدا أو بعد غد، إلى لبنان أو العراق لحماية السنة.
12- وأخيرا تقزيم تركيا وتعرية أردوغان وإثبات عجزه عن فعل أي شيء. بعد أن عرض صدره في البداية وأظهر نفسه حامي حمى المسلمين وسلطانهم الجديد.
وكما كانت خطوط أوباما الحمر هلامية ومرسومة على الرمال المتحركة فخطوط أردغان الحمر، هي الأخرى، هلامية ومرسومة على رمال متحركة ليس لها قرار.
فبعد أن أوهم السوريين بأن ورء ظهورهم سندا أكيدا لا يبخل على ثورتهم بمال وسلاح ومناطق آمنة وصواريخ بتريوت مانعة لصواريخ الأسد عرته إسرائيل وكشفت وجهه الحقيقي وأظهرته مجرد بهلوان ليس عنده سوى الكلام يبيعه في أسواق العرب المجانين.
والأكثر سذاجة من الجميع هم قادة المعارضة السورية الذين صدقوه وآمنوا بنصره الأكيد. ولعل أحاديثهم عن ديمقراطية سوريا المحررة، وعن مدنيتها وعدالة حكوماتها القادمة، وعن رفضهم وبشكل قاطع لأي تدخل خارجي، هي أكثر أوهامهم التي ورطهم بها أردغان، دون أن يفطنوا إلى أن القوة، والقوة وحدها، هي التي ترسم وتقنن وتقول. والسياسة فن ومراوغة وتقية ورقص على الحبال، وليست هتافات نارية متشنجة لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن نتياهو أكثر من غيره انزعاجا بهذا المنطق المخبول. فجبهة النصرة وقاعدة الظواهري أكثر نفعا لدولته من هذه المجاميع الهلامية التي تتحدث عن الديمقراطية والسلام. وتواجد معارضين وحوش من أكلة قلوب الجنود السوريين على حدود الجولان، مثلا، برد وسلام على قلبه، وهذا هو المطلوب. فماذا تبيع إسرائيل لأمريكا وأروربا إذا ما أصبحت سوريا دولة ديمقراطية متحضرة وعاقلة وعادلة، وإذا ما استقر العراق وأصبح واحة للتقدم والازدهار والسلام، وإذا ما هدأت مصر والأردن ولبنان ودول الخليج؟ وما تكسب لو جنحت إيران نحو السلم مع أشقائها المسلمين العرب، وحصرت خلافات رجال الدين، شيعة وسنة، بالمساجد والحسينيات ودور الفقه وجامعات علوم الدين؟
1293 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع