التغير المناخي وشحة الماء الصافي هما الأخطر ضمن تحديات القرن الحالي

                                                          

                           الدكتور هيثم الشيباني
                              خبير في البيئه

    

التغير المناخي وشحة الماء الصافي هما الأخطر ضمن تحديات القرن الحالي

المدخل : سوف نتناول قضيتين كبيرتين يواجهها العالم بأجمعه ومنهم العراق , الأولى معركة تغير المناخ,والثانيه شحة المياه العذبه.

1. المقدمه:
صحيح أن من حقنا المشروع أن نقلق على شحة المياه العذبه بسبب النسبة المتواضعه للماء الحلو في الطبيعه , وهذا ممكن أن يتفاقم خلال القرون القادمه , لكن هناك قلق آخر بدأت مقدماته بالظهور وهي تغير المناخ , حتى أن العالم نظم مؤتمرات دورية لدراسة هذه الظاهرة وأطلقت عليه مؤتمر باريس لتغير المناخ , لأن فرنسا تبنت الموضوع بقوة وحماس كبيرين , وكتبنا أكثر من مقال حول الموضوع.
المقال الأول مؤتمر باريس ومعركة المناخ , د.هيثم الشيباني
18 شباط/فبراير 2018
المقال الثاني معركة تغيير المناخ , د.هيثم الشيباني
2019-03-11
2. لدراسة التغير المناخي بصفته التحدي الأخطر ,
وجدنا أن حكومات العالم في القرن الحادي والعشرين, تعطي الموضوع أهمية عليا على الساحة الدولية, وأصبح يحتل مكانا بارزا على جدول أعمال المؤتمرات والقمم الدولية, وكان آخرها قمة الدول السبع التي عقدت في مدينة باريس الفرنسية.
وفرضت قضية التغيرات المناخية نفسها على جدول أعمال القمة كقضية رئيسية , خاصة في أعقاب حرائق الغابات التي دمرت أجزاء كبيرة من منطقة الأمازون , والتي دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاتهام نظيره البرازيلي جايير بولسونارو بأنه كذب , بشأن تعهداته حول المناخ و بعدم التحرك في مواجهة هذه الحرائق التي تدمر رئة العالم .
في هذا السياق , سلط الرئيس ماكرون الضوء, في حديث تلفزيوني قبل انطلاق فعاليات قمة الدول السبع, على الانقسام بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن المناخ والتنوع البيولوجي قائلا : أنتم تعرفون عدم اتفاقنا حول هذا الشأن مع دول بعينها وخاصة الولايات المتحدة. مؤكدا أنه يجب علينا تلبية الحاجه الملحه لاحتراق غابات الأمازون , من أجل التعاون على تخفيض الانبعثات الحرارية وثاني أكسيد الكربون.
لقد احتلت قضية تغير المناخ الصداره في ملفات القضايا العالميه من كافة الوجوه, خاصة أنها ساهمت في الآونة الأخيره في أبرز الصراعات في جميع أنحاء العالم, لكونها تؤثر بشكل مباشر على حياة البشر, يشكل عائقا ملحوظا أمام نمو الكثير من الأنشطه الوطنية الاقتصاديه.
وفقا للتقارير والأبحاث , فإن الدول الصناعية تمثل الأطراف الرئيسية المسببة للتغير المناخي من خلال الانبعاثات الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري , كمصدر رئيسي للطاقة حيث أن الاعتماد الأكبر يتركز على النفط والغاز والفحم , بينما تقتصر مساهمة مصادر الطاقة البديلة من الوقود العضوي والطاقة الشمسية والرياح على نسبة ضئيلة, وهو ما يؤدي إلى ارتفاع انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وارتفاع حرارة الأرض والتغيرات البيئية.
وخلال الأربعين عاماً الماضية, ساهمت التغيرات المناخية بدرجة كبيرة في خسارة الأرض لنحو ثلث الأراضي الصالحة للزراعة, ويعيش أكثر من 1.3 مليار شخص على الأراضي الزراعية المتدهورة, مما ساهم في تفاقم الجوع والفقر والتشرد, خاصة في ظل عجز المؤسسات والحكومات على امتصاص الصدمات الناتجة عن تغير المناخ.
لقد أدى التغير المناخي إلى زيادة التفاوت بين دول العالم خلال العقود الماضيه , حيث عرقل النمو في الدول الفقيره , بينما ساهم في زيادة معدلات الرفاهية في بعض الدول الثريه. وكشفت دراسة حديثة أن الفجوة بين الدول الأشد فقراً وتلك الأكثر ثراء تزيد الآن بنسبة 25%عما كانت ستصبح عليه , لو لم تشهد الأرض ظاهرة الاحتباس الحراري , بسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
يبدو أن الدول الفقيره مسؤولة عن جزء بسيط فقط من الانبعاثات العالمية, إلا أنها في المقابل تتحمل الضرر الأكبر من عواقب تغير المناخ, مع قدرة أقل على حماية نفسها من تبعاته, في الوقت الذي تعرقل فيه الدول الغنية التوصل إلى اتفاقيات دولية من شأنها تقديم مساعدات للدول النامية, لتلافي تبِعات التغير المناخي.
لقد تزايدت أعداد الأشخاص المتضررين من نحو 100 مليون في 2015 إلى 204 ملايين في 2016. وتضاعفت الخسائر العالمية من 50 مليار دولار سنوياً في الثمانينات إلى 200 مليار دولار خلال العقد الأخير, حتى بلغت خسائر العالم عام 2017 حوالي 340 مليار دولار نتيجة الكوارث الطبيعية المدمرة.
كما أدى التغير المناخي إلى زيادة أعداد النازحين سنوياً لتصل إلى 23.5 مليون شخص, وبلغت كلفة الرعاية الصحية للمتضررين من هذه التداعيات عالمياً نحو 4 تريليونات دولار بما يعادل 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2018.
لقد حذرت منظمة الصحة العالمية أن من المتوقع بين عامي 2030 و2050, أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع أعداد الوفيات لتصل إلى 250 ألف حالة إضافية سنويا, بما في ذلك 38 ألف من كبار السن , بسبب تعرضهم لحرارة الشمس, إضافة إلى 48 ألف سيتوفون بسبب الأمراض والملاريا, بينما قد تبلغ حالات الوفيات من الأطفال ما بين 60 إلى 95 ألف نتيجة سوء التغذية, كما أعلنت الأمم المتحدة أن كلفة الأضرار المباشرة على الصحة ستكون بين 2 و4 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2030.
وتسبب التغيرات التدريجية للمناخ تهديدا ملحوظا , مثل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار, وأثّرت حالات الجفاف وحدها على أكثر من مليار شخص خلال العقد الماضي. وتظهر بيانات 2017 الصادرة عن البنك الدولي أن الجفاف منذ 2001 تسبب في خسارة العالم كميات من المنتجات الغذائيه تكفي لإطعام 81 مليون شخص يومياً كل سنة, أي ما يعادل سكان بلد بحجم ألمانيا.
وحسب الدراسات, فإن نحو ملياري شخص من الأكثر فقراً حول العالم يواجهون تهديداً استثنائياً بفقدان سبل العيش وخسارة المواطن لأسباب مختلفة, يأتي في مقدمها تغير المناخ.
لقد استضافت الأمم المتحدة قمة العمل المناخي, على ضوء الأهمية المتزايدة لقضية التغير المناخي , لتتناول أسباب هذه الظاهرة والعمل على وضع حلول طموحة لها مثل الطاقة المتجددة, وخفض الانبعاثات, والبنى التحتية المستدامة, والزراعة المستدامة , وإدارة الغابات , والمحيطات على نحو مستدام, وتحمل آثار الظواهر المناخية, والاستثمار في الاقتصاد الأخضر.
ويؤكد المختصون أن من الصعب مواجهة الكوارث المحتملة لتغير المناخ إلا في حالة تعاون جميع الدول معا, بهدف خفض معدلات انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة كبيرة, وتعزيز قدرة سكان العالم على مواجهة مخاطر التقلبات المناخية وتغيرها.
وفي بعض الحالات. ستتطلب مواجهة الآثار المناخية تغييراً جذرياً في آلية إنتاج الغذاء وكيفية إدارة الأرض من أجل حماية مكاسب التنمية وتقليل خطر تصاعد الصراعات إضافة الى تعزيز التعاون بين دول الجنوب الأكثر فقرا , التي تعد الأكثر احتياجا للتأقلم مع التغيرات المناخية.
وتتطلب الضروره أن يعمل اتحاد جامعات الدول الأقل نمواً منذ الآن على دعم تبادل المعرفة بين جامعات الدول النامية ومعاهدها التدريبية , وهناك أيضا مبادرة التكيف مع أفريقيا التي تقدم نموذجا آخر على الجهد الفعال لتسريع إجراءات التكيف على نطاق واسع, و مساعدة الحكومات على تطوير وتنفيذ خطط التكيف الوطنية, والوصول إلى تمويل ملائم لمواجهة التغير المناخي, وتعزيز خدمات المعلومات المناخية لتقليل تأثيرها على صحة البشر والبيئة بشكل عام.
ومع الإقرار بأهمية الطرق المبتكرة للتعامل مع آثار تغير المناخ على الفقراء, إلا أنها لا تكفي وحدها ما لم تكن الدول الغنية جادة في خفض الانبعاثات الناتجه من أنشطتها الصناعيه , والحد من الأضرار الناتجة عنها.
وليس من المستبعد أن تنقلب موازين التغيرات المناخيه , بحيث تتحول المناطق الصحراويه الى مناطق منجمده , وشاهد العالم بعضا من مقدمات هذا التحول, مثل العواصف الثلجيه في الصحراء العربيه , والسيول في معظم جزيرة العرب وبلاد الشام , منها العراق , اضافة الى ما يصيب مياه دجلة والفرات من كوارث الفيضان والجفاف واستقبال المياه الملوثه التي تصرفها على مياهنا ايران بين الحين والآخر , وقد تجاوزت كل من تركيا وايران على دجله والفرات ببناء سدود تمنع المياه عن جريانها الطبيعي , وأدى هذا الوضع الى حالات من الارتباك والتداخل بين التصحر والفيضانات , يواجهها العراق لوحده في ظل ظروف صعبة اقتصاديا وبيئيا.
لقد نشرنا عن هذه الكوارث مقالات منها.
المقال الثالث :كارثة الجفاف في العراق.
د.هيثم الشيباني. 25 نيسان/أبريل 2018,
المقال الرابع :كوارث السيول والفيضانات في العراق.
, د.هيثم الشيباني. آب/أغسطس 2019
3.القضية الثانية التي تواجهها البشرية هي شحة الماء الصافي ,
حيث أن الاتجاه العام في الوقت الحاضر هو تحلية مياه البحر المالحه,
ان مصطلح تحلية المياه يعني عملية تحويل المياه غير الصالحة إلى مياه صالحة للاستخدام البشري, وسقي الزرع, والصناعة, والمجالات الأخرى المختلفة, حيث تزيل هذه العملية الأملاح الذائبة في مياه البحر, أو المياه الجوفية التي تكون مليئة بالمعادن, ومياه الصرف الصحي, أو المياه قليلة الملوحة الموجودة في البحار الداخلية .
وتشمل موارد المياه السطحية الأمطار, وهي المصدر الرئيسي لتجديد أحواض المياه الجوفية, إلا أن 85% من هذه الأحواض يوجد في مناطق قاحلة ومياهها مالحة للغاية, مما يعوق استخدامها في أغراض الزراعة.
ان 97.5٪ من كمية الماء على سطح الأرض, هي المياه المالحة و 2.5٪ هي المياه العذبة . لكن فقط 0.3 % من المياه العذبه يكون على شكل سائل على السطح. فيمكن أن نتصور الحجم القليل جدا من المياه العذبه التي يمكن أن يحصل عليها الانسان بالطرق التقليديه (وهي الطرق التي لا تستفيد من المياه المالحه) , في حين أن الحجم الأعظم من المياه المالحه يترك الى البحر على الغالب.
لمعرفة توزيع المياه على الأرض , يوجد الماء على الكرة الأرضية في أشكال كثيرة تبعا للمكان , فتشكل مياه المحيطات والبحار حوالي 71% من مساحة سطح الأرض . وان معدل ملوحة هذه المياه 35% أي 35 غم/لتر . تلعب المحيطات دورا هاما لكونها نظاما بيئيا بحريا يحتوي على الكثير من الكائنات الحية, ولها دور في ضبط مناخ الأرض, وفي كمية المياه المتبخرة من سطحها.
أما الجليد فنعني به المياه المتجمدة في القطبين وعلى قمم الجبال العالية . توجد معظم هذه الكتل الجليدية في القارة المتجمدة الجنوبية حيث تشكل حوالي 85% من جميع المياه المتجمدة .
أماالمياه الجوفية فهي المياه المخزونة في باطن الأرض في مسامات الصخور أو الشقوق بينها . تحتوي المياه الجوفية على ثاني أكبر كمية من المياه العذبة بعد الكتل الجليدية . ان جزءا من هذه المياه الجوفيه يدعى المياه الأحفورية وهي المياه التي لا نستطيع استغلالها ولا يتم تجديدها .
بشكل طبيعي ممكن أن تترك المياه الجوفية مكانها بعدة طرق , فعندما تصل المياه إلى السطح الخارجي يتكون الينبوع وتخرج المياه بواسطته . طريقة أخرى هي انتقال المياه الجوفية إلى البحر, حيث تلتقي بماء البحر . بما أن المياه الجوفية العذبة أخف من مياه البحر المالحة, تطفو المياه العذبة على سطح المياه المالحة .
الخيارات الممكنه لتحلية مياه البحر:
الطرق التقليديه المعروفه:
نجحت الطرق التقليديه المعروفه في استخلاص الماء الحلو من الكميه الموجوده على سطح الأرض وفي المياه الجوفيه , والتي تشكل نسبة 0.3 % من المياه الكليه .أي أن جهود دول العالم وفي مقدمتها السعوديه والولايات المتحده الأمريكيه , استطاعت استخلاص الماء الحلو , بمشاريع عملاقه لأغراض ارواء المشاريع الزراعيه , وسقي المواشي والرى الى حد ما لأغراض الشرب.
يبلغ تعداد سكان على الأرض حاليا 7.8 مليار,وقد توقع تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 9.8 مليارات نسمة في عام 2050, وإلى 11.2 مليار نسمة في 2100 , فمن واجب الانسان أن يتعاون مع أخيه الانسان, من أجل استخراج الماء العذب من الماء المالح , وأن تتعاون دول منابع الأنهار مع دول مرور تلك الأنهار وصولا الى المصب في البحار.(وهذا المبدأ لا تطبقه كل من ايران وتركيا من أجل العراق ).
يقينا أن المياه تفوق مصادر الطاقة مثل النفط أهمية من حيث التأثير على البشر والتحكم في مصير حياتهم, وكثيرا ما انقسمت الشعوب من حيث وفرة المياه الى ظالم ومظلوم والعراق من الدول المظلومه , والصراعات من أجل المياه قائمة منذ خلقت البشريه , وفي طريقها الى التوسع مع ازدياد عدد السكان على الأرض ومتطلبات العيش فيها , وليس من المستبعد أن تتحول الى حروب مسلحه ما لم يتوجه الناس الى تحكيم العقل .
شكل الحصول على مصدر نقي من مياه الشرب أمرا مهما لنشوء الحضارات عبر التاريخ. وفي العقود الأخيرة, ,سجلت حالات ندرة المياه العذبة في مناطق عديدة من العالم, وقدرت إحصاءات الأمم المتحدة أن أكثر من مليار شخص على سطح الأرض لا يزالون يفتقرون إلى مصدر آمن لمياه الشرب, وأن حوالي 2.5 مليار يفتقرون إلى وسيلة ملائمة من أجل تطهير المياه.
يشكل الماء نسبة 70% من جسم الإنسان البالغ, و75% من جسم الطيور, و80% في الثمار والفاكهة . تحتوي المياه على أنواع مختلفة من الأملاح على هيئة, كبريتات, أو كربونات أوكلوريدات الصوديوم والكاليسيوم والمغنيسيوم و لا تصلح هذه الأملاح للاستخدام البشري مثل الشرب, والاغتسال, وطهو الطعام,وعليه تسعى الكثير من الدول التي تقع في المناطق الصحراوية والمناطق الجافة إلى تحلية مياه البحر للتخلص من الأملاح الذائبة فيها وجعلها صالحة للشرب والاستخدام البشري, لكن كميات المياه الصالحة للشرب لا تلبي الاحتياجات في الدول النامية والدول الفقيرة, لذا لجأ العلماء الى تقليل ملوحة المياه لاغراض الري و الصناعه.
كيفية تحلية ماء البحر
تهدف عمليات تحلية مياه البحرالى تنقية وفصل مياه البحر المالحة إلى كل من المياه العذبة التي تحتوي على تركيز منخفض من الأملاح الذائبة, والمياه المالحة المركزة, ويتطلب تأمين الطاقة لتحلية المياه, كما أنها تستخدم العديد من التقنيات المختلفة لعملية الفصل , مثل عملية التقطير متعددة المراحل, وعمليات التناضح العكسي, وقد أجريت الكثير من البحوث والتجارب من أجل التحسين المستمروخفض الكلفة .
تحلية المياه بالطاقة الشمسية.
هي عملية تحويل المياه المالحة إلى مياه صالحة للشرب بواسطة تحويل الطاقة الشمسية إلى حرارة, وتشبه هذه العملية إلى حد كبير دورة المياه الطبيعية على الأرض والتي يتم عن طريقها تشكيل الأمطار, حيث يتم تسخين المياه المالحة بواسطة حرارة الشمس عن طريق جهاز بسيط وغير مكلف يسمى (جهاز التحلية المنزلي), والذي يكون على شكل هرم أو نصف كرة, كما أن سطحه يتكون من البلاستيك أو الزجاج الشفاف , ليسمح بمرور أشعة الشمس إلى القاع المغطى بطبقة سوداء تمتص أشعة الشمس وتحتفظ بها, ونتيجة لارتفاع درجة حرارة الماء المالح فإنه يتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية (عملية التبخر), حيث ترتفع جزيئات الماء إلى الأعلى لتتجمع على الغطاء العلوي الزجاجي أو البلاستيكي للجهاز, ليتسرب إلى حوض تجميع منفصل, في حين تبقى الأملاح في القاع لعدم تبخرها. وتتناسب كمية مياه الشرب الناتجة عن هذه العملية مع المساحة السطحية للجهاز, بحيث يزيد إنتاج المياه بزيادة المساحة التي يتجمع عليها بخار الماء, وبالمتوسط تبلغ كمية المياه العذبة الناتجة عن عملية التحلية بالطاقة الشمسية لكل متر مربع من مساحة سطح التكاثف ما يقارب 2 - 3 لترات, وقد تتغير النسب بسبب ظروف الطقس ووضع الشمس المتغير خلال اليوم. وتعد كمية المياه العذبة الناتجه عن التحلية باستخدام الطاقة الشمسية المباشرة قليلة نسبياً, وقد تكون مناسبة لسد الحاجات الشخصية والمنزلية فقط , لذا تم استخدام طريقة التحلية غير المباشرة لزيادة كمية المياه العذبة الناتجة, وتتم هذه الطريقة بدمج تقنيتين مختلفتين , حيث تستخدم ألواح الطاقة الشمسية لتجميع أشعة الشمس والطاقة الشمسية وطريقة معينة لتحلية المياه مثل التقطير متعدد المراحل , وطريقة تبخر التأثير المتعدد أو طريقة التناضح العكسي . وبذلك تعد الطاقة الشمسية إحدى أهم مصادر الطاقة الحرارية المتجددة ,والتي تساعد على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة , وبالتالي تقليل التكاليف اللازمة لتشغيل محطات تحلية المياه , وتحمي البيئة من التلوث .
النموذج الخليجي
ان أحد النماذج المتميزه عالميا في تحلية المياه ,هو دول الخليج تتصدرها المملكة العربية السعوديه , وهذاالانجاز العربي يرسم طريق الأمل و التفاؤل لانجازات عربيه أكثر و منها العراق .
وتعتمد دول الخليج العربي على 3 مصادر أساسية للمياه, هي المياه الجوفية, ومياه البحر المحلاة, والمياه المعاد تدويرها التي يتم الحصول عليها من معالجة مياه الصرف الصحي, وتستخدم للأغراض الزراعية إلى جانب توليد الطاقة.
وزاد الطلب على المياه في منطقة الخليج بنسبة 140% خلال العقد الماضي, في حين تستهلك الزراعة 85% من المياه في منطقة الخليج.
لذلك تلعب عملية تحلية المياه دوراً هاماً لإمداد منطقة الخليج العربي بما تحتاجه من مياه صالحة للشرب, إذ تنتج دول الخليج وحدها 60% من المياه المحلاة في العالم.
وتتصدر المملكة السعودية دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز ملياراً وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً, بنسبة 18% من الإنتاج العالمي, وتمتلك المملكة محطة رأس الخير التي بلغت كلفتها أكثر من 27 مليار ريال وهي أكبر محطة تحلية مياه في العالم وبحسب منظمة المياه العالمية , وتنفق الإمارات نحو 800 مليون دولار سنوياً لبناء محطات مياه التحلية وتشغيلها وإصلاحها.
كما تشير بعض التقديرات إلى أن إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي في استثمارات دول الخليج في مشاريع المياه والتحلية, بين عامي 2012 و2022، سيبلغ أكثر من 300 مليار دولار.
ووفقاً لمنظمة اليونسكو, من المتوقع أن تشيد الدول العربية عشرات محطات التحلية التي تعمل بالطاقة النووية خلال الأعوام العشرين القادمة, ومن المتوقع أن تشيد السعودية وحدها 16 محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة النووية بحلول عام 2030.
قامت السعودية بتدشن أكبر محطة تحلية في العالم , حيث تعد محطة تحلية المياه في مدينة رأس الخير , الأكبر من نوعها من حيث الطاقة الإنتاجية عالميًا .
أكد المهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة ,رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية, أن محطة تحلية رأس الخير الحاصلة على شهادة غينيس كأكبر محطة تحلية مزدوجة الغرض في العالم, تغذي مدينة الرياض والمحافظات الداخلية بواقع 900 ألف متر مكعب يوميا, كما تضخ مائة ألف متر مكعب يوميا موزعة على النعيرية والقرية العليا ,وحفر الباطن ,والقيصومة.
وأضاف الفضلي , أن محطة رأس الخير لتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية على الساحل الشرقي للسعودية, تعد أحد أهم المشاريع التنموية والخدمية التي نفذتها الحكومة في هذا المجال, إذ تحتوي على تقنيات تستخدم للمرة الأولى على مستوى العالم برؤية تمتد الى عام 2030 .
يضم المشروع أكبر وحدات إنتاج لتحلية مياه البحر في العالم, بقدرة إنتاجية تتجاوز مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلاة, إضافة إلى 2400 ميغاواط من الكهرباء, وباستثمارات بلغت نحو 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار), وتعتمد المحطة في إنتاج المياه المحلاة على التقطير الوميضي متعدد المراحل بنسبة 70 في المائة من إنتاج المشروع, فيما تنتج تقنية التناضح العكسي الـ30 في المائة الباقية.
تساهم المشاريع التعدينية الصناعية بدور مهم في الأسواق العالمية, كما سوف يستفيد القطاع الخاص المنتظر من التكامل الصناعي واستغلال الفرص الاستثمارية في الصناعات التحويلية, والتي نشأت من توفر المواد الخام, والبنية التحتية واللوجيستية, ومجمعات التصنيع في مدينة رأس الخير .
تكنولوجيا متقدمة لتحلية مياه البحرفي الخليج .
محطة تحلية المياه في جبل علي محطة تحلية المياه في جبل علي
تسعى دول الخليج في الوقت الراهن لاستخدام تكنولوجيا نظيفة ومتطورة في تحلية مياه البحار , حسب وكالة بلومبيرج .
وفي تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني , قالت الوكالة الأمريكية, ,تعتمد دول الخليج على محطات تحلية الوقود الأحفوري لإنتاج معظم المياه لسكانها المتزايدين واستهلاك صناعاتها المتنامية , وهم الآن يعتمدون تكنولوجيات أنظف ويقومون في تسخير أشعة الشمس الغزيرة لتوفير المياه الصالحة للشرب من البحر.
لقد أخذت الجزائر هذا الخيار في توفير ماء الشرب, حيث أنجزت منذ 2005 عشر محطات بسعة إجمالية تقدر بحوالي مليوني متر مكعب في اليوم, وهي تحضر لإطلاق خمس محطات في المستقبل القريب. وقد ساهمت هذه المحطات في ضمان الأمن المائي لـ25% من الجزائريين.
مشاكل مخلفات تحلية مياه البحر.
لجأت العديد من دول العالم في السنوات العشر الأخيرة إلى تحلية مياه البحر من خلال إنشاء محطات على سواحلها , تشتغل أغلبها بالنفط الأحفوري وقليل منها بالطاقة الشمسيه.
ان الاعتماد على هذه الطريقة, زاد من مخاوف الخبراء من الإفراط في استعمالها, وذلك بسبب المخلفات البيئية , بسبب ما تقذفه في البحر من مياه شديدة الملوحة ومعادن مختلفة, وهذا ما ظهر في العديد من الدراسات والبحوث العالميه, مثل التي أنجزها معهد المياه والبيئة والصحة في كندا التابع للأمم المتحدة, المنشوره في دورية علوم البيئة الكلية.
لقد اتضح من الدراسات العالميه , وجود زيادة في عدد محطات تحلية مياه البحر حيث يوجد اليوم نحو 16 ألف محطة في 177 دولة, نصفها تقريبا يقع في المنطقة العربية بنسبة 48%, وهي تنتج يوميا نحو 95 مليون متر مكعب من الماء, لكن كل لتر واحد من الماء العذب يؤدي الى 1.54 لتر من الماء شديد الملوحة.
ووجدت الدراسات أن حوالي 55% من المياه شديدة الملوحة تفرزها المحطات العربية في الخليج بشكل خاص ,حيث تفرز السعودية نسبة 22% والإمارات 20.2% والكويت 6.6% وقطر 5.8%..
وقال مدير الدراسة إدوارد جونس في تصريحات لموقع معهد المياه والصحة والبيئة التابع للأمم المتحدة, إن المياه شديدة الملوحة التي تفرزها تلك المحطات تؤثر على الحياة البحرية في السواحل التي تشكل المورد الأساسي لبعض الدول.
وأكد ادوارد جونس ضرورة استغلال هذه الأملاح والمعادن التي تفرزها عملية التحلية, كالمغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم, في مشاريع فلاحية واقتصادية مهمة كتربية المائيات, لأغراض الربح والحفاظ على البيئة البحرية.
ومن الآراء التي تقول أن الأضرار مبالغ فيها , ما عرضه الباحث المغربي جواد الخراز رئيس قسم الأبحاث بمركز الشرق الأوسط لتحلية المياه , حيث اقترح الخراز أن هذه المياه شديدة الملوحه يمكن استخدامها في زراعة الطحالب التي تستعمل بعد طحنها غذاءا للأسماك .
نوصي أيضا بضرورة الاستفادة من نجاح الصين في زراعة الرز في المياه المالحه, وهو ما كتبنا عنه في مقال سابق.

تحلية المياه بالطاقة الشمسيه:

تتم تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية , بطريقتين وهي الطريقة المباشرة والطريقة غير المباشرة, وتحاكي هذه العملية مبدأ دورة المياه الطبيعية على الأرض, وقد بدأ استخدامها بشكل بسيط منذ زمن الإغريق, ويتم تصميم وحدات تحلية المياه بشكل بسيط, ثم يتم تسخين المياه المالحة بواسطة أشعة الشمس وتحويل المياه إلى بخار الماء دون الملح, حيث يرتفع بخار الماء إلى أعلى الوحدة ويتم تجميعه على الغطاء الداخلي لها ,وعمل تكثيف له مرة أخرى ليتحول إلى كميات صالحة للشرب , ثم يتم تجميعها في أماكن منفصلة عن مياه البحر المالحة, وهذه هي الطريقة المباشرة.أما عن الطريقة غير المباشرة فإنها تتم بنظامين منفصلين , وهما مجموعة التجميع الشمسية ومحطة التحلية التقليدية.
الفرق بين الطريقتين في تحلية المياه تعمل الطريقة المباشرة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بشكل جيد في تنقية المياه, ولكنها لا تنتج الكثير من مياه الشرب يوميا بسبب انخفاض درجة حرارة الوحدة, حيث يتم إنتاج من 2 إلى 3 لترات يوميًا في المتر المربع الواحد فقط, وهذا يتناسب مع احتياجات الأسر الصغيرة فقط في الدول النامية, كما أن الطريقة المباشرة تعتمد اعتمادا كليا على الطاقة الشمسية, أما الطريقة غير المباشرة في تحلية المياه فإنها تعمل على جمع الطاقة الشمسية وربطها بطرق تحلية مياه البحر المعروفة, فيتم إنتاج كميات كبيرة من مياه الشرب يوميًا.
إن استخدام الطاقة الشمسية في الحصول على المياه الصالحة للشرب يحد من التلوث الناتج من استخدام الوقود الأحفوري , كما أنه يقلل من كلفة تشغيل محطات تحلية المياه ويجعل منها مصدرا قيما للمياه العذبة.
تقوم مؤسسة مصدر, الإماراتية باختبار 3 أنظمة لتحلية مياه البحر بحرارة الشمس , بينما نجد أن السعودية واليابان توقعان اتفاقية للتعاون في تحلية المياه واستصلاحه.
وصرحت بلومبيرج , وهي شركة عالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية, متعددة الجنسيات, يقع مقرها في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. أن دول الخليج تعتمد على مياه البحر المحلاة لتلبية معظم احتياجاتها غير الزراعية, بدءاً من المياه المعبأة في زجاجات وحتى الصرف ,وتعد السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم, كما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي موطن 48% من طاقة التحلية التي تعمل حاليا.
في الوقت الراهن,تقوم معظمها عن طريق حرق الغاز الطبيعي أو النفط لغلي مياه البحر, ثم تكثيف قطرات المياه العذبة المقطرة, وهي عملية تعرف باسم تحلية المياه الحرارية.
وتضيف بلومبيرج ان تحلية المياه مكلفة يمكن أن يكلف إنتاج 1 متر مكعب من المياه المحلاة من 70 سنتا إلى 1 دولار. في حين أن نفس الكمية من المياه الجوفية المعالجة تكلف 15 سنتا إلى 40 سنتا. ويمكن لمحطة تحلية واحدة ,أن تنتج حوالي 7 ملايين جالون يوميا- وهي إمدادات تكفي قرابة 200 ألف شخص- أن تستهلك الطاقة بقدر مصفاة نفط أو مصنع صلب صغير.
يمكن لدول الخليج تسريع التحول إلى تكنولوجيات أنظف مثل التناضح العكسي أو الأسموزية المعاكسة, حيث تمر مياه البحر من خلال أغشية لإزالة الملح وغيره من الشوائب. والتناضح العكسي يستهلك ربع أو أقل من ربع طاقة المرافق الحرارية, وهي الطريقة الأكثر انتشارا في معظم أنحاء العالم, بما في ذلك الولايات المتحدة, ثاني أكبر منتج للمياه المحلاة, ولكنها مثل المحطات الحرارية, تصرف مرافق التناضح العكسي في المناطق الساحلية المياه المالحة مجددا في البحر.
وهناك خطوات أخرى غير مؤكدة إلى حد كبير, فعلى سبيل المثال, تطبق الإمارات الاستمطار باستخدام بلورات ملح تطلق من الطائرات لإنتاج المزيد من الأمطار, وعلى الرغم من أن الاستمطار فكرة كانت موجودة منذ 70 عاما .
تعمل شركة أبنجوا سا , وهي شركة إسبانية للطاقة والبيئة, على تطوير أكبر محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في السعودية بالتعاون مع شركة مياه محلية, وسيكون المرفق الذي يتكلف 130 مليون دولار في مدينة الخفجي على ساحل الخليج أول محطة تحلية واسعة النطاق تعمل بالطاقة الشمسية, وهي مصممة لاستخدام التناضح العكسي.
ربما يؤدي انخفاض سعر الطاقة الشمسية إلى زيادة التوسع في تحلية المياه بالطاقة الشمسية, بل قد يؤدي إلى خفض أسعار المياه.
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم ندرة في إمدادات المياه, إلا أن دول الخليج تستهلك كميات أكثر منها لكل شخص مقارنة بأي مكان آخر, وفقا للبنك الدولي.

4. الاستنتاجات والتوصيات:
أولا.ان معركة تغير المناخ أمر محتوم ولا بد للعالم أن يتوحد من أجل مواجهته.
ثانيا. لعبت فرنسا دورا يسجله التأريخ لها , في استضافة دول العالم في أكثر من مؤتمر لمواجهة معركة تغير المناخ ,ونجحت في مساعيها.
رابعا . على العراق أن يستفيد من الاجماع الدولي لتقليل الآثار الكارثيه التي تسببها الدول الصناعية الكبرى في احداث الاحتباس الحراري نتيجة التلوث الكبير من جراء الافراط في استخدام الوقود الأحفوري.
خامسا. على العراق أن لا يقتصر في صنع مستقبله بالاعتماد على الوقود الأحفوري , كمصدر للعيش , وانما يباشر بتعدد موارده الطبيعيه والصناعيه.
سادسا. حيث أن الوطن العربي محاط بالبحار والمحيطات, فان الماء المالح متوفر ليتم استخلاص الماء الحلو منه.
سابعا. أن وفرة أشعة الشمس فوق سماء الوطن العربي , وكونها شبه مجانيه , فان من السهل استغلالها لأغراض استخلاص الماء الصافي من مياه البحر.
ثامنا.ان النموذج الخليجي من أنجح النماذج لتحليه المياه , وتتصدر المملكه العربيه السعوديه دول العالم في هذا المجال,نوصي أن يتعاون العراق مع دول الخليج العربي للاستفاده من خبرتها.
تاسعا. نوصي أن يستفيد العراق من تقنية زراعة الرز في المياه المالحه , لزراعة الرز أسوة بالصين , وزراعة الطحالب أسوة بالمغرب كأعلاف للأسماك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع